مع اقتراب موعد عيد شم النسيم في 21 أبريل، يعود الحديث كل عام عن سر هذا العيد المصري العريق، الذي ارتبط في وجدان المصريين بجمال الطبيعة ونسمات الربيع ومذاق الفسيخ والبصل والخس. لكنه ليس مجرد يوم عطلة أو نزهة تقليدية، بل هو احتفال ضارب بجذوره في أعماق التاريخ، تعود بداياته إلى مصر الفرعونية.

أصل التسمية.

. من "شمو" إلى "شم النسيم"

بحسب ما أوضحه أحد كبار الأثريين وخبراء التراث، فإن اسم "شم النسيم" مشتق من الكلمة الفرعونية "شمو"، والتي تعني "بعث الحياة" أو "الحصاد"، وكان يوافق بداية فصل الربيع لدى المصريين القدماء.
 ومع مرور الزمن، أُضيفت إليه كلمة "النسيم" بسبب ارتباطه بالطقس المعتدل ونسمات الهواء العليلة التي تميز هذا الوقت من العام.

تقليد عمره أكثر من 5 آلاف عام

المصريون يحتفلون بـ"شم النسيم" منذ نحو خمسة آلاف سنة، وتحديدًا منذ أواخر الأسرة الثالثة الفرعونية حوالي عام 2700 قبل الميلاد.
 ورغم تعاقب العصور وتغير الديانات وغزوات الشعوب، ظل شم النسيم محافظًا على مكانته كأحد أقدم الأعياد المصرية، بل هو الوحيد الذي بقي من بين 168 عيدًا كانت تُحتفل بها في مصر القديمة.

طقوس فرعونية باقية حتى اليوم

الاحتفال في مصر القديمة بشم النسيم كان له طقوس رمزية مرتبطة بالحياة والخصوبة. فالمصريون القدماء كانوا يتناولون في هذا اليوم السمك المملح باعتباره من بركات النيل بعد الفيضان، والبصل كرمز لطرد الأرواح الشريرة والحماية، والخس كمصدر للخصوبة.

كما كانوا يزينون البيض الملون ويضعونه في السلال أو يعلقونه على الأشجار ليتعرض لأشعة الشمس، إيمانًا منهم بأن ذلك سيحقق الأمنيات مع إشراقة النور. 
ولم يكن مشهد غروب الشمس يوم الانقلاب الربيعي أمام الهرم مجرد حدث فلكي، بل رمزًا للتجدد وبداية الحياة في عقيدتهم.

من الفراعنة إلى الأديان الإبراهيمية

اللافت أن عيد شم النسيم لم يبق فقط عند الفراعنة. فحين خرج بنو إسرائيل من مصر بقيادة النبي موسى، كان ذلك بالتزامن مع الاحتفال بشم النسيم، واحتفظوا به تحت اسم "عيد الفصح" الذي يرمز إلى نجاتهم من العبودية.

وبالنسبة للمسيحيين، فقد اقترن العيد لاحقًا بـ عيد القيامة، إذ يأتي بعد انتهاء فترة الصوم الكبير، ويمثل أيضًا مفهوم البعث والحياة.

ومع دخول الإسلام إلى مصر، لم يُلغِ المسلمون العيد، بل استمروا في الاحتفال به كعادة مصرية أصيلة، وشارك الخلفاء الفاطميون الناس في الاحتفالات، وشجعوا الخروج إلى الحدائق والتنزه، وهي عادة استمرت أيضًا في العصرين المملوكي والعثماني.

شم النسيم في العصر الحديث.. بهجة الربيع التي لا تنتهي

حتى يومنا هذا، لا يزال شم النسيم مناسبة ينتظرها المصريون سنويًا. يخرج الناس إلى الحدائق والمتنزهات، يتبادلون الأطعمة التقليدية ويحتفلون بقدوم الربيع بروح من الفرح والبهجة.
وقد وصف المستشرق البريطاني "إدوارد وليم لين" في زيارته لمصر عام 1834، مشهد احتفال المصريين بشم النسيم، مؤكّدًا على عراقة الطقوس وروعة الأجواء.

 

شم النسيم ليس مجرد عيد موسمي، بل احتفال بالحياة، وتجسيد لفكرة الاستمرارية والانتماء لثقافة ضاربة في أعماق الزمن. هو يوم تتلاقى فيه الهوية المصرية بجمال الطبيعة ودفء الشمس ونسيم الهواء، ليبقى شاهدًا حيًا على حب المصريين للحياة وتجددها منذ آلاف السنين وحتى اليوم.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: شم النسيم المصريين القدماء مصر الفراعنة المزيد شم النسیم

إقرأ أيضاً:

حلم الاستقلال وخيبة الوعد.. القصة الكاملة للثورة العربية الكبرى

قبل أكثر من قرن من الزمان، انطلقت من الحجاز شرارة ثورة عربية كبرى، حملت في طياتها آمال الشعوب العربية بالتحرر من السيطرة العثمانية، ورسم ملامح جديدة لمنطقة الشرق الأوسط. قادها الشريف حسين بن علي، وأصبحت إحدى أبرز حركات التحرر الوطني في بدايات القرن العشرين.

خلفية تاريخية التهميش والهوية العربية

في أوائل القرن العشرين، كانت الدولة العثمانية تحكم معظم البلاد العربية تحت نظام مركزي سلطوي، تميّز بالإهمال والتهميش السياسي والاقتصادي والثقافي للعرب. ومع دخول الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى (1914–1918) إلى جانب ألمانيا، اشتدت قبضة الحكم العسكري بقيادة جمال باشا، مما زاد من قمع الحريات وأثار نقمة الحركات القومية العربية.

بدأت بوادر الثورة تتشكل من خلال الجمعيات السرية في دمشق وبيروت وبغداد، مثل “جمعية العربية الفتاة”، والتي كانت تدعو إلى الاستقلال العربي.

بداية الثورة 10 يونيو 1916

في صباح يوم 10 يونيو 1916، أعلن الشريف حسين بن علي، شريف مكة، الثورة على الدولة العثمانية، مدعومًا بأبناء قبيلته، وبعض القبائل العربية، وبمساندة بريطانية تمثلت في دعم لوجستي وعسكري وشخصية بارزة هي “لورنس العرب” (توماس إدوارد لورنس).

استهدفت الثورة السيطرة على مدن الحجاز، ثم التوسع شمالاً نحو الشام، وكان أبرز إنجازاتها إسقاط سيطرة العثمانيين عن طريق سكة حديد الحجاز والسيطرة على العقبة ودمشق لاحقًا.

دور لورنس العرب والوعود البريطانية

لعب الضابط البريطاني لورنس دور الوسيط بين العرب والحكومة البريطانية، حيث وعد البريطانيون، عبر مراسلات حسين – مكماهون، بدعم استقلال العرب بعد الحرب مقابل الثورة ضد العثمانيين. لكن تلك الوعود تبخرت بعد انتهاء الحرب، حين تم تقسيم بلاد الشام والعراق وفق اتفاقية سايكس – بيكو (1916)، وفرض الانتداب الفرنسي والبريطاني على المنطقة.

نتائج الثورة بين النصر والخديعة

رغم أن الثورة نجحت في طرد العثمانيين من مناطق واسعة، فإن الثمار لم تكن بحجم التضحيات. 

بعد انتهاء الحرب، تأسست مملكة الحجاز بقيادة الشريف حسين، لكن ابنه فيصل خسر عرش سوريا أمام الفرنسيين عام 1920، وفيما بعد، تم تنصيبه ملكًا على العراق بدعم بريطاني.

أصيب العرب بخيبة أمل كبيرة بعد أن تبين أن بريطانيا وفرنسا لم تكن نواياهما دعم الاستقلال العربي، بل تقاسم النفوذ الاستعماري، ما مهد لاحقًا لتشكيل خرائط المنطقة الحديثة التي ما زلنا نعيش تداعياتها.

طباعة شارك الدولة العثمانية الثورة العربية الكبرى لورنس العرب الاستقلال العربي الشريف حسين

مقالات مشابهة

  • عُطل أم اختطاف.. لغز سقوط الطائرة الهندية يحير العالم| القصة الكاملة
  • كارثة في السماء.. لحظة سقوط الطائرة الهندية ومقتل جميع من كانوا على متنها.. القصة الكاملة
  • مصرع تاجر دهب على يد شخصين في البحيرة .. القصة الكاملة
  • احتضن ابنته في فرحها ومات.. القصة الكاملة لوفاة أب أثناء حفل زفاف ابنته بالمحلة
  • القصة الكاملة لسرقة أموال الدكتورة نوال الدجوى.. من البلاغ لقرار الحفظ
  • سرقة ووفاة وتنازل وبراءة.. القصة الكاملة لإسدال الستار على سرقة فيلا نوال الدجوي
  • دماء على الذهب.. القصة الكاملة للاعتداء على تاجر مصوغات أمام المارة بالبحيرة
  • بعد تسمم العشرات.. القصة الكاملة لإغلاق مطعم شهير في المنيا
  • حلم الاستقلال وخيبة الوعد.. القصة الكاملة للثورة العربية الكبرى
  • عروسة السماء في العيد.. القصة الكاملة لمصرع بسنت على كورنيش المقطم