الحي العتيق في هانوي.. ألف حكاية وحكاية
تاريخ النشر: 21st, April 2025 GMT
هانوي- في فيتنام، يقول المثل "إن شربت الماء، لا تنس النبع". وهنا في الحي العتيق والقلب النابض للعاصمة هانوي، بالليل كما في النهار، ستجد نفسك في رحاب أكثر من نبع يرسخ في الذاكرة، وأمام مهرجان عظيم من التقاليد والثقافات.
وبين حارات "أولد تاون" وأزقته، يتزاحم المشاة مع جحافل دراجات هوائية وأخرى نارية (موتوسيكل) لا يهدأ أزيز محركاتها، لكن الجميع يسير بانتظام شديد واحترام لأدق إشارات المرور وحركة المترجلين.
نساء ورجال، شيب وشباب، كل يمتطي ما تيسّر من ذات العجلتين أو الثلاث، فمن كان متجها نحو عمله تراه يسابق الجميع، ومن كان باحثا عن حريف بين آلاف السياح الذين يملؤون أرجاء الحي، فتراه مبتسما مرحّبا داعيا بود لركوب دراجته الهوائية ثلاثية العجلات أو "السيكلو" كما يسمونها محليا.
ولا يحتاج الأمر كبير عناء لتدرك أن هؤلاء السائقين مهرة ومتمرسون، حتى أنك في لحظة ما تظنهم قادمين من كوكب آخر لفطنتهم وسرعة بديهتهم المرورية، والغريب أنه لا أثر لأي شرطي قد تعتقد أنه يقف وراء تنظيم مهرجان الذاهبين والعائدين على مسرح شوارع حي لا ينام.
ويبدو جليا أن التقيد بمعايير السلامة "في بلد الـ100 مليون موتوسيكل" -على حد تشبيه أحد الرحالة في مقارنة مجازية منه مع عدد سكان البلاد- مسألة لا يختلف حولها اثنان في فيتنام، لذلك قد يصعب أو يستحيل أن ترى سائقا أو راكبا لا يعتمر خوذة حماية على سبيل الذكر لا الحصر.
إعلانوتلك الخوذات قصة أخرى قد يتطلب تفكيك رموز أشكالها وألوانها وما وضعوا فوقها من "إكسسوارات" عجيبة، بحوثا ومجلدات، ويبقى الأهم أنه لا صلة لها بالقبعة المقدسة "نون لا" التقليدية ذات الشكل المثلث والمصنوعة بأياد ماهرة من سعف القصب، وتمثل هوية فيتنام وطبقته الكادحة في حقول الأرز، وهي الزراعة التي تحتل فيتنام المرتبة الخامسة عالميا في إنتاجها.
يغمر تسونامي العجلات والقبعات بأنواعها المكان وتتلاقح أصوات مزامير الدرجات وأجراسها مع نداءات الباعة وصرخات الطهاة، بينما تواصل الأرصفة البهيجة استقبال عشاق المطبخ الفيتنامي الحافل بالأطباق والمذاقات.
ومع اقتراب ربيع شمال فيتنام من نهايته، حيث تقع هانوي، يحاول الجميع الاستمتاع بما تبقى من دفء أبريل/نيسان قبل حلول موسم الأمطار. وحول الموائد والكراسي "قزمية" الحجم، لا صوت يعلو فوق صوت حساء "فو".
وفي دردشة مع موفد الجزيرة نت، تقول شامشاو وهي تحرك بمهارة قدرا ضخما إن "فو" أيقونة المطبخ الفيتنامي بلا منازع، وقد اكتسب سمعته وشهرته من بساطة مكوناته المؤلفة من مرق غني بنودلز الأرز ولحم البقر أو الدجاج مع إضافات سخية من براعم الصويا والبصل والأعشاب الطازجة.
وبينما تتصاعد سحب البخار من قدر الحساء العملاق، تضيف شامشاو بنبرة فخر واعتزاز، أن الجميع يقف احتراما وتقديرا أمام هذا الحساء الاقتصادي والشعبي الذي يمكن تناوله في أي وقت، وفي أي مكان من بلاد "الفيتكونغ" وهي تسمية المحاربين والثوار القدامى الذين هزموا أعتى جيوش العالم.
وبابتسامة خبيرة واثقة، وترجمة أمّنها لنا الذكاء الاصطناعي، تهمس المرأة ممازحة "لا تنس الانغماس ما استطعت في الوعاء!" وهي نصيحة مهمة قد تنقذك من "بقع تذكارية" من نوع آخر قد "تزيّن" قميصك في حال لم تتمكن من تفادي رذاذ المرق الساخن أثناء احتسائه.
وفي انعكاس واضح لحضور أحفاد موليير في الثقافة الفيتنامية، يمكن العثور أيضا على مطاعم مختصة في سندويتش "البان مي" المستوحى من المطبخ الفرنسي ويُحَضَّر من خبز "الباغيت" لكن بنسخة محلية.
إعلان المشروب السحريوفي طقوس أخرى لا تقل قداسة عن أكل الشوارع (ستريت فود) تتجاوز الساحرة السوداء هنا حدود المشروب الصباحي أو الفنجان المعدل للمزاج، إلى مسألة أعمق تمسّ هوية الفيتناميين وثقافتهم.
ويجتاح هوس القهوة هنا كل ركن بالمدينة ذات الـ8 ملايين نسمة، لا سيما على ضفاف بحيرة "هو هوان كيام" مركز العاصمة، وما من شك أن خوض تجربة "قهوة البيض" ستلخّص كل الحكاية.
وكما تشير تسميتها، تُحضّر "كا في ترونغ" من قهوة الروبوستا الفيتنامية الأصلية، ممزوجة مع الحليب المكثف والجبن والزبدة والسكر، يضاف لها صفار البيض، ويخفق الكل نحو 5 دقائق ثم يضاف كوب من "الإسبرسو" والنتيجة مذاق فريد يحتسى على مهل في ثاني أكبر بلد منتج للقهوة عالميا.
وعلى إيقاع فعاليات تركزت أساسا بمحيط البحيرة، حيث مقر الحزب الشيوعي الحاكم لجمهورية فيتنام الاشتراكية، يواصل الفيتناميون الاحتفال بهدوء -يبدو أنه يطبع شخصيتهم المتمرسة- بذكرى خمسينية الاتحاد بين شطري فيتنام الشمالي والجنوبي الذي يوافق الثلاثين من الشهر الحالي.
وستكون الاحتفالات استثنائية هذا العام، إذ خصصت السلطات تظاهرات كبرى في أرجاء البلاد ينتظر ان تختتم باستعراض ضخم في مدينة "هو تشي منه" العاصمة السابقة للشطر الجنوبي قبل دخول قوات "العم هو" وطرد آخر فلول الأميركيين منها في يوم تاريخي عام 1975.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
مستقبل مصر.. حكاية تنمية زراعية بأساليب حديثة فى قلب الصحراء
يعد مشروع مستقبل مصر الزراعي نواة لنهضة زراعية جديدة تقودها الدولة المصرية حاليا ، وقد بدأ المشروع عام 2017 بتوجيهات رئاسية، بهدف رئيسي هو زيادة الإنتاج الزراعي، تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية، وتعزيز الأمن الغذائي القومي.
ويقع مشروع مستقبل مصر على امتداد طريق محور روض الفرج - الضبعة الجديد، وهو الطريق الذي أنشئ ضمن المشروع القومي للطرق بطول 120 كم.
مساحة مستقبل مصرمليون و100 ألف فدان من إجمالي ٢.٢ مليون فدان المساحة الإجمالية للدلتا الجديدة .
تحقيق الأمن الغذائيوصرح علاء فاروق وزير الزراعة بالجهود التى يبذلها جهاز مستقبل مصر من أجل تحقيق الأمن الغذائي والتنمية المستدامة وكذلك جهوده في مجال التوسع الأفقي على مستوى الجمهورية.
وقال "فاروق" إن المشروع مفخرة بكل المقاييس حيث يستخدم الجهاز أحدث تكنولوجيا في مجال الزراعة وأن المقاولين والشركات العاملة في المشروع يعملون بحب هدفهم مصلحة الوطن.
وأوضح وزير الزراعة أن جهاز مستقبل مصر يستهدف زراعة محاصيل تحقق الاستخدام الأمثل لوحدة المياه، بحسب طبيعة الأرض، بهدف تلبية احتياجات السوق المحلية من المحاصيل الاستراتيجية وكذلك التصدير والتصنيع الزراعي.
ومن جانبه ، وأوضح الدكتور بهاء الدين الغنام، المدير التنفيذي لجهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، الفلسفة الاقتصادية لجهاز مستقبل مصر التي تقوم على تعمير الصحراء، وزيادة الرقعة الزراعية، وتحويل الخام إلى منتج صناعي، وزيادة الإنتاج المحلي، بالإضافة إلى خلق مجتمعات عمرانية على أسس التنمية، وتحويل الاقتصاد الزراعي لقاطرة تنمية اقتصادية، فضلا عن جذب الاستثمارات الأجنبية، ودعم موارد الدولة من المكون الأجنبي.
وأضاف " الغنام" خلال تصريحات له، أننا نستهدف 4.5 مليون فدان، ونعمل بنظام النمو الغير متوازن، وهو ما جعلنا نتوسع بقوة لجذب كل الأنشطة الاقتصادية.
وتابع قائلا :" لدينا مساحة زراعية 9 ونصف مليون فدان كانت موجودة في مصر ونستهدف 13 ونصف مليون فدان في 2027، وهذه الزيادة ليست 4 ونصف مليون فدان، ولما نيجي نتكلم عن المساحة المحصولية بنتكلم في 6 مليون فدان، وجودة التربة كذلك، وإدارة الري أو الري الحديث كذلك" .
والجدير بالذكر أن الرئيس السيسي تفقد مدينة مستقبل مصر الصناعية، الواقعة على محور الضبعة، في إطار متابعة جهود الدولة لتعزيز الأمن الغذائي وزيادة الرقعة الزراعية من خلال المشروعات القومية الكبرى ، وافتتاح موسم حصاد القمح