هذا المقال يوجّه نداءً واضحًا إلى مثقفي السودان بأنّ الوقت قد حان لمعالجة الأزمة السودانية بوضوح وشجاعة، بهوية متصالحة مع ذاتها، وهوية تستمد قوتها من عمقها الحضاري والإنساني، لا من التطلعات الزائفة نحو اعترافٍ لا يأتي. فقد أمضينا أكثر من سبعين عامًا ننظر إلى من لا يهتم لأمرنا إلا بمقدار ما يستثمر في هشاشتنا، وأهملنا في المقابل مواردنا الذاتية، وأهدرنا فرص بناء كرامة إنسانية متجذّرة في أرضنا.



لقد رسّخنا دون وعي مفاهيم التبعية والانبهار الزائف، حتى بتنا نُبخس مقاديرنا الذاتية، ونتعامل مع المواطن السوداني كأنه من الدرجة الثانية. وهذه المأساة الفكرية والوجودية نشأت من فقداننا لهويتنا الجامعة، وسعينا المحموم نحو اعترافٍ عروبي، لا يرى فينا إلا تابعًا أو هامشًا. والنتيجة أننا أهملنا تراب قرانا، وخنقنا أصواتنا، ودفنا كنوزنا الروحية والمعرفية بأيدينا.

نعم، كما كتب الدكتور وليد آدم مادبو، نحن سودانيون، أفارقة حاميون، نوبيون، نمتلك تراثًا إنسانيًا وحضاريًا ضاربًا في جذور التاريخ. لسنا بحاجة إلى ختم خارجي يحدد قيمتنا. نحن ورثة كوش ومروي ودنقلا وسوبا، ومن شاء أن يتتبع الأصول، فليبدأ من الأميرة النوبية الحامية هاجر، أم إسماعيل ام القريشيين، وأصل العرب المستعربة ، كما أشار الباحثون الجادّون في أنساب المنطقة وتاريخها.

لقد آن الأوان للاطمئنان بأنّ حوّاء السودانية ليست مسيلمة الكذاب، ولا عبد الله علي إبراهيم، المتذاكي في التبرير للنخب المتسلطة، باسم الحداثة ولا خوارج الإسلامويين الجدد أمثال محمد جلال هاشم، الذين ارتدوا ثوب الثورة ثم باعوا دماء الشهداء في سوق التنازلات.

إنّ هذا المقال يعيد الأمور إلى نصابها، حين يضع الأصبع على الجرح الحقيقي: العقل المركزي المحتكر للامتيازات والمعطوب أخلاقيًا. عقلٌ يتذاكى على الشعب باسم التاريخ، ويتعامى عن تحولات الواقع. والمطلوب الآن هو القطيعة الكاملة مع هذا الخطاب، لا التفاوض معه. المطلوب هو الانطلاق من الريف، من السودان الحقيقي، من غربه وشرقه ووسطه وجنوبه، لبناء وطن لا تُحتكر فيه الوطنية ولا تُباع فيه الذاكرة.

نحتاج إلى مشروع وطني يربط الجنينة ببورتسودان، والفاشر بعطبرة وكوستي بسنار .لا بخطاب القبائل والامتيازات، بل بسكك الحديد، والعدالة الانتقالية، والتنمية المتوازنة، والانتماء المشترك. نحتاج إلى حلف استراتيجي بين الأقاليم المقصيّة، ليُسقط وهم المركز ويُعيد للسودان روحه المخطوفة.

نعم، لقد تغيّر السودان، ومن لم يدرك ذلك من النخب القديمة، فسيجد نفسه خارج المعادلة، يتباكى على وطنٍ لم يعد يشبهه، ولن يُعاد تشكيله وفق خياله المتعالي.

**ملاحظة توضيحية بشأن مفهوم "المركز"**؛
مع كامل التقدير لما ورد في مقال د. وليد آدم مادبو من تحليل نقدي للمركزية السودانية، أجد من الضروري التنبيه إلى أنّ ما يُطلق عليه أحيانًا "المركز الشمالي" لا يُختزل في الجغرافيا وحدها، ولا يجوز اختزاله في الشمال النيلي تحديدًا. فقد أوضحتُ في كتاباتي أن ما نواجهه هو عقلية "خرطومية" لا جهوية؛ عقلية تشكّلت في أروقة الحكم والامتيازات، وارتدت عباءة التمدّن والفوقية، فاستقرت حيث تلتقي السلطة بالريع، لا حيث تنبت الجغرافيا بالضرورة.

إنها حفنة هجينة من النخب، وجدت في الخرطوم بيئة ملائمة لتكريس خطاب الهيمنة، وهي نخب منتشرة بكثافة في مدن مثل الأبيض، الضغين، ود مدني، الرصيرص، وًكوستي ، كسلا، وبورتسودان (قبل أن يستولي عليها الكيزان). إنها ليست نخبًا شمالية بالضرورة، بل نخب استبدادية عابرة للجهات، تستمد شرعيتها من علاقتها بالمركز السلطوي، لا من مشروع وطني عادل.

ولذلك، فإن الحديث عن "المركز" يجب ألا يُفهم باعتباره اتهامًا لجهة جغرافية بعينها، بل بوصفه بنية سلطوية مركبة، سكنت الخرطوم (و بعض المدن (لا باعتبارها عاصمة، بل *كمعقل استراتيجي" للامتيازات الزائفة، و"موقع رمزي" لإعادة إنتاج الخطاب الإقصائي باسم القومية والدولة الحديثة.

نواصل

د احمد التيجاني سيداحمد
٢١ أبريل ٢٠٢٥؛ روما نيروبي

[email protected]  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

شاهد بالفيديو.. الجمهور الجزائري يحتفل بالرقص على أنغام الأغنية السودانية: (السوداني حُر)

تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالسودان, مقطع فيديو نال إعجاب المتابعين الذين شاركوه على نطاق واسع عبر السوشيال ميديا.

وبحسب ما شاهد محرر موقع النيلين, فإن الفيديو أظهر مشجعون جزائريون, وهم يرقصون خارج أحد الملاعب التي شهدت مباراة منتخبهم في بطولة كأس العرب بالدوحة.

مشجعو الجزائر, رقصوا وأحتفلوا بطريقة أثارت إعجاب جمهور مواقع التواصل بالسودان, على أنغام أغنية الفنان السوداني, الشاب عبد الخالق: (السوداني حُر).

محمد عثمان _ النيلين

إنضم لقناة النيلين على واتساب

Promotion Content

أعشاب ونباتات           رجيم وأنظمة غذائية            لحوم وأسماك

2025/12/12 فيسبوك ‫X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة شاهد بالفيديو.. الجمهور السعودي يهتف باسم السودان أثناء توجهه لمساندة منتخب بلادها: (حيوا السوداني..سوداني ما شاء الله)2025/12/12 إيلون ماسك يجيب عن سؤال: هل تؤمن بوجود الله؟2025/12/12 شاهد بالفيديو.. اعترف بالشماتة.. “بقال” يكشف شعور “الدعامة” بعد مقتل مطربهم الأول إبراهيم إدريس: (أقاموا له أكثر من 100 صيوان عزاء)2025/12/12 شاهد بالصورة والفيديو.. زوجة الحرس الشخص لقائد الدعم السريع الحسناء تستعرض جمالها بإطلالة جديدة2025/12/12 شاهد بالفيديو.. أثناء إحتفاله بزفافه.. الفنان أحمد أمين يُصِر على زميله عثمان بشة بالتفكير في الزواج والأخير يرد: “أبشر”2025/12/12 شاهد بالصور والفيديو.. عروس فنان الثورة السودانية تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالتها الجميلة في ليلة زفافهما والجمهور: (صدق عريسها عندما وصفها ببدر البدور)2025/12/12شاهد أيضاً إغلاق مدارات شاهد بالصور.. فنان الثورة السودانية يكمل مراسم زفافه بالقاهرة 2025/12/12

الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • مناوي: قمت بتنوير الخارجية الألمانية بموقف الحكومة السودانية
  • نقل الرفات إلى مقابر رسمية يجدّد حزن العائلات السودانية
  • شاهد بالفيديو.. الجمهور الجزائري يحتفل بالرقص على أنغام الأغنية السودانية: (السوداني حُر)
  • شاهد بالفيديو.. الجمهور السعودي يهتف باسم السودان أثناء توجهه لمساندة منتخب بلادها: (حيوا السوداني..سوداني ما شاء الله)
  • شاهد بالصور.. فنان الثورة السودانية يكمل مراسم زفافه بالقاهرة
  • مسيرة لقوات الدعم السريع تستهدف حي طيبة شرقي مدينة الأبيض السودانية
  • الأمير الوليد بن طلال يستحوذ على نادي الهلال قريبًا
  • الوليد بن طلال يخطط للاستحواذ على نادي الهلال السعودي
  • الفنان الشهير محمد النصري يلتحق بالقوات المسلحة السودانية
  • ما وراء الخبر يناقش أثر العقوبات الأميركية على مسار الحرب السودانية