عادل الباز يكتب: الشمول المالي: لماذا؟ وكيف؟ وبأي اتجاه؟ (1)
تاريخ النشر: 21st, April 2025 GMT
1 ما يسعد المرء أن يرى أنه، وسط حرائق الحرب والظلام، هناك من يفكّر بعيدًا ويبدأ العمل؛ مما يُشي بأننا قادرون على البناء، وقادرون على الفعل الإيجابي في أحلك الظروف. إن الذي جرى في ميادين الحرب وخارجها معجزة؛ من جيش محاصر وشعب مشرّد ننهض وننتصر، من دولة لا تملك في خزائنها مليمًا ساعة اندلاع الحرب إلى بلد استطاع، في عامين، أن يوفّر مليارات الدولارات لتمويل الصرف المهول على الحرب والسلاح من موارده الخاصة.
2
ما جرى ويجري حاليًا من حوارات حول قضية الشمول المالي، التي أصبحت الدولة الآن منفتحة عليها مستوعبة لضرورتها مما يشي بأننا على اعتاب مرحلة جديدة من السير الحثيث لتحقيق الشمول المالي والذي كان يمكن أن يتحقق منذ زمان بعيد، لولا الصراعات القميئة في قطاع الاتصالات التي امتدت لسنوات. كان يمكن أن نكون في وضع متقدم اليوم، بحكم وضعنا الممتاز في قطاع الاتصالات منذ بداية هذا القرن، ولكن الله غالب.
3
ما هو الشمول المالي؟
الشمول المالي هو العملية التي من خلالها يتم تمكين جميع فئات المجتمع، خاصة الفئات الضعيفة والمهمشة، من الوصول إلى الخدمات المالية الرسمية (مثل الحسابات البنكية، التمويل، التأمين، الادخار، والدفع الإلكتروني) بأسعار مناسبة وبشكل آمن.
سنعود لاحقًا لنرى الوسائل التي يتحقق بها الشمول المالي وخاصة من ناحية الاستخدام الواسع والذكي للتكنولوجيا الرقمية والنظر للتجارب المطبقة في الدول الإفريقية والعربية، ثم ندلف لتحديد الأهداف التي يمكن أن يحققها الشمول المالي في الاقتصاد.
ماذا جرى بشأن النقاش العام في قضية الشمول المالي؟
4
خلال منتديين مهمين، أحدهما في القاهرة والآخر في بورتسودان، تمّت إثارة موضوع الشمول المالي، الذي يُعد الآن ضرورة قصوى لحركة الأموال والاقتصاد عمومًا.
المنتديان كانا بدعوة من مركز شموس ميديا، وهو مركز ترأسه الأستاذة سمية سيد، الكاتبة الاقتصادية المعروفة، ويحق القول إن مثل هذه المبادرات ليست غريبة على سمية سيد؛ بل هي بارعة في ابتدار أفكارها وتنظيمها والحشد لها.
سبق لها أن نفذت عشرات الندوات الاقتصادية الناجحة بالخرطوم، وهي تفعل ذلك على خلفية اهتمامها بالاقتصاد، ومقدراتها على التقاط القضايا المهمة في الساحة الاقتصادية.
المهم أن شموس وضعت القضية على طاولة النقاش العام، وبدأ حراك متسارع في هذا الاتجاه ولا يزال.
في الندوة الأولى (21/1/2025)، أكد الدكتور خالد التيجاني أن السودان كان سبّاقًا في مجال التقنية الرقمية في إفريقيا والوطن العربي، إلا أن عوائق واضحة أوقفت مسيرته وعطّلته عن المواكبة، وعزا د. خالد الأمر إلى رفض بعض المؤسسات لهذا التحول، وطالب بتشريعات حاسمة وواضحة من الدولة وبنك السودان، باعتبارها الحل لهذه المعضلة.
في ذات الندوة، طالبت الدكتورة عسجد يحيى الكاظم بتعزيز الشمول المالي، الذي اعتبرته مفتاح التحول الرقمي لتوسيع الخدمات البنكية في السودان، كما دعت إلى توحيد منصة الدفع الإلكتروني لتعزيز الشمول المالي، واستعرضت تجارب ناجحة في عدد من الدول الإفريقية والآسيوية.
5
في الندوة الثانية، التي عُقدت مساء الخميس 6 مارس 2025 في بورتسودان، عاد د. خالد التيجاني ود. عسجد الكاظم لطرح ورقتين أكثر شمولًا وعمقًا حول موضوع الشمول المالي وضرورته وأهدافه.
وقد أدهشتني د. عسجد بنظرتها المتقدمة والعلمية والعملية في تناول موضوع الشمول المالي خلال الورقة التي قدمتها في المنتدى، (توحيد منصة الدفع الإلكتروني/ خطوة نحو التحول الرقمي والشمول المالي).
الورقتان تستحقان أن تتخذهما الدولة خارطة طريق لتنفيذ الشمول المالي من خلال التكنولوجيا الرقمية.
ما سرّني في الندوة الثانية هو حضور كل أركان الدولة، وخاصة في جانبها الاقتصادي، وهو نجاح يُحسب لمركز شموس، كما أنه مؤشر على القبول الرسمي بالحاجة الملحة لاستخدام التكنولوجيا الرقمية في تطبيق الشمول المالي، الذي أصبح ضرورة وليس ترفًا؛ ضرورة فرضها الواقع الاقتصادي والتطور التكنولوجي.
في المقال القادم، سأعرض ما جاء في الورقتين، ثم أذهب لإدارة نقاش حول الأفكار التي تطرحانها، والسبيل لتطبيقها.
نواصل.
عادل الباز
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الشمول المالی
إقرأ أيضاً:
اتفاق غزة يكتب فصلًا جديدًا في دبلوماسية مصر .. وتحليل استراتيجي يكشف كواليس النجاح
أكد الخبير الاستراتيجي اللواء نبيل السيد أن اللقاء الذي جمع الرئيس عبد الفتاح السيسي مع المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف، وجاريد كوشنر مستشار الرئيس دونالد ترامب، يمثل نقطة تحول في مسار الأزمة، مشيرًا إلى أن مصر استطاعت أن تعيد تثبيت موقعها كـ"مفتاح رئيسي للسلام في الشرق الأوسط".
مصر وسياسة اليد الممدودةأوضح اللواء نبيل السيد أن الجهود المصرية لم تتوقف عند حدود الوساطة التقليدية، بل تجاوزتها إلى صياغة اتفاق شامل يضمن وقف إطلاق النار، والإفراج عن الأسرى، وبدء خطوات ميدانية لانسحاب القوات الإسرائيلية من بعض مناطق القطاع.
وأشار إلى أن التحرك المصري جاء من منطلق مسؤولية تاريخية وإنسانية تجاه الشعب الفلسطيني، مع الحفاظ على توازن العلاقات مع الولايات المتحدة وجميع الأطراف المعنية.
وأشار الخبير الاستراتيجي إلى أن اختيار شرم الشيخ لتوقيع الاتفاق يعكس رمزية خاصة، فهي مدينة السلام التي احتضنت على مدار عقود مفاوضات مفصلية، مؤكداً أن استضافة القاهرة لهذه المفاوضات "تؤكد ثقة العالم في حياد مصر وقدرتها على تحقيق ما عجزت عنه أطراف كثيرة".
الصفقة الإنسانية الأهمولفت اللواء نبيل السيد إلى أن صفقة تبادل الأسرى تشكل خطوة إنسانية كبرى، تعكس رغبة حقيقية في إنهاء الحرب وفتح أفق سياسي جديد. وقال إن الإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين مقابل المحتجزين الإسرائيليين يبرهن على أن "الدبلوماسية المصرية قادرة على الجمع بين البعد الإنساني والسياسي في آن واحد".
ترامب يبحث عن نصر دبلوماسي.. والسيسي يوازن المعادلةوأوضح اللواء نبيل السيد أن الرئيس ترامب يسعى لتحقيق اختراق دبلوماسي يعيد له حضورًا دوليًا، في حين تحافظ مصر على استقلال قرارها وتستخدم نفوذها لتحقيق سلام مستدام، قائلاً: "ترامب يبحث عن لحظة مجد، بينما السيسي يكتب فصلًا جديدًا في تاريخ الدبلوماسية المصرية."
من القاهرة يبدأ السلاماختتم اللواء نبيل السيد تحليله بالتأكيد أن وقف الحرب في غزة إنجاز مصري بامتياز، وأن القاهرة أثبتت مجددًا أنها "الضامن الحقيقي للاستقرار في المنطقة"، مشيرًا إلى أن دعوة الرئيس السيسي لنظيره الأمريكي لحضور توقيع الاتفاق في القاهرة ستكون لحظة رمزية تعيد لمصر مكانتها كقلب السياسة العربية ومركز القرار الإقليمي.