كيف نعيد توجيه أدوات الإعلام الجديد بعد ثلاث سنوات من حرب عبثية للمساهمة في وقفها واستعادة المسار المدني الديمقراطي؟

فتح الرحمن حمودة
الثلاثاء ٢٢ أبريل ٢٠٣٥

رغم أنني لا أكتب كثيرا في مقالات الرأي لأسباب يعرفها بعض الزملاء المقربين في مجال الإعلام ومنهم أستاذي وصديقي مقداد خالد الذي عملت معه في إحدى المؤسسات الصحفية حينها قال لي: «دعك من مقالات الرأي وركز على صناعة التقارير » وقد توقفت فعلا عن كتابة المقالات لبعض الوقت و لكن شرارة العودة جاءت اليوم و أنا استحضر في أحد المواكب الرفضة لانقلاب 25 أكتوبر حين قامت إحدى منصات التواصل الاجتماعي بحذف خاصية نشر الصور والفيديوهات من حسابي والسبب كما أخبروني لاحقا عبر البريد الإلكتروني هو أنني أنشر «محتوى غير حقيقي».

 

هذا «المحتوى»كان ببساطة يوثق استخدام السلطات للغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين السلميين فأعادوا الخاصية لاحقا بعد أن أدركت أن الحذف لم يكن إلا نتيجة لتقارير قدمت من مؤسسة وسيطة تعمل على «التحقق من المعلومات » لصالح تلك المنصة مؤسسة كما أكد بعض الزملاء المتخصصين كانت تتلقى تمويلا من أنظمة ديكتاتورية في شمال إفريقيا وتعمل على طمس الحقائق كان هذا الحدث دافعا إضافيا لأتأمل في تأثير الإعلام الجديد الذي عدت للمواصلة في دراسته قبل فترة وجيزة هذا التأثير خصوصا في الدول النامية ذات الأنظمة القمعية هذه التجربة أعادتني إلى واحدة من أولى دراساتي التي أجريتها بين «2020 و2021» و التي كانت بعنوان «دور الإعلام الجديد في الانتقال الديمقراطي في السودان»آنذاك كنت أستشهد بدور هذه أدواته في ثورات الربيع العربي والثورة السودانية رغم التحديات التي واجهتني في بداية إعداد الورقة لم يكن واضحا لي وقتها ولا يزال هو أن تقنيات الاتصال الحديثة لم تعد حكرا على «العالم الأول» بل اخترقت الجدران السميكة للأنظمة العسكرية وأسهمت في هز عروش الديكتاتوريات لكن المأساة كانت أن الحكومة المدنية بعد الثورة لم تول هذا المجال الاهتمام الكافي ونتيجة لذلك تحولت أدوات الإعلام الجديد التي كان يمكن أن تكون جسرا نحو الديمقراطية إلى سلاح بأيدي أعداء الانتقال فخلال انقلاب 25 أكتوبر استخدمت هذه الأدوات لإخفاء المحتوى الثوري وحجبت أصوات الشباب من التايم لاين ولاحقا أصبحت أدوات رئيسية في التحشيد العسكري والدعاية بدءا من قوات الدعم السريع « الجنجويد » وصولا إلى القوات المؤسسة العسكرية و مع استمرار الحرب تحول المشهد إلى ما يشبه تبادل أدوار بين الطرفين واستخدم كل منهم الإعلام الجديد في بث خطاب الكراهية وتوثيق انتهاكاته بشكل غير واع مما قد يكون لاحقا دليلا لإدانتهم في مسار العدالة الانتقالية في المستقبل القريب كما استحضر في إحدى جلسات «منتدى الإعلام والسياسة» الذي نظمته نقابة الصحفيين في فترة ما بعد الانقلاب طرحت أسئلة حول دور الإعلام الجديد في دعم الانتقال كانت الأسئلة حينها أشبه بالنداءات ولم تكن الإجابات التي تلقيتها من قيادات بالقوى السياسية مقنعة كانوا يزعمون أنهم ضمنوا ذلك في ملفات العملية السياسية « التي لم تنجح بسبب الحرب» و لكن الواقع أثبت عكس ذلك و اليوم و بعد دخول الحرب عامها الثالث لا تزال معظم القوى المدنية تجهل أهمية تلك الأدوات التي فقط تعمل على توظيفها لحملات اغلبها ضعيفة و تفتقر إلى الاستراتيجية وتقتصر على «بوسترات» و «هاشتاغات » لا تحدث التأثير المطلوب بينما نحتاج في الحقيقة إلى حملات تمر عبر مراحل واضحة مع توظيف المنصات باحتراف لان ما نراه حاليا لا يرقى إلى ما يمكن أن يحدث تغييرا فعليا بوقف الحرب الحالية لأننى ارى أن جزء من حلها أيضا إعلامي إن نحن أعدنا توظيف هذه الأدوات برؤية جديدة ومن زوايا متعددة ويبقى السؤال الكبير: كيف نعيد توجيه أدوات الإعلام الجديد بعد ثلاث سنوات من حرب عبثية للمساهمة في وقفها واستعادة المسار المدني الديمقراطي؟.

سنواصل …

الوسومإيقاف الحرب الحرب العبثية فتح الرحمن حمودة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: إيقاف الحرب الحرب العبثية

إقرأ أيضاً:

في معركة الحرب الناعمة ومواجهة الغزو الفكري.. الهوية الإيمانية تنتصر

يمانيون / تقرير خاص

في زمنٍ تتعدد فيه أشكال الحروب وتتخفى كثير من الهجمات خلف أقنعة الإعلام والترفيه والتعليم، خاض اليمن معركة مصيرية من نوعٍ خاص، عنوانها: “الحرب الناعمة والغزو الفكري”. لم تكن المعركة بالسلاح والذخيرة، بل كانت معركة الوعي والإيمان والهوية، حيث سعى العدو إلى إسقاط المجتمع من الداخل، وتجريد الشعب من ثوابته ومعتقداته، ولكن اليمن – رغم كل الجراح – خرج منتصرًا، وهو يحمل راية الهوية الإيمانية عالية، كما لم تكن من قبل.

ما وراء الحرب الناعمة؟

ليست الحرب الناعمة مجرد مفردة إعلامية، بل مشروع استراتيجي شامل يعتمد على التأثير غير المباشر لتغيير سلوك الشعوب وعقائدها عبر أدوات “ناعمة” مثل:

الإعلام الموجه والممول خارجيًا.

مناهج التعليم الأجنبية والمشوهة.

حملات الترفيه الهدّامة.

بث الشبهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

تمجيد رموز الغرب وتهميش الرموز الوطنية والدينية.

في اليمن، حاولت هذه الأدوات أن تزرع الشك في العقيدة، وتبث الهزيمة النفسية، وتروّج للنمط الغربي كأنموذجٍ مثاليّ للحياة، مستخدمةً سلاح الفن والمصطلحات المغلّفة تحت شعارات “الحرية”، “الحداثة”، “حقوق المرأة”، و”التعددية الثقافية”.

الهوية الإيمانية كجدار صدّ منيع

في مواجهة هذه الهجمة الخفية، نهضت الهوية الإيمانية في اليمن كأقوى جبهة دفاع عن الذات الجمعية. هذه الهوية لم تكن مجرد شعارات، بل كانت منظومة قيم راسخة مستمدة من القرآن الكريم وسيرة النبي محمد (صلوات الله عليه وآله) وأعلام أهل البيت عليهم السلام، وكانت الحصن الذي تحطّمت عليه موجات التشكيك والتزييف.

ركائز الانتصار:

الخطاب القرآني الواعي: ارتكز الخطاب الوطني المقاوم على تأصيل الوعي من منطلق قرآني، حيث لم يُكتفِ بالشعارات، بل تمت مواجهة أدوات الغزو بالفكر والتبيين والحجة.

القيادة الإيمانية: مثلت القيادة الثورية والسياسية في اليمن، برؤيتها الإيمانية والبصيرة، عاملاً حاسمًا في توجيه الجماهير لمواجهة الحرب الناعمة وتفكيك أدواتها.

الإعلام المقاوم: قدّمت القنوات والمواقع اليمنية المناهضة للعدوان خطابًا متماسكًا، وفضحت مخططات الغزو الفكري، وكشفت تلاعب الإعلام المعادي بالرأي العام.

المدرسة والمسجد والمجتمع: جرى التركيز على استعادة دور المدرسة والمسجد والأسرة كحاضنات للهوية والقيم، فتم تجديد الخطاب التربوي والديني ليكون أكثر قدرة على مخاطبة الجيل المعاصر بأساليب واعية.

أوجه الهزيمة الفكرية للمشروع المعادي

أثمرت معركة الوعي عن نتائج ملموسة في الشارع اليمني فشل مشاريع التغريب الثقافي رغم ضخّ الأموال والمؤسسات.

وانكشاف أجندة المنظمات الدولية في مجالات التعليم والمرأة والطفل، وفضح نواياها التخريبية ، وكذلك تزايد الإقبال على المفاهيم الإيمانية والمواقف الثورية، خاصة في أوساط الشباب ، وعودة الثقة بالهوية الأصيلة، ورفض التقليد الأعمى للغرب.

الواقع يشهد :

الأستاذ/ عبدالملك القحوم، الباحث في الشؤون الفكرية يقول : “ما جرى في اليمن من انتصار للهوية الإيمانية ليس بالأمر العابر، بل هو نموذج يحتذى به في مواجهة الحروب غير التقليدية. لقد هُزمت آلة الإعلام الغربي أمام صمود الوعي القرآني.”

الأستاذة/ نجلاء المحطوري، ناشطة تربوية تؤكد: “عندما تحصنّا بالهوية الإيمانية، وجدنا أنفسنا أقدر على التمييز بين ما يُراد لنا، وما نريده نحن، ولهذا فإن اليمن انتصر لأن الوعي انتصر.”

اليمن.. نموذج عالمي في مقاومة الحرب الناعمة

لقد أثبتت التجربة اليمنية أن الحرب الناعمة أخطر من الحرب العسكرية، لأنها تسلب الشعوب إرادتها دون طلقة واحدة. لكن ما يجعل اليمن نموذجًا خاصًا، هو أن الشعب واجه هذه الحرب وهو في خضم معركة عسكرية واقتصادية وأمنية.

وهنا تكمن عظمة الانتصار،  أن تبني الوعي وأنت تحت النار، وأن تُحيي الهوية وأنت محاصر، وأن تنتصر بفكرك حين يحاولون أن يسرقوا عقلك.

ختاماً

لقد انتصرت اليمن في هذه المعركة، لأن سلاحها لم يكن ماديًا، بل روحيًا وإيمانيًا. انتصرت لأن أبناءها آمنوا أن النصر الحقيقي يبدأ من الداخل، من صلابة العقيدة، ومن نقاء الهوية، ومن وعي لا تنطفئ جذوته مهما اشتدت العواصف.

وفي اليمن، لم تنتصر البنادق وحدها… بل انتصر الوعي، وانتصر الإيمان.

مقالات مشابهة

  • وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود “إماراتية”
  • الدكتور المصطفى: كل المنصات الإعلامية التي تلتزم بالعمل الوطني مرحب بها
  • وزير الإعلام: لمؤازرة العهد الجديد اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً
  • المهدي سليمان يودّع الاتحاد السكندري: "ثلاث سنوات من الفخر والذكريات"
  • محمد محيي الدين والوضاءة التي كانت عبر مناديله العديدة
  • التلاعب بمباراة كروية يوقف نائب عمدة الدارالبيضاء ثلاث سنوات
  • في معركة الحرب الناعمة ومواجهة الغزو الفكري.. الهوية الإيمانية تنتصر
  • قانون الإعلام الجديد يواكب التحولات ويحفز على إنتاج محتوى وطني
  • مراحل عربات جدعون التي أقرها نتنياهو لتهجير سكان غزة
  • السيد القائد عبدالملك: الله قدَّم لعباده الهداية الكاملة.. التي إن اتَّبعوها كانت النتيجة فلاحهم