عربي21:
2025-06-01@22:20:12 GMT

صراع المعادن النادرة يفتح باب الاستعمار الجديد

تاريخ النشر: 22nd, April 2025 GMT

اندهش العالم من طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من نظيره الأوكراني فلولوديمير زيلينسكي التوقيع على اتفاقية تسمح للولايات المتحدة باستغلال المعادن النادرة في أوكرانيا، كتعويض عن مصاريف الحرب والمساعدات المقدمة. ومرد هذا الاندهاش إلى ما يفترض غياب الضمير لدى ترامب، في وقت تمر فيه أوكرانيا بحرب ضروس، لكن بمجرد معرفة أهمية المعادن النادرة لمستقبل البشرية لواشنطن، في صراعها الجيوسياسي مع الصين، وقتها قد يتم استيعاب عمق الموقف الأمريكي، وكذلك التوترات التي قد تترتب عن هذه المعادن بما فيها عودة الكولونيالية في صيغة جديدة.



عودة الإمبريالية في صيغة جديدة، يحتم على أمم الجنوب التكتل الاستباقي لمواجهة ما قد يحمله المستقبل من استعمار جديد. فتاريخ البشرية يقدم أمثلة كثيرة حول علاقة الاستعمار بالمواد الأولية
وهكذا، يبدو موقف ترامب غير لائق بالمرة، لأنه ربط استمرار المساعدات بالتوقيع على اتفاقية استغلال المعادن المذكورة، وبموقفه هذا فهو يعكس قلق واشنطن من التنافس الخطير مع الصين، القائم حول هذه المعادن التي يرتفع عليها الطلب العالمي بسبب استعمالها في الصناعات المتقدمة والمستقبلية.

وهذه المعادن النادرة هي: الليثيوم والكوبالت والنيكل، تُستخدم في البطاريات التي يعمل بها عدد من الأجهزة مثل الحواسيب على مختلف أنواعها، والهواتف والسيارات الكهربائية، ثم النيوديميوم والديسبروسيوم، اللذين يستخدمان في توربينات الرياح والمحركات الكهربائية، ويضاف إلى هذه المعادن النادرة الغاليوم، الجرمانيوم – حيوي لأشباه الموصلات والخلايا الشمسية. وتعتبر هذه صناعات الوقت الراهن والمستقبل، وكل من سيطر على أكبر حصة في العالم من إنتاج هذه المعادن سيتحكم في هذه الصناعات، ولهذا السبب، يوجد تدافع بين القوى الكبرى حول من سيسيطر على الإنتاج، ويحتد التنافس على الصراع الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين، بحكم أنهما في ريادة العالم في الصناعات الدقيقة المستقبلية مثل أشباه الموصلات semiconductors التي تعتبر ضرورية لكل الأجهزة الإلكترونية والرقمية المتطورة.

ويكفي الاطلاع على قرار الرئيس ترامب بمنع تصدير بعض هذه «أشباه الموصلات» من إنتاج شركة نفيديا إلى الصين، للحد من تطورها في مجال الذكاء الاصطناعي، خاصة بعدما أبهرت بكين العالم ببرنامج ديب سيك، لمعرفة أهمية هذه المعادن والمنتوجات المرتبطة بها  في الصراع بين البلدين. وتدرك الولايات المتحدة أنها إذا فقدت معركة المعادن النادرة، ستفقد ريادة العالم لصالح الصين، في ظرف أقل من عقدين.

ومن خلال المقارنة، يبدو أن الصين تتفوق على الولايات المتحدة في هذا القطاع الاستراتيجي جدا، بل إن خبراء من الدولة ومختلف مراكز التفكير الاستراتيجي في  واشنطن، لم ينتبهوا منذ عقدين إلى أهمية هذه المعادن، وهو ما يفسر لماذا لم توقع الولايات المتحدة اتفاقيات كبيرة مع دول ثالثة، وتحاول الآن ربح الوقت الضائع. وعليه، تهيمن الصين على السوق العالمية لهذه المعادن، فمن جهة، تسيطر على حوالي 70% من استخراجها، ومن جهة أخرى تتحكم في  90% من معالجتها في جميع أنحاء العالم، وعلاوة على هذا، تنفرد الصين بقدرتها الفائقة على المعالجة المتطورة لهذه المعادن، التي تعد ضرورية لأن العناصر الأرضية النادرة، تتطلب تكريرا معقدا لتكون قابلة للاستخدام في التقنيات المتقدمة.

وإذا كان الغرب، خاصة الولايات المتحدة رهينة النفط العربي في الستينيات وحتى نهاية التسعينيات، قبل ظهور دول منتجة أخرى وارتفاع الإنتاج الأمريكي نفسه، وفقدان النفط العربي أهميته، فقد أصبح الغرب والولايات المتحدة رهينة مرة ثانية، وهذه المرة للمعادن النادرة التي تسيطر عليها الصين. في هذا الصدد، ووفق البيانات المتوفرة حتى الآن، تعتمد الولايات المتحدة اعتمادا كبيرا على الصين في وارداتها من هذه المعادن.

وعليه،  فهي تستورد 70% من هذه المعادن ومركباتها من الصين بين عامي 2020 و2023. ولم تنجح الصناعة الأمريكية في إقامة مصانع لمعالجة هذه المعادن، على الرغم من التقدم الصناعي الأمريكي. وإذا قامت الصين بحظر أي معدن، فتكون النتيجة تعطل سلاسل التوريد وتأخر كبير في الإنتاج، بما في ذلك الصناعة الحربية.

ومن ضمن الأمثلة، تسيطر الصين على الديسبروسيوم والتيربيوم والإيتريوم والسكانديوم، وهي عناصر حيوية للصناعة العسكرية، وبرامجها الإلكترونية مثل، التطبيقات العسكرية في مقاتلات الشبح إف 35 والصواريخ مثل، هيمارس، وأنظمة الرادار المتطورة واعتراض الصواريخ مثل ثاد والطائرات من دون طيار.

وعمليا، بدأت الولايات المتحدة تخسر معركة المعادن النادرة مع الصين، ففي إطار الحرب الدائرة بين الطرفين بسبب الرسوم الجمركية، وهي الحرب التي بدأها ترامب بداية الشهر الجاري قبل التراجع عنها نسبيا، وتأجيل الرسوم باستثناء على الصين، فرضت سلطات بكين ابتداء من 4 أبريل الجاري شروطا وقيودا، إلا في حالة الحصول على تراخيص أولية، على تصدير سبعة من المعادن النادرة ومشتقاتها بعد المعالجة، التي تهم أساسا الصناعة العسكرية والسيارات والطاقة الخضراء والطيران، وكانت النتيجة التي بدأت تظهر فقط بعد مرور أسبوعين، اضطرابات في استيراد الشركات الأمريكية وبطأً في الإنتاج.

عندما يجري الحديث عن الطابع الجيوسياسي الراديكالي بين أكبر قوتين الصين والولايات المتحدة ومن يدور في فلكهما حول المعادن النادرة، هذا يعني على ضوء تاريخ الطاقة من نفط وغاز وحتى فحم حجري ومواد أولية أخرى، أن الصراع سيمتد الى الدول التي تمتلك احتياطيات من هذه المعادن. وتابعنا منذ سنوات الأزمة بين المغرب وإسبانيا، مدعومة من بعض الدول الأوروبية حول الحدود البحرية بين الصحراء وجزر الكناري، بسبب ما يفترض توفر منطقة جبلية في قاع البحر تحمل اسم «تروبيك» على بعض من هذه المعادن النادرة. ولا يمكن فهم جزء من النزاعات الجديدة في القارة السمراء ومنها، الكونغو سوى بوقوف القوى الكبرى وراءها للانفراد مستقبلا باستغلال هذه المعادن.

ويكفي تأمل ما صدر عن روبرت كابلان أحد كبار الخبراء الجيوسياسيين، الذي قال مؤخرا، إن البحث عن المعادن النادرة واستغلالها بدأ يتخذ طابعا إمبرياليا، في إشارة الى عودة سيادة التدخل في الدول الضعيفة، التي لديها هذه المواد الأولية والتحكم في سياساتها. ونظرا لتراجع القانون الدولي بعد حربي غزة وأوكرانيا وظهور طبقة جديدة من الحكام في الغرب يؤمنون بسمو الغرب والإنسان الأبيض، ونظرا لأهمية هذه المعادن في إطار الصراع العالمي حول الريادة، يبقى كل شيء واردا ومنها، عودة الإمبريالية في صيغة جديدة، الأمر الذي يحتم على أمم الجنوب التكتل الاستباقي لمواجهة ما قد يحمله المستقبل من استعمار جديد. إن تاريخ البشرية خلال القرون الأخيرة يقدم أمثلة كثيرة حول علاقة الاستعمار بالمواد الأولية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه العالم المعادن النادرة العالم الإستعمار المعادن النادرة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة المعادن النادرة من هذه المعادن

إقرأ أيضاً:

متى تتراجع الولايات المتحدة؟

لم تُعرف الولايات المتحدة يوما بتقديم تنازلات سياسية أو إنسانية طوعية، لا تجاه الشعوب ولا حتى تجاه حلفائها. سياستها الخارجية قائمة على منطق الهيمنة، واستخدام كل أدوات الضغط: الحروب، والحصار، والانقلابات، والقواعد العسكرية، والإعلام، والابتزاز الاقتصادي، والاغتيالات. ومع ذلك، يعلّمنا التاريخ الحديث أن هذا الوحش الجبّار لا يعرف الانحناء إلا إذا كُسرت إحدى أذرعه، ولا يتراجع خطوة إلا إذا أُجبر على التراجع.

من فيتنام إلى العراق، ومن أفغانستان إلى غزة واليمن.. أمريكا لا تفاوض إلا تحت النار، ولا تعترف بالخصم إلا إذا فشلت في سحقه.

في غزة.. قنابل أمريكا لا تنتصر

منذ أكثر من عام ونصف، تشنّ إسرائيل حرب إبادة على قطاع غزة، بدعم مباشر من أمريكا عسكريا وسياسيا. مئات آلاف القنابل أُلقيت على السكان المدنيين، عشرات آلاف الشهداء، وتجويع وتدمير ممنهج، ومع ذلك لم تُحقق إسرائيل أيا من أهدافها العسكرية: لا القضاء على حماس، ولا تحرير الأسرى، ولا إعادة السيطرة على غزة.

صمود المقاومة مستمر، والقدرة القتالية لم تنهَر، بل أُعيد تنظيمها رغم شدة الضربات.

الدعم الأمريكي بلغ ذروته: حاملات طائرات، جسر جوي عسكري، فيتو سياسي، ومع ذلك.. الفشل واضح.

ثم جاءت لحظة الاعتراف: "أمريكا تفاوض حماس!" الصفعة الكبرى لهيبة أمريكا جاءت عندما بدأت واشنطن، عبر مدير "CIA" وغيره من الوسطاء، التفاوض غير المباشر مع حماس نفسها -من كانت تصفها بالإرهاب المطلق- بهدف تحرير أسير أمريكي لدى المقاومة.

هنا انكسر القناع: من تقصفه بالصواريخ وبالفيتو، تجلس إليه لتفاوضه من أجل رهينة أمريكية واحدة! وكأن أرواح آلاف الفلسطينيين لا تهم.

وفي اليمن.. من نار الحرب إلى موائد التفاوض

1- الدعم الأمريكي لحرب اليمن: منذ انطلاق "عاصفة الحزم" في 2015، دعمت الولايات المتحدة التحالف السعودي- الإماراتي سياسيا وعسكريا ولوجستيا، عبر صفقات سلاح ضخمة، وتزويد الطائرات بالوقود، وتوفير الغطاء الدولي في مجلس الأمن. الحرب أدّت إلى أكبر كارثة إنسانية في العصر الحديث، قُتل فيها عشرات الآلاف من المدنيين، ودُمرت البنية التحتية، وفُرض حصار خانق على الشعب اليمني. ورغم كل هذه الأدوات، لم تستطع أمريكا ولا حلفاؤها القضاء على أنصار الله (الحوثيين) ولا السيطرة على الشمال اليمني. بل على العكس، تطورت قدرات الحوثيين لتصل إلى ضرب العمق السعودي والإماراتي، واستهدفت حتى مواقع استراتيجية في أبو ظبي والرياض.
الحصيلة: القوة المفرطة والنتائج الهزيلة.

2- فشل الاستراتيجية الأمريكية وتحول الموقف: مع تراكم الفشل، والانقسام داخل التحالف، والضغوط الحقوقية والإعلامية العالمية، بدأت أمريكا تغير خطابها، وانتقلت من مربع "دعم الحرب" إلى مربع "الدعوة للسلام"، ومن تصنيف الحوثيين كـ"إرهابيين" إلى التفاوض معهم بشكل غير مباشر. تراجعت واشنطن، ودعمت اتفاقيات الهدنة، وبدأت تروج لخطاب "إنهاء الحرب" حفاظا على ماء وجهها، في وقتٍ لم تحقق فيه أية نتائج استراتيجية تبرر كل هذا الدمار والدماء.

3- التفاوض مع الحوثيين بعد التجاهل والتصنيف: من كانت أمريكا تنكر شرعيتهم وتدعو لعزلهم، باتت ترسل عبر وسطاء من سلطنة عمان رسائل تفاوضية مباشرة، بل وتضغط على السعودية للقبول باتفاقات طويلة المدى معهم، بعد أن فشلت في إخضاعهم بالقوة. هذا التراجع لا يعكس تغيرا في المبادئ، بل هو ترجمة عملية لفشل الخيارات العسكرية، وكأن أمريكا تقول: "نحن لا نتحدث معكم إلا إذا فشلنا في سحقكم"، وهذا ما حدث.

أفغانستان والعراق

في أفغانستان: بعد 20 عاما من الاحتلال، وإنفاق تريليونات الدولارات، انسحبت أمريكا ذليلة من كابل، ووقّعت اتفاقية مع "طالبان"، بعد أن فشلت في إنهائها رغم كل التفوق الجوي والتكنولوجي.

وفي العراق: رغم الاحتلال الشامل، ما زالت أمريكا غير قادرة على فرض إرادتها السياسية كاملة، واضطرت إلى الانسحاب جزئيا، بينما تتعرض قواعدها لضربات متواصلة حتى اليوم.

ما الذي نتوقعه؟

من المقاومة:

- الثبات والتطوير.

- عدم الاستسلام للضغوط الدولية.

- تطوير أدوات المقاومة، إعلاميا وعسكريا.

- فضح التناقض في المواقف الأمريكية أمام العالم.

- استخدام كل انتصار ميداني لفرض وقائع سياسية جديدة.

من الشعوب:

- كسر الوهم الأمريكي.

- فضح الهيمنة الأمريكية بوصفها مصدر الحروب والفقر في منطقتنا.

- دعم قضايا التحرر لا كـ"تضامن إنساني" بل كـ"صراع وجودي".

- الضغط على الحكومات المتواطئة، ورفض كل تطبيع أو اصطفاف مع واشنطن.

ومن الحكومات:

- عدم الثقة بالقاتل.

- من يتخلى عن عملائه في كابل وبغداد لن يدافع عنكم إن حانت لحظة الحقيقة.

- الاعتماد على القوة الذاتية والشراكات العادلة، لا على الوعود الأمريكية.

- دعم المقاومة لا يضعف الأمن، بل يُعزز التوازن ويمنع الانهيار الكلي أمام إسرائيل.

الخلاصة: ما جرى ويجري في فيتنام، والعراق، وأفغانستان، وغزة، واليمن؛ يؤكد نفس المعادلة: أمريكا لا تتراجع إلا إذا عجزت عن التقدم خطوة أخرى. فما تسميه "تفاوضا" هو غالبا نتيجة لهزيمة ميدانية أو مأزق سياسي لا مخرج منه إلا ببوابة من كانت تحاربه، بينما التوسل إلى "عدالة واشنطن" هو وهْم سقط في كل الميادين.

مقالات مشابهة

  • اتهام رجل بريطاني في الولايات المتحدة بالتخطيط لتهريب تكنولوجيا عسكرية إلى الصين
  • حرب 1812.. صراع ناري على الهوية والسيادة بين الولايات المتحدة وبريطانيا
  • متى تتراجع الولايات المتحدة؟
  • الصين تحذّر الولايات المتحدة من «اللعب بالنار» بسبب تصريحات وزير الدفاع الأمريكي
  • الصين تحذر الولايات المتحدة من "اللعب بالنار".. ماذا حدث؟
  • الصين تحذر الولايات المتحدة من اللعب بالنار بشأن تايوان
  • الهدنة التجارية بين أميركا والصين مهددة بالانهيار بسبب المعادن النادرة
  • ترامب يتهم الصين بخرق اتفاق الرسوم الجمركية مع الولايات المتحدة
  • ترامب: الصين انتهكت تماما الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة
  • الصين تؤكد التزامها باستقرار سلاسل الإمداد وتدافع عن قيود المعادن الأرضية النادرة