في الحروب، لا تُطلق النيران فقط من فوهات البنادق والمدافع، بل تنطلق أيضاً من وراء الشاشات وصفحات التواصل، عبر رسائل مشبوهة وأحاديث مثبطة، في إطار ما يُعرف بالحرب النفسية. ومن بين أبرز أدوات هذه الحرب وأكثرها خبثاً: “التشكيك”. هذا السلاح الناعم تُديره غرف إلكترونية متخصصة تابعة للمليشيات، تهدف إلى زعزعة الثقة، وتفتيت الجبهة الداخلية، وبث الهزيمة النفسية في قلوب الناس، حتى وإن انتصروا في الميدان.

التشكيك في الانتصارات العسكرية، أحد أكثر الأساليب استخداماً هو تصوير الانتصارات المتحققة على الأرض من قِبل القوات المسلحة السودانية على أنها “انسحابات تكتيكية” من قبل المليشيات، أو أنها “اتفاقات غير معلنة”. يُروّج لذلك عبر رسائل تحمل طابعاً تحليلياً هادئاً، يلبسونها لبوس المنطق والرصانة، لكنها في الحقيقة مدفوعة الأجر وتُدار بخبث بالغ. الهدف منها بسيط: أن يفقد الناس ثقتهم في جيشهم، وأن تتآكل روحهم المعنوية.

التشكيك في قدرة الدولة على إعادة الإعمار، لا يكاد يمر يوم دون أن نقرأ رسالة أو منشوراً يسخر من فكرة إعادة الإعمار، خصوصاً في مجالات الكهرباء والمياه وإصلاح البنى التحتية المدمرة. هذه الرسائل تهدف إلى زرع الإحباط وجعل الناس يشعرون أن لا جدوى من الصمود، وأن الدولة عاجزة تماماً. لكن الواقع أثبت أن إرادة الشعوب، حين تتسلح بالإيمان والثقة، أقوى من أي دمار، وقد بدأت بالفعل ملامح إعادة الحياة تظهر في أكثر من مكان، رغم ضيق الموارد وشدة الظروف.

التشكيك في جرائم النهب المنظمة، مؤخراً، لاحظنا حملة تشكيك واسعة، تُحاول التغطية على جرائم النهب والسلب والانتهاكات التي ارتكبتها المليشيات طوال عامين. الحملة لا تنكر تلك الجرائم بشكل مباشر، بل تثير أسئلة مغلّفة بعبارات تبدو عقلانية، لكنها في جوهرها مصممة بعناية لإثارة دخان كثيف ونقل التركيز نحو جهات أخرى.

كيف نُساهم – دون قصد – في نشر التشكيك؟ المؤسف أن الكثير منا يتداول مثل هذه الرسائل بعفوية، وأحياناً بدافع الحزن أو القلق على الوطن، دون أن يتوقف ليتساءل: من كتب هذه الرسالة؟ ولماذا الآن؟ وما الذي تهدف إليه؟ وبهذا نُصبح – دون أن ندري – أدوات في ماكينة التشكيك التي تخدم أجندة المليشيات وتطعن في ظهر الوطن.
كيف نواجه هذه الحرب النفسية؟
الرد لا يكون بصمتنا أو بتكرار الرسائل المشككة، بل بـ:
وقف تداول أي رسالة مجهولة المصدر أو الكاتب.
عدم إعادة نشر أي محتوى يحمل ظنوناً أو يشكك أو يُحبط أو يثير اليأس.
نشر الإيجابيات، وبث الأمل، وتعزيز الثقة بالله أولاً، ثم بمؤسسات الدولة مهما كانت لدينا من ملاحظات أو انتقادات.

في الختام، التشكيك لا يبني وطناً، بل يهدمه حجراً حجراً. فلنكن على وعي، ولنُفشل هذا السلاح الخفي، بمناعة داخلية قائمة على الإيمان، والعقل، والأمل، والثقة بأن الوطن سيعود أقوى، ما دام فينا من يرفض الانكسار ويؤمن بأن النصر لا يبدأ من الجبهة، بل من القلب والعقل.
عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
٢١ أبريل ٢٠٢٥م

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

عباس وعون يتفقان على حصر سلاح المخيمات الفلسطينية بيد الدولة

اتفق الرئيس الفلسطيني محمود عباس ونظيره اللبناني جوزيف عون، اليوم الأربعاء، على تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة أوضاع المخيمات الفلسطينية في لبنان، وأكدا التزامهما بمبدأ حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية.

وحسب بيان مشترك صدر عقب لقائهما في قصر بعبدا الرئاسي شرق بيروت "أكد الجانبان التزامهما بمبدأ حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، وإنهاء أي مظاهر خارجة عن منطق الدولة".

كما شدد عباس وعون على "أهمية احترام سيادة لبنان واستقلاله ووحدة أراضيه"، وأعلنا "إيمانهما بأن زمن السلاح الخارج عن سلطة الدولة اللبنانية قد انتهى، لا سيما أن الشعبين اللبناني والفلسطيني تحملا طيلة عقود طويلة، أثمانا باهظة وخسائر فادحة وتضحيات كبيرة".

وأشار البيان إلى أن الطرفين "اتفقا على تعزيز التنسيق بين السلطات اللبنانية والفلسطينية، لضمان الاستقرار داخل المخيمات الفلسطينية ومحيطها".

وأشار الجانب الفلسطيني -وفق البيان- إلى "التزامه بعدم استخدام الأراضي اللبنانية كمنطلق لأي عمليات عسكرية، واحترام سياسة لبنان المعلنة والمتمثلة بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، والابتعاد عن الصراعات الإقليمية".

واتفق الجانبان على تعزيز التعاون في "مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، وضمان عدم تحول المخيمات الفلسطينية إلى ملاذات آمنة للمجموعات المتطرفة".

إعلان

وكان الرئيس عون قد أكد الأسبوع الماضي -خلال مقابلة تلفزيونية- أن السلطات اللبنانية "تتحرك لنزع السلاح الثقيل والمتوسط على كل الأراضي اللبنانية، بما فيها المخيمات الفلسطينية".

وأضاف "الجيش اللبناني فكك 6 تجمعات كانت تحت سيطرة مجموعات فلسطينية خارج المخيمات، وصادرنا أو دمرنا الأسلحة فيها".

كما أوصى المجلس الأعلى للدفاع اللبناني مجلس الوزراء، مطلع مايو/أيار الجاري، بـ"تحذير حركة حماس من استخدام الأراضي اللبنانية للقيام بأي أعمال تمس الأمن القومي اللبناني، حيث سيتم اتخاذ أقصى التدابير والإجراءات اللازمة لوضع حد نهائي لأي عمل ينتهك السيادة اللبنانية".

ويُقدّر عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بأكثر من 493 ألف شخص يعيشون في ظروف صعبة داخل مخيمات تُدار أمنيا من قِبل الفصائل الفلسطينية، بموجب تفاهمات غير رسمية تعود إلى اتفاق القاهرة عام 1969.

ويُقيم أكثر من نصف اللاجئين في 12 مخيما منظما ومعترفا بها لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ولا يدخل الجيش أو القوى الأمنية اللبنانية إلى المخيمات، بينما يفرض الجيش إجراءات مشددة حولها.

مقالات مشابهة

  • هل تتعلّم سوريا السر من ألمانيا وكوريا؟
  • بمبادرة طوعية.. ناشطة تؤوي آلاف الحيوانات المشردة بدمشق
  • بسبب الحرب.. كيف تحولت الشقق المحترقة في غزة إلى سلاح بأيدي السماسرة؟
  • سلاح حزب الله في السياقين اللبناني والإقليمي
  • عباس وعون يتفقان على حصر سلاح المخيمات الفلسطينية بيد الدولة
  • الفريق الطبي بمستشفى الناس يحقق طفرة في عمليات إعادة هيكلة الصمام الرئوي.. وإشادة دولية بالإنجاز الكبير
  • وزير التجارة: نعمل على تنفيذ سياسات اقتصادية تهدف إلى إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني وتسهيل بيئة الأعمال
  • وزير الأشغال العامة يناقش مع محافظ حلب إعادة تأهيل المباني في المدينة
  • الدرقاش: حكومة الدبيبة أعلنت الحرب على المليشيات وهذا سبب التحرك ضدها
  • أخطاء شائعة في استخدام مزيل العرق