لجريدة عمان:
2025-06-13@14:37:51 GMT

كتب الكلام.. تأريخ عقلي

تاريخ النشر: 28th, April 2025 GMT

عندما كنتُ أقرأ لزكي نجيب محمود في سرده لسيرته الذاتية، بدأت بقصة نفس، فإذا بي أجد بها نقصًا يتعلق بالقصة العقلية المخفية لواحد من المفكرين الكبار، فلما بدأت بقصة عقل وجدت الرجل يشير لذات المسألة، وهي أن قصة نفس تنقصها السيرة العقلية التي عاشها المؤلف، وبعد قراءة هذا الثاني وجدته يبني صورة متكاملة حول التكونات العقلية التي عاشها وكيف يقتنع بمنهج ثم يطوره حتى يصل إلى صورته النهائية، وكان الأمر ذاته عندما كنتُ أقرأ (رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر) لعبد الوهاب المسيري.

وما أن دخل موعد معرض الكتاب، حتى تجولت بين دور التراث، أبحث عن كتب علم الكلام، فأقرأ واحدًا متقدمًا وآخر متأخرًا، وأنا أرى الشيء نفسه الذي رأيته في الكتابين السابقين، لكن في هذه الحالة بشكل أكبر وأشمل وأعمق، يتعلق بمذاهب وفلاسفة وعلماء طبيعة وعلماء دين ولغويين وشعراء، الجميع يطور فكرة معينة، حتى يصل لنقطة يعارضه في بعض تفاصيلها من ينتمي لذات مسلكه المعرفي والفكري.

إن كتب الكلام في التراث الإسلامي وإن كان الزمن قد تجاوز كثيرًا من مسائلها، وأصبحت قراءتها في كثير من الأحيان للمعرفة والتعمق أكثر وللدربة العقلية، لكنها في الوقت ذاته تشكل هذا النوع من التأريخ العقلي لأصحابها وأصحاب المذاهب، بحيث تصبح مكملة لبعضها، والقارئ المتتبع لها يستطيع من خلالها مراقبة الفكرة حتى نهاية تطورها وتوقفها عند مرحلة معينة، ويطرح هذا المقال كتب الكلام المعتزلية أنموذجا عليه.

تطورت الأفكار الكلامية عند المعتزلة بشكل مطّرد ومتسارع، فمنذ بدأ اعتزال واصل بن عطاء لحلقة الحسن البصري في القصة المعروفة، حتى مجادلات عمرو بن عبيد، وصولا لاعتماد الأصول الخمسة، وتطور الأفكار الكلامية حتى دخول الأفكار الفلسفية والفيزياء الطبيعية -كما عند النظّام مثلا- تطورت الأفكار وتداخلت في بعضها، فاختلف المعتزلة أنفسهم في كثير من التفاصيل، حتى انقسموا لمدرستين، ثم انقسموا داخل كل مدرسة منهما، لكن الجميع أبقى على الخط العام فيما يتعلق بالإيمان بالأصول الخمسة، وهكذا فعندما تقرأ في (المغني في أبواب التوحيد والعدل) للقاضي عبد الجبار الهمذاني، تجد أن التاريخ العقلي للمعتزلة مبسوطٌ فيه، ينقد فيه اللاحق السابق، ويصحح التلميذ للأستاذ، والابن لأبيه، حتى تصل إلى الكتب التي بحثت في التاريخ الفكري للمعتزلة، مثل كتاب (معمار الفكر المعتزلي) لسعيد الغانمي، أو كتاب (معتزلة البصرة وبغداد) لرشيد الخيون قبله، تجدها أيضا تصف هذا التاريخ وربما قاربته بمقاربات معاصرة، وفي كل الأحوال، سردته بلغة معاصرة لا تستعصي على القارئ المبتدئ فهمها.

ويُمكن أخذ أنموذج تداخل الأفكار الفلسفية والكلامية في التراث الإسلامي من الناحية اللغوية من حيث درجة تعقيد اللفظ الفلسفي، فقد بدأت الأفكار الكلامية من بساطة لغوية (البساطة لا بمعنى اللغة نفسها، وإنما طريقة طرح الفكرة) منذ عصر النبوة والخلفاء من بعده، فتجد مثلا في نهج البلاغة قول الإمام علي: «الذي ليس لصفته حدٌّ محدود، ولا وقتٌ معدود، ولا أجلٌ ممدود»، أو قول واصل بن عطاء في خطبته الخالية من الراء: «الحمد لله القديم بلا غاية، والباقي بلا نهاية، الذي علا في دنوه، ودنا في علوه، فلا يحويه زمان، ولا يحيط به مكان»، وعلى الرغم من الجدالات في مثل هذه الأقوال، لكنها تبقى في ذاتها خالية من التعقيد الفلسفي أو الكلامي، لأن هذا ما كان قد وصل إليه العقل البشري في ذلك الوقت، لكن عندما تداخلت العلوم مع بعضها واستعملت في إثبات الفكرة الكلامية للمذهب، أو نفي فكرة المذهب الآخر، فإن اللغة أصبحت أكثر تعقيدًا لأنها استعملت المنطق الأرسطي، فانظر مثلا إلى قول أبي الحسين البصري في إثبات المحدِث للعالم كما ينقله عنه ابن الملاحمي: «فإن صح أن الفلك والاسطقسات لم تتباين لأمرٍ يرجع إلى الهيولى، صح أن تباينها لأمرٍ آخرَ، وهو القادر المختار.

وإذا ثبت القادر الجاعل للأجسام على صورها فإما أن يكون قديمًا أو محدثًا، ولو كان محدثًا، لم تنتهِ الحوادث، فلزم أن يكون قديمًا، ولزم بما تقدم أن يكون غير ذي جسم ولا عرض، وهو الله تعالى»، فتجد اختلافًا شاسعا بين الأقوال الأولى والأقوال الأخيرة هذه من ناحية التعقيد الفلسفي والاستدلال بالمنطق حتى يتبدى ذلك في اللغة، وإن شئت فانظر للغة ابن سينا حتى تتبين الأمر بصورة أوضح.

لماذا نقرأ علم الكلام؟- هذا السؤال الذي من أجله كُتب المقال في البداية، ومن خلال العرض السابق يتضح أن الأمر ليس متعلقًا بفهم العقائد فقط أو الانتصار للمذهب الكذائي أو تفنيد أقوال المذهب الكذائي، وإنما الأمر يتعلق بشكل أساسي بتطور العقل في التراث الإسلامي، باعتبار أن كتب الكلام تقدم تأريخًا عقليًا شاملاً، منذ بداية تكوّن الفكرة جنينًا في عقل مفكر، حتى تصل لتكون عجوزًا عند آخر.

فإن هذه الإعادة لقراءة كتب علم الكلام، إضافة لإعلائها الحالة النقدية والفكرية والدربة العقلية، فإنها تشرح تطور الأفكار في التراث الإسلامي ووصولها إلى ما وصلت إليه في العصر الحالي. كما أنها دعوة للمفكرين والكتّاب إذا اهتموا بكتابة سيرهم الذاتية يومًا ما، أن يهتموا أيضا بترجمة سيرتهم العقلية كذلك، حتى تكون قصة النفس وقصة العقل مكتملة وواضحة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی التراث الإسلامی

إقرأ أيضاً:

التراث والسياحة تفتتح مشروعات سياحية استعدادا لموسم خريف ظفار

العُمانية: تشهد محافظة ظفار افتتاح مشروعات سياحية تضاف إلى المشروعات القائمة ضمن الاستعداد لموسوم خريف ظفار 2025م، حيث تفتتح وزارة التراث والسياحة متحف ظفار الخاص، وفندق 3 نجوم في ولاية مرباط بطاقة استيعابية تضم 84 غرفة، وشققًا فندقية فاخرة بطاقة استيعابية تتضمن 216 غرفة بولاية صلالة لتبلغ عدد البنايات السكنية والتجارية المرخص لها 100 منشأة سياحية تضم أكثر من 8000 غرفة فندقية إلى جانب افتتاح مركز للمعلومات السياحية بسوق شاطئ الحافة.

وفي هذا الصدد قال خالد بن عبد الله العبري مدير عام المديرية العامة للتراث والسياحة بمحافظة ظفار في تصريحٍ لوكالة الأنباء العُمانية إن موسم خريف ظفار يُعدّ أحد أهم المواسم السياحية في سلطنة عُمان؛ لأنه يستقطب مختلف شرائح المجتمع من شتى دول العالم، نظرًا للأجواء الاستثنائية التي تتفرد بها المحافظة.

وأضاف أن وزارة التراث والسياحة وضعت خطة عمل للترويج السياحي لموسم خريف ظفار إلى جانب البرنامج التسويقي لمختلف المواسم السياحية لهذا العام لاستقطاب مختلف الشرائح من دول العالم.

ووضح أن خطة الوزارة الترويجية وُضعت مبكرًا لتستهدف الشركات والمؤسسات السياحية والسائح في الأسواق الخارجية من خلال حزمة من البرامج وحلقات العمل والزيارات الميدانية إضافة إلى النشرات الإعلامية والإخبارية، إذ شاركت الوزارة في معرض سوق السفر العربي 2025، الذي أقيم في إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، خلال الفترة من 28 أبريل إلى 1 مايو 2025 وتضمن مؤتمرًا صحفيًّا لسعادة الدّكتور رئيس بلدية ظفار للإعلان عن فعاليات وبرامج وأنشطة موسم خريف ظفار لهذا العام.

وأشار إلى أن الوزارة نظّمت حلقات عمل ترويجية في المملكة العربية السعودية للإعلان عن الرحلات المباشرة إلى مطار صلالة بالتعاون مع طيران "ناس" وطيران "أديل" ومشاركة مطارات عُمان وممثلين لعدد من الشركات السياحية والإعلاميين إضافة إلى إقامة مؤتمر صحفي بدولة الكويت لعدد من وسائل الإعلام الكويتية بمشاركة بلدية ظفار بهدف الإعلان عن البرامج والفعاليات والأنشطة لموسم خريف ظفار 2025م.

وتزامنا مع إجازة عيد الأضحى المبارك قال العبري إن الوزارة أطلقت الحملة الترويجية بدولة الكويت بمشاركة مختصين من الوزارة لتقديم المعلومات والعروض والباقات الخاصة بموسم الخريف، وستقوم الخطوط الكويتية وطيران "الجزيرة" بتسيير رحلات مباشرة إلى مطار صلالة مع بداية الموسم.

وأكد مدير عام المديرية العامة للتراث والسياحة بمحافظة ظفار على أن وزارة التراث والسياحة تهدف من الترويج لموسم خريف ظفار لجعله وجهة سياحية متفردة من خلال آليات وأدوات الترويج والجمهور المستهدف وشركاء القطاع السياحي ومؤشرات أداء الخطة وإشراك القطاع الخاص والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في تنفيذ وتنظيم البرامج والمبادرات والأنشطة التسويقية، بالإضافة إلى زيادة الحركة السياحية في بداية موسم الخريف ونهايته إلى جانب زيادة عدد الزوار من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

وأضاف أن الوزارة تسعى من خلال برامجها الترويجية لموسم خريف ظفار لهذا العام إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة يتمثل الأول في ترويج 100 يوم شاملة الفترة الأولى من بداية الموسم، ويهتم الثاني بتوزيع التدفق السياحي عند الذروة من خلال تقسيم الموسم السياحي من 21 يونيو إلى 21 سبتمبر إلى ثلاث فترات، مشيرًا إلى أن الفترة الأولى تبدأ من 21 يونيو إلى 14 يوليو وتتراوح نسبة الإشغال الفندقي فيها من 35 إلى 40%، وتمتد الفترة الثانية من 15 يوليو إلى 30 أغسطس، وتُعد ذروة الموسم السياحي، وتبدأ الفترة الثالثة من الأول من سبتمبر إلى 10 أكتوبر وتتراوح نسبة الإشغال الفندقي فيها بين 30 و 35% حيث تشهد ارتفاعًا ملحوظًا في كل موسم بسبب الجهود المبذولة لنقل المؤتمرات الاقليمية والدولية إلى شهر سبتمبر وأكتوبر بينما يتمثل الهدف الثالث في زيادة عدد السياح من الأسواق الخليجية عبر تكثيف الحملات التسويقية بها مستفيدين من توسع شبكة الخطوط الجوية وتسيير رحلات مباشرة طوال الموسم.

وبيّن أن الوزارة تعمل مع شركاء القطاع السياحي على تصميم عروض سياحية بأسعار مشجعة لرفع نسبة السياحة المحلية والخليجية في الفترات التي يقل فيها الازدحام لظروف بدء العام الدراسي من خلال تكثيف الحملات التسويقية والاستفادة من رحلات الطيران من الأسواق الخليجية خاصة السوق السعودي من خلال الطيران السعودي وطيران اديل السعودي الذي يسير رحلاته لأول مرة إلى محافظة ظفار فيما يواصل طيران "ناس" استمرار تسيير رحلاته المباشرة إلى مطار صلالة في موسم خريف ظفار 2025م.

جديرٌ بالذكر أن عدد زوار موسم خريف ظفار 2024 الماضي بلغ مليونًا وثمانية وأربعين ألف زائر ، بنسبة زيادة بلغت 9% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023 الذي وصل العدد إلى نحو 962 ألف زائر.

مقالات مشابهة

  • ٤٢ لوحة تبرز إبداعات الشباب بمعرض «التقاطة فن» بصلالة
  • التراث والسياحة .. رؤية وطنية لتفعيل التنوع الجيولوجي سياحيا
  • «لمه عل بحر».. تجارب استثنائية
  • «هيئة التراث» ترصد مخالفة بيع عملات أثرية في المدينة المنورة دون ترخيص
  • ورشة عمل دولية في اسطنبول لإحياء مخطوطات حلب ومكتبتها الوقفية
  • جعلان بني بوعلي تتهيأ لاستقبال السياح
  • «الشارقة للتراث» يبحث تعزيز التعاون الثقافي مع المالديف
  • بعد إيداعه مستشفى الأمراض العقلية.. تواريخ هامة ارتبطت بقضية سفاح المعمورة
  • التراث والسياحة تفتتح مشروعات سياحية استعدادا لموسم خريف ظفار
  • أمين البحوث الإسلامية يشدد على نشر الفكر الوسطي ومواجهة الأفكار الشاذة