عزيمة اليمن.. كيف حوَّل الصبر ساحة الحرب إلى ميدان انتصار؟
تاريخ النشر: 4th, May 2025 GMT
مما لا ريب فيه أنَّ مَنْ عَدَلَ في حُكْمِهِ، واسْتَشارَ في أَمْرِهِ، وكَفَّ عن ظُلْمِهِ؛ نَصَرَهُ الحقُّ، وأَطاعَهُ الخَلْقُ، وصار أبناءُ دولَتِهِ جُنْداً له.
ولهذا فإنَّ دينَ الإسلام دينُ الحكمةِ والرحمةِ والإحسان، أرشدَ في دستورِ دولَتِهِ، وكتابِ هِدايَتِهِ إلى ذلك، فأمرَ العزيزُ الحكيمُ نبيَّهُ الكريمَ بقوله: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾، والأمرُ لنبيِّ الإسلامِ محمدٍ -عليه وعلى آله الصلاةُ والسلامُ- في القرآنِ المجيدِ يقتضي التزامَ ساسةِ الأمةِ وزعمائِها به؛ لِيُرفْرِفَ على الأمةِ أعلامُ النصرِ والريادةِ، وتَحُلَّ عليهم السعادةُ.
وهذا قائدُ المسيرةِ القرآنيةِ، عَلمُ يَمَنِ الإيمانِ والحكمةِ، زعيمُ أنصارِ اللهِ وحزبِهِ، قد الْتَفَّ الناسُ حولَهُ، وأطاعوا أمرَهُ، وصاروا له جُنْداً، يُغِيضون أعداءَ الإسلامِ: الصهيونيةَ اليهوديةَ اللئامَ، استجابةً لربِّهم، وطاعةً له، يَقِفون خَلْفَ قائدِهم بصبرٍ وثباتٍ وعزيمةٍ واقتدارٍ، بهِمَمٍ عاليةٍ تُعَانِقُ السماءَ، يُضَحُّون بأنفُسِهِمْ وأموالِهِمْ في سبيلِ اللهِ، ونُصْرَةِ الشعبِ الفلسطينيِّ المظلومِ، الذي تواصلُ الصهيونيةُ اليهوديةُ الاعتداءَ عليه ليلَ نهار.
وكأنَّ التاريخَ يُعيدُ نفسَهُ، فقد وَصَفَ اللهُ أسلافَ اليمنيين بما يدلُّ على علوِّ شأنِهِمْ، ورفيعِ مكانتِهِمْ، فقال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾.
فقد ظهر في أَحْفَادِهِم في يَمَنِ الإيمانِ مَن لَزِمَ تلك الخِلالَ الزكيةَ، والخِصالَ المرضيةَ، فأذاقوا الصهيونيةَ اليهوديةَ والأمريكيةَ بَعْضاً من بأسِهِم الشديدِ، ومنهجِهِم السديدِ في نُصْرَةِ المظلومينَ، والدفاعِ عن المؤمنينَ في فلسطينَ: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾.
ورغمَ تَكَالُبِ الدول الداعمة للاحتلال على اليمن وفلسطين جَوّاً وبَرّاً وبَحْراً، فإنَّ شعبَ الإيمانِ والحكمةِ يَحْتَمِلون أذى ترامبَ وأضرابِهِ، الذين أَغْرَقوا أَنْفُسَهُمْ في جرائمِ الاعتداءِ والفسادِ، وأَوْغَلوا في الطغيانِ، وقَتْلِ النساءِ والأطفالِ والشيوخِ ظُلْماً وعدواناً، مُعْتَمِدين على خيلائِهِمْ، وكِبْرِيائِهِمْ، وغطرستِهِمْ، واستعلائِهِمْ، وما يَمْلِكونهُ من أسلحةِ الموتِ والدمارِ، ولن تُوصِلَهُم قوتُهُم العسكريةُ وبوارجُهُم وحاملاتُ طائراتِهِم إلى نصرٍ أبداً، وإنما تَسُوقُهُمْ إلى حَتْفِهِمْ، وتَضَعُهُمْ في مَهاوي الرَّدَى؛ لاعتناقِهِمْ مذهبَ الخاطئينَ في أَمْرِهِمْ.
فممارستُهُمْ لقصفِ المدنيينَ بصواريخِهِمْ وطائراتِهِمْ، وقتلِ الأبرياءَ، من أَقْبَحِ الرذائلِ المُهْلِكَةِ، ولن يَكْسِبَهُمْ ذلك إلا الهلاكَ، وسوءَ السمعةِ.
وشعبُ الإيمانِ والحكمةِ قادرٌ على احتِمالِ مُحْنَتِهِمْ، فالصبرُ من أخلاقِهِمْ أَمْنَعُ، واجبٌ له ثباتُ الجبالِ المنيعةِ. وكأنَّ القرآنَ عَنَاهُمْ كما عَنَى أسلافَهم من الأنصارِ والمهاجرينَ بقولِهِ: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّـهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾.
فبالصبرِ يَرْتَفِعُ البلاءُ، وتَحُلُّ السكينةُ، ويَأْتِي الفَرَجُ. فإنَّ الإنسانَ لا يُدْرِكُ ما يَؤُمُّهُ إلا بالصبرِ. ولله دَرُّ القائلِ:
> إِنَّهُ لَا بُدَّ يَحْلُو مَا تَجَرَّعْنَاهُ مُرًّا
> وَإِذَا الشِّدَّةُ زَادَتْ وتَنَاهَتْ فَهِيَ بِشْرَى
وصَدَقَ اللهُ العظيمُ حيث يقول: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾.
فالصبرُ جِمَاعُ الأمرِ، ونظامُ الحَزْمِ، ودِعَامَةُ العقلِ، وحيلةُ مَنْ لَا حيلةَ له: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
فالذي يتعيَّنُ على أبناءِ يَمَنِ الإيمانِ والحكمةِ، وأبناءِ الأُمَّــةِ الإسلاميةِ، التوجُّهُ نحوَ هذا العدوِّ الظالمِ، ومُجاهَدَتُهُ بالمالِ والنفسِ وإعدادِ القوةِ ورَصِّ الصفوفِ في عزيمةٍ وثباتٍ وصبرٍ؛ يَتَحَقَّقُ معهُ النصرُ للإسلامِ والمسلمينَ وللبشريةِ جميعاً.
فالظفرُ والنصرُ والفرجُ والعزُّ والفلاحُ يأتي مع الصبرِ، ولذلك فإنَّهُ يجبُ على الجميعِ التَّحَلِّي به، وقد سَجَّلَ يَمَنُ الإيمانِ والحكمةِ مَثَلاً يُحْتَذَى به، وكان اللهُ قد أرادَ لليمنِ العزةَ والمكانةَ الرفيعةَ؛ لأنَّ أبناءَهُ نَصَرُوا شريعةَ اللهِ والمستضعفينَ من عبادِهِ في فلسطينَ، واسْتَعَانُوا باللهِ، وتَحَلَّوْا بالصبرِ، وتحملوا المكارهَ من أجلِ إعلاءِ كلمةِ اللهِ ونُصْرَةِ المظلومينَ، وما أُعْطِيَ أَحَدٌ قطُّ في زمانِنا هذا خيراً من ذلك، فَقَدْ أُوتِيَ شعبُ اليمنِ العزةَ والعزيمةَ والجهادَ بشجاعةٍ منقطعةِ النظيرِ، تُعَبِّرُ عن صِدْقِ إيمانِهِمْ، وكبيرِ إخلاصِهِمْ، وحُسْنِ توجُّهِهِمْ، وكريمِ مقاصدِهِمْ. وإنما الشجاعةُ الصبرُ على مكارهِ الجهادِ، ولهذا يقولُ الحقُّ سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.
كما أنَّنا نَدْعُو قادةَ الفكرِ والعلماءَ والأدباءَ ورجالَ الصحافةِ في أمريكا وأوروبا وكُلَّ أَحْرارِ العالمِ في أَصْقاعِ الأرضِ كُلِّها إلى القيامِ بواجبِهِمْ تجاهَ ما يُحْدِثُ في فلسطينَ واليمنِ من ظُلْمٍ وانتهاكٍ لحقوقِ الإنسانِ، وجرائمِ الإبادةِ التي تَسْتَمْرِئُها وتُغَذِّيهَا الإدارةُ الأمريكيةُ على مَرْأَى ومَسْمَعٍ من العالمِ؛ أداءً للواجبِ الإنسانيِّ والأخلاقيِّ، وصيانةً للقيمِ ومبادئِ العدالةِ، ونُصْرَةً للمظلومينَ، فليكن شعارنا جميعا الصبر سيف المنتصرين، والجهاد طريق العزة والفلاح للمؤمنين، ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
العزةُ للهِ ورَسولِهِ والمؤمنينَ، والهزيمةُ والذلةُ والصغارُ للكفارِ والمنافقينَ، ولا نامَتْ أعينُ الجبناءِ.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
هكذا تشكّلت في اليمن ثقافة الانتصار
في مشهدٍ بات يتكرّر على مدى أكثر من ربع قرن، يُثبت اليمن مرةً بعد أخرى أن الصراع لا يُضعفه، بل يزيده صلابةً وقوة، فمن الحروب الست، إلى العدوان السعوأمريكي المستمر منذ العام 2015، كان اليمن دائمًا يخرج من تحت الركام أكثر خبرةً، وأوسع إدراكًا، وأشدّ بأسًا، واليوم، تتعزز هذه الحقيقة مجددًا مع موقف اليمن الداعم لغزة، حيث تغيّر المشهد الإقليمي بعد هذا الإسناد، ولم يعد كما كان قبلُ.
يمانيون / تقرير / خاص
من الجراح تُولد القوة
يُجمع كثير من المراقبين على أن تجربة اليمن لم تكن مجرد سلسلة من المعارك، بل مسارًا طويلًا من بناء الوعي، وتعزيز الإرادة، وتكوين شخصية جماعية تعرف ما تريد، ولا تساوم في قضاياها الكبرى، ففي كل حربٍ تُخاض، يخرج اليمن أكثر وعيًا بقدراته، وأكثر قدرةً على الصبر والمصابرة، وأكثر تمسكًا بالكرامة والقرار المستقل.
فمن يراجع بدايات عدوان التحالف الأمريكي السعودي ، وكيف بدأ بتقديرات خاطئة عن حسم سريع، ثم ينظر إلى نهاياته، يرى بوضوح انقلاب المشهد، قوى العدوان أنهكتها المفاجآت اليمنية، بينما خرج اليمنيون بخبرات نوعية، وأسلحة متطورة، وثقة عالية بالنفس، وروحٍ وطنية لا تنكسر.
الجهاد .. وسيلة دفاع وبناء
غالبًا ما يُساء فهم مفهوم “الجهاد”، ويتم اختزاله في صورةٍ منقوصة، لكن التجربة اليمنية أعادت تعريف هذا المفهوم، وربطته بالبناء، والإصلاح، والإعمار، وصناعة القوة، فالجهاد هنا دفاع عن الأرض والكرامة، وفي الوقت ذاته وسيلة لتقوية النفوس وتنمية العقول، وتحفيز الطاقات.
لقد أثبتت التجربة اليمنية أن الأمم لا تُبنى بالراحة والاستكانة، بل بالصبر والعمل، والتحدي والمواجهة، والضعف الحقيقي لا يأتي من كثرة الحروب، بل من التخاذل والقعود عن تحمل المسؤولية، ورفض مواجهة العدوان.
اليمن في ميزان التجربة العالمية
ما جرى في اليمن يؤكد سنة كونية، أن الصراع والتحديات في جوهرها تصنع الأمم، فالدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، اعتمدت منذ قرون على وجود العدو كدافع لبناء الذات، لا يمر عقد إلا ويُصنّع خطرٌ ما لتبرير حشد القدرات وتنمية الصناعات الدفاعية والبحث العلمي والسيطرة على القرار العالمي.
لكن الفارق أن اليمن، رغم قلة الإمكانات، لم يستسلم، بل جعل من التحدي وسيلة للتحرر، ومن الصراع مدرسةً لصناعة الرجال، ومن الحرب ميدانًا لبناء القدرات.
رسائل ما بعد غزة .. دورٌ إقليمي يتشكل
حين أسند اليمن غزة بالفعل لا بالبيانات، ارتبك المشهد، وأُعيد ترتيب الأوراق، الرسائل كانت واضحة، أن اليمن بات لاعبًا إقليميًا له وزنه، ومن هنا يُفهم المعنى العميق بأن ما بعد إسناد اليمن لغزة ليس كما قبله.
فما فعله اليمن كان تعبيرًا عن وعيٍ استراتيجي يتجاوز الحدود، ورسالة لكل من ظنّ أن الحصار أنهكه، بأن العزائم لا تُحاصر، وأن الشعوب التي تُخلص لله وتثق به، تبني مجدها بأيديها، حتى من بين ركام الحرب.
الأمة التي غابت عنها حساسية الخطر .. حين يتحوّل التراجع إلى استباحة
لم تكن الأزمة التي عاشتها أمّتنا العربية والإسلامية طارئةً مفاجئة، بل نتيجة تراكمات فرضت نفسها عندما تلاشى إحساسٌ مركزيٌ بالتهديد وفُقدت الوسائل الفاعلة لمواجهته، منذ أن تراجع الوعي بخطر العدو وتبدّلت مفاهيم الجهاد في وعي الجماعات إلى مجرد وصمٍ بالدمار والإرهاب، بدأت الفجوة تتسع بين ما تملكه الأمة من إمكانات مشهورة أرضًا، سكانًا، ثرواتٍ بشرية وطبيعية، وجيوشٍ وأدوات، وبين واقعها المهشّم الذي تُسيطر عليه قوى البغي والطغيان.
النتيجة كانت واضحة، ضعف القرار، وتآكل الهيبة التي كانت تُبنى بإدراك العدو والوقوف في وجهه، فالمعرفة بالعدو والمواجهة المنظمة كانت دومًا من أعمدة النهضة، حين اختلّت هذه المعادلة، انحلّت شبكة الحماية، واحتُلت الأرض والسيادة، واندثرت معية الله في قلب التجربة الجماعية، في حين أن القوة لا تُبنَى إلا بالثبات والعمل والاعتماد على الله والثقة بنصره وتأييده.
لكن الأمر ليس مجرد نقدٍ للماضي، بل دعوةٌ لفهمٍ جديد،أن الجهاد بمعناه الشامل، الدفاع عن العرض والأرض، العمل على الإصلاح وبناء المؤسسات، وتنمية الاقتصاد والمجتمع، هو السبيل لاستعادة القدرة والكرامة، والتخلي عن هذا المنظور لا يعفي الأمة من التحديات، بل يتركها فريسةً لمنهجيات التبعية والضعف، وإعادة الوعي واستنهاض الطاقات الوطنية في مجالات التعليم والاقتصاد والدبلوماسية والمجتمع المدني، مع ربط هذا الجهد بخطابٍ أخلاقي وروحي يعيد للناس معنى التضحية المشروعة في سبيل الكرامة.
قائدٌ بثقةٍ مطلقة بالله.. كيف تشكّلت في اليمن ثقافة الانتصار؟
في سنوات الصراع الطويلة، لم يكن اليمن يخوض معاركه بالسلاح وحده، بل بنمطٍ مختلف من القوة، ثقةٌ مطلقة بالله ونصره، وثقافةٌ تشكّلت حول الصبر والمواجهة والثبات، وفي قلب هذه الحالة الروحية، برز دور السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله، في توجيه الوعي الجماعي نحو الاعتماد على الله كأصلٍ في المواجهة، لا كعاملٍ معنوي ثانوي.
في خطاباته المتكررة، ركّز السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، على مفاهيم الإيمان والثقة بالله كأساسٍ للانتصار، لم يكن حديثه دينيًا تقليديًا فحسب، بل جزءًا من خطاب تعبوي يُعيد تشكيل النظرة إلى الصراع بوصفه محطة لبناء النفس والمجتمع، والارتباط بالله وتوجيهاته ، وتعزيز مستوى العلاقة مع الله ومع هدى الله.
هذا التوجّه صنع فارقًا جوهريًا في معنويات اليمنيين، حيث تحولت المعاناة إلى مدرسة، والخطاب الروحي إلى حافز للعمل، والإيمان إلى خطة صبرٍ طويلة المدى، فحين تتكرر الرسائل عن الوعد الإلهي بالنصر، وتُربط كل تضحيات الميدان بمعاني الثبات، فإن الشعب لا يتعامل مع الحرب كأزمة عابرة، بل كطريق لصناعة أمة أكثر وعيًا، وأكثر استقلالًا، وأكثر اتصالًا بالله.
الثقة بالله لم تكن مجرد شعارات، بل بوصلة روحية وثقافية قادت اليمنيين في أحلك المراحل، وكانت إلى جانب البذل والدماء من أبرز ما صاغ هذا الصمود المتماسك، وهذا الحضور المتجدد بعد كل جولة صراع.
خاتمة .. معية الله تصنع الفارق
في نهاية المطاف، فإن سرّ الصمود اليمني لا يمكن فصله عن الإيمان العميق بمعية الله، والارتباط بقضية عادلة، والوعي بمفهوم الجهاد كوسيلة بناء، فالأمم التي تقاتل دفاعًا عن كرامتها تُمنح من الله قوةً تفوق العدّة، وعزمًا يتجاوز العوائق.
وهكذا، لا يعود غريبًا أن يخرج اليمن من كل صراعٍ أقوى، لأنه ببساطة لم يُحارب دفاعًا عن سلطة أو مكسب، بل جاهد لأجل كرامة وطن، واستقلال قرار، ونصرة أمة.