مما لا ريب فيه أنَّ مَنْ عَدَلَ في حُكْمِهِ، واسْتَشارَ في أَمْرِهِ، وكَفَّ عن ظُلْمِهِ؛ نَصَرَهُ الحقُّ، وأَطاعَهُ الخَلْقُ، وصار أبناءُ دولَتِهِ جُنْداً له.

ولهذا فإنَّ دينَ الإسلام دينُ الحكمةِ والرحمةِ والإحسان، أرشدَ في دستورِ دولَتِهِ، وكتابِ هِدايَتِهِ إلى ذلك، فأمرَ العزيزُ الحكيمُ نبيَّهُ الكريمَ بقوله: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾، والأمرُ لنبيِّ الإسلامِ محمدٍ -عليه وعلى آله الصلاةُ والسلامُ- في القرآنِ المجيدِ يقتضي التزامَ ساسةِ الأمةِ وزعمائِها به؛ لِيُرفْرِفَ على الأمةِ أعلامُ النصرِ والريادةِ، وتَحُلَّ عليهم السعادةُ.

وهذا قائدُ المسيرةِ القرآنيةِ، عَلمُ يَمَنِ الإيمانِ والحكمةِ، زعيمُ أنصارِ اللهِ وحزبِهِ، قد الْتَفَّ الناسُ حولَهُ، وأطاعوا أمرَهُ، وصاروا له جُنْداً، يُغِيضون أعداءَ الإسلامِ: الصهيونيةَ اليهوديةَ اللئامَ، استجابةً لربِّهم، وطاعةً له، يَقِفون خَلْفَ قائدِهم بصبرٍ وثباتٍ وعزيمةٍ واقتدارٍ، بهِمَمٍ عاليةٍ تُعَانِقُ السماءَ، يُضَحُّون بأنفُسِهِمْ وأموالِهِمْ في سبيلِ اللهِ، ونُصْرَةِ الشعبِ الفلسطينيِّ المظلومِ، الذي تواصلُ الصهيونيةُ اليهوديةُ الاعتداءَ عليه ليلَ نهار.

وكأنَّ التاريخَ يُعيدُ نفسَهُ، فقد وَصَفَ اللهُ أسلافَ اليمنيين بما يدلُّ على علوِّ شأنِهِمْ، ورفيعِ مكانتِهِمْ، فقال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾.

فقد ظهر في أَحْفَادِهِم في يَمَنِ الإيمانِ مَن لَزِمَ تلك الخِلالَ الزكيةَ، والخِصالَ المرضيةَ، فأذاقوا الصهيونيةَ اليهوديةَ والأمريكيةَ بَعْضاً من بأسِهِم الشديدِ، ومنهجِهِم السديدِ في نُصْرَةِ المظلومينَ، والدفاعِ عن المؤمنينَ في فلسطينَ: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾.

ورغمَ تَكَالُبِ الدول الداعمة للاحتلال على اليمن وفلسطين جَوّاً وبَرّاً وبَحْراً، فإنَّ شعبَ الإيمانِ والحكمةِ يَحْتَمِلون أذى ترامبَ وأضرابِهِ، الذين أَغْرَقوا أَنْفُسَهُمْ في جرائمِ الاعتداءِ والفسادِ، وأَوْغَلوا في الطغيانِ، وقَتْلِ النساءِ والأطفالِ والشيوخِ ظُلْماً وعدواناً، مُعْتَمِدين على خيلائِهِمْ، وكِبْرِيائِهِمْ، وغطرستِهِمْ، واستعلائِهِمْ، وما يَمْلِكونهُ من أسلحةِ الموتِ والدمارِ، ولن تُوصِلَهُم قوتُهُم العسكريةُ وبوارجُهُم وحاملاتُ طائراتِهِم إلى نصرٍ أبداً، وإنما تَسُوقُهُمْ إلى حَتْفِهِمْ، وتَضَعُهُمْ في مَهاوي الرَّدَى؛ لاعتناقِهِمْ مذهبَ الخاطئينَ في أَمْرِهِمْ.

فممارستُهُمْ لقصفِ المدنيينَ بصواريخِهِمْ وطائراتِهِمْ، وقتلِ الأبرياءَ، من أَقْبَحِ الرذائلِ المُهْلِكَةِ، ولن يَكْسِبَهُمْ ذلك إلا الهلاكَ، وسوءَ السمعةِ.

وشعبُ الإيمانِ والحكمةِ قادرٌ على احتِمالِ مُحْنَتِهِمْ، فالصبرُ من أخلاقِهِمْ أَمْنَعُ، واجبٌ له ثباتُ الجبالِ المنيعةِ. وكأنَّ القرآنَ عَنَاهُمْ كما عَنَى أسلافَهم من الأنصارِ والمهاجرينَ بقولِهِ: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّـهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾.

فبالصبرِ يَرْتَفِعُ البلاءُ، وتَحُلُّ السكينةُ، ويَأْتِي الفَرَجُ. فإنَّ الإنسانَ لا يُدْرِكُ ما يَؤُمُّهُ إلا بالصبرِ. ولله دَرُّ القائلِ:

> إِنَّهُ لَا بُدَّ يَحْلُو مَا تَجَرَّعْنَاهُ مُرًّا

> وَإِذَا الشِّدَّةُ زَادَتْ وتَنَاهَتْ فَهِيَ بِشْرَى

وصَدَقَ اللهُ العظيمُ حيث يقول: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾.

فالصبرُ جِمَاعُ الأمرِ، ونظامُ الحَزْمِ، ودِعَامَةُ العقلِ، وحيلةُ مَنْ لَا حيلةَ له: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

‏فالذي يتعيَّنُ على أبناءِ يَمَنِ الإيمانِ والحكمةِ، وأبناءِ الأُمَّــةِ الإسلاميةِ، التوجُّهُ نحوَ هذا العدوِّ الظالمِ، ومُجاهَدَتُهُ بالمالِ والنفسِ وإعدادِ القوةِ ورَصِّ الصفوفِ في عزيمةٍ وثباتٍ وصبرٍ؛ يَتَحَقَّقُ معهُ النصرُ للإسلامِ والمسلمينَ وللبشريةِ جميعاً.

فالظفرُ والنصرُ والفرجُ والعزُّ والفلاحُ يأتي مع الصبرِ، ولذلك فإنَّهُ يجبُ على الجميعِ التَّحَلِّي به، وقد سَجَّلَ يَمَنُ الإيمانِ والحكمةِ مَثَلاً يُحْتَذَى به، وكان اللهُ قد أرادَ لليمنِ العزةَ والمكانةَ الرفيعةَ؛ لأنَّ أبناءَهُ نَصَرُوا شريعةَ اللهِ والمستضعفينَ من عبادِهِ في فلسطينَ، واسْتَعَانُوا باللهِ، وتَحَلَّوْا بالصبرِ، وتحملوا المكارهَ من أجلِ إعلاءِ كلمةِ اللهِ ونُصْرَةِ المظلومينَ، وما أُعْطِيَ أَحَدٌ قطُّ في زمانِنا هذا خيراً من ذلك، فَقَدْ أُوتِيَ شعبُ اليمنِ العزةَ والعزيمةَ والجهادَ بشجاعةٍ منقطعةِ النظيرِ، تُعَبِّرُ عن صِدْقِ إيمانِهِمْ، وكبيرِ إخلاصِهِمْ، وحُسْنِ توجُّهِهِمْ، وكريمِ مقاصدِهِمْ. وإنما الشجاعةُ الصبرُ على مكارهِ الجهادِ، ولهذا يقولُ الحقُّ سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.

كما أنَّنا نَدْعُو قادةَ الفكرِ والعلماءَ والأدباءَ ورجالَ الصحافةِ في أمريكا وأوروبا وكُلَّ أَحْرارِ العالمِ في أَصْقاعِ الأرضِ كُلِّها إلى القيامِ بواجبِهِمْ تجاهَ ما يُحْدِثُ في فلسطينَ واليمنِ من ظُلْمٍ وانتهاكٍ لحقوقِ الإنسانِ، وجرائمِ الإبادةِ التي تَسْتَمْرِئُها وتُغَذِّيهَا الإدارةُ الأمريكيةُ على مَرْأَى ومَسْمَعٍ من العالمِ؛ أداءً للواجبِ الإنسانيِّ والأخلاقيِّ، وصيانةً للقيمِ ومبادئِ العدالةِ، ونُصْرَةً للمظلومينَ، فليكن شعارنا جميعا الصبر سيف المنتصرين، والجهاد طريق العزة والفلاح للمؤمنين، ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.

العزةُ للهِ ورَسولِهِ والمؤمنينَ، والهزيمةُ والذلةُ والصغارُ للكفارِ والمنافقينَ، ولا نامَتْ أعينُ الجبناءِ.

 

 

 

 

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

عصام الدين جاد يكتب: ميدان عادل إمام

على عكس الأيام العادية التي تحتفل بميلاد الأشخاص، فإن المفكرين والمبدعين ومن تركوا بصماتهم الخالدة يولدون كل يوم من جديد، عبر تأثيرهم المستمر في الأفكار والمشاعر والتجارب الإنسانية. 
و"الأحلام" ما هي إلا محض فكرة، تنمو بالإيمان بها وتترسخ بدعم المحيطين، وللفن وجه كريم، فهو يلامس الوجدان، ويجسد الأفكار الصادقة، أو يتبنى قضايا تزيل قلقًا.
ومن أبرز من رسخوا دعائم التعمق في السينما والدراما المصرية الزعيم "عادل إمام"، بمؤازرة كبار الكتاب والمخرجين الذين رافقوه في مسيرته.
إن ميدان عادل إمام ليس مجرد حيز جغرافي، بل هو تجسيد لحلم نابع من إبداعه، فقد جسّد هذا الرجل الشوارع، وشخصياتها، ووقائعها، آلامها وآمالها، حروبها وانتصاراتها، ففنه الراقي والهادف ما زال يشاهده آلاف المشاهدين، ويعيدون اكتشاف روائعه.
لقد جسّد عادل إمام العديد من الصور والوقائع، سواء بالمعارضة لها، أو التصحيح، أو التأييد، وتميزت سياسته الفنية بالتطور المستمر والغنى، وظهر ذلك في كل شخصية أداها، فقد بلغت أعماله ما يقارب (126) فيلمًا ومسلسلًا ومسرحية، جميعها أعمال ناجحة ومؤثرة، وظلت خالدة في الذاكرة.
شهد كبار الفن على موهبته وتأثيره، فقد أشاد به أستاذه فؤاد المهندس في لقاء مع الإعلامية هالة سرحان، وقال في حقه: "إنه تلميذه البكر"، وأضاف أنه اختار عادل إمام من بين عشرين ممثلًا للمشاركة في مسرحية "أنا وهو وهي"، واصفًا نجاح تلميذه بأنه نتيجة عمل دؤوب حتى أصبح نجمًا لامعًا.
وفي أحد لقاءاته التليفزيونية، قال عادل إمام في حق "فؤاد المهندس" – رحمه الله – إن من أسباب نجاحه هو كونه "إنسانًا كبيرًا"، ما يؤكد إيمانه العميق بفضل أساتذته وتأثره بنصائحهم، وترسيخ القيم الإنسانية في داخله.
حتى الفنان الكبير "فريد شوقي" – رحمه الله – عندما سُئل عنه في أحد اللقاءات، أشار إلى أن الفنان الموهوب يجب أن يتحلى بالثقافة والذكاء، وذكر أن عادل إمام من الزملاء الذين ينطبق عليهم ذلك، واصفًا إياه بأنه: "منتهى الذكاء.. منتهى الثقافة.. يطوّر نفسه.. وقد طوّر نفسه حتى أصبح جماهيريًا عظيمًا".
ظل الزعيم صاحب رسالة واضحة، فكان عدوًا لجماعات التطرف والإرهاب، وقدم العديد من الأدوار التي حملت رسائل مهمة في هذا الصدد.
ووثّق فيلم "الزعيم.. رحلة عادل إمام – الجزء الثاني"، الذي عرضته "القناة الوثائقية"، أن فيلم "الإرهابي" حقق نجاحًا عظيمًا، لكنه تسبب في وضع اسمه على قائمة اغتيالات الجناح العسكري لجماعة إرهابية، لولا نجاح الشرطة الباسلة في حمايته وإحباط ذلك المخطط.
وبسبب إيمانه الراسخ بما يقدم، لم يخشَ عادل إمام تلك المحاولات البائسة من الجماعات الإرهابية، بل إن إيمانه ظهر جليًا عندما علم بمحاولة اغتيال الأديب الكبير "نجيب محفوظ"، فذهب إلى مستشفى العجوزة وقبّل يده تعبيرًا عن التضامن والتقدير.
سيظل عادل إمام الإنسان المصري، المحب لوطنه، خالدًا في قلوب المصريين ومحبيه من العرب، ففنه الراقي سيظل باقيًا في قلوب الجميع.

طباعة شارك عادل إمام السينما الدراما المصرية

مقالات مشابهة

  • نادي الأنوار .. قصة عزيمة وكفاح
  • ملتقى السيرة النبوية بالجامع الأزهر: الإيمان والتوكل أساس عز المسلمين ونصرهم
  • “الديمقراطية” تدين المجزرة الصهيونية البشعة في منطقة السودانية
  • صباح غالب فقدت ولديها على جبهتي الحرب في اليمن
  • عصام الدين جاد يكتب: ميدان عادل إمام
  • القصير: حزب الجبهة الوطنية سيكون صوت العقل والحكمة تحت القبة
  • مجلة بريطانية تسلط الضوء على حضرموت.. الجانب الآخر من اليمن البعيد عن صخب الحرب والحوثيين (ترجمة خاصة)
  • اليمن صوت الإيمان والنصرة في زمن الصمت والخذلان
  • لقاء للعلماء والخطباء في عمران لمناقشة المستجدات في ظل الجرائم الصهيونية في غزة
  • سماحة المفتي يوجه رسالة إلى اليمن