فايننشال تايمز: انتخابات البابا تاريخ طويل من الأسرار والدسائس والمؤامرات والطقوس
تاريخ النشر: 8th, May 2025 GMT
عادة ما تخفي الطقوس المهيبة لاختيار بابا جديد للفاتيكان صراعات دنيوية على السلطة في طقوس خالصة على غرار أفلام هوليود السينمائية، وفق صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
وتعد كنيسة السيستين في الفاتيكان، بجدارياتها المذهلة التي تعود إلى عصر النهضة، مسرحا مهيبا لانتخاب البابا المقبل في أقدس الطقوس الكاثوليكية.
بيد أن الصحيفة البريطانية تقول إنه لطالما احتضنت هذه الكنيسة بزخارفها المقدسة الاجتماعات السرية للكرادلة الكاثوليك، وباتت ساحة لمناورات سياسية شرسة.
بابا عديم ضمير
وأشارت إلى أن أول اجتماع سري عُقد في الكنيسة، في عام 1492، أسفر عن انتخاب ألكسندر السادس الذي تصفه الصحيفة بأنه أحد أكثر الباباوات عديمي الضمير، الذي اشتهر بإنجاب الأطفال من عدة نساء، وانتزع التاج البابوي بشراء الأصوات بشكل سافر، واعدا أنصاره بالحصول على مناصب في الكنيسة.
ومنذ مساء أمس الأربعاء، دخل الكرادلة -وهم كبار رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية- في عزلة تامة عن العالم الخارجي إلى أن يختاروا وريثا للكرسي البابوي خلفا للبابا الراحل فرانشيسكو، في ممارسة بدأت في القرن الـ13.
ولكن الصحيفة وصفت إجراء هذه الطقوس المهيبة بأنها خطة درجت الكنيسة الكاثوليكية على استخدامها لإضفاء "قشرة قداسة" على سياسة دنيوية "وضيعة".
إعلان خدعة سحريةواستشهدت بتصريح للمؤرخ البابوي في جامعة أكسفورد، مايلز باتيندن، جاء فيه أن "البابا يدعي أن لديه تفويضا ربانيا يجعله فوق سلطان البشر"، مضيفا أن عملية الاجتماع السري برمتها لا تعدو أن تكون "خدعة سحرية"، وأنها صُمِّمت لجعلها مقنعة ويمكن تصديقها.
ومضى المؤرخ في انتقاداته، ورأى أنه لإضفاء المصداقية على إجراءات انتخاب بابا جديد، طورت الكنيسة هذا النموذج من الاقتراع السري للكرادلة لكيلا يستطيع أحد أن يرى أو يتدخل في العملية.
وتفيد فايننشال تايمز في التقرير الذي أعدته مراسلتها في روما، آمي كازمين، أنه كان يحق لجميع الكاثوليك -رجال الدين منهم والعلمانيين على السواء- في بواكير عصر الكنيسة الأولى، الإدلاء بآرائهم في اختيار زعيمهم الروحي.
صراع عائلات شرسولكن مع تولي الكنيسة الكاثوليكية الحكم المباشر على أجزاء من إيطاليا، تصارعت العائلات الأرستقراطية الرومانية بشراسة من أجل العرش البابوي، حيث ظلت تحيك الدسائس والمؤامرات ضد بعضها، بل وخاضت معارك عنيفة في الشوارع.
وفي عام 1059، سعى البابا نيقولا الثاني إلى إنهاء مثل هذه الصراعات، من خلال إسناد اختيار البابوية إلى كبار رجال الدين.
ويعتقد ماسيمو فاغيولي، أستاذ اللاهوت بجامعة فيلانوفا، أن حصر التصويت على الكرادلة وحدهم كان الهدف منه إبعاد كل تلك العائلات الرومانية من المطالبة بالعرش البابوي.
ومع ذلك، ظل صنع القرار عملية عسيرة، ومسرحا للتنافس الجيوسياسي بين الدول الأوروبية، خاصة بين حكام فرنسا وإسبانيا الذين كانوا يحرصون على أن يكون البابا المنتخب متعاطفا مع مصالحهم.
المناورات وشراء الأصواتوفي بعض الأحيان كان يتم اختيار الباباوات بالتزكية، مما أثار خلافات أدت إلى ادعاء اثنين من الباباوات المتنافسين -بدعم من فصائل قوية متصارعة- بأحقية كل منهما بالمنصب. وأحيانا أخرى، نجحت التسويات في كسر هذا الجمود عبر صفقات توسطت فيها مجموعات صغيرة من الكرادلة ثم أقرها الجميع بعد ذلك.
إعلانواستعرضت الصحيفة مبادرات بعض البابوات المتعاقبين -منذ عام 1179- الذين سنوا ضوابط وقواعد لانتخاب بابا جديد. ورغم ذلك، ظلت الانتخابات البابوية متقلبة ومفتوحة، واتسمت بالمناورات وشراء الأصوات.
لذا، كان العزل -من وجهة نظر فايننشال تايمز- مثاليا أكثر منه واقعا، خاصة بعد أن قفز عدد الكرادلة من 30 كاردينالا في المتوسط إبان القرن الـ14 الميلادي إلى 70 كاردينالا بعد قرن من الزمان.
وقد تغيرت المجامع السرية (الكونكلاف) بشكل عميق بعد أن أصبحت روما جزءا من إيطاليا الموحدة في عام 1870، وفقد الباباوات على إثرها سلطتهم الزمنية، واقتصرت فقط داخل حدود مدينة الفاتيكان.
وكان أن فُرضت السرية أخيرا بشكل صارم على انتخاب البابا، وفقد القادة الأوروبيون نفوذهم في هذه العملية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ترجمات فایننشال تایمز
إقرأ أيضاً:
روبرت بريفوست (ليو الـ14) أول بابا أميركي في تاريخ الفاتيكان
روبرت فرانسيس بريفوست، كاردينال أميركي وُلد عام 1955 في شيكاغو، حصل على بكالوريوس في الرياضيات وماجستير في علم اللاهوت، ثم دكتوراه في القانون الكنسي. شغل العديد من المناصب في الكنيسة الكاثوليكية، بما في ذلك أسقف أبرشية تشيكلايو ومدير أبرشية كاياو في بيرو.
انتُخب في 8 مايو/أيار 2025 بابا للفاتيكان تحت اسم "ليو 14″، خلفا للبابا فرانشيسكو، فأصبح أول بابا أميركي في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية.
المولد والتعليموُلد روبرت فرانسيس بريفوست يوم 14 سبتمبر/أيلول 1955 في مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة الأميركية، وبدأ مرحلة التكوين الأولى في الحياة الرهبانية داخل رهبنة القديس أوغستين عام 1977، وأعلن "النذور الدائمة" بالرهبنة عام 1981.
حصل على بكالوريوس في الرياضيات من جامعة فيلانوفا عام 1977، ثم الماجستير في علم اللاهوت من الاتحاد اللاهوتي الكاثوليكي في شيكاغو، إضافة إلى دكتوراه في القانون الكنسي من الكلية الحبرية للقديس توما الأكويني في روما.
التجربة الدينيةأصبح بريفوست رسميا كاهنا عام 1982، وانضم إلى البعثة الأغستنية التابعة للكنيسة الكاثوليكية في بيرو عام 1985، كما عمل مستشارا قانونيا لأبرشية تشولوكاناس بين عامي 1985 و1986.
عاد إلى الولايات المتحدة عام 1987 وعمل مرشدا ومديرا للبعثات في إقليم الرهبنة الأغستينية بشكياغو، ثم رجع إلى بيرو، وأمضى 10 أعوام في إدارة المعهد الإكليريكي الأغستيني في تروخيو، وكان يُدرس القانون الكنسي في أحد المعاهد.
كما عمل أيضا مشرفا على الدراسات وموظفا أبرشيا ومدرسا في الإكليريكية ونائبا قضائيا بالكنيسة.
إعلانعام 1999، عاد إلى شيكاغو وانتُخب رئيسا لإقليم تابع للأبرشية (منطقة جغرافية كنائسية) وبعد عامين ونصف، انتُخب رئيسا عاما للرهبنة الأغستينية وخدم ولايتين.
في عام 2014، انتقل إلى بيرو بعد أن عينه البابا الراحل فرانشيسكو مديرا لشؤون أبرشية تشيكلايو الكاثوليكية، ثم أصبح أسقفا للأبرشية في العام التالي.
بين عامي 2018 و2023، شغل بريفوست منصب نائب رئيس ومقرر دائم في مجلس أساقفة البيرو، وكان له دور محوري في الحفاظ على الاستقرار المؤسسي للكنيسة أثناء الأزمات السياسية التي أدت إلى الإطاحة برؤساء في البلاد.
وفي عام 2020، عُين مديرا لأبرشية كاياو في بيرو، وظل في منصبه حتى العالم التالي. وفي يناير/كانون الثاني 2023، عينه البابا فرانشيسكو رئيسا لدائرة الأساقفة، وهو منصب جعله يشرف على تعيين الأساقفة.
وفي 30 سبتمبر/أيلول 2023، رقاه البابا فرانشيسكو إلى رتبة كاردينال، وهي من أعلى الرتب في التسلسل الهرمي للكنيسة الكاثوليكية.
عُرف عنه تحفظه في الظهور الإعلامي، وحظي بالتقدير بسبب قدرته على الاستماع والفهم العميق للقضايا. كما يُعرف بقربه من توجهات البابا فرانشيسكو بشأن البيئة والفقراء والمهاجرين والانفتاح على واقع الناس.
وقد أيد بريفوست التغييرات التي اتخذها البابا فرانشيسكو في الممارسات التي تسمح للكاثوليك المطلقين والمعاد زواجهم بتناول "القربان المقدس"، كما أبدى دعما محدودا لآراء البابا الراحل بشأن المثليين.
بابا الفاتيكانأعلن الفاتيكان يوم 8 مايو/أيار 2025 انتخاب روبرت بريفوست بابا جديدا للفاتيكان وزعيما للكنيسة الكاثوليكية، متخذا اسم "ليو 14".
واختار مجمع الكرادلة بريفوست بابا رقم 267 خلفا للبابا فرانشيسكو الذي توفي يوم 21 أبريل/نيسان 2025 بعد معاناة طويلة مع المرض.
إعلانوفي كلماته الأولى التي أدلى بها، دعا البابا الجديد إلى "بناء جسور الحوار". ويٌعد أول بابا أميركي في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان.