الكاتب عمر الحمود: الأجيال السابقة أوفر حظا منا في النقد والوصول للقارئ.. نحن جيل بلا نقّاد
تاريخ النشر: 9th, May 2025 GMT
لم يستسلم الكاتب عمر الحمود لواقع مدينته المأساوي، بل عمل على ان يكون أحد أصواتها المعبرة من خلال الكلمة التي تتجاوز الحدود فكتب عن "الرقة" الغافية على ضفاف الفرات، عروس استباحتها الحروب ولم تهنأ يوما بثوبها الأبيض الذي دنسته أيادي العابرين، ووقف الحمود يقرا تفاصيل الواقع الرقاوي ونهل من الموروث اﻹجتماعي الذي حكم مدينة هارون الرشيد العامرة
عندما يعشق الأديب، يبدع في كتاباته؛ والعشق له مراتب وأشكال وطقوس، يجسدها قصصا وروايات وقصائد من لحم ودم.
ضيفنا اليوم الذي جاور نهر الفرات، وعاش بين الأوابد التاريخية التي عاشت على ضفافه، ونهل من تفاصيل الفسيفساء البشرية الموجودة في مدينته، حيث كانت حكاياتهم محور سردياته التي وثقت كثير من الوقائع والعادات الاجتماعية في المنطقة.
*التناص جنس أدبي بلا شك، وقد ظهر جليّاً في معظم أعمالك، ما الذي دفعك لهذا الأسلوب السردي، هل تعتبره مفتاحاً للبدايات، وهناك من يشير إلى أنّه اتكاءة مريحة للكاتب لنصوص أقلّ صعوية؟
التناص في أبسط تعريفٍ له: تفاعل نص الأديب مع نصوص سابقة، أو معاصرة له، ترفده، أو يمتصها ضمن نسيجه.
وأيّ نص أدبي لا يخلو من التناص، وبنوعيه المباشر مثل دخول نص تاريخي بلغته مع النص الأصلي، أو نص ديني كآيات قرآنية، أو غير مباشر (دخول فكرة إلى النص دون تصريح عنها)، وإنّما تُعرف من خلال قراءة متأنية للنص، وهذا جعل كريستينيا تقول: (أيّ نص هو لوحة فسيفسائية من اقتباسات ونصوص سابقة له، وكلّ نص هو تشرّبٌ وتحويل لنصوص أخرى).
ويقول عنه جيرار جنيت: (التناص نص متعالٍ، يرتبط بنصٍ آخر، ولكن بطريق خفيّة). والتناص الآن أحد شواغل النقد العربي المعاصر.
وسعيت إليه لإغناء لغتي وأسلوبي، وفتح نوافذ جديدة أمامي، وهذا أجبرني للعودة إلى منابع التراث الأصيل، فزادت ثقافتي، ونشط خيالي، وملت إلى التناص القرآني، والصوفي في مواضع كثيرة لإثراء أمرين اثنينوهما: إعطاء إضافة جمالية خاصة للنص من خلال إظهاره لجماليات السرد، وهذا يجعلنا نقول أنّه تأويلٌ وبيانٌ وبلاغة، ويعيد القارئ إلى مصادر تراثية، فيستحضرها بطريقته، وتلبية لحاجة فنيّة للنص، فتثريه، وتعطيه ملمح خصوصية، أو هوية كإحياء بعض النصوص القديمة التي تشتهر بها المنطقة من حكايات وأساطير وغيرها، أو التذكير بها باقتباسٍ أو استشهاد.
التناص ليس سهلاً كما يظنّ البعض، ويزعمون أنّه اتكاءة مريحة للكاتب، بل هو من السهل الممتنع.
*المكان لم يبارح روايتك (هبوب السموم) ومجموعتك القصصية الأخيرة (عزف بأنامل عاشقة)، وكانت مدينة (الرقة) حاضرة دون غيرها من الأماكن، هل هو الوفاء أم الانتقام من معاناتها من النسيان رغم مافيها من حضارات؟
جوابي على هذا السؤال جواب العاشق حين يُسأل: لماذا تحضر معشوقتك دون غيرها من النساء؟
الرقة مسقط رأسي، ومهوى فؤادي، وملاذ روحي، وملهمة كتاباتي، وأغنيتي التي يطربني سماعها، ويأخذني إلى عوالم وردية، والأميرة العباسية التي يبهرني جمالها وكبرياؤها، وقلّما تجد مقالة لي أو قصة أو رواية تخلو من الرقة، إنّها زقورتي العالية، وحكايتي المؤسطرة، ومكان حضارة وتاريخ وذاكرة حيّة، تفيض بكلّ ما هو عتيق، وإرث ثري، لازال في معظمه دفين تراب أو مجلّدات الوراقين، ومَن يجد نفسه محاطاً بكلّ هذا من الطبيعي أن ينتشي بحبّ المكان، ويكون وفياً له، وعند الصحو تثقله مسؤولية تجاهه، مسؤولية امتلاكه الوعي الجمالي ضدّ القبح في الأشكال التي لم تُنجَز بعد، وإعطاء المكان حقّه في الاكتشاف، وإبعاده عن النسيان، والتهميش، أو التغييب العفوي، أو التغييب المقصود.
يتم هذا بشكلٍ عفوي، لا بدافع الانتقام، ربّما بدافع إثبات الذات للمكان والإنسان فيه.
المكان الرقي عنصر لا تعتدل نصوصي إلا به، وهو الحاضن لوجودي، ولم أفارقه في أشد الأوقات قساوة ودموية خلال الأزمة السورية، وهو الساحة الأولى لنشاطي، ومنه انطلقت إلى أمكنة أبعد وأوسع، وهو يثري خيالي، وينشّطه، وتشكيلاته ومكوناته تُغني نصوصي، وتخلق لدى قرائي إيهاماً بالواقع المفترض، وللمكان الرقي ريادة في مختلف المجالات، فله ريادة فكرية، فهو موطن الحضارات التي شاطأت نهري الفرات والبليخ، ويتصدّر الريادة المعمارية، ففيه أقدم مسكون في العالم (مريبط) غربي الرقة 9000 سنة قبل الميلاد، وهو وريث ريادة اقتصادية، ففيه أول إنبات للحنطة والشعير والذرة، هو غالية هارون الرشيد في زمنٍ ذهبي مجيد، وسليل أميرات الماء، إنه متحفٌ كبير، فكلّ تل يحتفي بكنوزٍ وكنوز، وكلّ سهل يسرد تاريخاً وتاريخاً، وكلّ حجر يخفي سراً لايبوح به إلا لمحبي المدن ومجانين المكان.
وإنْ قال رسول حمزاتوف: العالم يبدأ من عتبة بيتي.
فأقول حبّاً ووفاءً للمكان الرقي: العالم يبدأ من بوابة بغداد في الرقة، وكلّ الأنهار فرات، وكلّ المدن الرقة.
فلاتستغرب إنْ ظهر للرقة الأثر الجلي في كتاباتي، ويظلّ في نفسي توق وحنين إليها، ينبض من كلّ عرقٍ عميق.
*ثيمة الاغتراب تبرز في أعمالك، إلى أيّ حدٍ يعيش الكاتب هذه الحالة، أم أنّه واقع بات مفروضاً حتى وهو بين ظهراني أهله وبيئته؟
ميّز الله الكاتب عن غيره بأنْ وهبه موهبة، ودرجة عالية من الرهافة والحساسية، إلى درجة صار فيها الكاتب مثل نبي، معجزاته نصوصه، في معنىً من المعاني، وكلّ نبي يحارَب من قِبَل قومه، وتأخذه هذه الحرب إلى الشعور بالاغتراب أو العزلة!
فالمثقف بشكل عام، وللكاتب بشكل خاص عالمه الذي يريده، أو الذي يحلم به، وهو عالمٌ بعيد عن العالم الذي يعيش فيه، وتختلف بينهما الرؤى والأهداف والتطلّعات، فيجد نفسه غريباً فيه، حتى وهو بين أقرب الناس إليه، وينعكس هذا على شخصيات نصوصه، فتظهر عليها ملامح الاغتراب، والأديب كما تعلم يعيش حالة القلق حتى إنْ تصالح مع محيطه، وهذا القلق يشعر به بعد كلّ نصٍ يكتبه، قلق يحفّزه لكتابة نصٍ جديد مغاير للنص السابق، ونسميه هنا قلق دافع للإبداع.
الاغتراب والحزن والضياع ليس جديداً علينا، نحن أبناء الفرات إنّه من مكونات إرثنا، نعم إنه موروث منذ عهد جلجامش وطقوس النحّابين، وندب الموتى، وكأنّه قدرٌ كتبه الله علينا في اللوح المحفوظ!
*ما الذي يدفع الكاتب أن يهجر الكتابة، أقول هذا، وأنا أعرف أنّ الرقة فيها أدباء كثر، ومنهم من كتب، ولم ينشر، ومنهم غادر محراب العشق مكرهاً، ما هو السبب في رأيك؟
الثقافة بمجملها اليوم في وضعٍ لاتحسد عليه، نحن في زمنٍ قريب من الفوضى، لامؤسسات ثقافية رسمية فاعلة، ولامنظمات مدنية، أو أهلية حاضنة أو داعمة، وإنْ وُجِدَت تلك المؤسسات، فيديرها أشخاص لايميّزون بين التاء المربوطة والتاء المبسوطة، وليس لهم من الثقافة سوى الاسم، وخاصة في الأطراف من البلاد.
ولا يخفى على أحد حجم المعاناة التي نعيشها خلال الأزمة السورية، معاناة لا تتركنا لحظة واحدة، وتجثم على صدورنا، وبعض الأدباء ترك الكتابة أمام ثقل هذه المعاناة، ومشاغل الحياة الأخرى، ومتطلّبات العيش، فكرّس أوقاته للركض وراء اللقمة، في واقع متردٍ جعله يرى الكتابة ترفاً لا يقدر عليه، وخاصة أنه لا يوجد عندنا (تفرغ للكاتب) مثل دول كثيرة.
وغيره نال منه الإحباط، وبات على يقينٍ تام بأنّ الكتابة لا تأثير لها في المجتمع أمام ابتعاد الناس عن القراءة، وغياب الطبقة الوسطى التي كانت الحامل الاجتماعي للثقافة، وأنّ الزمن ليس زمن الكلمة، بل هو زمن الرصاصة أو الدولار، وهذه أكبر هزيمة للكاتب (لأنها هزيمة من الداخل )، وبأنّ الكتابة قد تورّطه في أمور لا يرغب بها في أزمةٍ لعينة، صار فيها الإنسان يأكل لحم أخيه بتلذذٍ وتشفٍ!
والقليل الذي تابع الكتابة استمر بجهودٍ فردية تُحسَب له، إنّه يحمل خشبته على كتفيه ينتظر من يصلبه عليها، أو هو على صراط المخاطر يصرّ على ترك بصمته، ولو كتبها بدمه ولوعته، فلازال القمع السياسي والمجتمعي يلاحق الكاتب، مَن يكتب اليوم بصدق كالقابض على جمرة، وأعتقد أنّه يرى الكتابة جنونه الجميل الذي يشتهيه في هذا العصر المتقلّب، ولكلّ كاتبٍ جنونه الخاص مثلما له جمرته الخاصة. فللكاتب عالمه الخاص، وهذا حقّه.
هذا يقودنا إلى سؤال مهم، هل المدن البعيدة عن العواصم مكتوب عليها أن تبقى خارج الضوء، وكم يجب على الأديب أن يبذل من جهد، ويبدع كي يتجاوز الأسوار؟
لازالت الثقافة المركزية (مراكز المدن) تحتكر الثقافة، وتحتكر أضواءها، ولا تمدّ الأطراف بها، ولا تتفاعل معها، هذا من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى تحتاج الرواية إلى مجتمعٍ متعدد العلاقات، مركّب الروابط أي على مدينة بالفعل وليس بالاسم، لكنّ أدباء الرقة كسروا هذه القاعدة، ولم يؤمنوا بها قدَراً لهم، وجعلوا بعدهم الجغرافي عن العاصمة وأضوائها حافزاً للنهوض بواقع مدينتهم الثقافي، متحدّين المصاعب التي واجهتهم، فأقاموا أكبر المهرجانات في الرواية والشعر في الرقة، استقطبت أدباء من سورية ومن الدوال العربية ودول العالم الأخرى، وخرج معظم أدباء الرقة من عباءات المضارب إلى صالونات الأدب في المدن، وأبدعوا، ونشرت لهم كبريات المجلات الثقافية، وعدد منهم تجاوز الساحة السورية، ووصل إلى الساحة العربية، وتصدّرَ المشهد فيها، وعدد آخر حصد جوائز عربية في القصة والرواية، وترُجم نتاجه إلى لغاتٍ أخرى. لكنّ حدوث الأزمة السورية أبطأَ هذا.
أتساءل عن علاقة الكاتب بالنقد، وهل ثمّة نقد حقيقي، ونقّاد متصالحين مع ما يُكتب دون أن يخضعوا لمزاجيتهم، أو للقواعد الروتينية للنقد؟
الناقد الحقيقي كاتبٌ ثانٍ للنص، ولن يكون هكذا إلا إذا كان على سويةٍ معرفية عالية بمناهج النقد ومدارسه، ويتصف بالعلمية والحيادية، ويشير إلى مواقع الخلل، ويبحث عن مكامن الجمال في النص، كما يجب أن يكون، وأن يفرّق بين الكاتب، والنص، ويبذل جهداً لايقلّ عن جهد الكاتب، ويكون جديّاً في تعامله مع النص وبعيداً عن (الشللية) و(المزاجية) ليُظهر النص الجيد من بين بيادر نصوص رديئة، ساعد على انتشارها حلول الأزمة السورية، وسهولة النشر على وسائل التواصل الاجتماعي.
معظم نقّاد اليوم يشتغلون على قواعد روتينية، وفي دائرة ضيّقة، ولتكريس أسماء معيّنة لا تحمل سمات المرحلة.
الأجيال السابقة لنا كانت أوفر حظاً منّا في النقد، كما هي أوفر حظاً منّا في الوصول إلى القارئ، فالزمن الذي عاشت فيه هو الزمن الذهبي للكتاب الورقي. نحن جيل بلا نقّاد، لقلّة عدد النقّاد الحقيقيين.
ككاتب كيف ترى الدور الذي لعبه الأدب في التغيير الذي حصل في سورية، وهل كان مؤثّراً ؟
لم يكن التغيير الذي حصل في سورية يتم لولا تراكمات ثقافية واجتماعية وسياسية سابقة له، والثورة بدأت بكلمةٍ رافضة للواقع الظالم، حوّلها لآخرون إلى أفعالٍ ولوحاتٍ وأغانٍ.
وأعتقد أنّ معظم أدباء سورية لم يكونوا شهود صمت على الخراب، بل كانوا دعاة إصلاح وتغيير، وكلٌّ حسب طاقته، وأرادوا للسوريين أن يكونوا سوريين بامتياز قولاً وفعلاً.
وأزعم أنّ روايتي (هبوب السموم) تنبّأت بشكلٍ من الأشكال بما تمّ في سورية، فقد قرأت الواقع، وجهرتْ بصوتٍ صارخ: كلّ بنيان لا يقوم على العدل نهايته الخراب.
أمّا عن النصوص التي كُتِبت أثناء الحرب، فمن المبكّر الحكم عليها، لكن كلّ ما كُتِب يقف خجولاً أمام نقطة دم واحدة أريقت من سوري بريء، وأزعم بأنّ النظرة الأولية لما كَتِب توحي بأنّ معظمه كان انفعالياً لم يرتقي إلى الفنية المطلوبة، ربّما الكتابة عن الحرب تحتاج إلى زمن بعدها ( خاصة في النثر ) ليحصل الكاتب على تركيزٍ أكثر، وقراءة أوعى للحدث، وإيضاح أكثر للصورة، وحينئذ تكون الحرب نُقِلت نقلاً فنياً، وليس نقلاً توثيقياً، فالكتّاب الروس وكتّاب أوربا لم يكتبوا عن الحرب العالمية إلا بعد مضي عقود على انتهائها، فلكلّ تغييرٍ نص سابق، ونص راصد، ونص لاحق، وإنْ تأخّر.
ما بين الإعلام والأدب تشاركية من المفترض أن تكون فاعلة كي تؤدي الهدف والرسالة، كيف ترى هذه العلاقة، على المستوى السوري، والعربي؟
التشاركية هي ما نطمح إليه ككتّاب، لكنّ الإعلام السوري لم يحقق هذه التشاركية، وانفرد برأيه وفق اعتبارات كثير كالاعتبار السياسي، ولم يكن حيادياً نزيها في معظم حالاته، فابتعد عن الرسالة والهدف، وتوقّف الإعلام لدينا عند سطح الأدب، ولم يتجاوزه إلى العمق، وقد سوّق لأعمالٍ أدبية لا قيمة لها، وأهمل أعمالاً ثمينة، ركض وراء ( الكبار)، و مَن يزمّرون للسلطة، ورفعهم إلى درجة الآلهة، ولم يلتفت إلى الآخرين إلا ما رحم ربي، لقد تناسى أنّ جمالية المشهد الثقافي في تعدد ألوانه، وبغير هذا تبقى اللوحة الإبداعية ناقصة، حتى البرامج الثقافية المعدودة التي كنّا نراها في وسائل الإعلام غابت، وإنْ حضرت فهي هابطة في مستواها المعرفي، ولا تقدّم الجديد والمفيد والممتع للمتلقي، والعدد الكبير منها سُيس لصالح جماعة أو حزب، أو ايدلوجية معينة، فخرجت عن وظيفتها الأساسية في نشر الثقافة الحقيقية للجميع، وتعزيز الهوية، فغابت الثقافة والمثقفون، وحضرت الثرثرة الفارغة، وأشباه المثقفين!
خراب أيّ بناء من الممكن إعادة إعماره خلال زمن قصير، سنة أو سنتين، لكن إعادة إعمار الثقافة التي يُفترض أنّ الإعلام أحد معمريها تحتاج إلى سنوات طويلة، والإعلام العربي لم يكن بعيداً عن الإعلام السوري، عدا استثناءات قليلة نراها في بعض القنوات العربية، فحلّ فراغ ثقافي خطير، ملأته ثقافة هجينة، أو دخيلة، أو استهلاكية، تعدد المسميات والمسمى واحد!
ككاتب ربما أتيحت لك فرصة النشر في القنوات الحكومية دون أن تدفع، إلى أي حد يعاني الكاتب من مسألة النشر، وكيف تبدو علاقة الأديب مع الناشر عموماً؟
كتبي طُبِعَتْ لدى ناشر رسمي، فلم أهتمّ بمسألة تسويق الكتاب أو توزيعه، ولا أنكر أنّ التعويض المالي الذي يُعطى للكاتب من تلك الجهات لا يناسب الجهد الذي يبذله في الكتابة.
أمّا عن علاقة الكاتب مع الناشر الخاص، فالكاتب يفرح حين ينجز كتاباً، ويشعر أنّه امتلك العالم، أو أنّ الدنيا وهبته مايريد، ولا تستمر فرجته طويلاً، فيقصف عمرها الناشر، حيث يأخذ ثمن الطباعة الباهض منه، ويعيده إلى واقعٍ أليم، لا يحتفي بالكتاب، فيضطر الكاتب أن يأخذ على عاتقه مهمّة الإعلان عن كتابه وتسويقه، وإلا سيظلّ حبيس المستودعات، فيقمّص الكاتب دور التاجر مكرهاً، وهو الخاسر حتماً، وقد نلتمس العذر لبعض دور النشر التي تعاني من أزمة تمويل، ولا قدرة لديها على انتظار قد يطول حتى تحصل على مردود مادي من الكتاب، لكن هناك دور نشر تعتبر الكتاب سلعة تجارية غير مربحة، فتطبعه، وتترك الباقي على الكاتب، وأخرى لا تمتلك خطة ناجحة للتسويق عبر الندوات والمعارض وحفلات توقيع الكتاب، ولا تملك احترافية الإعلان والتسويق، وتجهل طرق التسويق الحديثة كالكتاب الالكتروني أو الصوتي. ففي النهاية العلاقة بين الكاتب والناشر علاقة غير متكافئة.
استطاعت الرواية الخليجية بشكل عام أن تجد لها مكانة في الواجهة عربياً، برأيك كيف استطاعت أن تحقق هذه المكانة؟
تربّعت الرواية المصرية على عرش الرواية العربية زمناً، ثم ّتبعتها الرواية في بلاد الشام، ثم الرواية العراقية ورواية المغاربة، وفي السنوات الأخيرة ظهرت الرواية الخليجية، ونالت مرتبة متقدّمة، وساعد على ذلك عوامل كثيرة، ومنها: التطور السريع للمجتمع الخليجي في كلّ المجالات، وخاصة المجال الاقتصادي والتكنولوجي، وهذا أعطى مساحاتٍ رحبة للكاتب، يجول ويصول فيها كما يشاء، ومنح الكاتب استقراراً وسكينة، وسهولة النشر، والترجمة، وسطوع ظاهرة الكتاب الالكتروني، ووجود مؤسسات ثقافية رسمية وأهلية داعمة للأدب، وقادرة على تسويقه وتوزيعه ورقياً والكترونياً، ووجود جوائز كبرى مثل كتارا، والشارقة، وبروز أسماء لمعت في الرواية مثل: عبد الرحمن منيف، ويوسف المحيميد، وليلى العثمان، وبثينة العيسى، ورجاء العالم، وعبده خال، وغازي القصيبي، وتركي الحمد، وليلى الجهني، وأميمة خميس، وإسماعيل فهد إسماعيل، وأحمد الزبيدي، ووصول روايات بعضهم إلى البوكر مثل رجاء العالم في رواية (طوق الحمامة)، وعبده خال في رواية (لوعة الغاوية). مع كثرة معارض الكتب فب الخليج، وهذه المعارض دورية، وتصحبها ندوات ثقافية، ووجود مجلات ثقافية مثل مجلة العربي والكويت ونزوى والدوحة والفيصل، وهذه المجلات أسهمت بالتعريف بالرواية الخليجية. وتصدّرت السعودية المشهد الروائي الخليجي كماً ونوعاً، ومن حيث نسبة المشاركة النسوية، والقدرة على التجريب وكشف الستار عن المسكوت عنه.
وعالجت تلك الروايات مامرّ به المجتمع الخليجي من تحولات، فبرز أثر النفط في المجتمع في روايات عبد الرحمن منيف مثلاً، وظهر أثر الانفتاح على المجتمعات الأخرى في روايات رجاء العالم، وظهرت خصوصية المكان السعودي عند عبده الخال، وظهر البحر والطقوس الشعبية عند مختلف الكتّاب في سلطنة عمان، وأقول: إنّ النقد لم يواكب الرواية الخليجية حتى تاريخه.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الأزمة السوریة الذی ی
إقرأ أيضاً:
معاريف: أسيرة إسرائيلية سابقة كانت أكثر أمانا لدى حماس
كشفت أسيرة إسرائيلية سابقة في غزة أفرج عنها في صفقة لتبادل الأسرى بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل أنها نجت من الأسر ليتم اغتصابها في تل أبيب.
وكانت الأسيرة السابقة في غزة ميا شيم (23 عاما) قد تقدمت قبل شهر تقريبا بشكوى إلى الشرطة الإسرائيلية ضد مدرب لياقة بدنية معروف من تل أبيب، واتهمته بأنه اغتصبها في منزلها باستخدام عقار اغتصاب.
لكن قضيتها أثارت ضجة كبيرة في إسرائيل والعالم بعد مقابلة تلفزيونية أجرتها على القناة 12 الإسرائيلية، بحسب صحيفة معاريف الإسرائيلية.
ونقلت معاريف على موقعها العديد من ردود الأفعال على وسائل التواصل الاجتماعي سواء المتعاطفة مع الأسيرة السابقة أو الساخرة بعد أن كانت زعمت أن "حماس اغتصبتها بأعين مقاتليها"، واتهم المعلقون إسرائيل بأنها ليست فقط قاتلة للمدنيين الأبرياء في غزة، بل أيضا بأنها إحدى أكثر الدول خطورة على الحياة الجنسية، بحسب الصحيفة.
وكتب معلق يقول "إذن مغتصبو حماس لم يغتصبوها، بل كان واحدا منهم"، في حين كتب آخر "كانت أكثر أمانا لدى حماس"، وكتب آخرون يقولون "هذا أمر مؤسف للغاية"، "أصدقها"، و"يا لها من قصة حزينة"، و"مروعة للغاية. آمل أن تحصل على العدالة، وبسرعة"، بحسب ما نقلت عنهم الصحيفة الإسرائيلية.
إعلانوتقول الصحيفة إنه، بحسب التقارير الرسمية، فمن بين آلاف الشكاوى المقدمة كل عام بشأن الجرائم الجنسية في إسرائيل، فإن نسبة صغيرة فقط منها تؤدي إلى توجيه اتهامات وإدانات.
وحتى في قضية الأسيرة السابقة ميا، فرغم أن المشتبه فيه وجد أنه يكذب على جهاز كشف الكذب، فقد تم إطلاق سراحه من الحجز بسبب عدم وجود أدلة، ولم يتم توجيه اتهام إلى شاهد رئيسي حتى الآن، وفقا لصحيفة معاريف.
يذكر أن جميع الأسرى الإسرائيليين الذين أفرجت عنهم حركة حماس في صفقات التبادل السابقة مع إسرائيل كانوا بحالة جيدة، رغم ظروف الأسر والقصف الإسرائيلي العنيف وشح الغذاء والدواء.
في المقابل، فإنه منذ بدء حرب الإبادة على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تضاعفت معاناة الأسرى الفلسطينيين بشكل لم يسبق له مثيل منذ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 بإجماع مؤسسات مختصة بشؤون الأسرى.
وبلغت حصيلة حالات الاعتقال منذ بدء الإبادة في غزة 16 ألفا و400 اعتقال، من بينهم أكثر من 510 من النساء ونحو 1300 طفل، "وهذا المعطى لا يشمل حالات الاعتقال من غزة والتي تقدر بالآلاف بما فيهم النساء والأطفال".
وشكّلت جرائم التعذيب بكافة مستوياتها وجريمة التجويع والجرائم الطبية والاعتداءات الجنسية، ومنها الاغتصاب، الأسباب الأساسية التي أدت إلى استشهاد أسرى ومعتقلين بوتيرة أعلى مقارنة مع أي فترة زمنية أخرى، وذلك استنادا لعمليات الرصد والتوثيق التاريخية المتوفرة لدى تلك المؤسسات.