1909م …قصة ميناء بورتسودان من طق طرق
تاريخ النشر: 10th, May 2025 GMT
1909م …قصة ميناء بورتسودان من طق طرق …
مكرر من مارس 2019م …
لم يكن اللورد كتشنر صاحب الفضل في تأسيس ميناء بورتسودان وفقا للمنشور الدعائي المتداول حاليا وكم فيها من تلفيقات ولكن طالما تناول التلفيق معلومة تاريخية لا رأي سياسي فلا مناص من ترك الوقائع تتحدث.
بعد كرري 1898م ظل كتشنر حاكما عاما لمدة عام ونصف تقريبا أعقبه في المنصب ونجت المشهور ، وقرر ونجت إعادة تأهيل ميناء سواكن والنظر في تجديد مشروع خط السكة الحديد من سواكن إلى عطبرة وهو الخط الذي كان مزمعا إنشاؤه من سواكن إلى بربر سنة 1884م ، ولكن العمل في ذلك المشروع تعطل بسبب هجمات رجال عثمان دقنة .
ولكن كان هناك صاحب فضل آخر قاتل على غير رغبة ونجت لاختيار ميناء جديد في مرسى يسمى مرسى الشيخ برغوث (برءوت) ويبعد شمال سواكن ب 35 كلم تقريبا وهو المهندس مكدوجال رالستون كينيدي Macdougall Ralston Kennedy
في 1903م غادر المهندس كيندي ميناء السويس نحو سواكن لمباشرة عمله بالسودان مسئولا عن الأشغال العامة Public Works ، وخلال دردشة مع قبطان الباخرة أخبره القبطان عن رأيه الشخصي في أن ميناء سواكن غير صالح للمستقبل وأن عيوبه كثيرة وأن هناك مرسى أفضل منه كثيرا إسمه الشيخ برغوث ، وفي الطريق أراه الكابتن موقع الشيخ برغوث ثم واصل إلى سواكن والتي حالما وصلها حتى اقتنع فورا بكل ما قاله له القبطان (البطل الحقيقي الذي لم نعرف إسمه)
في حقيقة الأمر فإن رأي ذلك القبطان لم يكن جديدا فقد وجدت في المصادر البريطانية أن قباطنة السفن كانوا يعلمون من سنة 1876م بوجود مرسى أفضل من سواكن اسمه الشيخ برغوث فهي إذن كانت معلومة شائعة لديهم.
في سواكن وبعد المعاينة قرر كينيدي أن سواكن بها من العيوب ما يكفي فهي لن تستطيع استقبال سفن حمولتها أكثر من 5000 طن كما أن القدرة الاستيعابية للميناء لا تتعدى الـ 6 سفن في الوقت الواحد إضافة لصعوبة المناورة و ازدحام الجزيرة بالمباني بما يجعل إمكانية تطويرها صعبة جدا. قام كينيدي بعدها بزيارة لمرسى الشيخ برغوث فوجد المدخل واسعا ومنفتحا أكثر على البحر كما أن المرسى باستثناء مرقد الشيخ برغوث وبضعة عشش فهو منطقة شبه خالية من السكان الأمر الذي سيسهل تخطيط وبناء ميناء جديد على المزاج.
في نوفمبر 1903م بدأ العمل في خط السكة حديد بين عطبرة وسواكن وفقا لخطة ونجت وكما هو مطلوب من الحاكم العام ونجت فقد جهز المهندس كينيدي تقريره وخطته اعتمادا على خيار سواكن وفي أبريل 1904م قدم المهندس كينيدي تقريره بخصوص توسعة ميناء سواكن لكنه أكد أفضلية تأسيس ميناء جديد في الشيخ برغوث، ولكن ونجت ظل متمسكا بخيار سواكن مما دعا كينيدي لاقتراح طرح الأمر على لجنة ، وأكد على الصعوبات والتكاليف الغير منظورة والتي سيواجهها مشروع إعادة التأهيل في سواكن بينما ستظل باقي العيوب كما هي.
الخطأ الذي لا يغتفر: في أكتوبر 1904م تخطى المهندس كينيدي رئيسه المباشر الحاكم العام في الخرطوم (ونجت) وأرسل خطابا إلى اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني في القاهرة وكان يعتبر في هرم السلطة أرفع من ونجت فما كان من كرومر إلا أن تجاوب مع المهندس كيندي وأمر بتشكيل لجنة لدراسة الخيارين : سواكن أم الشيخ برغوث، وجاء تقرير اللجنة يؤيد خيار الشيخ برغوث ميناءا جديدا للسودان ، وسيظل ونجت يدفنها للمهندس المخلص لمهنته كينيدي الذي قدم للسودان خدمة أظنها مجهولة وكان يستحق كما هي عادة الخواجات أن يسمى الميناء الجديد ميناء كينيدي ولكنهم أطلقوا عليه إسما وصفيا هو : ميناء السودان Port Sudan ، وأوصت اللجنة بتحويل محطة السكة حديد من سواكن إلى الموقع الجديد في الشيخ برغوث ومواصلة مشروع مد الخط من عطبرة إلى بورتسودان.
خاض المهندس كينيدي معركة أخرى من أجل تعديل مخطط الميناء والمدينة فقد كان صغيرا جدا فأصر على تعديله لخمسة أضعاف المساحة الأصلية وزيادة المسافة بين المرسى وخط السكة حديد وكلها تعديلات تسمح بالتوسعات المستقبلية للمدينة
في يناير 1905م بدأ العمل في مشروع الميناء الجديد بإشراف المهندس كينيدي باعتباره مديرا للأشغال العامة ( يعني أول وزير أشغال) واستطاع كينيدي التغلب على مشكلة شح المياه باستجلابها من خور أربعات ، وفي خلال السنة الأولى وصل عدد السكان في المدينة الناشئة إلى ما يقارب ال 4300 من المصريين والأحباش والعرب والإيطاليين و الأغاريق والإيرانيين وبعض السودانيين وتم اقتراح أن يكون إسم الميناء الجديد ميناء ونجت أو كرومر ولكن كليهما أعرضا وأبديا عدم حماسهما !!
وفي 27 يناير 1906م تم افتتاح خط سكة حديد الخرطوم بورتسودان
في 1 أبريل 1909م تم افتتاح الميناء الجديد (بورتسودان) بحضور الخديوي عباس حلمي الثاني ، وبعد ذلك طرأت صعوبة وهي الجو الحار الخانق صيفا فبادر المهندس Kennedy لاقتراح نقطة جبلية مرتفعة معتدلة الجو مقرا للإدارة خلال الصيف فكانت: أركويت.
كانت المباني الرئيسية وقت افتتاح بورتسودان هي مبنى الجمارك ، مبنى البوستة ، مدرسة ، مستشفى ، مسجد مبني من الخشب وكنيسة للأغاريق وكنيسة للروم الكاثوليك ومدرسة الإرسالية ونادي بورتسودان الرياضي وحديقة.
كيف كانت نهاية سيرة المهندس كينيدي Kennedy في السودان ؟
والكتابات التي وجدتها عنه تشير إلى أنه كان عرضة لمضايقات مستمرة من ونجت وهي دغالات وقتاتات يبرع فيها الخواجات ببرود وهدوء شديد ، وكانت آخر معارك كينيدي تتعلق بكمية المياه المطلوبة لري مشروع الجزيرة ، فغادر السودان في 1916 ، ومات في 1926م في الـ 51 من عمره.
الصور في التعليقات :
+ الصورة الوحيدة للمهندس كينيدي بطل تأسيس ميناء بورتسودان.
+ أعمال مشروع المياه من خور أربعات
+ 1906 : الخديوي عباس حلمي يفتتح الميناء الجديد
تلكم كانت قصة بورتسودان من طق طرق ، أما قصتها حتى السلام عليكم فما زالت تدور مع الأيام.
كمال حامد عبد الرحمن
الخرطوم.
#كمال_حامد ???? إنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: میناء بورتسودان المیناء الجدید من سواکن
إقرأ أيضاً:
بين التشكيك والوفاء: الأردن وغزة… حكاية لا يكتبها الزيف
صراحة نيوز ـ بقلم النائب الكابتن زهير محمد الخشمان
في زمن تداخلت فيه الحقائق بالشائعات، وغابت المعايير الأخلاقية أمام سطوة التضليل الرقمي والمصالح الضيقة، برزت حملة تشكيك ممنهجة تستهدف الدور الأردني الأصيل في نصرة غزة، محاولةً ضرب الثقة التاريخية بين الشعبين الشقيقين، والنيْل من مؤسسات الدولة الأردنية، وفي مقدمتها الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، التي لطالما كانت ذراعًا إنسانيًا صادقًا في وجه الكوارث والصراعات.
إن ما يتم تداوله من اتهامات باطلة حول تقاضي الأردن “رسوم عبور” على المساعدات المتجهة إلى القطاع ليس مجرد كذب يُروّج، بل مشروع إساءة يستهدف طعن أحد أنظف المواقف وأكثرها أخلاقية في المنطقة. الأردن، الذي فتح أجواءه وموارده ومطاراته وحدوده، لم ينتظر شكرًا من أحد، ولم يسأل عن العرق أو الدين أو اللغة حين أنقذ، وأسعف، وشارك في ترميم جراح المنكوبين.
ما يجهله البعض، أو يتجاهله عمدًا، هو أن دعم الأردن لغزة ليس موقفًا طارئًا ولا حملة علاقات عامة، بل هو امتداد لهوية سياسية وإنسانية وثقافية لا تقبل التفريط بفلسطين، ولا بالموقف العربي تجاه قضيتها المركزية. إنها عقيدة رسّخها التاريخ، وثبّتها الأردنيون، قيادةً وشعبًا، في كل محطة.
ومن قلب هذا الالتزام، كانت الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية حاضرة كما كانت دومًا، تنسق، وتُرسل، وتنقل، وتسند. ولأنها تعمل في الظل، ولأنها لا تصرخ بمنجزاتها، تجرّأ البعض على الطعن بها، متناسين أن هذه الهيئة نقلت آلاف الأطنان من الإغاثة إلى غزة، وجهّزت المستشفيات الميدانية، وكانت في عمق الميدان في الوقت الذي انشغل فيه الآخرون بالحسابات السياسية.
ولعل أبرز ما ميّز هذه المرحلة هو التحرك الملكي المباشر بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي لم يكتفِ ببيانات الإدانة، بل أمر بسلسلة من عمليات الإنزال الجوي العسكري في أجواء غزة، نُفذت عبر سلاح الجو الملكي، رغم كل التحديات اللوجستية والسياسية. لقد عبّر جلالته، كما اعتدناه، عن موقف سياسي وإنساني واضح: “فلسطين ليست ورقة تفاوض، بل قضية وطنية أردنية، ولا نقايض في إنسانية شعبها تحت الحصار والقصف”.
وإلى جانب جلالته، برز سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، الذي لم يكن مجرد ناقل لرسائل الدولة، بل كان مبادرًا، حاضرًا، ومتبنيًا للقضية بروح شابة مسؤولة، نقلت موقف الأردن إلى المحافل الدولية بلغة حديثة، صادقة، ومؤثرة، أكد فيها أن الدفاع عن الفلسطينيين ليس خيارًا بل التزامًا نابعًا من قيم العدالة والحرية.
وإذا كنا نتحدث عن الأداء الأردني، فلابد من وقفة مع القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، الذي جسّد مبدأ “الجيش لخدمة الوطن والأمة”، فكان على رأس فرق الإسناد والإنزال الجوي، ونفذ مهامًا حساسة، وفتح ممرات آمنة للمساعدات، دون ضجيج إعلامي. الجيش الأردني اليوم لا يحمي حدود الدولة فقط، بل يدافع عن ضمير الأمة وكرامة الإنسان.
أما الخدمات الطبية الملكية، فقد أثبتت مرة أخرى أنها ليست مجرد مؤسسة صحية، بل قوة إنسانية متكاملة. إذ عملت على تجهيز شحنات الأدوية والمستلزمات الطارئة، وأرسلت الفرق الطبية، وأسهمت في الإشراف على المستشفيات الأردنية الميدانية داخل غزة. لقد كان الطبيب الأردني في هذه الأزمة، جنديًا بقلب إنساني، لا يغادر مكانه حتى يؤمّن رعاية حقيقية لكل مصاب.
هذه المنظومة الأردنية المتكاملة، من قيادة عليا، وجيش، وخدمات طبية، وهيئة إغاثية، ومجتمع متضامن، لم تكن لتُستهدف بهذه الحملة لولا تأثيرها وفاعليتها. إن هذه الحملة تسعى لاختراق جدار الثقة بين الأردن والشعب الفلسطيني، لكنها تصطدم بحقيقة بسيطة: أن من يعمل لأجل الناس لا يحتاج إلى تبرير، وأن من يعطي لا يُسأل عن حسابات المال، بل يُشكر على نُبل الفعل.
إن التشكيك اليوم لا يضعف من موقف الأردن، بل يكشف غيرة أولئك الذين تخلفوا عن نصرة غزة. والمؤسف أن بعض هذه الادعاءات صادرة من جهات تواطأت بالصمت، أو باعت مواقفها تحت الطاولة، وتحاول اليوم أن تُلبس الأردن ثوبًا ليس له.
إننا نقول لهؤلاء: الأردن كان وما زال صاحب الموقف الأعلى، والأكثر ثباتًا، والأكثر أخلاقًا في هذا الإقليم. وكل محاولة لتشويهه، لن تزيده إلا تماسُكًا. ومن أراد أن ينافس الأردن في دعم فلسطين، فليُقدّم الفعل لا الاتهام، والدواء لا الافتراء.
وفي النهاية، تبقى الحقيقة واضحة: الأردن لم يطلب شيئًا من أحد مقابل دعمه لغزة، لا مالًا، ولا شهرة، ولا صفقة سياسية. الأردن قدّم ما يقدّمه الشرفاء… وهو مستمر، رغم حملات التشكيك، ورغم كل الضجيج، لأن ما يربطه بفلسطين، ليس موسمًا، بل مصيرًا مشتركًا وحلمًا عربيًا لا ينكسر.