تواصل شرائح واسعة من أبناء الشعب التونسي سداد أثمان باهظة جراء انقلاب 25 تموز (يوليو) 2021، الذي أسفر عن وضع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية تحت هيمنة أجهزة قصر قرطاج وقبضة الرئيس قيس سعيّد شخصياً. والمحاكمات الأخيرة للعشرات من الساسة والصحافيين والنشطاء، والتي اتخذت إجراءاتها الغيابية صفة أدنى حتى من المهزلة المعلنة المفتوحة، ليست سوى أحدث الأحزان في مسلسل مطوّل.
والتقارير التي تصدرها سنوياً غالبية المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والحريات العامة تصنّف تونس في مرتبة متدنية، بسبب سلسلة تدابير استبدادية لجأ إليها سعيّد بعد انقلابه؛ فتشير على نحو خاصّ إلى الإطاحة بالحكومة، وحلّ البرلمان، وتمرير دستور جديد بأغلبية تصويت ضئيلة وفاضحة، وإصدار قانون انتخابات مفبرك، والمضيّ أبعد في حملات القمع وكمّ أصوات المعارضين أو ممثلي الرأي العام ورجال الصحافة.
ففي الانتخابات التشريعية التي نظمها قصر قرطاج مطلع العام 2023، لم يكن الإقبال الهزيل على صناديق الاقتراع هو المؤشر الوحيد على عقم تلك اللعبة، بل جاءت النتائج فضاحة من حيث تركيبة المجلس وما عكسه من مستويات تمثيلية هزيلة. لكن سعيّد لم يكتفِ بإجهاض التمرين المضحك ذاته الذي كان شخصياً وراء إطلاقه، بل عمد أيضاً إلى حلّ المجالس البلدية التي كانت قد انتُخبت ديمقراطياً للمرّة الأولى في تاريخ البلاد. وأمّا الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فقد هيمنت عليها أشباح اقتصاد يترنح، ولكن لم تغب عنها ألعاب سعيّد الشعبوية في مزاعم التصدّي للبنك الدولي وصندوق النقد؛ فلم تكن مفاجأة أنه فاز بها بنسبة تجاوزت… 90%.
واليوم أيضاً، إذا صحّ أنّ بعض شرائح المجتمع التونسي، أنصار سعيّد وبعض فلول «يسار» مفلس ومنعزل، تتعاطف مع الأحكام الجائرة التي أصدرها مؤخراً قضاء أقرب إلى مسرح عبث؛ فإنّ الشرائح ذاتها سبق أن واصلت التعاطف مع نظام الاستبداد والفساد والتوريث والبراميل والأسلحة الكيميائية في سوريا، وحزنت عند انهياره وفرار الأسد إلى موسكو، ولم تتورع عن إبداء مشاعر العداء تجاه سوريا الجديدة.
ومما يؤسف له في مشهد التأزم الراهن أنّ مواقف الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابية الأعرق على نطاق العالم العربي بأسره ربما، تبدلت وتغيرت وتقلّبت وتنقّلت بين تأييد سعيّد مرّة، أو العتب الخجول عليه مرّة أخرى، أو التلويح اللفظي باللجوء إلى سلاح الإضراب وتفعيل الحراك المعارض في الشارع الشعبي، وصولاً إلى تحاشي تصنيف انتخابات سعيّد المختلفة تحت بند المهزلة، والاكتفاء باعتبارها بلا طعم أو لون.
ومن جانب آخر، لا تلتفت إليه عادة التغطيات الإعلامية الخارجية لمظاهر التأزم العميق في تونس، كأنّ الطبيعة لم تكن قاسية بما يكفي، في هبوط هطولات الأمطار من 50% في سنة 2019 إلى 23% في السنة المنصرمة 2024، حتى بادر سعيّد إلى التسابق مع تلك القسوة بإحداث «الديوان الوطني للأعلاف»؛ فمنح أجهزته، البيروقراطية المتكلسة أو المشلولة أو الفاسدة أصلاً، سلطات احتكار إنتاج الأعلاف واستيرادها. وكان أمراً منتظَراً أن تسفر النتائج عن زيادة الندرة في هذه المادة، وهلاك الكثير من القطعان، وهجران العمل في تربية المواشي، وهبوط معدلات مساهمتها في الزراعة إلى مستويات متدنية قياسية.
وبين القضاء التونسي الجائر وعلف الاستبداد الغائب بدوره، ثمة معدّل للنمو الاقتصادي هو الأدنى (0,4%) منذ الإطاحة بنظام بن علي، وعسر في التمويل الخارجي يترافق مع اتكاء على قطاع المصارف المحلي، وتضخم أعباء الدين العام، وانحطاط الاستثمار المحلي مع انعدام ملحوظ للاستثمار الخارجي. السنوات العجاف تتعاقب معطياتها القاتمة، الأمر الذي لا يمنع ساكن قرطاج من الإمعان أكثر فأكثر في التسلط والتفرد؛ فلا قضاء يسلم من قبضته، ولا… علف !
(القدس العربي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه التونسي استبدادية قضاء تونس استبداد قضاء مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
الإنتربول: تهريب الحيوانات الحية بلغ مستويات قياسية في عام 2025
أعلنت المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول) اليوم /الخميس/ أن تهريب الحيوانات الحية بلغ مستويات قياسية في عام 2025، وذلك عقب عملية أسفرت عن ضبط ما يقرب من 30 ألف حيوان وتحديد هوية 1100 مشتبه به.
وذكرت قناة "فرانس 24" الإخبارية اليوم /الخميس/ أنه بين شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين، تم ضبط 6160 طائرا و2040 سلحفاة، و1150 زاحفا و208 قرود، و46 من حيوان البنغول و10 من القطط الكبيرة، بالإضافة إلى 19415 حيوانا بريا آخر.
وأوضح الإنتربول، ومقره (ليون) في بيان له، أن هذه التجارة تشهد ازدهارًا، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى الطلب المتزايد على الحيوانات الأليفة الغريبة.
وشاركت في العملية أجهزة إنفاذ القانون من 134 دولة. وفي غضون ذلك، حددت السلطات البرازيلية هوية 145 مشتبها به وأنقذت أكثر من 200 حيوان بري، لا سيما بعد تفكيك شبكة لتهريب قرود التمر الهندي الذهبية.
من جانبه، صرح الأمين العام للإنتربول "فالديسي أوركيسا" في بيان بأن "هذه الشبكات ترتبط بشكل متزايد بجميع مجالات الجريمة، من تهريب المخدرات إلى استغلال البشر".
وأوضحت المنظمة أنه مع تزايد ارتباط هذه الأنشطة الإجرامية بالعملات المشفرة، أصبح التعاون عبر الحدود وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين أجهزة إنفاذ القانون والمنصات المالية أمرا بالغ الأهمية في تتبع التدفقات المالية غير المشروعة.
واشار البيان إلى أن "جرائم الحياة البرية تقدر تكلفتها بـ 20 مليار دولار سنويا، إلا أن الطبيعة السرية لهذه التجارة ترجح أن يكون الرقم الحقيقي أعلى بكثير".
وقد تم ضبط ما يقرب من 500ر10 فراشة وعنكبوت وحشرة، كما أن تهريب الحيوانات البحرية المحمية آخذ في الازدياد. ويشمل الجزء الأكبر من عمليات التهريب بقايا الحيوانات أو منتجاتها الثانوية المخصصة للطب التقليدي أو الاستهلاك.
ورصدت منظمة الإنتربول تصاعدا في التجارة غير المشروعة للحوم الطرائد البرية (القرود، الزرافات، الحمير الوحشية، الظباء، وغيرها)، مع زيادة ملحوظة في تهريبها من أفريقيا إلى أوروبا. وخلال العملية، تم ضبط 8ر5 أطنان منها.
وبلغت التجارة غير المشروعة بالنباتات مستويات قياسية. ووفقا للبيان، ضبطت أجهزة إنفاذ القانون أيضا 32 ألف متر مكعب من الأخشاب، ما يشير إلى أن قطع الأشجار غير القانوني يمثل ما بين 15 و30% من إجمالي الأخشاب المتداولة عالميا.
يذكر أن المنظمة الدولية للشرطة الجنائية، والمعروفة باسم الإنتربول، هي منظمة دولية تأسست بهدف تسهيل التعاون الشرطي في جميع أنحاء العالم ومكافحة الجريمة. وهي أكبر منظمة شرطة دولية في العالم.. ويقع مقرها الرئيسي في مدينة (ليون) فرنسا، ولها سبعة مكاتب إقليمية في جميع أنحاء العالم، ومكتب مركزي وطني في جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 195 دولة.