أنا أستاذة إسرائيلية فلماذا ورد عملي في تقرير هارفارد عن معاداة السامية؟
تاريخ النشر: 11th, May 2025 GMT
عندما قرأت لأول مرة تقرير جامعة هارفارد حول معاداة السامية والتحيّز ضد إسرائيل، لم أتوقع أن أجد نفسي ضمن محتواه، لكنني كنت هناك، وإنْ كان ذلك دون الإشارة إلى اسمي أو دراساتي أو حتى إلى هويتي كأكاديمية يهودية إسرائيلية.
تم إعداد هذا التقرير ونشره استجابة لضغوط واسعة من المانحين وجماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، ويدّعي التقرير أنه يوثق أزمة معاداة السامية في الحرم الجامعي، لكنه في الواقع يكشف استعداد هارفارد لإعادة تعريف الهوية اليهودية بشكل ضيق وأيديولوجي: بحيث يُستبعد ويُمحى اليهود الذين يختلفون مع الصهيونية.
أقول هذا لأنني واحدة منهم، لقد درّست لعدة سنوات في مبادرة «الدين، النزاع، والسلام» (RCPI) التابعة لمدرسة هارفارد اللاهوتية، كان برنامجنا يتناول بناء السلام من خلال الانخراط العميق مع تواريخ العنف البنيوي والقوة، وكانت فلسطين/إسرائيل قضيتنا المحورية. قرأ طلابنا على نطاق واسع، وسافروا إلى المنطقة، والتقوا بمجموعة من الأصوات -من بينها جنود إسرائيليون سابقون من منظمة «نكسر الصمت»، وفنانون فلسطينيون يقاومون محو الثقافة، ونشطاء يهود مزراحيون وإثيوبيون يتحدّون العنصرية داخل المجتمع الإسرائيلي.
كان ذلك البرنامج، عن قصد، تحدّيًا فكريًا وسياسيًا، فقد عرّض الطلاب لتعقيدات المنطقة، ولطرق متنوعة وغالبا متضاربة يروي بها اليهود والفلسطينيون ماضيهم ويتخيلون مستقبلهم.
لكن وفقًا لمعدّي تقرير هارفارد، لم يكن هذا برنامجًا أكاديميًا شرعيًا ولا تعليمًا مسؤولًا؛ بل كان، في جوهره، مجرد تلقين أيديولوجي معاد للسامية.
الطريقة التي وصل بها التقرير إلى هذه الاستنتاجات -و«برّرها»- توضح كيف تُستخدم التحريفات الافترائية بشكل منهجي لقمع حجج وهويات من يُعتبرون «اليهود الخطأ»، فقد اقتبس التقرير من فعاليات عامة استضفناها ضمن RCPI، بما في ذلك ندوة إلكترونية حول كتابي الذي يتناول نشطاء يهود أمريكيين يشاركون في حركة التضامن مع فلسطين، لا بالرغم من يهوديتهم، بل بسببها، وقد علّق على الكتاب الحاخام برانت روزن، وهو حاخام «إعادي البناء» ومؤسس كنيس «تسيديك شيكاجو»، والدكتورة سارة روي، وهي باحثة بارزة في الشأن الفلسطيني وابنة ناجين من المحرقة.
ومع ذلك، اختزل التقرير ذلك الحدث إلى وصف غامض عن «متحدث واحد» أشاد بـ«نشطاء يهود مؤيدين للفلسطينيين»، متجاهلًا أن هذا المتحدث كنت أنا -أستاذة يهودية إسرائيلية- وأن المشاركين الآخرين كانوا أيضا يهودا، وقد وصف التقرير تأملات روزن حول خيبة أمله من الصهيونية بأنها «رواية تحوّل»، وكأن التطور الروحي أو الأخلاقي هو دليل على معاداة السامية.
وفي ندوة أخرى أدرتها، ناقش روزن والأستاذ اليهودي دانيال بويارين مكانة الصهيونية في الطقوس الدينية بالكنيس، رغم أن بويارين لم يوافق على التعديلات التي اقترحها روزن على الصلوات، فقد أكد على التزامهما الأخلاقي المشترك، لكن التقرير اختار جملة واحدة لبويارين -«أنا متعاطف بعمق مع مواقفك السياسية والأخلاقية»- ليزعم أن الحدث يفتقر إلى «تنوع الآراء»، من الصعب تفويت السخرية هنا: محادثة بين ثلاثة يهود من خلفيات مختلفة تتحول إلى دليل على غياب التنوع بدلًا من تجسيده.
هذا التأطير الانتقائي ليس صدفة ولا تصرفًا عابرًا بدافع الحقد، بل يعكس نمطًا أوسع: قرار هارفارد في يناير الماضي باعتماد تعريف «التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست» (IHRA) لمعاداة السامية، وهو تعريف يخلط بين انتقاد السياسات الإسرائيلية ومعاداة السامية، وبهذا القرار، لا تُقيد الجامعة الخطاب السياسي والأخلاقي الذي يواجه عنف إسرائيل ضد الفلسطينيين فحسب، بل تتبنى فعليًا اختبارًا أيديولوجيًا يحدد من يُعتبر «يهوديا شرعيا» داخل الحرم الجامعي.
من الواضح أنني من «النوع الخطأ من اليهود» في هارفارد، ففي كل مرة، وضعتني التزاماتي الأكاديمية والسياسية خارج حدود المقبول، كنتُ ناقدة أكثر من اللازم، منخرطة أكثر من اللازم، مستعدة لتحدي السرديات السائدة أكثر من اللازم، ولست الوحيدة في ذلك.
بل يذهب التقرير أبعد من ذلك، إنه لا يستخف فقط بأعمال وهويات وخبرات الأكاديميين، بل أيضا بتجارب طلابنا اليهود، بمن فيهم أولئك الذين شاركوا في رحلة دراسية إلى فلسطين/إسرائيل، فقد وصفت إحدى الطالبات اليهوديات التجربة بأنها «مؤثرة ومؤلمة وقوية»، وسردت كيف أن نظام الفصل العنصري الإسرائيلي لا يُدمّر السياسة فحسب، بل يُقوّض أيضًا إمكانية الحياة الثقافية للفلسطينيين، أما التقرير، فاعتبر هذه الشهادة دليلا على التلقين لا على التعلّم.
الرسالة واضحة: الطلاب اليهود الذين يتوصلون إلى استنتاجات نقدية بشأن إسرائيل ليسوا مفكرين مستقلين. لقد تم تضليلهم. التلاعب بعقولهم. معاملتهم كأطفال.
والمفارقة أن هذا الطرح يعيد إنتاج نمط كلاسيكي من معاداة السامية نفسه: إن اليهود لا يستطيعون التفكير لأنفسهم ما لم يلتزموا بأيديولوجية مصادق عليها.
كما تجاهل التقرير تنوع الأصوات اليهودية التي قدمناها في صفوفنا الدراسية. وادعى أن برنامجنا ركّز على «وجهات نظر يهودية غير سائدة»، مستخفا بأشخاص مثل نوعم شوستر إلياسي، وهي كوميدية يهودية مزراحية إسرائيلية، حظيت بدعم زمالتنا، وتُعرض أعمالها الآن في مهرجان «صندانس» السينمائي. كما تجاهل فعالياتنا التي تناولت تجارب اليهود المزراحيين والإثيوبيين، بما في ذلك إحياءنا لذكرى «هاغادا الفهود السود الإسرائيليين»، وهي وثيقة رمزية مهمة في تاريخ النضال ضد العنصرية في إسرائيل.
وتغافل التقرير كليا عن برمجتنا التي تناولت معاداة السامية نفسها، بما في ذلك مناقشة تعريفات بديلة لها مثل «إعلان القدس»، الذي يُميّز، بعكس IHRA، بدقة بين انتقاد إسرائيل وكراهية اليهود.
باختصار، لا يقتصر تقرير هارفارد على تشويه صورة برنامج أكاديمي، بل يسعى لإعادة رسم حدود الشرعية اليهودية.
إنه يبعث برسالة مرعبة إلى الطلاب وأعضاء هيئة التدريس: إذا كنت يهوديًا وتشُكك في الصهيونية، فأنت موضع شبهة. إذا تضامنت مع الفلسطينيين، فأنت لا تنتمي. إذا عطّل بحثك السردية الأخلاقية البسيطة عن إسرائيل المحاصرة، فأنت لست غير مرحب بك فقط - بل أنت خطر.
هذا ليس دفاعا عن أمن اليهود. إنه جهد للرقابة على معارضة اليهود أنفسهم.
لكنني أرفض أن أُخضَع للرقابة. سأواصل التعليم، والكتابة، والتنظيم جنبًا إلى جنب مع اليهود والفلسطينيين الذين يناضلون من أجل الحرية والعدالة والكرامة. وسأواصل تحدي المؤسسات التي تزعم أنها تدافع عن اليهود بينما تكرّس أشكالًا أخرى من العنصرية والقمع.
وسأفعل ذلك لا على الرغم من يهوديتي، بل لأنني يهودية.
أتاليا عمر أستاذة في دراسات الدين والنزاع والسلام في كلية كيو للشؤون العالمية بجامعة نوتردام. وهي عضو هيئة تدريس أساسي في معهد كروك التابع للكلية نفسه، والمتخصص في دراسات السلام الدولية.
عن الجارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: معاداة السامیة فی ذلک
إقرأ أيضاً:
حفظت 3 سور من القرآن| كريستينا حنا.. قصة أول أستاذة مسيحية في الدراسات الإسلامية
تقلدت ابنة بورسعيد كريستينا حنا منصب أستاذ دكتور مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والدراسات الإسلامية بجامعة بورسعيد، بعدما كانت الأولى على ذلك القسم وبذلك أصبحت أول مسيحية يتم تعيينها معيدة في قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية في جامعات مصر.
بداية المشوار
واستهلت الدكتورة" كريستين زاهر حنا" ابنة بورسعيد كلامها بأنها قالت " البداية في تسعينيات القرن الماضي عندما قررت التخصص في قسم مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والدراسات الإسلامية، حيث قوبل ذلك القرار بحالة من الدهشة بين كل أساتذتي وزملائي"
وتابعت: " كان من شروط الالتحاق بذلك القسم حفظ ثلاث سور قرآنية بتفسيرهم ، وبالفعل قمت بحفظ سورة النور والإسراء والنبأ ونجحت في الشروط والتحقت بالقسم".
واستكملت: "دخولي القسم كان به الكثير من العقبات لكن بوقوف أهلي وزملائي، وأصدقاء والدي تجاوزت هذه الصعوبات حيث أن اصدقاء والدي ساعدوني في حفظ وفهم الكثير من السور القرآنية والأحاديث النبوية "
الأولى على القسم ومعيدة بموافقة الأزهرواستكملت الدكتورة كريستين "عندما كنت طالبة كنت أنا الطالبة المسيحية الوحيدة وسط 92 طالب وطالبة مسلمين ، وحققت المرتبة الأولى بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف، لأنني كنت أحفظ ما يطلب مني رغم أن أساتذتي عرضوا عليا أن يتم اعفائي من حفظ السور القرآنية لكنني كنت أرفض ذلك وكنت احفظ السور القرآنية ،وأجود القرآن أيضا"
"
وتابعت"على مدار دراستي الجامعية ، كنت الأولى على قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية كل عام جتى جاءت السنة الرابعة في الكلية ، والله وفقني أيضا وكنت الاولى على القسم "
تعيين اول دكتورة مسيحية في اللغة العربية والدراسات الإسلامية
واستكملت الدكتورة كريستين زاهر حنا " لكي أعين معيدة في القسم ، توجهت لشيخ الأزهر
الدكتور محمد سيد طنطاوي، وشرحت له قصتي كاملة وما درسته خلال مشوار دراساتي ودرجاتي العلمية، وبالفعل تدخل فضيلة شيخ الأزهر لقبولي معيدة في قسم الدراسات الإسلامية".
وتابعت" خاطب شيخ الأزهر وزير التعليم العالي في ذلك الوقت، وقام بالكتابة بخط يده تأشيرة على طلبي، وجاء فيها " حقا وعدلا تتخذوا تجاه كريستين ما ترونه لازما"؛ وبالفعل وخلال أيام تم تعييني معيدة في الكلية.
مشوار نجاح وتدرج وظيفيواستكملت الدكتورة كريستين زاهر أول دكتورة مسيحية في اللغة العربية والدراسات الإسلامية " عينت معيدة عام 2002 ، وحصلت على الماجستير ثم الدكتور ، وتم ترقيتي في ذات القسم إلى أستاذ مساعد ، حتى حصلت على درجة الأستاذية عام 2023 في قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية"
علاقة محبة وإنسانية مع طلاب الجامعة
وعن علاقة دكتورة كريستين زاهر مع طلابها قالت " علاقتي بطلابي وزملائي هي علاقة إنسانية بحتة حيث أن في بداية مشواري في التسعينات وأنا أدرس تخصص إسلامي، وأحفظ سور قرآنية وأحاديث نبوية ، و بالرغم أن مشوار كان في بدايته صعب لكن بمساعدة أسرتي وزملائي وأصدقائي كانت هذه الأمور ميسرة"
الإسلام والمسيحية يسعيان لنفس المباديء والتسامح
واستكملت الدكتورة كريستين زاهر حنا "بعد دراستي في الدراسات الإسلامية، تأكدت أن جميع الأديان السماوية تصب في بوتقة واحدة وهي التسامح والمحبة، فلو تمسكنا بتعاليم الأديان السماوية الحقيقية سنعيش في تسامح، وكل منا سيتقبل الآخر".
وتابعت مؤكدة: "هناك نقاط مشتركة كثيرة بين الإسلام والمسيحية، وهي أساس الديانتين، كالمحبة والتسامح ومساعدة الغير، ونشر الخير و غيرها من الأخلاق الحميدة"
دمج الأخلاق الحميدة في المناهج منذ الصفوف الأولى هو الحل
كما أكدت اول دكتورة مسيحية في الدراسات الإسلامية أنها بحكم تجربتها وأنها استاذ مناهج وطرق تدريس وتحتك بالعملية التعليمية ترى أنه لا بد من دعم المناهج التربوية وخاصة في الصفوف الأولى، بأجزاء خاصة عن تعاليم الأديان من الخصال الحميدة التي أوصانا بها الإسلام والمسيحية على حد سواء ف ، لنخلق جيل يسعى للبحث عن مكارم الاخلاق والمحبة وينبذ العنف والكراهية.
الأب والزوج أكثر الداعمين
وعن الداعم لدكتورة كريستين زاهر في مشوارها قالت " الداعم الأكبر لي وسط كل ذلك كان والدي الذي ساعدني في تجاوز أي صعوبات بتربيته لي وأنه غرس في نفسي منذ الصغر المحبة والسلام وتقبل الآخر واحترامه وهذا ما احاول جعله أساس لتربية بناتي "
واضافت" أيضا زوجي ورفيق دربي الحبيب سامح والذي بذل كل قصارى جهده لدعمى حتى أحقق احلامي ورسالتي "
واختتمت الدكتورة كريستين زاهر حنا أول دكتورة مسيحية في اللغة العربية والدراسات الإسلامية بجامعة بورسعيد حديثها موجهه رسالة للجميع من خلال فيتو وقالت فيها" المحبة والاحترام هم أساس التعامل، فالدين المعاملة، و إذا بحثنا عن النقاط المشتركة بين الأديان سنجد جميعها قيم عن الخير، فيجب التركيز عليها والبعد الاختلافات ، مما يدفع كل شخص لاحترام نفسه ذاتك وبالتالي تقبل واحترام الآخر
طفلتها والأذان
وتؤكد أنها نشأت في بيتها المسيحي على تقبل الآخر واحترامه، وأن ذلك ما تحاول أن تغرسه في طفلتها "لي لي" وليان
وتضيف: "حرصت على أن أجعل طفلتي عندما تسمع الأذان في التليفزيون لا تغلق التلفاز أو تخفض صوته، حتى أغرس فيها احترام زملائها المسلمين ومحبتهم وتقبل الآخر، وأكدت لها منذ الصغر أن تقبل الآخر وتقدير ديانته أمر ضروري حتى نعيش كلنا في محبة".
موقف الكنيسة
وبخصوص موقف الكنيسة والأقباط عندما تم اختيار الدكتورة كريستين الالتحاق بقسم اللغة العربية والدراسات قالت: "قوبلت بتشجيع من الكنيسة وترحاب منقطع النظير، ووجدت دعمًا وتشجيعًا من أقاربي المسيحيين بشكل كبير وعلى رأسهم أبي وزوجي، فالكل كان يرى بأني سأقدم على أمر خطير، وتجربة قوية طلبًا للعلم والمحبة، وذلك على الرغم من انبهار الجميع بقراري وتجربتي التي أعلن الجميع احترامها وتقديره".