هل تحل صداقة ترامب وأردوغان الأزمات بينهما؟
تاريخ النشر: 12th, May 2025 GMT
كثيرًا ما تكون العلاقات الشخصية بين رؤساء الدول وكبار المسؤولين، مدخلًا لحلحلة العديد من الأزمات العالقة أو دفع العلاقات الثنائية إلى محطات أكثر تقدمًا.
فالرئيسان التركي، رجب طيب أردوغان، والأميركي، دونالد ترامب، يتمتعان بعلاقات شخصية متميزة، منذ الولاية الأولى لترامب، يعول عليها الجانب التركي كثيرًا لحلحلة المسائل العالقة بين الدولتَين.
ففي يوم الاثنين 5 مايو/ أيار، أجرى الرئيسان محادثات هاتفيّة، بحثا فيها عدّة ملفات إقليمية ودولية مهمّة، حيث وصفها أردوغان بأنّها "كانت مثمرة للغاية وشاملة وصادقة"، الأمر الذي اتّفق معه فيها ترامب.
لكن الملاحظ أنّه وبعيدًا عن فحوى الاتصال، فقد بدا واضحًا حرص الرئيسين على إضفاء شكل من أشكال الحميمية في حديث كل منهما عن الآخر.
فأردوغان يصف ترامب بـ "الصديق العزيز"، مشيرًا إلى أنه "سيكون سعيدًا باستضافة ترامب في تركيا خلال أقرب فرصة"، أو تلبية دعوة الرئيس الأميركي لزيارة الولايات المتحدة.
أما ترامب فقد وصف علاقته مع الرئيس التركي بأنها "كانت ممتازة خلال السنوات الأربع من ولايته الأولى بين عامي 2016-2020".
وكان الرئيس الأميركي، قد فاجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أثناء استقباله في البيت الأبيض في أبريل/ نيسان الماضي بقوله: "تربطني علاقة رائعة برجل يُدعى أردوغان – أنا معجب به، وهو معجب بي، وهذا يُثير ضجة إعلامية. لم نواجه أي مشاكل قط، رغم أننا مررنا بالكثير".
إعلانيشار هنا إلى أن الأكاديمية الوطنية للاستخبارات في تركيا، والتابعة لجهاز المخابرات MIT، استشرفت في تقرير لها صدر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أي فور نجاح ترامب في الانتخابات الرئاسية، أثر العلاقات الشخصية بينه وبين أردوغان على تفكيك أزمات البلدَين.
وقال التقرير إن ترامب يمتلك القدرة على تجاوز المؤسسات الأميركية في بناء علاقة متميزة مع الحلفاء.
كما وصف التقرير علاقة أردوغان بترامب خلال الفترة الأولى للرئيس الأميركي، بـ "تطابق الكيمياء"، لكنه حذر من "فردانية" ترامب وتقلباته الحدية في قراراته التي يأخذها بمعزل عن معاونيه.
من هنا فإن ثمة تساؤلات عن مدى تأثير هذه العلاقة على حل أزمات المنطقة وفي القلب منها الحرب في غزة، في ظل الأوضاع الإنسانية شديدة السوء التي وصل إليها القطاع، وكذلك مستقبل الدولة السورية في مرحلة ما بعد الأسد، وما الذي يمكن أن تقدمه واشنطن لدعم الحكومة الجديدة، كما تشمل قدرة تركيا على دعم رؤية ترامب في ضرورة إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.
كما تمتد الأسئلة إلى قدرة هذه العلاقات الشخصية في إحراز تقدم في ملف الصناعات الدفاعية المتعثر.
غزة.. إيقاف الحربيعد التعاطي الأميركي مع الحرب الإسرائيلية في غزة، واحدًا من نقاط الخلاف العميقة بين أنقرة وواشنطن، منذ انطلاق طوفان الأقصى في 2023.
من هنا فإن معظم مباحثات المسؤولين الأتراك مع نظرائهم الأميركيين، وآخرها اتصال أردوغان- ترامب، تنصب على ضرورة إنهاء الحرب وإدخال المساعدات، ووضع رؤية لإعادة الإعمار.
لذا فالمأمول أن تحدث علاقة الرئيسين اختراقًا واضحًا في الموقف الأميركي المنحاز، وعدم اقتصاره على تصريحات متفرقة بشأن إدخال المساعدات الإنسانية سرعان ما يتم دهسها تحت جنازير السياسات الإسرائيلية المتشددة.
لكن الأمر ليس بالسهل نظرًا لاختلاف الرؤية التركية للحل ليس مع الولايات المتحدة وحدها، بل مع بعض الدول الإقليمية أيضًا.
إعلانفأنقرة ترفض تصفية المقاومة الفلسطينية في القطاع، وتعتبر أن ما تقوم به هو عمل مشروع يشبه ما فعله الأتراك خلال حرب الاستقلال.
كما ترفض وبشدّة إخلاء قطاع غزة، وتطالب بفتح المجال أمام إعادة الإعمار مع بقاء السكان فيه، لأنهم أصحاب الأرض وهم أولى الناس بها.
من هنا كانت اللقاءات المتعددة لوزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، بقيادات حركة حماس، آخرها لقاءان خلال ثمانية أيام فقط في شهر أبريل/ نيسان الماضي، في أنقرة والدوحة على الترتيب، لتنسيق المواقف المشتركة.
إذ خرج بعدها فيدان بتصريحات مؤكدًا فيها انفتاح الحركة على هدنة طويلة مع إسرائيل، مقابل إيقاف الحرب، لكن نتنياهو رفض ذلك.
لكن ومع ذلك فإن المنتظر أن تستثمر تركيا علاقة الرئيسين لدفع ترامب إلى إلزام إسرائيل بإدخال المساعدات الإنسانية، والتوصل إلى حل من شأنه إنهاء الحرب وإعادة الإعمار.
سوريا.. رفع العقوباتفي لقائه بنتنياهو في أبريل/ نيسان الماضي، كشف ترامب عن قوله لأردوغان في محادثة خاصة: "تهانينا، لقد فعلتم ما لم يستطع أحد فعله طوال ألفي عام. لقد استوليتم على سوريا"
هذا الاعتقاد لدى ترامب جعل الملف السوري حاضرًا وبقوة في محادثات المسؤولين الأتراك مع نظرائهم الأميركيين، كما كان حاضرًا في الاتصال الأخير لرئيسي الدولتَين.
فتركيا بدأت اتصالاتها مبكرًا مع الإدارة الأميركية حتى قبل أن تتسلم مهامها رسميًا، لبحث ترتيب الأوضاع الأمنية والسياسية في مرحلة ما بعد الأسد.
ففي ولايته الأولى، كان ترامب يميل إلى وجهة النظر التركية، بشأن خطورة محاربة تنظيم إرهابي مثل تنظيم الدولة، بتنظيم آخر مماثل وهو حزب العمال الكردستاني PKK.
وبدا متفهمًا للعمل العسكري الذي تنفذه القوات التركية في شمال سوريا، لكن ضغوط وزارتَي الدفاع والخارجية الأميركيتَين آنذاك حالت دون حصول أنقرة على النتائج المأمولة.
إعلانوفي ولاية ترامب الحالية، وفي موازاة التطورات التي شهدتها سوريا، تأمل تركيا أن يتم إغلاق ملف التهديدات الأمنية في شمال سوريا نهائيًا.
ويبدو أن المحادثات الثنائية بين الرئيسين انعكست إيجابيًا على رؤية ترامب للوضع الأمني في سوريا، إذ شرعت القوات الأميركية في سحب جنودها ومعداتها من قواعدها في شمال شرق سوريا، تزامنًا مع بدء انسحاب قوات سوريا الديمقراطية "قسَد" من مناطق واسعة شرق الفرات تنفيذًا لاتفاقها مع الحكومة السورية.
هذا الفراغ يتوقع أن تملأَه القوات الحكومية السورية، المدعومة من أنقرة، وبمساعدة النقاط العسكرية التركية المنتشرة في مناطق الشمال.
أيضًا فإن أنقرة تعمل على إقناع واشنطن، بضرورة رفع العقوبات، والاعتراف بالنظام السياسي الموجود حاليًا، في موازاة جهود قطرية وسعودية مماثلة، ما قاد إلى حدوث اختراقات مهمة في هذا الصدد، آخرها ما أعلنه وزير المالية السوري، محمد يسر برنية، عن تقديم قطر منحة لسوريا قيمتها 29 مليون دولار شهريًا لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد، وذلك لدفع رواتب العاملين المدنيين في القطاع العام. مشيرًا إلى حصول المنحة على استثناء من العقوبات الأميركية.
عقوبات "كاتسا"فرضت إدارة ترامب الأولى عقوبات ضد أنقرة في ديسمبر/ كانون الأول 2020 وفق قانون معاقبة الدول المتعاونة مع خصوم الولايات المتحدة المعروف بـ"كاتسا CAATSA"، وذلك بسبب شراء تركيا المنظومة الدفاعية الروسية إس- 400.
كما امتدت العقوبات الأميركية للسبب ذاته، إلى إخراج تركيا من مشروع تصنيع الطائرة الشبحية إف- 35.
ومنذ ذلك الحين لم تتوقف المحاولات التركية لرفع تلك العقوبات، لكن دون جدوى مع تمسكها بحيازة المنظومة حتى الآن وعدم التفريط فيها.
والآن تأمل أنقرة أن تستثمر الأجواء الإيجابية التي تغلف علاقة رئيسي البلدين، لرفع تلك العقوبات، خاصة بعد نجاحها في يونيو/ حزيران 2024 في توقيع صفقة مع الولايات المتحدة بقيمة 23 مليار دولار، تقضي بشراء 40 مقاتلة إف-16، إضافة إلى تحديث أسطولها الجوي الحالي.
إعلان خصوم تركيا في واشنطنفي ولايته الأولى نجح بعض أعضاء الإدارة الأميركية في الحد من التأثير الإيجابي للعلاقات الشخصية بين ترامب وأردوغان.
وبقيت قضايا تنظيم غولن، ودعم البنتاغون لحزب العمال وفروعه في شمال سوريا، وغيرهما دون حلول حقيقية.
بل لم تمنع تلك العلاقة واشنطن من إصدار عقوبات بحق أنقرة وبعض مسؤوليها؛ بسبب اعتقال تركيا القس أندرو برونسون لأكثر من عشرين شهرًا، كما تعرض مدير بنك "خلق" التركي للسجن في الولايات المتحدة، بتهمة انتهاك العقوبات الأميركية ضد إيران.
وبالنظر إلى تركيبة الإدارة الأميركية الحالية، سنجد أنها تضم مسؤولين مؤثرين يحملون أفكارًا محافظة من أقصى اليمين، مثل وزير الدفاع بيت هيغسيث، ووزير الخارجية، ماركو روبيو.
أو لديهم رؤى سلبية تجاه تركيا ورئيسها، مثل مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية، تولسي غابارد، التي قالت في خطاب ألقته عام 2020:
"تركيا تدعم إرهابيي تنظيم الدولة والقاعدة من وراء الكواليس منذ سنوات. وأردوغان ليس صديقنا. إنه أحد أخطر الدكتاتوريين في العالم، وليس من حق الحكومة الأميركية ووسائل الإعلام مساعدة هذا الإسلامي المصاب بجنون العظمة".
وختامًا فإنه رغم حاجة ترامب إلى الدور التركي المتوازن للمساهمة في إنهاء الحرب الروسية- الأوكرانية، فإن ترجمة علاقته المتميزة بأردوغان إلى سياسات وإجراءات ملموسة، لا يزال يحوطها شكوك في ظل وجود شخصيات في البيت الأبيض تحمل أفكارًا متشددة تجاه المسلمين بشكل عام، وتجاه تركيا ورئيسها بشكل خاص.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة إنهاء الحرب فی شمال
إقرأ أيضاً:
حقيقة الأهداف الأميركية في سوريا
نفت وزارة الخارجية السورية وجود اتفاق مع الولايات المتحدة بشأن إقامة قاعدة عسكرية أميركية في جنوب سوريا، ويبدو النفي ظاهريا صحيحا؛ ذلك أن وزارة الخارجية لطالما سكتت في السابق عن التعليق على القضايا التي قد تكون صحيحة، كما أن الوزارة التي يقودها الوزير الشيباني تعتبر شريكا أساسيا في صنع القرار السياسي، فيما يخص العلاقات الخارجية.
بيد أن ثمة مؤشرات عديدة على وجود نوع من التنسيق مع الجانب الأميركي، في المجال العسكري، ما يعني أن نفي الوزارة صحيح من زاوية معينة، وهي عدم وجود قاعدة بشكل صريح، لكن قد يتخذ هذا الوجود تسميات أخرى أو نمطا مختلفا لظروف وأسباب معينة.
إعادة انتشاريمكن وضع التحرك العسكري الأميركي في سوريا في إطار إعادة انتشار، أو تموضع جديد ضمن الأراضي السورية، على اعتبار أن القوات الأميركية موجودة بالأصل في قواعد بشرق سوريا وفي "التنف".
ومن ثم قد لا تضطر واشنطن إلى زيادة أصولها العسكرية في سوريا، وإنما إعادة تنظيم هذا الوجود بما يتناسب والتطورات الجديدة، المتمثلة بإعادة دمج قوات "قسد" ضمن هياكل الجيش السوري، وكذلك الاتفاق الأمني بين سوريا وإسرائيل، والمزمع توقيعه في مرحلة قريبة.
التمهيد لهذا الانتشار، جاء على لسان المبعوث الأميركي توماس براك الذي أكد على هامش زيارة الرئيس الشرع، واشنطن والتوقيع على اتفاق انضمام سوريا للتحالف الدولي لمحاربة " تنظيم الدولة (داعش)"، أن سوريا باتت شريكا أساسيا للولايات المتحدة.
وكذلك تأكيد الرئيس السوري نفسه أثناء زيارته واشنطن، أن سوريا باتت حليفا جيوسياسيا للولايات المتحدة الأميركية، مع ما يتطلبه هذا التحالف من تنسيق أمني مشترك بين الطرفين.
وشهدت الأسابيع الأخيرة تحركات أميركية في البادية السورية، ما يؤشر على وجود توجه أميركي يقضي بإعادة توزيع القوات الأميركية في سوريا ضمن نطاقات جديدة.
إعلانوقد أكدت الزيارات التي قام بها قائد القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم" الأدميرال براد كوبر إلى دمشق في سبتمبر/أيلول، وأكتوبر/تشرين الأول، وجود تفاهمات تخص الانتشار العسكري الأميركي.
كما زار وفد عسكري من التحالف الدولي للحرب على الإرهاب، مواقع عسكرية على أطراف البادية، مثل مطار "الضمير"، ومطار "السين"، وهي مناطق مفتوحة على البادية السورية، وتمتاز بقربها من العاصمة دمشق وجنوب سوريا. وبالتزامن وصلت طائرات ومدرعات أميركية إلى قاعدة "التنف"، ما يعكس توجها أميركيا لتعزيز الوجود الأميركي في المنطقة.
ويبدو أن منطقة ريف دمشق من جهاتها الأربع: البادية، وشرق لبنان، وجنوب سوريا، والغرب، هي الوجهة المقصودة للقوات الأميركية والتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وقد أجرت قوات التحالف عمليات إنزال في مناطق الضمير والقلمون مؤخرا، استهدفت خلايا نائمة لتنظيمات متشددة.
على ذلك، يبدو أن الوجود العسكري الأميركي في سوريا قد يتخذ نمطا جديدا على شكل غرفة عمليات لإدارة الأمن ومكافحة الإرهاب، في إطار إعادة هيكلة الوجود الأميركي، تراعي التطورات الجديدة في الملف السوري، وتطوير واشنطن أهدافها على ضوء ذلك.
الأهداف الأميركيةإعادة الانتشار الأميركي في سوريا تفرضه جملة من الاعتبارات الجيوسياسية والأمنية، تشكل دافعا قويا للحراك الأميركي الحالي:
أولا: إعادة تعريف الوجود الأميركي في المنطقة، فالحرب على "تنظيم الدولة" لم تعد كافية بحد ذاتها لتغطية هذا الوجود، نظرا لضعف هذا التنظيم، وبروز قوة محلية قادرة على ردعه.
فلا بد تاليا من إحداث تغيير في شكل هذا الوجود ومهمته، عبر بناء منظومة سياسية وأمنية جديدة على شكل مشروع إستراتيجي يتقاطع فيه الأمن بالسياسة والاقتصاد، وتحويل دور هذا الوجود من مجرد الحرب على تنظيم في طور الانهيار، إلى فاعل رئيسي في ضبط الديناميات التي تشهدها بلاد الشام، على وقع التغيرات الكبيرة التي شهدتها المنطقة.
ثانيا: ضبط التفاعلات في منطقة بلاد الشام: يؤكد السياق العام للتحرك الأميركي وجود توجه إستراتيجي لدى القيادة العسكرية الأميركية يهدف إلى وضع خريطة بلاد الشام تحت القبضة الأميركية:
الهدف الأول: التصدي للنفوذ الإيراني وسد المناطق الرخوة التي من الممكن العبور منها، فضلا عن إغلاق المنطقة في مواجهة مشاريع الصين المستقبلية، وإضعاف الوجود الروسي في سوريا. الهدف الثاني: مراقبة خطوط التماس بما يضمن توفر إنذار مبكر قبل حصول تطورات على نمط عملية طوفان الأقصى عام 2023، وذلك في إطار ترتيبات أميركية تهدف إلى الانتقال لمرحلة صنع السلام التي يسعى الرئيس ترامب إلى أن يصبح أحد أهم فاعليها. ثالثا: إدارة التوازنات وإعادة تشكيل المشهد الإقليمي، تدرك واشنطن أنها إزاء مشهد متحرك وقابل للتفجر في ظل صراعات ناشئة بين أطراف إقليمية تسعى إلى توسيع نطاق نفوذها، مثل إسرائيل، وتركيا، مع وجود نسبة عالية من إمكانية حصول احتكاكات عنيفة بينهما في سوريا، وكذلك أطراف محلية على خلاف مع دمشق، مثل الكرد والدروز، وتسعى إلى تحقيق أهداف انفصالية، ومن ثم فإن الوجود الأميركي في سوريا من شأنه ضبط التفاعلات الجارية، وإعادة توجيهها ضمن أطر جديدة محلية وإقليمية. إعلانوفي السياق ذاته، فإن التحرك الأميركي في سوريا يهدف إلى رسم قواعد تشكيل المشهد الإقليمي، بما يسمح لها بالتحكم في قواعد الاشتباك وإدارة التصعيد، وتوجيه أدوار الفاعلين في المرحلة المقبلة؛ بهدف إخراج المنطقة من دائرة الصراعات وتحويلها إلى قطب اقتصادي يَصب جزءا من عائداته في رصيد أميركا، من خلال انخراط شركاتها في البنى الاقتصادية والاستثمارية في المنطقة، عبر مشاركتها في تشكيل طرق التجارة، وخطوط نقل الغاز، ومشاريع الإعمار.
ويساهم موقع سوريا الجغرافي في تشكيل الموقف الأميركي الجديد، إذ تغادر سوريا منطقة الإهمال الإستراتيجي في تفكير إدارة ترامب التي سبق أن وصف رئيسها سوريا بأرض الرمال والموت، لتصبح عقدة جغرافية تمتد من المتوسط إلى العراق، وتركيا، والأردن، وإسرائيل، وترتبط بمشاريع واشنطن الجيوسياسية والجيوقتصادية في المنطقة بشكل عضوي.
ومن ثم فإن استقرارها يمثل استثمارا مهما ضمن بنية المصالح الأميركية، ولذلك، نلحظ إلقاء أميركا بكامل ثقلها؛ للحفاظ على الأمن فيها، وتثبيت منظومتها الإستراتيجية الجديدة.
يتقاطع الاهتمام الأميركي مع توجه إقليمي يسعى إلى تثبيت الاستقرار في سوريا، والحفاظ على وحدة التراب، ولجم الاندفاعة الإسرائيلية التي تهدف إلى تفتيت سوريا بما يرتد سلبا على أمن دول المنطقة.
وتدرك الأطراف الإقليمية أن انخراط أميركا في الملف السوري، هو أفضل الحلول المتاحة لإخراج سوريا من دائرة الاحتمالات السيئة.
يتزامن ذلك مع رهان سوري بأن التشبيك الأمني والعسكري مع الولايات المتحدة الأميركية سيمنح دمشق فرصة لبناء قدراتها الأمنية والعسكرية، والحصول على الموارد اللازمة لبناء مؤسسات أمنية فاعلة.
كما أن تحولها إلى لاعب فاعل وقادر على ضبط الأمن وتحقيق الاستقرار على الأرض السورية، يستلزم دعما دوليا لا يمكن استجلابه إلا من خلال التفاهم مع الطرف الأميركي، الذي بدون شك يُعتبر الفاعل الأساسي الذي يتحكم بكامل خيوط اللعبة في المنطقة، بعد تراجع أدوار روسيا، والصين، وانخراط معظم اللاعبين الإقليميين ضمن المشروع الجيوسياسي لواشنطن.
قد يأخذ الوجود الأميركي في سوريا شكلا مختلفا عن النمط القائم على وجود قواعد عسكرية على الأرض، وثمة توقعات بأن يجري دمج خبراء أميركيين ضمن هياكل الجيش السوري، تحت مسمى تدريب القوات، والمساعدة على نجاح عمليات دمج الفصائل من خارج الجيش الحالي؛ "قسَد وفصائل السويداء".
لكن المرجح أن تشهد المرحلة القادمة تكثيفا للإجراءات الأميركية الهادفة إلى إعادة هيكلة الوجود الأميركي في سوريا للتعامل مع المستجدات الطارئة، وترسيخ الترتيبات الأميركية في المنطقة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline