هكذا أثرت المجاعة على مستقبل طلبة غزة
تاريخ النشر: 13th, May 2025 GMT
غزة- دفعت المجاعة، التي تعصف بأهالي غزة وتفتك بأجسادهم التي أنهكتها الحرب المستعرة في عامها الثاني، الطالبة مرح الفاضي إلى حافة اليأس، وقد خارت قواها، وباتت فاقدة القدرة على التركيز، وتعاني من صعوبات في التحصيل الدراسي.
وترك الجوع أثره على مرح (18 عاما) جسديا ونفسيا، وتقول للجزيرة نت "أشعر بأن جسدي يأكل بعضه، وخلال شهر فقدت 4 كيلوغرامات من وزني، وكلما أمسكت بالكتاب للدراسة أشعر بدوخة ودوران".
وقبل أن تغرس المجاعة أنيابها في أجساد زهاء مليونين و300 ألف فلسطيني في القطاع الساحلي الصغير، نتيجة الحصار المشدد وإحكام الاحتلال إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية منذ الثاني من مارس/آذار الماضي، كانت مرح تدرس يوميا بمعدل 5 ساعات، لكنها اليوم بالكاد تمسك بالكتاب حتى تلقي به جانبا، يأسا وجوعا.
وبكلمات ممزوجة بمرارة تضيف مرح "أشعر بأنني أفقد الرغبة في الحياة شيئا فشيئا بسبب الخوف والجوع. نحن نواجه الموت بكل أشكاله وألوانه، كثيرا ما أتساءل ما قيمة الدراسة وأنا عرضة للموت قصفا أو جوعا".
وتقيم مرح مع أسرتها (7 أفراد) في منزلها المدمر جزئيا في غرب مدينة خان يونس جنوب القطاع، وتقول "احنا الغزازوة (الغزيين) أهل عز وكرامة، يصل بنا الحال أن لا نجد رغيف الخبز".
وتتناول وعائلتها وجبة واحدة يوميا، عبارة عن أرز أو عدس، ومنذ نحو شهرين لا يتوفر لديها الدقيق لصناعة الخبز، وسط إغلاق غالبية المخابز التي كان يدعمها برنامج الأغذية العالمي، وارتفاع أسعار كيس الدقيق وزن 25 كيلوغراما لنحو 400 دولار من أصل نحو 10 دولارات، وهو ثمن لا تقوى عليه الغالبية في غزة ممن فتكت بهم الحرب وأفقدتهم أعمالهم ومدخراتهم.
إعلانوتدهورت الحالة الصحية لصفاء (39 عاما)، والدة مرح، جراء سوء التغذية، وهي تعاني من مشكلة بالقلب وخضعت بسببها سابقا لعملية جراحية، وتقول مرح "تضاعفت معاناة أمي مع مرض شقيقي الصغير زين (3 أعوام ونصف العام) بضعف النمو جراء سوء تغذية حاد بحسب ما أظهرت الفحوص الطبية، ولا تتوفر المكملات في المستشفيات والمراكز الصحية لتعويضه عن قلة الطعام".
"يتقطع قلب أمي، وأشاهد الحسرة في عيون والدي على بكاء زين، الذي تعلم الكلام خلال الحرب، وأكثر ما يردده هذه الأيام: بدي آكل أنا جعان، وكنا في ذلك اليوم قد تناولنا شوربة العدس فقط طوال النهار"، تضيف مرح.
هذه هي الأجواء المحيطة بمرح قبل أسابيع قليلة على موعد امتحانات الثانوية العامة في يونيو/حزيران المقبل، وتتساءل "كيف لي أن أركز في دراستي مع قرصات الجوع، وشعوري بحرقة المعدة، حيث لا طعام ولا شراب، والأسعار مثل النار".
فقدان الشغفوتتابع "يكاد عقلي يتوقف عن التفكير، أنا طالبة متفوقة ومعدلي في الصف الأول الثانوي قبل الحرب مباشرة كان 98%، ولم ندرس شيئا في الثاني الثانوي، ورغم أن التوجيهي كان حلمي كبوابة للجامعة، فإنني أشعر بفقدان الشغف، ويسيطر علي اليأس، وأتحسس الموت يقترب مني".
وتضيف مرح التي لم تجد أمامها سوى بعض كتبها وقودا للنار في ظل أزمة غاز الطهي "كان حلمي دراسة الطب، والآن كل ما أرجوه هو النجاة من هذه الحرب المجنونة، كنت أراقب النار تلتهم أحلامي مع الأوراق".
وكحال مرح وأسرتها، وغالبية الغزيين، لا يتوفر الدقيق لدى أسرة الطالب فتحي رائد الحج أحمد المكونة من (9 أفراد)، والنازحة من مدينة رفح وتقيم في خيمة في مدينة خان يونس المجاورة، ويقول للجزيرة نت "نصيب كل شخص في الأسرة رغيف واحد نأكله على وجبتين في اليوم".
وليس لدى هذه العائلة أي طعام يؤكل في خيمتها المتهالكة، وتعتمد كليا على ما توفره واحدة من التكايا الخيرية القليلة التي لا تزال تعمل بالحد الأدنى، في حين اضطرت البقية إلى إغلاق أبوابها لعدم توفر المواد الغذائية، بما في ذلك مطابخ مجتمعية تابعة لهيئات محلية ودولية.
إعلانوإذا ما عاند الحظ هذه الأسرة ولم تحظ بنصيبها من التكية فإنها تصوم يومها، ويقول الحج أحمد "الزحام شديد على التكية، وكثيرا ما نعود بأوانٍ فارغة ولا نجد ما نأكله".
وانعكس هذا الواقع المرير على قدرة الحج أحمد (17 عاما) من حيث مراجعة دروسه والاستعداد لامتحانات الثانوية العامة، حيث انخفض وزنه منذ إغلاق المعابر من 79 إلى 65 كيلوغراما، وفقد القدرة على التركيز، وانخفضت ساعات دراسته اليومية من 9 ساعات يوميا إلى أقل من 3 ساعات فقط.
تأثر الأطفال
وللمجاعة تأثيرا أشد فتكا على الأطفال، واضطرت أسرة الطفل وليد راضي المريدي (9 أعوام) إلى الذهاب به إلى المستشفى لمعاناته من سوء التغذية، وحصل لمرة واحدة على مكملات غذائية، في حين لم تعد متوفرة بعد ذلك.
هذه العائلة (7 أفراد) نازحة من حي الزيتون في مدينة غزة، وتقيم في خيمة بمنطقة إسكان النمساوي غرب مدينة خان يونس، ويقول الطفل المريدي للجزيرة نت "لا نأكل إلا إذا حصلنا على طعام من التكية، وتكون الكمية قليلة ولا تكفينا".
وكان للمجاعة أثرها على طلاب "روضة ومدرسة أحلام غزة النموذجية" المقامة من الخيام، والطفل المريدي أحد طلبتها، الذين يتلقون تعليما مجانيا تعويضيا عن توقف العملية التعليمية في المدارس الاعتيادية، وقد تراجعت قدراتهم على التحصيل العلمي بشكل واضح.
تقول مديرة المدرسة أحلام عبد العاطي للجزيرة نت إن أعداد الطلبة انخفضت من 1300 إلى 500 فقط، منذ استئناف الحرب في 18 مارس/آذار الماضي، وتفشي المجاعة جراء الحصار الحاد وإغلاق المعابر، وذلك نتيجة خشية الأهالي على أبنائهم من الحركة، وانخراط الأطفال في مهام شاقة لتوفير المياه والطعام.
وتقدّر عبد العاطي أن 95% من طلبة المدرسة يأتون جوعى وبدون تناول أي طعام، الأمر الذي انعكس على قدراتهم الدراسية وفقد التركيز، وكذلك الحال بالنسبة للمعلمات المتطوعات اللواتي يعانين من المجاعة وسوء التغذية.
إعلانمن جانبه، يوضح اختصاصي الصحة والتغذية الدكتور يونس عوض الله للجزيرة نت أن الجوع يترك أثرا كبيرا على الوظائف الحيوية لجسم الإنسان، وهو ما يفسر فقد الطلبة الذين يعانون من المجاعة للتركيز اللازم للمذاكرة والتحصيل الدراسي.
وتؤدي المجاعة الشديدة -وفقا له- إلى فقد الاتزان والتركيز وعدم السيطرة، وقد تؤدي مع البعض إلى العصبية الشديدة واضطراب السلوك، وحتى إلى الوفاة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات للجزیرة نت الحج أحمد
إقرأ أيضاً:
ماذا وراء خطة نتنياهو بشأن غزة التي “لا ترضي أحدا”؟
#سواليف
نشرت شبكة “CNN”، مساء السبت، تحليلا سلط الضوء على #خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين #نتنياهو بشأن قطاع #غزة والتي “لا ترضي أحدا”.
وذكرت القناة أنه وبعد مرور ما يقرب من عامين على حرب غزة، صوّت مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي على توسع عسكري جديد للسيطرة على مدينة غزة.
وهذه الخطة التي بادر بها ودفع بها نتنياهو نفسه، تكشف بلا شك عن مناوراته السياسية الداخلية أكثر مما تكشف عن أي استراتيجية عسكرية مدروسة جيدا.
مقالات ذات صلةوأفادت الشبكة بأنه تم اعتماد الخطة رغم الاعتراض الشديد من القيادة العسكرية الإسرائيلية والتحذيرات الخطيرة من أنها قد تفاقم #الأزمة_الإنسانية وتعرض الخمسين رهينة المتبقين في غزة للخطر.
ويأتي هذا التوسع الكبير في الحرب أيضا على خلفية تراجع كبير في الدعم العالمي لإسرائيل، وتراجع في التأييد الشعبي الداخلي لاستمرار الحرب.
ومع ذلك، دفع نتنياهو بخطته قدما لما لها من فائدة واحدة على الأقل غير معلنة: إنها تمنحه وقتا للكفاح من أجل بقائه السياسي.
ومع شركائه الحاليين في الائتلاف اليميني المتطرف، فإن هذا يعني إطالة أمد الحرب، علما أن حلفاء نتنياهو إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش أحبطا مرارا وتكرارا التقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار وأجهضوه مهددين بانهيار حكومته إذا انتهت الحرب.
وفي الواقع، لا ترقى خطة نتنياهو لمحاصرة مدينة غزة إلى مستوى مطالب شركائه في الائتلاف، إذ يدفع بن غفير وسموتريتش باتجاه احتلال كامل للقطاع المحاصر كخطوة أولى لإعادة بناء المستوطنات اليهودية في غزة، وفي نهاية المطاف ضمها، كما أنها أقل مما روج له نتنياهو نفسه قبل الاجتماع.
وفي مقابلة الخميس، صرح نتنياهو لقناة “فوكس نيوز” بأن إسرائيل تنوي السيطرة على غزة بأكملها، كما لو أنه حسم أمره باحتلالها بالكامل.
وبدلا من ذلك، اختار نتنياهو الترويج لخطة تدريجية تركز فقط على مدينة غزة في الوقت الحالي دون السيطرة على مخيمات أخرى قريبة، حيث يعتقد أن العديد من الرهائن الإسرائيليين العشرين المتبقين محتجزون.
كما تعمد نتنياهو تحديد موعد نهائي فضفاض نسبيا لبدء العملية (بعد شهرين) تاركا الباب مواربا أمام دفعة دبلوماسية أخرى لإعادة إطلاق صفقة تبادل الرهائن لوقف إطلاق النار وإلغاء العملية برمتها.
والآن، يبدي شركاؤه اليمينيون غضبهم من القرار، مدعين أن الخطة غير كافية وأن تصعيد الحرب وحده يكفي.
وقال مصدر مقرب من سموتريتش: “قد يبدو الاقتراح الذي قاده نتنياهو ووافق عليه مجلس الوزراء جيدا، لكنه في الواقع مجرد تكرار لما حدث.. هذا القرار دون معنى وليس أخلاقيا ولا صهيونيا”.
ولفتت الشبكة الأمريكية إلى أن خطة نتنياهو الأخيرة لم ترض شركاءه في الائتلاف ولا القيادة العسكرية الإسرائيلية.
وخلال اجتماع مجلس الوزراء الماراثوني الذي استمر 10 ساعات، قدم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير، معارضة الجيش القاطعة لخطط الحكومة لإعادة احتلال القطاع.
وحذر كبير جنرالات الجيش الإسرائيلي من أن أي عملية عسكرية جديدة ستعرض كلا من الرهائن المتبقين والجنود الإسرائيليين للخطر، محذرا من أن غزة ستصبح فخا من شأنه أن يفاقم استنزاف قوات الجيش الإسرائيلي المنهكة أصلا جراء ما يقرب من عامين من القتال المتواصل، وأنه يعمق الأزمة الإنسانية الفلسطينية.
وتعكس المخاوف العسكرية مشاعر الرأي العام الإسرائيلي على نطاق واسع: فوفقا لاستطلاعات رأي متكررة، يؤيد غالبية الإسرائيليين اتفاق وقف إطلاق نار من شأنه إعادة الرهائن وإنهاء الحرب، لكن عملية صنع القرار الحالية لنتنياهو منفصلة عن كل من المشورة العسكرية والإرادة الشعبية، بل مدفوعة كما يقول المحللون والمعارضون السياسيون، بضرورة البقاء السياسي الضيقة.
كما تضع خطة الاستيلاء على غزة نتنياهو وإسرائيل في عزلة دولية غير مسبوقة، فعلى الرغم من الحرية المطلقة التي منحها له البيت الأبيض بقيادة الرئيس ترامب في حرب غزة، إلا أن المجاعة وأزمة الجوع المتزايدة قد قللت بالفعل من الشرعية العالمية لحرب إسرائيل، وكانت التداعيات الإضافية لقرار الحكومة الأخير سريعة وواضحة حيث أعلنت ألمانيا ثاني أهم حليف استراتيجي لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، أنها ستعلق بعض صادراتها العسكرية إلى إسرائيل مما مهد الطريق أمام دول الاتحاد الأوروبي الأخرى لمزيد من تخفيض مستوى العلاقات.
ووفق “CNN” يمضي نتنياهو قدما بـ”خطة لا ترضي أحدا” فحلفاء إسرائيل في الخارج، وقيادتها العسكرية، وجمهور يريد إنهاء الحرب من جهة، ومن جهة أخرى شركاؤه المتشددون المستاؤون الذين يرون أنها لا تكفي.
والجمهور الذي تخدمه هذه الخطة هو نتنياهو نفسه بالأساس فهي تمنحه مزيدا من الوقت لتجنب الخيار الحتمي بين وقف إطلاق نار حقيقي قد ينقذ الرهائن أو تصعيد عسكري شامل يرضي ائتلافه، إنها أكثر من مجرد خطوة استراتيجية بل مناورة كلاسيكية أخرى من نتنياهو لإطالة أمد الحرب مع إدامة الأذى والمعاناة لسكان غزة والرهائن الإسرائيليين على حد سواء وكل ذلك من أجل بقائه السياسي.