أكد الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، أن صناعة المفتي لم تعد قاصرة على التزوّد بعلوم الشريعة فحسب، بل بات من الضروري أن يمتلك المفتي المعاصر وعيًا تقنيًّا ومهارات رقمية تُمكِّنه من مواكبة التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي، واستثماره بما يخدم الرسالة الإفتائية ويحفظ ثوابت الأمة.

جاء ذلك خلال كلمته في مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، المنعقد تحت عنوان: «صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي»، حيث نقل تحيات فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وتمنياته أن يخرج المؤتمر بنتائج علمية رصينة تُجسّد مرونة الفكر الإسلامي وقدرته على التفاعل مع تحديات العصر، ومواكبة التطور التقني، تحقيقًا لأهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030، تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي.

ولفت الضوئي إلى أن هذا المؤتمر يأتي في وقت تعاني فيه فلسطين من محاولة اغتصاب أراضيها ومقدراتها، واستنزاف طاقتها، وتزييف وعيها، في ظل واقعٍ مريرٍ صنعه الإرهاب الصهيوني الغاشم، الذي يقتل ويدمّر ويهدم ويخرّب، وما زال يتمادى في اعتداءاتٍ دمويةٍ ووحشية، لا نبالغ إذا قلنا إن التاريخ لم يعرف لها مثيلًا، إذ هي جرائم ضد الإنسانية قبل أن تكون ضد فلسطين، وقد أثبتوا بهذا الإرهاب الممارس ليل نهار أنهم أبعد الناس عن طلب السلام.

وثمن الدور المصري الداعم للقضية الفلسطينية، موكدا ثقة الأزهر الشريف في حكمة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وعزمه وإخلاصه في الحفاظ على الوطن والنهوض به، في خضمّ عالمٍ محتدم الصراعات، مضطرب الأهداف والغايات.

وأوضح وكيل الأزهر أن الفتوى صناعة علمية رفيعة، تقوم على عمليات معرفية وتحليلية دقيقة تبدأ من فهم واقع السائل وتصوير المسألة بدقة، مرورًا بتكييفها على القواعد الفقهية وضبطها بالأحكام الشرعية، وصولًا إلى بيان الحكم بعد دراسة النتائج والمآلات، محذرًا من تصدّر غير المؤهلين للإفتاء عبر الشاشات ومنصات التواصل.

وأكد أن بعض هذه المنصات، وكذلك تطبيقات الذكاء الاصطناعي، باتت تُعامل وكأنها "شيوخ" لها مريدون، وهو أمر ينطوي على مخاطر فكرية وأخلاقية.

أمين البحوث الإسلامية: الأزهر درع الأمة ضد الغلو والتطرف منذ أكثر من ألف عامالأزهر: المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي هو من يمتلك المهارات الرقميةفتح باب الالتحاق بالمدن الجامعية لطلاب وطالبات الأزهر.. اعرف التفاصيلحكم إمامة الصبي لمثله في الصلاة.. رأي دار الإفتاء والأزهر

وبيّن الضويني أن الذكاء الاصطناعي أتاح إمكانات هائلة في جمع وتحليل البيانات والوصول السريع إلى المصادر، ما يمكن أن يدعم عمل المفتي ويسهم في ترشيد الفتوى، لكنه في الوقت ذاته لا يمكن أن يكون بديلاً عن المفتي المؤهل المتمكن من أدواته العلمية والشرعية، نظرًا لافتقاده للملكة الفقهية والبصيرة بمقاصد الشريعة وفهم الواقع والمصالح والمفاسد.

وحذر من خطورة الاعتماد الكامل على هذه التطبيقات لما قد ينتج عنها من فتاوى مضللة تهدد القيم والأمن الفكري.

وأشار الدكتور الضويني إلى أن الأزهر يعمل على إعداد وثيقة أزهرية لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، من خلال لجنة عليا بإشراف فضيلة الإمام الأكبر، تهدف إلى وضع ميثاق أخلاقي يضبط التعامل مع هذه التقنية، ويضمن ألا تتحول من أداة نافعة إلى وسيلة تمس الخصوصية أو تهدد القيم والمبادئ الأخلاقية التي يقوم عليها تماسك المجتمعات، مع ضرورة استلهام هذا الميثاق من مبادئ الشريعة الإسلامية التي تصون كرامة الإنسان وتحمي حقوقه وقيمه.

وشدد الدكتور الضويني على ضرورة أن يكون المفتي المعاصر واعيًا بالتقنيات الحديثة ومهاراتها الرقمية، حتى يتمكن من التفاعل مع معطيات العصر الذي بات أكثر تعقيدًا وتشابكًا، داعيًا في الوقت نفسه إلى الحذر من أن يتحول الذكاء الاصطناعي إلى أداة تقتل المواهب وتخدر العقول، وتساءل عن مدى استعداد أبناء هذا العصر للاجتهاد والبحث والتحرير، وعن ضرورة أن تكون للأمة بصمة مؤثرة في إدارة هذه التقنية، حتى لا تتحكم العقول الخارجية في مسار تفكيرنا وهويتنا.

وأشار وكيل الأزهر إلى أهمية وضع مصفوفة بالمهارات والكفايات المطلوبة لمن يتصدر للإفتاء في ظل عصر الذكاء الاصطناعي، مع الحرص على ألا تضيع الهوية الإسلامية أو تذوب الشخصية عبر الشاشات، مشددًا على أن المرجعية الشرعية والأصالة العلمية هما الضمانة الحقيقية أمام أي تزييف أو تحيز علمي، وأن صناعة المفتي الرشيد ستظل أمانة كبرى تتطلب تأهيلًا راسخًا يجمع بين العلم الشرعي والوعي الرقمي.

وفي ختام كلمته، تساءل وكيل الأزهر، قائلاً: في ظلِّ هذا التوسُّع المتسارع في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، أين هِمَّةُ أبناء العصر في البحث والتحرير والمقارنة والاستنباط؟ وهل يفرض علينا هذا الذكاء أن نكون أكثر تمسُّكًا بأصولنا، لتكون ضمانةً حقيقيةً ضد أي تزييف أو تحيُّز علمي؟ أم أن الواجب يقتضي أن تكون لنا بصمةٌ واضحة في إدارة هذا الذكاء، فننتقل من موقع المفعول به إلى موقع الفاعل المؤثِّر، حتى لا نصير أسرى للشاشات، ولا تُدار عقولنا من وراء البحار والمحيطات؟ أليس من الضروري أن نضع قائمةً بالكفايات والمهارات العلمية والعملية التي يجب أن تتوافر فيمن يتصدَّر للإفتاء واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي؟ ثم أليس من الواجب أن نكون أكثر حذرًا ووعيًا، حتى لا تضيع هويتنا أو تذوب شخصيتنا في عوالم الشاشات؟.

طباعة شارك وكيل الأزهر مؤتمر الافتاء الكيان الصهيوني السلام صناعة الفتوى

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: وكيل الأزهر مؤتمر الافتاء الكيان الصهيوني السلام صناعة الفتوى الذکاء الاصطناعی وکیل الأزهر

إقرأ أيضاً:

بمشاركة أكثر من 70 دولة.. انطلاق فعاليات مؤتمر «صناعة المفتي الرشيد»

انطلقت اليوم فعاليات المؤتمر الدولي العاشر للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، تحت عنوان: «صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي»، وذلك تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، ويأتي هذا المؤتمر ليسلط الضوء على التحديات التي تواجه الإفتاء في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، والسعي إلى بناء عقل إفتائي جديد يجمع بين الانضباط الشرعي والوعي الرقمي في عصر طغت عليه أدوات الذكاء الاصطناعي.

صناعة «المفتي الرشيد»

 ويطرح المؤتمر مفهومًا جديدًا ومركزيًا وهو صناعة «المفتي الرشيد»، باعتباره النموذج الأمثل للتعامل مع قضايا العصر، في مقابل ما يُتداول من مصطلحات مثل «المفتي الرقمي» أو «العصري»، إذ الرشد هنا لا يعني فقط مواكبة التكنولوجيا، بل يمثل بوصلة أخلاقية وعلمية تجمع بين الحكمة، والمعرفة، وفهم الواقع، والقدرة على إصدار الفتوى المنضبطة التي توازن بين الثابت والمتغير، وتدرك مقاصد الشريعة وأبعاد العصر.

تقديم إجابات رشيدة ومنضبطة

وتسعى دار الإفتاء من خلال -هذا المؤتمر-، إلى تقديم رؤية مستقبلية شاملة للمؤسسات الإفتائية، تجعلها أكثر قدرة على استشراف التحديات وتقديم إجابات رشيدة ومنضبطة، دون الوقوع في فخ التقنية المطلقة أو الجمود، وهي رؤية تقوم على التكامل بين الاجتهاد الشرعي والأدوات العصرية، وتحترم ثوابت الدين دون أن تغفل مستجدات الحياة.

حكم طاعة الوالدين في الأمر بطلاق الزوجة.. الإفتاء تجيبحكم تأخير صلاة العشاء إلى ما بعد منتصف الليل.. دار الإفتاء تحسم الجدل

محاور مؤتمر الإفتاء الدولي

المحور الأول يتناول «تكوين المفتي الرشيد العصري» من خلال إكساب المفتين مهارات القيادة، وإدارة الأزمات، والتعامل مع قضايا البيئة والعلاقات الدولية.


ويخصص المؤتمر محورًا لموضوع «الإفتاء في عصر الذكاء الاصطناعي»، لمناقشة الضوابط الشرعية لاستخدام هذه التقنيات في عملية الإفتاء، وتشمل المحاور أيضًا تحليل أدوات البحث الرقمي، وتأثير الإعلام الرقمي على الفتوى، إلى جانب محور خاص بالأطر الأخلاقية للتقنيات الحديثة.

وأضاف أن هذه المحاور تهدف إلى تحقيق رؤية شاملة لتحديث المنظومة الإفتائية، تبدأ من تأهيل الكوادر العلمية الشابة، مرورًا بتوسيع إدراك المفتين لأدوات التحليل الرقمي، وانتهاء بوضع معايير منضبطة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في دعم الفتوى، كما يسعى المؤتمر إلى تعزيز الثقة المجتمعية في المؤسسات الإفتائية، من خلال رفع جودة الفتاوى المقدمة وارتباطها بالواقع المعاصر.

بعد إثارة الجدل.. دار الإفتاء المصرية تؤكد حرمة مخدر الحشيشحكم رفع المرأة لصوتها على زوجها.. دار الإفتاء تجيب4 ورش عمل متخصصة

ويتضمن المؤتمر تنظيم أربع ورش عمل متخصصة ضمن فعاليات المؤتمر، تسعى إلى تحويل الرؤية الفكرية إلى ممارسات عملية، وتأتي ورش العمل على النحو التالي الأولى بعنوان «تطوير أطر أخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في دعم العمل الإفتائي»، والثانية عن «تعزيز مهارات التفكير النقدي والوعي الرقمي للمفتين الشباب»، إضافة إلى ورشة ثالثة عن «استخدام أدوات البحث الرقمي والذكاء الاصطناعي المساعد في تحضير الفتوى مع بيان الضوابط»، بينما تأتى الورشة الرابعة وهى عبارة عن جلسة عصف ذهني تحت عنوان «استشراف مستقبل الإفتاء في ظل التطورات المتوقعة للذكاء الاصطناعي».

وتستهدف هذه الورش دعم قدرات المشاركين وتمكينهم من أدوات العصر دون التفريط في الأصول الشرعية.

 بمشاركة أكثر من 90 دولة

ويمثل المؤتمر ملتقى دولياً فريدًا من نوعه، حيث يشارك فيه عدد كبير من العلماء والمتخصصين من أكثر من 70 دولة، من بينهم وزراء وعلماء ومفتون، وخبراء تكنولوجيا، ومتخصصون في الإعلام الرقمي وصناعة المحتوى، ويؤكد هذا التنوع المكانة الدولية التي باتت تحظى بها الأمانة العامة ودار الإفتاء المصرية، كمرجعية معترف بها عالميًا في قيادة الفكر الإفتائي المتجدد.

ويعد المؤتمر أيضًا فرصة لإبراز دور مصر الرائد في قيادة العمل الإفتائي عالميا، حيث لم تكتف الدولة باستضافة الفعاليات، بل تقدم نموذجًا متكاملاً للجمع بين الجدية البحثية، والبعد العملي، والانفتاح على العالم، من خلال مبادرة دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة، بمناقشة القضايا المعاصرة، والعمل على وضع حلول تطبيقية لها، ما يجعلها بحق "قاطرة العالم الإسلامي" في مجال الإفتاء الحديث.

ومن المتوقع أن يكون لهذا المؤتمر أثر بالغ في إعادة تشكيل أولويات المؤسسات الإفتائية في العالم، وتوجيه بوصلتها نحو التحديث المدروس، بما يجعل من «المفتي الرشيد» نموذجًا عالميًا جديدًا يوازن بين الشريعة والعصر، وبين الحكمة والتقنية، وبين الانتماء إلى التراث والانفتاح على المستقبل.

طباعة شارك صناعة المفتي الرشيد المفتي الرشيد عصر الذكاء الاصطناعي الذكاء الاصطناعي الإفتاء

مقالات مشابهة

  • محافظ الغربية يشارك في مؤتمر صناعة المفتي الرشيد .. صور
  • مؤتمر الإفتاء العالمي العاشر.. هل الذكاء الاصطناعي بديل للمفتي البشري؟
  • عمر الدرعي: يجب أن يكون المفتي سدًّا قويًّا وأمينًا أمام تحديات الذكاء الاصطناعي
  • الأزهر: المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي هو من يمتلك المهارات الرقمية
  • محافظ القاهرة يشهد مؤتمر صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي
  • وكيل الأزهر: المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي من يمتلك المهارات والملكة الفقهية والوعي
  • رئيس النيابة الإدارية يشهد فعاليات مؤتمر صناعة المفتي الرشيد
  • تحت رعاية الرئيس.. انطلاق المؤتمر العالمي صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي
  • بمشاركة أكثر من 70 دولة.. انطلاق فعاليات مؤتمر «صناعة المفتي الرشيد»