كريم وزيري يكتب: حرب البرق.. حين أطفأت المدافع أضواء أوروبا في غمضة عين
تاريخ النشر: 13th, May 2025 GMT
في الحروب، كما في العواصف، هناك دويٌ يُسمع قبل أن تُرى آثاره، إلا أن حرب البرق لم تمنح العالم رفاهية التوقع أو الوقت لرفع الرأس.. كانت الصدمة أسرع من الصوت، وأقسى من الرصاص، وأذكى من كثير من استراتيجيات الجنرالات المتكلسين على كراسي الأمجاد القديمة.
في صباح العاشر من مايو عام 1940، تحركت آلة الحرب الألمانية كأنها وحش معدني خرج من رحم الجحيم، يعصف بكل شيء في طريقه جبال، غابات، مدن، وجيوش كانت حتى الأمس تتغنى بتكتيكات الحرب العالمية الأولى ولم تكن فرنسا أو بلجيكا أو حتى بريطانيا مستعدة لنوعٍ كهذا من القتال.
حربٌ لا تُعلن، لا تنتظر، لا تتوقف إنها حرب البرق – حين تتحول الجغرافيا إلى رقعة شطرنج، والمناورات إلى خيول نار تجري على إسفلت أوروبا.
لا تخطئ الظنّ أدولف هتلر لم يكن عبقري الحرب خلف هذه الخطة الخاطفة، الجنرال الحقيقي كان "هاينز جوديريان"، الرجل الذي فهم أن الحرب في القرن العشرين لا تُربح بكثرة الجيوش بل بسرعة الحسم، فابتكر عقيدة تعتمد على التحام مدرعات ثقيلة وطائرات قاذفة مع وحدات مشاة مدربة على سرعة التوغل، هدفه؟ كسر العمود الفقري للعدو قبل أن يدرك حتى أنه دخل ساحة المعركة.
لم يكن الأمر مجرد تطوير تقني، إنها فلسفة جديدة أن تُفكك جبهة العدو من الداخل، لا من المواجهة المباشرة وأن تزرع الفوضى في قياداته، تشل خطوط إمداده، وتخلق رعبًا نفسيًا يعادل أثر القنابل.
ربما لم تكن هناك مأساة عسكرية أبلغ من سقوط فرنسا في 6 أسابيع فقط، كانت باريس تظن أن "خط ماجينو" سيحميها، ذاك الحائط الخرساني المسلح الذي أنفقت عليه الملايين، لكن جوديريان لم يلتفت إليه، ببساطة، دار حوله واخترق بلجيكا وهولندا، ثم اقتحم فرنسا من غابات الأردين، حيث كانت القيادة الفرنسية تظن أن الدبابات لا يمكنها العبور.
وفي لحظة، وجد الجيش الفرنسي نفسه محاصرًا، مفككًا، مهزومًا نفسيًا قبل أن يُهزم ميدانيًا وحتى البريطانيون اضطروا للهرب عبر ميناء "دنكيرك" في عملية سميت بـ "معجزة الإنقاذ"، لكن الحقيقة أن ما أنقذهم لم يكن المعجزة، بل قرار هتلر الغريب بإيقاف زحف دباباته ليومين – قرار حُفرت حوله علامات استفهام حتى اليوم.
حرب البرق لم تكن تفوقًا في السلاح فقط، بل كانت سباقًا مع الزمن، هي نوع من الحرب النفسية كما هي حرب عسكرية، حين تنهار الاتصالات، وتتوالى الانفجارات، وتتشتت الأوامر، يتحول الجنود إلى أشباح خائفة، وقياداتهم إلى حائرين لا يعرفون من أين تبدأ الضربة التالية.
أيضًا، كانت ألمانيا أول من دمج الطائرات التكتيكية في الهجوم الأرضي المباشر، ولم تعد الطائرة أداة لقصف بعيد المدى فقط، بل أصبحت عينًا في السماء، تضرب وتُنسق وتُربك العدو في الوقت ذاته، كان ذلك فكرًا غير مسبوق في زمن ما تزال فيه جيوش أوروبا تُفكر بمنطق المدفعية والخنادق.
صحيح أن ألمانيا حققت مكاسب سريعة، لكنها دفعت لاحقًا ثمن الاعتماد المفرط على هذه العقيدة، حين وصلت قواتها إلى روسيا في 1941، وجدت أن الأرض هناك ليست بلجيكا، والشتاء ليس ربيعًا، والمقاومة ليست تقليدية.
الروس، بتكتيكاتهم "البطيئة الماكرة"، أفرغوا الأرض أمام القوات الألمانية، ثم حاصروها حين جاء الشتاء، حرب البرق تعطلت، ومفاصلها تجمّدت، ولم يلبث أن انقلب السحر على الساحر في معركة ستالينجراد، التي كانت بداية النهاية.
الولايات المتحدة، بعد مراقبتها للبرق الألماني، لم تقف صامتة، طورت لاحقًا ما يُعرف بـ "الصدمة والترويع" في حروبها الحديثة، وخاصة في العراق عام 2003 والمبدأ ذاته ضربات مركزة وسريعة على مراكز القيادة والسيطرة لإحداث انهيار شامل.
حتى الجيوش العربية، وعلى رأسها مصر، استفادت من بعض دروس حرب البرق في حرب أكتوبر 1973، حين نجحت في المباغتة وتحقيق اختراق خاطف في خط بارليف لكن الدرس الأكبر لم يكن عسكريًا فقط، بل سياسيًا أيضًا لا يوجد نصر مجاني، فمهما بدت الانتصارات ساحقة، فإنها دون رؤية سياسية ناضجة تتحول إلى انتصارات فارغة، قابلة للانهيار عند أول اختبار.
حرب البرق كانت ثورة عسكرية غيرت شكل الحروب في القرن العشرين، لكنها –ككل ثورة– حملت في داخلها بذور فنائها، لقد أبهرت العالم بسرعة حسمها، لكنها أثبتت أن السرعة وحدها لا تبني إمبراطورية، بل تحتاج إلى عمق استراتيجي، ومرونة سياسية، وقادة لا يغرّهم وهج النصر.
فكما قال ونستون تشرشل ذات مرة "الحرب الحديثة لا تُكسب بالقنابل فقط، بل بما يحدث بعد أن تصمت المدافع" وهكذا، انطفأ البرق الألماني، لكن صداه لا يزال يُدرَّس، ويُخشى، ويُلهم... حتى اليوم.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الحرب العالمية فرنسا العراق القرن العشرين كريم وزيري الحرب الألمانية لم یکن
إقرأ أيضاً:
بحضور وزيري الصحة والشباب وأبو هشيمة.. "Startup Power" تطلق موسمها الرابع دوليًا
شهد الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، والدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، والمهندسة غادة لبيب نائب وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والنائب أحمد أبو هشيمة، رئيس لجنة الشباب والرياضة بمجلس الشيوخ ومؤسس المسابقة، والمهندس خالد عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، وال باسل رحمي، الرئيس التنفيذي لجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، وأشرف عبد الفتاح، الرئيس التنفيذي لشركة بلتون لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وأريك أوشلين، مدير مكتب منظمة العمل الدولية بالقاهرة، وعدد من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ وشخصيات عامة، فعاليات الحفل الختامي للموسم الثالث من مسابقة "Startup Power" لدعم المشروعات الناشئة، في احتفالية كبرى شارك فيها مئات الشباب أصحاب الأفكار الابتكارية من مختلف محافظات الجمهورية.
تكريم 50 فائزًا وجوائز تميز في قطاعات المستقبلشهد الحفل تكريم 50 فائزًا من أصل 80 متسابقًا وصلوا إلى المرحلة النهائية، والذين قدموا مشروعات متميزة قابلة للتنفيذ في قطاعات متنوعة.
كما تم منح جوائز تميز استثنائية لمشروعات تخصصت في مجالات التكنولوجيا الزراعية، والذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الأخضر، وذلك تقديرًا لأهميتها في دعم الاقتصاد الوطني واستشراف مستقبل التنمية المستدامة.
ولم يغفل الحفل تكريم المحكمين والمدربين الذين ساهموا بخبراتهم في بناء قدرات المتسابقين على مدار أشهر من العمل، في مشهد يؤكد أن نجاح أي مبادرة جادة يبدأ من تكامل كل عناصر المنظومة.
وأشاد الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، بالمسابقة ودورها في دعم ريادة الأعمال في مصر، مثنيًا على دور مؤسسة أبو هشيمة الخير في دعم الشباب وتنمية قدراتهم، قائلًا: "الأهم من الجائزة هو التدريب وصناعة العقول المبشرة.. ونحن لسنا أقل من من الشباب الذين أسسوا تطبيقات غيّرت التاريخ."
وأضاف: "أحمد أبو هشيمة له باع طويل في هذا المجال، وهو رائد أعمال متميز ومعطاء، ولا يتوانى عن دعم المبادرات التي تصب في مصلحة الوطن."
أحمد أبو هشيمة: المستقبل يبدأ من هنا
وفي كلمته، قال النائب أحمد أبو هشيمة، رئيس لجنة الشباب والرياضة بمجلس الشيوخ ومؤسس المسابقة: "هذه المسابقة بدأت من خمس سنين، برؤية واضحة جدًا: تمكين شبابنا الطموح، تحويل أفكارهم المبدعة لمشروعات حقيقية، ومنح الاقتصاد الوطني روح جديدة.. روح فيها ابتكار، وحلم، وطموح".
وأشار "أبو هشيمة" إلى أن الموسم الثالث شهد توسعًا كبيرًا من حيث النطاق وعدد المشاركين وجودة المشروعات، حيث تم تغطية جميع محافظات الجمهورية الـ27، كما تم مضاعفة قيمة الجوائز، وفتح مجالات جديدة تواكب مستقبل الاقتصاد مثل الاقتصاد الأخضر، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الزراعية.
كما استعرض أبرز الأرقام التي حققتها المسابقة على مدار مواسمها الثلاثة:• 13،258 شابًا تقدموا للمشاركة من مختلف أنحاء الجمهورية
• تم تحويل أكثر من 14 ألف فكرة ريادية إلى 130 مشروعًا قائمًا
• إجمالي الدعم المالي المقدم عبر 3 مواسم أكثر من 30 مليون جنيه
• تم تقديم أكثر من 30،000 ساعة تدريب وإرشاد وتوجيه
• شارك في دعم المتسابقين 115 مدربًا و30 محكمًا
وأعلن " أبو هشيمة" أن الموسم الرابع من المسابقة سيكون برعاية منظمة العمل الدولية (ILO)، واصفًا ذلك بأنه "خطوة كبيرة تؤكد الثقة الدولية في المسابقة، وتفتح أمام شبابنا أبوابًا جديدة نحو العالمية، والتطوير، والدعم الدولي الحقيقي."
باسل رحمي: المسابقة نموذج لما يجب أن تكون عليه ريادة الأعمال في مصرمن جانبه، قال الدكتور باسل رحمي، الرئيس التنفيذي لجهاز تنمية المشروعات، إن "Startup Power" أصبحت تمثل نموذجًا عمليًا ناجحًا لريادة الأعمال في مصر، وأضاف: "نحن في الجهاز نعتز بشراكتنا في هذه المبادرة التي أصبحت حاضنة حقيقية لأفكار الشباب، ونؤمن بأن الاستثمار في العقول الشابة هو الركيزة الأولى لبناء اقتصاد تنافسي شامل".
وتابع: "ما لمسناه من التزام وجدية في تنفيذ هذا البرنامج يجعلنا أكثر إصرارًا على توسيع التعاون وتوفير المزيد من أدوات التمويل والتدريب للمشروعات الواعدة التي تخرج من رحم هذه المسابقة".
أشرف عبد الفتاح: 50 مليون جنيه لتمويل المشروعات الفائزةوفي هذا السياق، صرّح أشرف عبد الفتاح، الرئيس التنفيذي لشركة بلتون لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، قائلًا: "نحن نؤمن بأن دعم ريادة الأعمال هو الاستثمار الحقيقي في مستقبل الاقتصاد المصري، ولذلك حرصنا على أن نكون شريكًا فعّالًا في جميع مراحل مسابقة Startup Power، من مرحلة التقييم وحتى التمويل، سعداء بتمويل مجموعة من المشروعات الواعدة بقيمة تصل إلى 50 مليون جنيه، وملتزمون بمواصلة دعم رواد الأعمال وتمكينهم من تحقيق نمو حقيقي ومستدام".
شراكة دولية للموسم الرابع.
وقد شهد الحفل توقيع بروتوكول تعاون جديد بين مؤسسة أبو هشيمة الخير، وجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، ومنظمة العمل الدولية (ILO)، لرعاية الموسم الرابع من المسابقة، في خطوة نوعية تؤكد على البعد الدولي للمبادرة، وتعزز حضورها كمنصة متكاملة للابتكار وريادة الأعمال في مصر، تمهيدًا لانطلاقها عربيًا وعالميًا.