قبقبة معارضي الإنقاذ للمنشقين عنه: توبة قبل الغرغرة
تاريخ النشر: 16th, May 2025 GMT
درجت على نسبة تهافت الحكومة الانتقالية إلى ما سميته “عادة المعارضة” في كادرها. فالمعارضة عندهم بينة والحكومة التي يعارضونها بينة. ووجود أي منهما حيث هو “تأبيدة”. وعليه فالمعارضة ترتاب في أي حكومي-انقاذي خرج على الحكومة بقدر ما وسعه حتى أنه لما انشق قمر الإنقاذ وخرج الشيخ حسن الترابي عليها في أخريات عام 1999 قال المعارضون “مؤامرة” أو مكراً.
وأنشر هنا كلمة لي من 2013 أحمل فيها على المعارضة إسرافها على نفسها فيما سميته “قبقبة” الإسلاميين الخارجين على الإنقاذ. وأخذت عليها تحكيم الوازع الأخلاقي تحكيماً تطابقوا في مصطلحه الثيولوجي-الديني مع عدوهم على زعمهم أنهم على قطيعة معرفية معه. وحكموا ذلك الوازع في تلك القبقة تحكيماً لا اعتبار فيها لتوسيع الجيش السياسي لمقاومة الإنقاذ. فضيقوا واسعاً. فإلى المقال القديم (29-11-2013).
لا غلاط في معقولية مطلب المعارضة الرسمية للإنقاذ من إصلاحيّ المؤتمر الوطني والسائحين وأصحاب مذكرة التغيير أن يكونوا شهداء على تاريخ الإنقاذ العصيب الذي كانوا هم طرفاً فيه بصورة أو أخرى. ولكن من المعيب أن يتحول هذا المطلب إلى “قبقبة” لهم ممن ظن أنه امتلك زمام الصواب. فقد نصب كثير من المعارضين الرسميين “محاكم تفتيش” عن سرائر جماعة الإسلاميين المنشقة غير خليق بصاحب مبدأ وموقف يعتقد في صوابهما ويؤمن بأن الناس ستأتي إليهما عاجلاً أو آجلاً.
وأكثر ما أزعجني هو سيادة مجاز التوبة الديني في هذه المحاكم المنصوبة. والعلماني والظلامي في الأخذ بهذا المجاز سواء. فطلب الترابي من غازي العتباني وصحبه التوبة عن خطيئة الإنقاذ التي لم يحسن هو بعد الكفارة عنها. وجاء بالآية: “فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين”. ولم يخرج حسين الزبير ذو الأصول العلمانية عن مجاز الترابي الديني قيد أنملة، بل بالغ. فطلب من منشقي الحركة الإسلامية أن يتوضؤوا من مخازي الإنقاذ وأن يرضخوا للتوبة عنها كما في الشرع. وهو أن تصدر التوبة بإخلاص، وبالندم على ما حصل، والإقلاع عن المعصية التي تاب منها الواحد والعزم ألا يعود إليها.
إن في زج المجاز الديني في هذا الوضع السياسي الملموس لشطط كبير. بل فيه تجديف. فمن وضع نفسه في مقام متلق التوبة عن المذنب زعم كمالاً وعلواً كبيراً ورحمة هي من صفاته سبحانه وتعالى. فالسياسي حين يتنكب الطريق لا يرتكب ذنباً، بل خطأ في التقدير يتراوح بين الصادر عن نية حسنة إلى ذلك الذي يؤدي بصاحبه. ولا توجد جهة، طالت أم قصرت، تملك صكوك الغفران أو مراسيم التوبة.
فمن فقر النفس والسياسة استخدام المجاز الديني في مثل موضوعنا السياسي الجماعي العاجل بينما الدين، من جهة التوبة فردي، وآجل. وربما لم نوفق في استيفاء مطلب الآجل من العاجل. فقال حسين الزبير مثلاً إن من أشراط التوبة أن تتم قبل الغرغرة (خراج الروح) بقليل. وجاء بالآية: “وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً”. فمتى ستكون غرغرة هذه الجماعات الإسلامية الخارجة حتى تتوب قبل أن تموت على غير الملة والعياذ بالله؟
أخذت على من طلبوا “التوبة” من الترابي بعد المفاصلة في 1999 فهمهم للتوبة ك”قرقرة”، أي تضييق حتى ينطق بالحق. وهذه بولتيكا ساكت. ف”التوبة” السياسة، إذا كان لابد أن نسميها كذلك، هي حالة ثقافية يكون بها الخطأ كله أمامنا بتاريخه وحيثياته نتداول فيه كأنداد في الوطن لأنه ليس منا في الأزمة الوطنية الناشبة من يمكن وصفه بالفرقة الناجية. فمنذ أيام تغاضب المؤتمر الشعبي وحزب الأمة فأتهم الأول الثاني بفصل الجنوب وأتهم الثاني الأول بتسعير الحرب في دارفور. وكنا نظن أنهما من جرائر الإنقاذ حصرياً. وأسفر ناطق باسم المؤتمر الوطني مكراً ماكراً حين قال اختلف اللصان فظهر المسروق.
لم تنم المعارضة الرسمية للإنقاذ بعد ربع قرن شقي من حياتها منابر للتداول في خطاب “التوبة” الذي “يفرش” القضايا ويحسن إليها بالفكر والموعظة الحسنة. فلا نعرف كسبنا بعد من “قبقبة” المعارضة للترابي. فماهي التجربة السياسية والتربوية المستخلصة منها؟ كيف جرى بثها في مواعين ثقافية لتصبح وعياً بين الناس يطمئنون به للمعارضة كبديل يرتجي؟ فمقتل المعارضة وقضية التغيير الآن في زهد الناس في الحكومة والمعارضة معاً. وهو موقف تكسب به الحكومة بالطبع.
أتمنى ما أزال أن يكون خروج هذه الجماعة من الإسلاميين للمساهمة الإيجابية المستقلة في حل الأزمة الآخذة بخناقنا تعزيزاً للوطنية السودانية. فقد كنت قريباً من بعض أعضاء هذه الجماعات وأعرف ما يثقل خاطرهم عن حركتهم بما يزهدهم في “محاكم التفتيش” المنصوبة. إنهم عارفون أن حركتهم ارتكبت بانقلاب 1989 خطأ مهلكاً مسبوقة إليه من حلفاء اليسار. وهو خطأ موجب للتأمل والنظر للوعي به لا التكفير عنه لو كف المعارضون عن التهريج بالتوبة.
عبد الله علي إبراهيم
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
هل يقبل الله التوبة بعد المعصية؟.. 4 شروط اغتنمها في الأشهر الحرم
هل يقبل الله التوبة بعد المعصية؟، سؤال يكثر البحث عنه خاصة مع تحري العباد لمواسم الطاعات وما أكثرها في الأشهر الحرم، نوضح هل يقبل الله التوبة بعد المعصية؟، وكيف يكون ذلك؟.
هل يقبل الله التوبة بعد المعصية؟تقول دار الإفتاء المصرية إن التوبة من المعصية واجبة شرعًا باتفاق الفقهاء؛ لأنها من أهم قواعد الإسلام، حيث قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (12/ 238، ط. دار الكتب المصرية) عند تفسيره لقول الله تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31]: [قوله تعالى ﴿وَتُوبُوا﴾: أمر، ولا خلاف بين الأمة في وجوب التوبة، وأنها فرض متعين.. والمعنى: وتوبوا إلى الله فإنكم لا تخلون من سهو وتقصير في أداء حقوق الله تعالى، فلا تتركوا التوبة في كل حال] اهـ.
وتابعت أن التوبة من الذنوب واجبة، على المذنب أن يبادر بها؛ ليخرج من الدنيا سليمًا معافًى آملًا وراجيًا من الله عزَّ وجلَّ أن يتفضَّل عليه ويُدخله الجنة وينجيه من النار، وإذا تعلَّق الذنب بحقوق العباد فلا بد من التحلل من المظلمة؛ لأن الله تعالى قد يغفر ما كان من الذنوب متعلقًا بحقه، ولا يغفر ما كان متعلقًا بحقوق العباد، إلا إذا تحلَّل الظالم من المظلوم فسامحه.
وشددت على أنه مَن كان مِن المسلمين يفعل ذنبًا أو معصية فعليه بالتوبة من ذلك، وقد تفضل الله تعالى على عباده بقبول توبتهم والعفو عن سيئاتهم، فمتى تاب العاصي من معصيته واستغفر الله لذنبه قَبِل الله توبته وغفر له؛ قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 110]، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى: 25]، وهذا ما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه الشريف؛ فعن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه، أن رسول صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» أخرجه ابن ماجه والبيهقي في "السنن"، والطبراني في "الكبير".
شروط التوبةوشروط التوبة ثلاثة هي:
1- الندم على الذنب.
2- الإقلاع عن المعصية.
3- العزم على عدم العود إليها. ينظر [فتح الباري 12/ 267].
ويضاف إليها شرطاً رابعاً إن تعلق بحقوق العباد، وهو إرجاع الحق إلى صاحبه، فمن سرق أو غصب مالاً فعليه أن يرده أو يتحلل من أصحابه.
وقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم التائبين ببشرى عظيمة، فقد أخرج ابن ماجه عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ، كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ).
وتكرار الوقوع في المعصية لا يمنع من التوبة منها، وأن التوبة هي العزم على عدم العود للمعصية وليس عدم الوقوع فيها، فإذا رجع المرء للوقوع في نفس الذنب لم تهدم توبته السابقة، لكن عليه بتجديد التوبة.
أخرج البخاري في [صحيحه] عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا -وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا- فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ -وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَبْتُ- فَاغْفِرْ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا، أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ -أَوْ أَصَبْتُ- آخَرَ، فَاغْفِرْهُ؟ فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا، وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَابَ ذَنْبًا، قَالَ: قَالَ: رَبِّ أَصَبْتُ -أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ- آخَرَ، فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاَثًا، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ).
قال النووي رحمه الله: "لو تكرر الذنب مائة مرة أو ألف مرة أو أكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته وسقطت ذنوبه، ولو تاب عن الجميع توبة واحدة بعد جميعها صحت توبته" [شرح النووي على مسلم 17/ 75].
وقال ابن دقيق العيد رحمه الله: "فلو فعل الإنسان مثل هذا في اليوم مراراً وتاب التوبة بشروطها فإن الله يغفر له" [شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد، ص138].
فعلى المسلم أن يحسن الظن بالله عز وجل، ويتيقن بأن الله يقبل عبادة العابدين، وتوبة التآئبين، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53، وقال جل جلاله: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى/25، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ) رواه الترمذي.