آثار اقتصادية فورية.. هل يستطيع ترامب رفع العقوبات عن سوريا؟
تاريخ النشر: 16th, May 2025 GMT
في خطوة هزت الأوساط الدبلوماسية والاقتصادية حول العالم، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه إصدار أمر بوقف جميع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، في إجراء وصفه محللون بأنه "غير اعتيادي للغاية" و"يكاد يكون غير مسبوق في تاريخ تخفيف العقوبات الحديث".
ويؤكد الخبراء -الذين تحدثوا إلى الجزيرة نت- أن إعلان ترامب كان لافتا، إذ إنه يستند إلى قرار سياسي مباشر من الإدارة الأميركية من دون شروط تفاوضية معقدة، على خلاف أغلب تجارب رفع العقوبات السابقة التي عادة كانت مشروطة وتسير عبر مسارات طويلة من المفاوضات والالتزامات الدولية الصارمة، كما حدث في حالات مثل إيران أو السودان أو كوبا.
وجاء الإعلان الأميركي في الرياض أثناء جولة خليجية قام بها ترامب، شملت كلا من السعودية وقطر والإمارات، مما أعاد ملف سوريا إلى صدارة الاهتمام الدولي، وأثار الكثير من التساؤلات حول مستقبل بلد مزقته حرب استمرت أكثر من عقد، وكذلك بشأن الطريقة التي ستترجم بها هذه التعهدات إلى سياسات عملية على أرض الواقع.
وأشار الخبراء إلى أن القرار يحمل بعدًا اجتماعيًا وإنسانيًا بالغ الأهمية، إذ قد يعيد الأمل للسوريين في تحسين معيشتهم واستعادة الخدمات الأساسية، إضافة إلى إمكانية دفع دول وكيانات إقليمية ودولية أخرى نحو تخفيف أو رفع قيودها عن سوريا، في حال طبقت واشنطن قرارها بشكل شامل وفعال.
ترك إعلان ترامب الباب مفتوحًا أمام موجة من الشكوك حول مدى قدرة الإدارة الأميركية على تطبيقه فعليًا، خاصة بالنظر إلى البنية المعقدة للعقوبات الأميركية.
إعلانفالمحللة الأولى في برنامج الولايات المتحدة بمجموعة الأزمات الدولية ديلاني سيمون عبرت عن دهشتها وسعادتها بالقرار في الوقت نفسه، موضحة "لا أعتقد أنه حدث من قبل أن يتعهد رئيس أميركي برفع جميع العقوبات عن بلد يعاني من عقوبات شديدة مثل سوريا."
وأشارت سيمون -في تصريحات للجزيرة نت- إلى أن معظم الحالات المشابهة، كتجارب رفع العقوبات كانت مشروطة ومرتبطة بمعاهدات وتنازلات وبرامج مراقبة ومفاوضات شاقة، بينما يبدو أن الوضع مع سوريا مختلف تمامًا، "فالإدارة الأميركية الحالية أمرت برفع العقوبات بشكل كامل من دون شروط واضحة مسبقة".
ومع ذلك، تؤكد سيمون أن الواقع أكثر تعقيدًا من مجرد إعلان رئاسي؛ فالعقوبات المفروضة على سوريا متنوعة ومتعددة المصادر، حيث شرّع الكونغرس بعضها، وفُرضت أخرى من قبل وزارات التجارة أو الخارجية أو الخزانة، وكلها تتطلب إجراءات وبروتوكولات دقيقة لرفعها.
ورغم كل هذه التحديات، ترى الخبيرة في مجموعة الأزمات أن الأمر ليس مستحيلاً، لأنه "إذا التزم الرئيس ترامب بشكل علني وجاد بالمضي قدما في قراره، واستخدم ثقله السياسي لدفع الجهات الأميركية المعنية لاتخاذ خطوات حقيقية، فعندها فقط يمكن أن نشهد تطورات حقيقية وجوهرية".
انعكاسات متعددة
وتضيف إلى التطورات السابقة المحللة الأولى لشؤون سوريا في مجموعة الأزمات الدولية ننانار هواش أبعادا جديدة تتعلق بالانعكاسات الاجتماعية والأمنية، مشيرة إلى أن "رفع العقوبات لن يسهم فقط في تحفيز التعافي الاقتصادي، بل سيرتبط أيضا بخطوات تؤدي إلى كسر دوامة العنف المستمرة في سوريا منذ أكثر من عقد".
وتركز هواش على أن الانهيار الاقتصادي نفسه كان من بين أهم الأسباب التي غذت انعدام الأمن وتآكل الخدمات الأساسية وأدت إلى تصاعد المظالم المحلية ودفع كثير من السوريين نحو الجماعات المسلحة. وتخلص هواش إلى أن قرار رفع العقوبات "يبعث إشارة قوية للجهات الخارجية والدول المترددة ببدء إعادة الانخراط مع سوريا".
إعلانوفي ما يتعلق بالآثار السياسية، فإن المستشارة الأولى لمجموعة الأزمات الدولية دارين خليفة وصفت القرار بأنه "تطور إيجابي كبير للبلد الذي مزقته الحرب، وتقدم إستراتيجي في العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا".
وحسب رأيها، فإن الحماسة العلنية للرئيس الأميركي ووضوح تصريحاته، ترفع من احتمالية تنفيذ القرار فعليًا على أرض الواقع، رغم اختلال التوازن البيروقراطي والجدول الزمني غير الواضح حالياً.
وتضيف مستشارة مجموعة الأزمات أنه "إذا تم تنفيذ توجيهات ترامب بالنطاق والروح نفسها التي ظهرت في الإعلان، فإن ذلك سيفتح الباب أمام فترة جديدة من العلاقات الاقتصادية والسياسية بين واشنطن ودمشق، وقد يوفر فرصة لسوريا للخروج من عزلتها الطويلة".
انتعاش فوري
أما على الصعيد الاقتصادي، فتشير التحليلات إلى أن الأثر الأكبر لرفع العقوبات سيظهر سريعًا، وبشكل خاص على الليرة السورية، التي شهدت تدهورًا كبيرًا في السنوات الأخيرة.
ويتوقع محرر الشؤون الاقتصادية في الجزيرة نت محمد أفزاز أن "رفع العقوبات سيؤدي إلى انتعاش فوري لليرة السورية التي كسرت حاجز 9000 ليرة مقابل الدولار مؤخرا، مع تدفق الاستثمارات الخارجية وتحويلات العملة الصعبة"، موضحًا أن القطاع المصرفي سيكون من أول المستفيدين عبر عودة نشاط التحويلات المالية ودعم الاقتصاد المحلي.
ويلفت أفزاز إلى الأهمية الكبيرة للمغتربين السوريين، إذ يوجد الملايين منهم حول العالم، "وهؤلاء سيسهمون في تدفق العملة الأجنبية وتعزيز احتياطات المصرف المركزي السوري ودعم قيمة الليرة". كذلك، يشير إلى أن قطاع الاستثمار سيعرف نقلة نوعية، مع عودة المستثمرين الأجانب والسوريين المغتربين، وربما دول إقليمية مثل دول الخليج.
وعلى المديين المتوسط والبعيد، يتوقع أفزاز "تدفق أموال ضخمة على الاستثمار والإعمار، خاصة وأن تكلفة إعادة بناء سوريا تُقدر بنحو 150 مليار دولار على الأقل"، مما سيمنح الاقتصاد السوري فرصة التوسع والدخول لأسواق الدين العالمية والبدء في تطوير القطاعات الرئيسية، خاصة النفط والطاقة والبنية التحتية.
إعلانوتصاعدت العقوبات الأميركية والدولية على دمشق بشكل غير مسبوق منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، وبدأت العقوبات بداية محدودة نسبيا، لكنها سرعان ما اتسعت وتشعبت لتشمل قائمة طويلة من الأفراد والكيانات الحكومية والقطاعات الحيوية كالمصارف والطاقة والبنية التحتية، إضافة إلى حظر على الاستيراد والتصدير وتحويل الأموال.
وأسهم "قانون قيصر" (الصادر عام 2016) في تشديد الطوق الاقتصادي حول النظام السوري ومن يتعامل معه، مما جعل سوريا شبه معزولة عن الأسواق العالمية.
لذا يمثل قرار الرئيس الأميركي برفع العقوبات نقلة تاريخية في تعامل واشنطن مع الملف السوري، إذ يعلن للمرة الأولى فتح الباب لمرحلة جديدة من الانفتاح الاقتصادي والسياسي، ويعيد الأمل بمسار إعادة الإعمار وإنهاء العزلة الدولية التي عاشتها سوريا لأكثر من عقد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رفع العقوبات إلى أن
إقرأ أيضاً:
لماذا عجّل ترامب برفع العقوبات عن سوريا؟
في خطوة قال إنها تدعم أهداف الأمن القومي والسياسة الخارجية لبلاده، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مساء الاثنين، أمرا تنفيذيا ينهي العقوبات على سوريا، مشيدا بالحكومة السورية الجديدة، ومؤكدا التزام واشنطن بدعم سوريا مستقرة وموحدة تعيش في سلام مع نفسها وجيرانها.
ووصف وزير المالية السوري محمد يسر برنية رفع العقوبات الأميركية عن سوريا بأنه خطوة كبيرة ومهمة، ستنعكس إيجابا على الاقتصاد السوري.
وأوضح أنّ رفع العقوبات شمل أكثر من 5 آلاف جهة سوريّة، كما أنه يُمهد لفك الحصار الاقتصادي على تصدير الخدمات والبضائع الأميركية إلى سوريا، ويوجّه بمراجعة تصنيف سوريا على أنّها دولة راعية للإرهاب، على أن تبقى العقوبات المفروضة على الرئيس المخلوع بشار الأسد وأعوانه.
وحول أسباب التعجيل الأميركي برفع العقوبات عن سوريا، يرى الباحث في مركز سياسة الشرق الأوسط بمعهد بروكينغز، ستيفن هايدمان، أن هناك عاملين أساسيين هما:
– أن الرئيس ترامب لديه اهتمام شديد بتعزيز العلاقات مع البلدان في الخليج العربي خصوصا السعودية وقطر والإمارات.
– وثانيا أن الإدارة الأميركية ترى أن "حكومة أحمد الشرع المؤقتة اتخذت سلسلة من الخطوات المهمة بالنسبة إلى الولايات المتحدة بما في ذلك التفاعل مع إسرائيل"، بالإضافة إلى مسألة الأسلحة الكيميائية ومكافحة ما أسماه التطرف العنيف.
وعلى الجانب السوري، يرى الخبير في الشؤون الدولية، بسام طبلية -في حديث لبرنامج "ما وراء الخبر"- أن سوريا استجابت للمطالب الأميركية بشأن محاربة تنظيم الدولة الإسلامية والبحث عن جثة صحفي أميركي وكذلك أنهت الوجود الإيراني على أراضيها.
وقال إن "القيادة السورية تعاملت مع هذه المطالب بشكل كلي وتعاونت بشكل جدي وصادق"، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة لها مصلحة في رفع العقوبات من أجل محاربة تنظيم الدولة وإيران وأن يكون لها جزء في الاقتصاد وإعادة الإعمار سوريا.
إعلانوفي السياق نفسه، كشف طبلية أن مشاريع استثمارية للكثير من الدول قد دخلت إلى سوريا بما فيها الولايات المتحدة.
ومن وجهة نظر الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات، الدكتور لقاء مكي، فإن القضية أوسع من مطالب أميركية قدمت إلى دمشق، فسوريا بموقعها الإستراتيجي ودورها الجيوسياسي في المنطقة ينبغي أن تكون جزءا من حالة الشرق الأوسط الجديد، وفق المخطط الأميركي، وفي هذا السياق رأى أن طرد الرئيس المخلوع بشار كان ضمن سياق أوسع.
وأشار إلى أن المطالب الأميركية وحتى الإسرائيلية ليست مطالب حرفية مثل أن تقوم القيادة السورية بطرد الفصائل الفلسطينية الآن، ولكن الأمر يتعلق -يضيف مكي- بدور سوريا مستقبلا، وهو الدور الذي سيمنح لها قوة وموقعا تفاوضيا في الإطار الإقليمي.
وقال أيضا إن هناك قضايا متفقا عليها بين دمشق وواشنطن وهي الإرهاب ومنع إيران مع العمل مع حزب الله، لكن هناك قضايا تحتاج إلى نقاش ومنها مسألة الجولان المحتل.
التطبيعولفت مكي إلى أنه لا وجود في الأفق لتطبيع بين سوريا وإسرائيل، وهو ما أيده بسام طبلية الذي أكد أن الشعب السوري غير جاهز لقبول التطبيع مع إسرائيل، وأن هذا الأمر يتطلب وقتا زمنيا، وأن يكون هناك تفاوض بشأن أراضي الجولان المحتلة، وخلص إلى أن التطبيع مع إسرائيل سابق لأوانه.
كما يقول الباحث في مركز سياسة الشرق الأوسط بمعهد بروكينغز أن الولايات المتحدة تأمل أنه "من خلال إحلال الاستقرار في سوريا ودعم التعافي الاقتصادي ستكون الظروف مواتية بشكل أكبر لترتيبات ما بين سوريا وإسرائيل".
غير أن الضيف الأميركي أوضح أن "العقبات في الملف السوري الإسرائيلي لا تزال عميقة وجدية للغاية، ولا أرى أنهما باستطاعتهما التوصل بسهولة إلى اتفاق بشأن مسألة الجولان".
ومن جهة أخرى، قال إن سوريا سوف تستمر بالمشاركة مع الشركاء العرب في التحالف غير الرسمي للحفاظ على عدم السماح لإيران بالتدخل في المنطقة.