قراءة تحليلية لدراسة نُشرت في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى. اعلان

مع تصاعد الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، تبلورت "خطة عربات جدعون" بوصفها محور الاستراتيجية الإسرائيلية للمرحلة المقبلة. وقدّمت تل أبيب هذه الخطة باعتبارها مشروعاً حاسماً لتفكيك البنية العسكرية والإدارية لحركة "حماس"، وفرض معادلة أمنية وسياسية جديدة في القطاع.

غير أنّ الخطة، رغم ما تنطوي عليه من أدوات ضغط وتفوّق ناري، تُثير جدلاً واسعاً حول أهدافها الحقيقية، واحتمالات فشلها، بل وإمكانية أن تتحوّل إلى مدخل لتعزيز مكانة "حماس" بدلاً من إزاحتها.

في هذا السياق، تطرح نعومي نيومان، الزميلة الزائرة في معهد واشنطن والمختصة في الشؤون الفلسطينية، تحليلاً معمقاً يشكك في نجاعة الخطة ويعرض حدودها النظرية والتطبيقية، مستندة إلى خبرتها في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) ووزارة الخارجية، فضلاً عن دراستها الأكاديمية الجارية في جامعة تل أبيب.

مضمون الخطة: تفكيك "حماس" أم إعادة إنتاج السيطرة الإسرائيلية؟

في 6 أيار/مايو، صادق مجلس الأمن القومي الإسرائيلي على خطة "عربات جدعون"، محدداً ثلاثة أهداف محورية: القضاء على "حماس"، تحرير الرهائن، وترسيخ وجود عسكري دائم في غزة. هذه الأهداف، وإن ظهرت متكاملة، تعكس في واقع الأمر إشكالية بنيوية في الرؤية الإسرائيلية لمستقبل القطاع، لا سيما في ظل غياب أي تصور متماسك لما بعد الحرب، سواء على الصعيد المحلي أو بالشراكة مع الولايات المتحدة.

Relatedشاهد لحظة سقوط صاروخ إسرائيلي على مبنى في جباليا شمال غزةأطفال غزة يدفعون ثمن الحرب الأكثر دموية في العصر الحديثعلى وقع الحرب في غزة.. احتجاجات في بازل تدعو لطرد إسرائيل من مسابقة الأغنية الأوروبية

تتضمن الخطة ثلاث مراحل تنفيذية متسلسلة:

- مرحلة التمهيد والتفكيك الممنهج: استهداف البنى العسكرية والمؤسساتية التابعة لـ"حماس".

- مرحلةإعادة التمركز السكاني: نقل المدنيين إلى مناطق "منزوعة السلاح"جنوب القطاع، وعزل مقاتلي الحركة.

- مرحلة الاجتياح البري: دخول القوات الإسرائيلية إلى مناطق مصنّفة "مطهّرة" للسيطرة عليها وتعزيز احتلالها لتلك المناطق.

لكن هذه المراحل، كما تُبيّن نيومان، مصممة بمرونة تكتيكية تسمح لإسرائيل بتعديل المسار أو إيقاف العملية إذا لاحت في الأفق فرص تفاوضية جزئية مع "حماس"، وخصوصاً حول ملف الرهائن.

التوازن الأميركي: بين دعم إسرائيل ومخاوف من التصعيد

زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة أضافت بُعداً معقداً للمعادلة. فعلى الرغم من التماهي الظاهري بين تل أبيب وواشنطن، فإن الولايات المتحدة تتحرك على مسار موازٍ من خلال قنوات خلفية مع "حماس"، ساعيةً للإفراج عن الرهائن وبلورة تسوية تؤدي إلى وقف إطلاق نار طويل الأمد.

يطرح هذا التباين تساؤلات حساسة: إلى أي مدى تستطيع إسرائيل الاستمرار في تنفيذ الخطة من دون غطاء سياسي من واشنطن؟ وهل الإدارة الأمريكية مستعدة لتقبّل إقصاء "حماس" كلياً من أي ترتيبات مستقبلية في غزة؟

آليات الضغط الإسرائيلي

تستند الخطة إلى خمس أدوات ضغط رئيسية:

- فرض الوجود العسكري في مناطق حساسة مثل الممرات المركزية.

- فصل المدنيين عن البنى التابعة لـ"حماس".

اعلان

- التحكم بالمساعدات الإنسانية لحرمان الحركة من استخدامها كورقة نفوذ.

- تفكيك القيادة الميدانية من خلال عمليات استهداف دقيقة.

- الحرب النفسية لترسيخ شعور الانهيار لدى السكان والمقاتلين.

لكن هذه الأدوات، كما توضح الدراسة، قد تؤدي إلى نتائج عكسية؛ فبدل من تقويض "حماس"، فإنها قد تُسهم في تعزيز موقعها الرمزي والسياسي كحركة مقاومة، في ظل "استمرار الاحتلال "وغياب البدائل الوطنية الفاعلة.

اعلانRelatedنتنياهو يبحث مستقبل وفد التفاوض في الدوحة وحماس تحذّر من نكث التفاهمات مع واشنطننتنياهو يُهاجم ماكرون ويتهمه بالانحياز إلى حركة حماسنتنياهو عن تهجير سكان غزة: 50% من سكان القطاع سيغادرون والعقبة الوحيدة عدم وجود دول تستقبلهم"حماس": ما بين التآكل المؤسسي والصعود الميداني

رغم الضربات الإسرائيلية المكثفة، لا تزال "حماس" تُظهر قدرة لافتة على التكيف. فقد تمكنت، وفق الاستخبارات الأمريكية، من تجنيد نحو 15 ألف عنصر جديد منذ بداية الحرب، واستمرت في إدارة الخدمات المدنية، بالتنسيق مع مؤسسات الإغاثة. كما أن تراجع قدراتها التقليدية لم يُنهِ قدرتها على تنفيذ عمليات نوعية، بما في ذلك زرع العبوات الناسفة، واستهداف الآليات، وشن هجمات قنص.

ويبدو أن "استمرار الاحتلال"، بما يحمله من معاناة وتدمير، يعيد إنتاج سردية "المقاومة" في وجدان الشارع الفلسطيني، ما يمنح "حماس" زخماً شعبياً قد يُصعّب إزاحتها على المدى الطويل.

هل هناك أفق لاتفاق؟

تطمح إسرائيل إلى "شطب حماس" كطرف سياسي وعسكري، غير أن ذلك يبدو أقرب إلى الأمنيات الاستراتيجية منه إلى الوقائع. فـ"حماس" تُدرك أنها ليست في موقع يسمح لها بالاستسلام، كما أن منطقها الأيديولوجي يستند إلى رفض الاعتراف بـ"العدو الصهيوني" أو الدخول في تسويات مفرّغة.

اعلان

ومع ذلك، قد تبدي الحركة مرونة تكتيكية، تقبل بموجبها بوقف إطلاق نار مقابل ترتيبات إنسانية أو تبادل أسرى، شرط وجود ضمانات دولية بانسحاب تدريجي لإسرائيل، وتشكيل سلطة مدنية تتقاسم فيها "حماس" النفوذ، وإن من خلف الستار.

معارضة دولية وتحديات لوجستية

منظمة الأمم المتحدة رفضت المشاركة في تنفيذ الخطة، واعتبرتها خرقاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني. كما أن دولاً عربية كالإمارات نأت بنفسها عن المشروع، ورفضت المشاركة في توزيع المساعدات، ما يُضعف من شرعية الجهد الإنساني الموازي، ويمنح "حماس" فرصة لمهاجمة الخطة باعتبارها "غطاء للاحتلال".

من الناحية العملية، تواجه الخطة تحديات لوجستية حقيقية:

كيف سيتم توزيع المساعدات في ظل العمليات العسكرية المستمرة؟

اعلان

هل تستطيع القوات الإسرائيلية، رغم التحفظات الداخلية، تولي هذه المهمة؟

وهل المراكز اللوجستية التي تقترحها الخطة -أربعة في رفح ونتساريم- قادرة فعلاً علىتلبية حاجات السكان؟ 

الاحتمالات المقبلة: نهاية "حماس" أم إعادة صياغتها؟

إذا تم تنفيذ الخطة بالكامل، فقد تتمكن إسرائيل من تقليص القدرات العسكرية لـ"حماس"، وزعزعة سلطتها الإدارية. إلا أن هذا لا يضمن نهاية الحركة، بل ربما يُدفع بها إلى تبنّي تكتيكات أكثر عنفاً، وتحويل القطاع إلى ساحة استنزاف طويلة الأمد.

اعلان

وفي المقابل، إذا رضخت إسرائيل للضغوط الدولية وخفّضت سقف أهدافها، فقد تجد نفسها أمام "حماس" ضعيفة تنظيمياً لكنها أعمق رسوخاً سياسياً، وربما جزءاً من هندسة ما بعد الحرب.

تكشف خطة "عربات جدعون" عن ذهنية صلبة تؤمن بإمكانية الحسم العسكري، لكنها تتجاهل حقيقة أن التوازنات السياسية والاجتماعية في غزة لا يُعاد تشكيلها بالقوة وحدها. ففي الوقت الذي تُسقط فيه إسرائيل المباني، تُبقي على فراغ سياسي يُهيئ لعودة "حماس" بشكل أكثر تعقيداً.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

المصدر: euronews

كلمات دلالية: إسرائيل غزة دونالد ترامب قطاع غزة فلسطين مظاهرات إسرائيل غزة دونالد ترامب قطاع غزة فلسطين مظاهرات قطاع غزة بنيامين نتنياهو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل غزة دونالد ترامب قطاع غزة فلسطين مظاهرات الأمم المتحدة ذكرى النكبة نيويورك حركة حماس وفاة قصف عربات جدعون فی غزة

إقرأ أيضاً:

بمعدل غارة كل أربع دقائق على قطاع غزة.. مقتل أكثر من 250 فلسطينيًا في 48 ساعة

قُتل أكثر من 250 فلسطينيًا في غزة خلال اليومين الماضيين، إثر قصف إسرائيلي غير مسبوق استهدف مناطق واسعة من القطاع. ووفقًا لصحيفة "معاريف" العبرية، فإن الهجمات تُشن بمعدل غارة كل أربع دقائق. اعلان

وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن أنه هاجم 150 هدفًا، مما أسفر عن 109 قتلى و216 مصابًا خلال الـ24 ساعة الماضية، وفقًا لما أعلنته وزارة الصحة في غزة. كما أفاد الدفاع المدني في القطاع بسقوط 11 قتيلًا من عائلة واحدة.

وما يزال عدد من الضحايا تحت الأنقاض والركام وفي الطرقات، حيث تواجه الطواقم الطبية صعوبة في الوصول إليهم، وفقًا لوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".

ويتكوف "استسلم"

يأتي ذلك في الوقت الذي لم تشهد فيه المفاوضات في الدوحة أي تقدم للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار. وقد ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية أن مبعوث ترامب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، "قد استسلم، وترك إسرائيل تتخذ قراراتها".

وأوضحت الصحيفة أن التصعيد الأخير على غزة، إلى جانب أنه يهدف إلى التمهيد لعملية برية محتملة، له هدف إضافي آخر، وهو الضغط على حركة حماس للقبول بالشروط الإسرائيلية.

Relatedخطة المساعدات الأمريكية لغزة: ماذا نعرف عنها؟ ومن يتولى تنفيذها؟أطفال غزة يدفعون ثمن الحرب الأكثر دموية في العصر الحديثعلى وقع الحرب في غزة.. احتجاجات في بازل تدعو لطرد إسرائيل من مسابقة الأغنية الأوروبية

وكان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد عبّر اليوم الجمعة، عن تأييده لوقف إطلاق النار وإنهاء الحصار على غزة قائلًا إن الناس يتضوّرون جوعا، مضيفا أنه يتوقع ”الكثير من الأشياء الجيدة“ في الشهر المقبل.

رغم ذلك، تحشد الدولة العبرية ما يزيد عن 70 ألفًا من جنودها لإرسالهم إلى قطاع غزة، تمهيدًا لعملية برية واسعة أطلقت عليها اسم "عربات جدعون"، تهدف إلى احتلال قطاع غزة بكامله.

فلسطينيون يتفقدون أنقاض المنازل التي دمرتها الغارات الجوية الإسرائيلية في جباليا، شمال قطاع غزة، يوم الأربعاء، 14 مايو/أيار 2025.Jehad Alshrafi/APهآرتس: "عربات جدعون لم تنطلق وعربات الإبادة تسخّن المحركات"

من جهتها، انتقدت صحيفة "هآرتس" وتيرة القصف الإسرائيلي، قائلة إن "عربات جدعون لم تنطلق بعد في الطريق، وعربات الإبادة الجماعية بدأت تسخّن المحركات". مشيرة إلى أن الحكومة الإسرائيلية تقوم بما وصفته "مذبحة عديمة التمييز".

وقد شوهد الفلسطينيون وهم يبكون أحبتهم الذين اصطفت جثثهم على الأرض داخل أكياس بلاستيكية. حيث علت وجوههم آثار الصدمة والرعب.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • جدعون في خدمة الحرب: كيف تستخدم إسرائيل رمزا توراتيا لتبرير الإبادة؟
  • بعد إعلان جيش الاحتلال بدء تنفيذها في غزة.. ما هي خطة «عربات جدعون»؟
  • 120 شهيدا في غزة منذ فجر الجمعة وإسرائيل توسع عمليات الإبادة
  • الكيان يوسع عمليات الإبادة و320 شهيدا ومصابا في غزة خلال 24 ساعة
  • إسرائيل تعلن تكثيف الهجوم على غزة.. بـ"عربات جدعون"
  • عربات جدعون .. ماذا تعرف عن خطة الاحتلال الأكثر بشاعة في غزة؟
  • بمعدل غارة كل أربع دقائق على قطاع غزة.. مقتل أكثر من 250 فلسطينيًا في 48 ساعة
  • عاجل. حصري: تفاصيل الخطة الإسرائيلية المحتملة لحكم قطاع غزة بعد حماس
  • جدعون ليفي: ما يجري بغزة يمكن وصفه بـعربات الإبادة الجماعية