الاحتفال بالوحدة.. مناسبة شكلية
تاريخ النشر: 21st, May 2025 GMT
في كل عام يتكرر المشهد ذاته، حملات إلكترونية، تصفيق متكلف، وأناشيد وطنية، وهشتاجات على مواقع التواصل، كلها تتغنى بوحدة لم تعد موجودة إلا في أرشيف الأخبار وخطابات المسؤولين، في ذكرى 22 مايو، يتحدث البعض عن “الوحدة اليمنية” كأنها واقع قائم، بينما الحقيقة على الأرض تؤكد أن اليمن قد تمزق إلى كانتونات متعددة، كل واحدة تدّعي السيادة والشرعية والحق.
منذ انقلاب الحوثيين على مؤسسات الدولة، لم تعد هناك وحدة بالمعنى السياسي أو الوطني، ما حدث هو انقسام فعلي تشطّر فيه الوطن ككعكة يتقاسمها المتصارعون، كل فصيل مسلح بنى سلطته، وفرض عملته، وكتب بطاقاته الشخصية، وأعلن هويته الخاصة، وهكذا عادت اليمن شمالًا وجنوبًا، وكل قسم يحكمه مشروع مختلف، وإرادة لا علاقة لها بالإجماع الوطني.
أعيادنا الوطنية لم تعد تحمل تلك القيمة التي كانت توحّد الوجدان اليمني، صارت مناسبات شكلية تتكرر فيها الكلمات دون أن تعكس واقعًا ملموسًا، 22 مايو، 14 أكتوبر، 26 سبتمبر، 30 نوفمبر، جميعها تواريخ عظيمة انطلقت من رحم نضال يمني خالص، لكنها اليوم أصبحت رموزًا مبتورة عن واقعها، الوحدة ذهبت، وثورة أكتوبر فقدت معناها بعودة الاحتلال إلى الجنوب، وثورة سبتمبر انقلبت على رأسها مع عودة الإمامة إلى الشمال.
في الجنوب، تحضر القوات الإماراتية كسلطة أمر واقع. وفي الشمال، تفرض جماعة الحوثي رؤيتها السلالية كامتداد لحكم الإمام أحمد الذي أسقطه اليمنيون بثورة عظيمة، في ظل هذا المشهد، يحق لنا أن نسأل بصدق وجرأة: ما الذي نحتفل به؟ وما جدوى الترويج لوحدة غائبة، وثورات أُفرغت من محتواها؟
الاحتفال الحقيقي لا يكون برفع الأعلام والهتافات الجوفاء، بل بالسعي الجاد لإعادة بناء مشروع وطني جامع، لسنا بحاجة اليوم لخطابات عاطفية، بل إلى وحدة صفّ حقيقية تستعيد الدولة، وتعيد الاعتبار لمعنى الوطن، وتوحد الجغرافيا والإرادة والهدف، لا يمكن أن تكون هناك وحدة من غير دولة، ولا دولة من دون شعب موحّد الصف، يضع الوطن فوق الولاءات الضيقة والانقسامات العبثية.
إن الاحتفال بالوحدة اليوم، دون الاعتراف بتمزقها، ليس إلا هروبًا من الحقيقة ومشاركة في الكذبة الجماعية، ما نحتاجه ليس ذكرى، بل معركة، لا احتفالًا بل استحقاقًا، لا تزيينًا بل تضحية، فالوحدة التي نحلم بها ليست قرارًا يُتلى، بل نتيجة لمسار وطني طويل يبدأ من تحرير اليمن من الوصاية والانقلاب والتشظي.
فلنوجّه كل جهدنا نحو الضغط من أجل وحدة الصف، فهي الشرط الأول لأي وحدة وطنية حقيقية، وما لم نبدأ من هنا، فكل احتفال ليس سوى خداع للذات، وبيع للوهم تحت قباب فارغة.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق كتابات خاصةالمتحاربة عفوًا...
من جهته، يُحمِّل الصحفي بلال المريري أطراف الحرب مسؤولية است...
It is so. It cannot be otherwise....
It is so. It cannot be otherwise....
سلام عليكم ورحمة الله وبركاتة...
المصدر: يمن مونيتور
إقرأ أيضاً:
«حشد»: إدخال عدد محدود من الشاحنات بعد حصار غزة خطوة شكلية لتضليل الرأي العام
أعرب رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني «حشد»، الدكتور صلاح عبد العاطي، عن استهجانه الشديد للخطوة التي أقدمت عليها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، يوم الأحد الموافق 19 مايو 2025، بإدخال عدد محدود جدًا من شاحنات المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بعد أكثر من 80 يوما من الحصار الشامل والإغلاق التام لجميع المعابر، وسط أوضاع إنسانية كارثية وغير مسبوقة.
وأكد عبد العاطي، أن هذه الخطوة الهزيلة، التي جرى تسويقها على «أنها استجابة إنسانية لإنقاذ أهل غزة من الجوع»، ليست سوى محاولة مفضوحة لتضليل الرأي العام الدولي وتجميل صورة الاحتلال، في وقت يواصل فيه ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، والتجويع، والتدمير المنهجي بحق أكثر من 2.3 مليون إنسان محاصرين في القطاع.
وأضاف أن إدخال هذا العدد الرمزي من الشاحنات لا يمكن تفسيره إلا ضمن سياق الاستهتار الفاضح بحياة المدنيين، والتوظيف السياسي للمساعدات الإنسانية، وما قدوم أفراد الشركات الأمنية الأمريكية رغم رفض الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وكل مكونات المجتمع الفلسطيني للخطة الأمريكية الإسرائيلية للمساعدات التي تهدف لتوظيف المساعدات في اجراء تغيير ديمغرافي واستبدال وكالة الغوث الدولية وباقي المنظمات الدولية في إطار مخطط أوسع لتفريغ قطاع غزة من سكانه، وفرض ضمه القسري لدولة الاحتلال، عبر أدوات القتل، والتجويع، والترهيب، والتدمير الشامل.
وحذر من محاولات الاحتلال تمرير هذه الخطوة بوصفها «إنفراجة إنسانية»، داعيًا المجتمع الدولي إلى رفض هذا النمط من الخداع الإنساني والسياسي، ورفض التعاطي مع المخططات الإسرائيلية والأمريكية لعسكرة المساعدات، والتأكيد على أن إدخال المساعدات إلى غزة هو حق واجب قانوني وأخلاقي لا يجوز إخضاعه للمساومة أو الابتزاز.
وطالب عبد العاطي باسم الهيئة الدولية «حشد» بما يلي:
-الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية برفض التماهي مع هذه الخطوات الشكلية، والتحرك العاجل لضمان دخول المساعدات الكافية وفتح ممرات إنسانية آمنة ودائمة بعيدًا عن تحكم الاحتلال.
-الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف بتحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية، والعمل على وقف جرائم الإبادة والعقوبات الجماعية ومواجهة الكارثة الإنسانية الجارية في قطاع غزة، ومحاسبة قادة الاحتلال كمجرمي حرب.
-وسائل الإعلام والمؤسسات الحقوقية بتكثيف جهودها في فضح هذا التلاعب بالمساعدات، ونقل الواقع الإنساني الكارثي لسكان القطاع إلى العالم بصدق وشفافية.
اقرأ أيضاًالأونروا: اليأس بلغ ذروته وعلى إسرائيل رفع الحصار عن غزة
«حشد» تدين مواصلة الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في غزة