عادل الباز يكتب: اقتصاديًّا.. كيف نردّ على عدوان الإمارات؟ (3)
تاريخ النشر: 21st, May 2025 GMT
1 بعد كل عدوان تصعّد به دولة الإمارات حربها ضد السودان، يتصاعد الجدل في الإعلام حول كيفية الردّ على العدوان الإماراتي اقتصاديًّا، وتتعالى الدعوات لوقف تصدير الذهب إلى الإمارات، وكأن هذا هو الإجراء الوحيد الممكن، أو كأنها الخطوة التي ستلحق ضررًا بالغًا بالإمارات فتوقف عدوانها. وهذا، في تقديري، تصوّر خاطئ وأوهام محضة، لا تعدو أن تكون وسيلة للتنفيس عن الغضب من عدوان الإمارات.
2
في البداية، أقول إن الذهب أصبح، في العقيدة الجيوسياسية الإماراتية، وسيلة لتمويل الحلفاء والميليشيات، وتثبيت النفوذ في مناطق النزاع، كما في ليبيا ومالي وأفريقيا الوسطى والسودان، وذلك أكثر من كونه مصدرًا للعوائد المادية.
تتعامل الإمارات الآن مع أكثر من 20 دولة أفريقية في مجال الذهب، وبإمكانها تعويض الفاقد من وارد الذهب السوداني. ورغم أن السودان يُعد من أكبر مورّدي الذهب الخام إلى الإمارات، فإن دولًا مثل غانا ومالي والكونغو تُسهم كذلك بنصيب وافر. كما أن دبي تستضيف عدة مصافٍ لتكرير الذهب، تُتهم بتبييض الذهب القادم من مناطق النزاعات، مما يجعلها جاذبة ونقطة مركزية في آلية تدوير الذهب غير الشرعي وتحويله إلى منتج “نظيف” قابل للتصدير إلى أوروبا وآسيا. وهذه ميزة تنافسية غير متوفرة في العالم.
3
إن التعامل مع مسألة تصدير الذهب كأداة للردّ على العدوان يجب أن يكون جزءًا من خطة أو استراتيجية شاملة، لا إجراءً منفردًا قادرًا وحده على ردع الإمارات أو حتى التخفيف من غلواء عدوانها، وذلك لسببين:
أولًا:
لن يتأثر اقتصاد الإمارات كثيرًا بوقف تصدير الذهب السوداني؛ فالناتج المحلي الإجمالي للإمارات بالأسعار الثابتة يبلغ نحو 457.38 مليار دولار، أي ما يعادل 11.9 ضعف الناتج المحلي الإجمالي للسودان المُقدَّر بنحو 38.4 مليار دولار (2024). أي أن إنتاج السودان الكلي، بذهبه، لا يمثل سوى 8.5% من حجم الاقتصاد الإماراتي. كما أن مساهمة تجارة الذهب (تكريرًا، بيعًا، تصديرًا، واستيرادًا) في الناتج المحلي الإجمالي الإماراتي لا تتجاوز 10% إلى 15%.
في المقابل، كان الناتج المحلي الإجمالي للسودان في عام 2017 نحو 117 مليار دولار، ثم تدهور في 2018 إلى نحو 42.7 مليار دولار، وانحدر إلى 30.9 مليار دولار، قبل أن يرتفع مجددًا إلى 51.66 مليار دولار في عام 2023، ليهبط مرة أخرى إلى 29.8 مليار دولار في 2024، بحسب تقارير البنك الدولي.
تشير التقديرات إلى أن مساهمة قطاع الذهب تصل إلى 44% من جملة الصادرات السودانية قبل الحرب، أما بعدها فقد ارتفعت مساهمة الذهب إلى 80%، ما يعني أنه أصبح المصدر الأساسي لتمويل المجهود الحربي في ظل غياب الدعم الدولي أو الإقليمي.
أما مساهمة الذهب في الناتج المحلي الإجمالي، فلا تتجاوز عادةً 10–15%، بحسب تقديرات ما قبل الحرب. وعليه، فإن أي خطوة تضر بقطاع الذهب، سواء عبر سياسات أو قرارات متهورة، تعرّض البلاد لمخاطر لا داعي لها في هذا التوقيت.
ثانيًا: في ما يتعلق بالذهب:
خلال الفترة من 2022 إلى 2024، صدرت ست تقارير دولية مهمة وموثوقة بشأن الذهب، والإمارات، والصراع في السودان، من جهات مثل: مجموعة الأزمات الدولية، سنتري، تشاتام هاوس، رويترز، المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة، ومنظمة الشفافية السودانية.
وقد قدمت هذه التقارير معلومات دقيقة ومكثفة عن تجارة الذهب في العالم، وموقع الإمارات فيها، واستغلالها للذهب الأفريقي الملطخ بدم الحروب، إضافة إلى توثيق علاقتها بالحرب في السودان، وسعيها المحموم للسيطرة على الذهب وتغذية الصراع بالسلاح.
4
تشير تلك التقارير إلى أنه في عام 2024 بلغت القيمة الإجمالية للذهب المُنتج عالميًّا حوالي 382 مليار دولار، وهي أعلى قيمة سنوية مسجّلة حتى الآن.
وفي ذات العام، بلغت واردات الإمارات من الذهب الخام وغير المصنّع (حسب المجموعة السلعية 7108) نحو 76 مليار دولار، بما يعادل 559 طنًا.
وتؤكد التقارير أن إجمالي قيمة تجارة الذهب (واردات + صادرات + تصنيع + إعادة تصدير) في الإمارات تجاوزت 129 مليار دولار عام 2023، ما يجعلها ثاني أكبر مركز عالمي بعد الهند، متفوقة على بريطانيا.
تمر عبر دبي سنويًّا 20% إلى 30% من إجمالي تجارة الذهب العالمية.
وفي عام 2024، استوردت الإمارات نحو 435 طنًا من الذهب الأفريقي، بقيمة تزيد عن 31 مليار دولار، منها 93% عبر التهريب ومن دون تصاريح رسمية.
5
وفي ما يخص السودان، تشير التقديرات الرسمية والمستقلة إلى أن إجمالي الذهب المتداول (رسمي ومهرّب) يتراوح بين 94 و114 طنًا سنويًّا، ما يجعل مساهمته في واردات الذهب الإماراتية تتراوح بين 17% إلى 20%. وتقدّر القيمة السوقية لهذا الذهب بنحو 5.64 إلى 6.84 مليار دولار، إلا أن العائد الرسمي الذي يصل فعليًا إلى السودان لا يتجاوز 1.57 مليار دولار، ما يعكس حجم الفاقد بسبب التهريب.
6 – الخلاصة:
السودان يصدّر إلى الإمارات ما بين 17% إلى 20% من إجمالي وارداتها من الذهب، بقيمة تتراوح بين 5.64 إلى 6.84 مليار دولار، ضمن تجارة ذهبية إماراتية تبلغ 129 مليار دولار، تمثل نحو 30% من تجارة الذهب العالمية.
لكن الذهب السوداني لا يمثل سوى 4.65% من إجمالي قيمة تجارة الذهب في الإمارات، ما يعني أن وقف تصديره وحده لن يكون كافيًا لردع الإمارات.
لذلك، يجب الحذر من اتخاذ قرارات متعجلة تحت ضغط الغضب الشعبي، قد تضر بالاقتصاد الوطني، خاصة في ظل غياب أسواق بديلة ميسّرة تسمح بتصدير الذهب الخام كما هو الحال في سوق دبي.
يمكن حاليًّا الاكتفاء بوقف تصدير الذهب الذي تملكه الحكومة إلى الإمارات، مع مكافحة التهريب بصرامة عبر سياسات فعّالة، وترك القطاع الخاص يتعامل مؤقتًا مع أسواق الذهب، ريثما يتم ترتيب الانسحاب التدريجي من سوق دبي وتوفير بدائل ذات مرونة مشابهة.
فما هي عناصر الردّ الاقتصادي الشامل التي نقترحها لمجابهة عدوان الإمارات؟
نفصّل ذلك، بإذن الله، في الحلقة القادمة.
عادل الباز
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الناتج المحلی الإجمالی عدوان الإمارات إلى الإمارات ملیار دولار تصدیر الذهب تجارة الذهب تصدیر ا الذهب ا فی عام
إقرأ أيضاً:
الإمارات.. إنجازات محلية لا تتوقف وأداء اقتصادي استثنائي
تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة بعيد الاتحاد الـ54، مواصلة رحلتها نحو المستقبل الزاهر بمزيد من الإنجازات المحلية والعالمية، التي ميّزت العام 2025 «عام المجتمع» في ظل قيادتها الرشيدة.
وعزّزت الإمارات حضورها الفاعل في المشهد الدولي، ورسّخت موقعها كقوة اقتصادية وازنة على مستوى المنطقة والعالم، وواصلت إسهاماتها الفارقة في مختلف ساحات العمل الإنساني، فيما برزت على المستوى المحلي العديد من الإنجازات النوعية، التي شكّلت دفعة جديدة إلى الأمام في مسيرة التنمية المستدامة.
(نمو اقتصادي)
واصل الاقتصاد الإماراتي تعزيز مكانته كأحد أسرع الاقتصادات العالمية نمواً، مدفوعاً بزخم الأداء القوي للقطاعات غير النفطية، والمبادرات الاستراتيجية الجاذبة للاستثمار، إذ توقع صندوق النقد الدولي نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 4.8% خلال العام الحالي، فيما بلغت التجارة الخارجية غير النفطية 1.7 تريليون درهم في النصف الأول، بنسبة نمو 24.5%، مقارنة مع النصف الأول من العام السابق.
وأقرّت الإمارات أكبر ميزانية اتحادية في تاريخها لعام 2026 بقيمة 92.4 مليار درهم، وأطلقت الاستراتيجية الوطنية للاستثمار 2031 لرفع الاستثمارات الأجنبية إلى 240 مليار درهم سنوياً.
وتجاوز إجمالي الأصول المصرفية 5.199 تريليون درهم في نهاية سبتمبر 2025، وارتفع إجمالي الائتمان إلى نحو 2.478 تريليون درهم للفترة ذاتها، فيما واصلت الإمارات عملية التوسع في إبرام الشراكات الاقتصادية الشاملة مع العديد من دول العالم.
وشهد العام الجاري إطلاق برنامج «الإمارات مركز عالمي للتجارة» الذي يستهدف استقطاب 1000 شركة دولية كبرى وتوسيع أسواق الصادرات الإماراتية عبر بوابة رقمية عالمية.
(ازدهار سياحي)
وحافظ قطاع السياحة والسفر على تألقه عبر إنجازاته النوعية على مستوى الجذب والإيرادات والمشاريع، إذ بلغت مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي 257.3 مليار درهم أي ما يمثل 13% من الاقتصاد الوطني.
واستقبلت المنشآت الفندقية في الدولة خلال النصف الأول من العام الجاري أكثر من 16.1 مليون، وسجلت إيرادات بقيمة 26.1 مليار درهم، فيما سجلت مطارات أبوظبي، ومطار دبي الدولي، ومطار الشارقة الدولي، نحو 108.59 مليون مسافر حتى نهاية سبتمبر الماضي.
وحققت الإمارات إنجازاً تاريخياً بفوز شيخة ناصر النويس بمنصب الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة 2026-2029، في حين شهد العام الجاري إطلاق مشاريع سياحية واستثمارية كبرى مثل مشروع «الطي هيلز» في الشارقة، والمرحلة الثانية من واجهة الخور المائية في أم القيوين، والإعلان عن تطوير عالم ومنتجع ديزني في أبوظبي، ومشروع «ثيرم دبي» الصحي والترفيهي.
(مشاريع تنموية)
وتسارعت وتيرة المشاريع التنموية التي تعزز جودة الحياة وتلبي متطلبات النمو الاقتصادي والعمراني في الإمارات ومنها إطلاق مشروع القطار فائق السرعة بين أبوظبي ودبي، والإعلان عن خطة وطنية لمشاريع طرق ونقل تتجاوز 170 مليار درهم حتى 2030، تشمل توسعة الطرق الاتحادية ورفع كفاءتها بنسبة 73%، وإنشاء الطريق الاتحادي الرابع بطاقة استيعابية تبلغ 360 ألف رحلة يومياً، ووضع حجر الأساس للخط الأزرق لمترو دبي بطول 30 كيلومتراً.
وبرز في عام 2025 الإعلان عن ترسية عقود 4 مشاريع كبرى لتطوير منظومة تصريف مياه الأمطار بتكلفة 1.439 مليار درهم ضمن مشروع «تصريف» في دبي، وتدشين محطة المطار الكهربائية في أم فنين بالشارقة، بتكلفة تجاوزت 500 مليون درهم، وبدء التشغيل التجاري الكامل لمحطة الفجيرة F3 بقدرة 2.4 جيجاواط، لتزويد أكثر من 380 ألف منزل بالكهرباء، وإطلاق مشروع تطوير «سوق دبي للسيارات» على مساحة 22 مليون قدم مربع ليكون الأكبر من نوعه عالمياً، والإعلان عن إنشاء مبنى كبار الشخصيات وحظائر للطائرات الخاصة مطار رأس الخيمة الدولي، وغيرها من المشاريع التنموية في مختلف إمارات الدولة.
المصدر: وام