المظالم الأمريكية ما بين المستوى الدولي والشخصي
تاريخ النشر: 21st, May 2025 GMT
العدل مبدأ إسلامي عظيم، وحفظه وإيجاده ورعايته وتحقيقه مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية. والله تعالى حين أمر بثلاثة أشياء كان العدل أولها، قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى" (النحل: 90)، وحين أمر بشيئين كان العدل أحدهما، قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ" (النساء: 58)، وحين أمر بشيء واحد كان هو العدل، قال تعالى: "قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ" (الأعراف: 29).
والناظر إلى واقع العالم يجد أن العدل بات مفقودا، وحل محله الظلم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، الذي وصفه ابن خلدون في مقدمته وصفا دقيقا بقوله: الظلم مؤذن بخراب العمران.
ويبدو هذا الظلم واضحا على المستوى الدولي من خلال ما نراه في غزة من حصار خانق وموت بالجوع تارة وبالنابالم تارة أخرى، رغم أن المعابر معها مصرية، ويحيط بها ملايين من الدول العربية والإسلامية، ولكن غلت أيديهم وماتت ضمائرهم، ووصل الحال ببعض حكام هذه الدول الانتقال من باب الخذلان إلا باب التآمر.
سياسة الولايات المتحدة هي نموذج صارخ للظلم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فهي لا تعرف سوى الكيل بمكيالين
ففي الوقت الذي يقتل فيه الصهاينة أهل غزة بالأسلحة الأمريكية الفتاكة والدعم الأمريكي غير المحدود، يأتي ترامب إلى منطقة الخليج العربي لا هدف له سوى سياسة حلْب الأموال مقابل الدفاع عن العروش، وفي الوقت نفسه لا يجد أهل غزة من القوت ما يقيم أصلابهم.
إن سياسة الولايات المتحدة هي نموذج صارخ للظلم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فهي لا تعرف سوى الكيل بمكيالين، فكل شيء يفعله الكيان الصهيوني عندها حسن، وما يفعله أصحاب القضية العادلة في الدفاع عن أرضهم المحتلة وتحريرها إرهاب. وهي كل يوم تتغنى بحقوق الإنسان، وهي حقوق ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، فهي لا تعرف حقوق العدل والفضيلة.
إن السياسة الأمريكية قد تقيم الدنيا وتقعدها من أجل قطة ضالة في مكان عام، ولكن لا يحركها نزيف الدماء في غزة، ولا آهات المظلومين والثكالى والمحاصرين.
وأنا على المستوي الشخصي تعرضت لظلم بين وجرح عميق من هذا النظام الأمريكي الظالم الذي يتغنى بحقوق الإنسان، فقد أصيبت زوجتي بمرض السرطان وأرسلتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية للعلاج، وكانت في ضيافة ابني في لوس أنجلوس، ولما قدمت للحصول على تأشيرة في القنصلية الأمريكية في إسطنبول تم رفض طلبي رغم وجود تقرير من المستشفى والطبيب المعالج بحالتها وضرورة وجودي بجوارها، فضلا عن وجود تأشيرات في جواز سفري للكثير من دول العالم، في أوروبا وغيرها، ووجود ملاءة مالية كافية. ولما اشتدت حالة مرض زوجتي تقدمت للسفارة الأمريكية في الكويت بتقارير طبية متجددة بصعوبة الحالة وأهمية أن أكون بجوارها، فجاء ردهم بالرفض، وكذلك تم الرفض الثالث في القنصلية الأمريكية في قطر.
ولم يكن الرفض بأسلوب حضاري، بل بأسلوب عدواني يحمل العجرفة والبلطجة التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع غيرها من الدول. وها أنا ذا أكتب هذه الكلمات وقد لقيت زوجتي ربها مؤمنة صابرة محتسبة تشكو لله حرماني من رؤيتها ووداعها، وأنا أيضا أشكو إلى الله ذلك الحرمان، سواء حرمان مرافقتها أو حتى دفنها، الذي مكانه بلدي الأم مصر والتي لا أمان لصاحب رأي حر فيها، ولا أقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل وإنا لله وإنا إليه راجعون.
اللهم اغفر لزوجتي، وارفع درجتها في المهديين، واخلفها في عقبها في الغابرين، واغفر لنا ولها يا رب العالمين، وأفسح لها قبرها ونوّر لها فيه، واؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا.
x.com/drdawaba
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء العدل الظلم الأمريكية حقوق الإنسان أمريكي عدل ظلم قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء سياسة صحافة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
ترامب يعلن حربًا على قوانين الذكاء الاصطناعي في الولايات الأمريكية
نيويورك: إسلام الشافعي
في خطوة تعيد رسم خريطة تنظيم الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا جديدًا بعنوان «ضمان إطار وطني للسياسة الخاصة بالذكاء الاصطناعي»، يهدف إلى ترسيخ هيمنة واشنطن في هذا القطاع عبر تقليص سلطة الولايات في سنّ قوانينها المنفردة. يأتي الأمر استكمالًا لمسار بدأه ترامب في يناير 2025 بالأمر التنفيذي 14179 «إزالة العوائق أمام قيادة أمريكا في الذكاء الاصطناعي»، الذي ألغى عددًا من سياسات الإدارة السابقة واعتبر أنها تعرقل صناعة الذكاء الاصطناعي وتكبّل الابتكار.
يقدّم الأمر التنفيذي الجديد رؤية واضحة: الولايات المتحدة تخوض سباقًا عالميًا على الريادة في الذكاء الاصطناعي، وأي «ترقيع تنظيمي» على مستوى الولايات من شأنه إضعاف الشركات الأميركية في مواجهة منافسيها الدوليين. الإدارة ترى أن تعدد القوانين بين ٥٠ ولاية يخلق عبئًا تنظيميًا معقدًا، خاصة على الشركات الناشئة، ويحوّل الامتثال القانوني إلى متاهة مكلفة تهدد الاستثمارات التي تقول الإدارة إنها بلغت تريليونات الدولارات في هذا القطاع داخل الولايات المتحدة.
يلفت الأمر التنفيذي النظر بشكل خاص إلى تشريعات بعض الولايات، وعلى رأسها قانون في كولورادو يستهدف «التمييز الخوارزمي» في أنظمة الذكاء الاصطناعي. ترامب يهاجم هذا النوع من القوانين بوصفه محاولة لفرض «انحياز أيديولوجي» على النماذج، بل يذهب إلى القول إن متطلبات تجنّب «الأثر التفاضلي» على الفئات المحمية قد تجبر الأنظمة على تقديم نتائج خاطئة أو غير دقيقة من أجل استيفاء الاعتبارات القانونية.
لتنفيذ هذه الرؤية، يكلّف الأمر التنفيذي وزارة العدل بإنشاء «فريق تقاضٍ للذكاء الاصطناعي» تكون مهمته الوحيدة الطعن في قوانين الولايات التي تتعارض مع السياسة الفدرالية الجديدة، سواء بحجة انتهاك سلطة الحكومة الاتحادية في تنظيم التجارة بين الولايات، أو بحجة تعارضها مع اللوائح الفدرالية القائمة، أو أي أسباب قانونية أخرى تراها الوزارة مناسبة. بالتوازي، يطلب من وزارة التجارة إعداد تقييم شامل لقوانين الذكاء الاصطناعي في الولايات، مع تحديد تلك التي تُلزم النماذج بتعديل مخرجاتها الصحيحة أو تجبر المطورين على إفصاحات يُحتمل أن تصطدم بالتعديل الأول للدستور الأمريكي وحماية حرية التعبير.
أحد أكثر بنود الأمر إثارة للجدل هو ربطه بين موقف الولايات التشريعي من الذكاء الاصطناعي وبين إمكانية حصولها على تمويل اتحادي في مجالات حيوية، مثل برنامج «الإنصاف في النطاق العريض وإتاحته ونشره» (BEAD) المخصص لتوسيع الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة. فالأمر التنفيذي يفتح الباب أمام حرمان الولايات ذات القوانين «المُرهِقة» من بعض التمويل غير المخصص للبنية التحتية المباشرة، بذريعة أن البيئة التنظيمية المجزأة تهدد انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي المعتمدة على الشبكات فائقة السرعة وتعطّل هدف تحقيق اتصال شامل للمواطنين.
ويمضي الأمر أبعد من ذلك، إذ يدعو هيئات فدرالية مثل لجنة الاتصالات الفدرالية ولجنة التجارة الفدرالية إلى بحث وضع معايير وطنية ملزمة للإبلاغ والإفصاح عن نماذج الذكاء الاصطناعي، تكون لها الأسبقية على القوانين المتعارضة في الولايات، وإلى توضيح متى تُعتبر قوانين الولايات التي تفرض تعديل المخرجات «الحقيقية» للنماذج نوعًا من الإلزام بالسلوك المضلِّل المحظور بموجب قانون التجارة الفيدرالي.
في الخلفية، تلوّح الإدارة أيضًا بمسار تشريعي طويل الأمد؛ إذ يوجّه الأمر المستشار الخاص بالذكاء الاصطناعي والتشفير، ومستشار الرئيس للعلوم والتكنولوجيا، لإعداد مشروع قانون يضع إطارًا فدراليًا موحدًا للذكاء الاصطناعي يَسمو على قوانين الولايات المتعارضة مع هذه السياسة، مع استثناءات تتعلق بحماية الأطفال، والبنية التحتية للحوسبة، واستخدام الحكومات المحلية للذكاء الاصطناعي.
بهذا، لا يقتصر الأمر التنفيذي على كونه وثيقة تنظيمية تقنية، بل يتحول إلى محطة جديدة في الصراع بين الحكومة الفدرالية والولايات حول من يملك الكلمة العليا في رسم مستقبل الذكاء الاصطناعي في أميركا، بين من يرى أن التساهل التنظيمي شرطٌ للحاق بالسباق العالمي، ومن يخشى أن يتحول ذلك إلى فراغ رقابي يترك الحقوق المدنية والبيانات الحساسة دون حماية كافية.
و بينما تصف إدارة ترامب هذه الخطوة بأنها ضرورية لحماية الابتكار الأميركي وتفادي “فسيفساء تنظيمية” تعطل الاستثمار، ترى حكومات ولايات ومجموعات حقوقية أن الأمر التنفيذي يضعف طبقة الحماية المحلية التي فُرضت استجابة لمخاوف حقيقية تتعلق بالتمييز الخوارزمي والخصوصية، ما يفتح جولة جديدة من الجدل القانوني والسياسي حول من يملك حق رسم قواعد لعبة الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة.
حذّرت حكومات عدد من الولايات من أن الأمر التنفيذي يعتدي على سلطاتها الدستورية في تنظيم شؤون مواطنيها، خصوصًا في مجالات حماية الخصوصية والتمييز في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ويؤكد مسؤولون في هذه الولايات أن القوانين المحلية لا تستهدف عرقلة الابتكار، بل وضع حدّ لاستخدامات قد تضر بالحقوق المدنية أو تعزز التحيّز ضد مجموعات بعينها.
ومن جانبها، سارعت المجموعات الحقوقية إلى انتقاد القرار، معتبرة أنه يمنح الشركات التكنولوجية حرية واسعة على حساب آليات المساءلة والشفافية، ويُضعف قدرة الضحايا المحتملين على مواجهة الأضرار الناجمة عن أنظمة خوارزمية متحيزة أو غير شفافة.
وترى هذه المنظمات أن ربط التمويل الفيدرالي بمواقف الولايات التشريعية قد يتحوّل إلى أداة ضغط سياسي تُستخدم لثني المشرّعين المحليين عن سنّ قوانين لحماية المستهلكين.