الثورة نت:
2025-05-22@05:57:19 GMT

الوحدة.. الحدث العظيم

تاريخ النشر: 22nd, May 2025 GMT

الوحدة.. الحدث العظيم

 

 

رغم تعدد زوايا النظر إلى القيمة الحقيقية للوحدة اليمنية فيما يكتب، إلا أن الرؤية الوحيدة التي تفرض حضورها هي أن عظمة الوحدة اليمنية تكمن في ظروف صنعها وزمن بلوغها.. الوحدة اليمنية لم تمثل يوماً لدى شعبنا اليمني خلقاً جديداً لحالة مستحدثة، بقدر ما هي حالة انتصار على أكبر وأخطر تحدٍ واجهته اليمن على مر التاريخ؛ حيث أن الوحدة لطالما مثلت قدرنا ومصيرنا الحتمي الذي تشكل به وجودنا اليمني، بينما التشطير هو الوضع الطارئ الذي اقتحم مسارنا التاريخي، وفرض علينا تحدياته الخطيرة التي كان لا بد من مقاومتها وإزاحتها عن ذلك المسار، لتستأنف الأجيال رحلتها إلى المستقبل المنشود.

ونظراً لهول حجم هذا التحدي الذي أوجده قطباً الاحتلال لليمن-العثمانيون في الشطر الشمالي، والإنجليز في شطرها الجنوبي- لم يكن ممكناً لثوار 26 سبتمبر 1962م إعلان الوحدة مع شطر الجنوب صبيحة ذلك اليوم الخالد، والأمر ذاته لم يكن ممكناً أيضاً لثوار 14 أكتوبر 1963م – رغم تحرر اليمن نهائياً من الاستعمار، لأن إرث التشطير الذي خلفته تلك القوى كان يفوق قدرات تحمل القوى الوطنية، نظراً لحجم الخراب الذي صاحب الحياة المدنية اليمنية تحت وطأة استبداد قوى الاحتلال وقوى الكهنوت الإمامي على حدٍ سواء.. لهذا ظلت الوحدة هدفاً يتصدر غايات جميع القوى الوطنية، وجمع ثوراتها التي فجرتها. وبتقديري، فإن جميع العهود السياسية الوطني التي تعاقبت على حكم اليمن بشطريه، لم تكن إطلاقاً على خصومة مع هدف الوحدة، بل كانت تضعها في مقدمة حساباتها، وتجتهد في سعيها، لكنها لم تتوفق إلى ذلك، بسبب الإرث الثقيل الذي ألقى به الماضي على عاتق الساحة الوطنية، ثم الأهم من ذلك هو القصور في تشخيص آليات العمل المناسبة لما كان ماثلاً على أرض الواقع اليمني؛ حيث أن القفز على بعض معطيات ذلك الواقع فتح الساحة الوطنية لخلافات، وتنامي أيديولوجيات واغتيالات للزعماء، وتصفيات وغير ذلك من الأحداث المعروفة عند الجميع. وفي ظل هذه التطورات التي زجت بالشطرين إلى مواجهات مسلحة ودخول لاعبين خارجيين بدت مسألة إعادة تحقيق الوحدة أكثر تعقيداً وصعوبة.
إلا أنه تم تحديد ثلاثة اتجاهات من قبل القيادة السياسية ومعها كل المخلصين والتي أولها إعطاء الأولوية للوحدة الوطنية لجعلها قاعدة الانطلاق إلى الوحدة اليمنية، وثانياً إعادة القضية إلى طاولة الحوار مع الشطر الآخر، بتفعيل لجان الوحدة المشكلة في مراحل سابقة، وثالثاً إحداث حراك تنموي نوعي يؤسس لمصالح اقتصادية مشتركة بين الشطرين، من شأنها تذويب الجليد في العلاقات بين نظامي السطرين، والدفع بزخم شعبي مؤثر في حسابات القرار السياسي، وفرض حقيقته التاريخية عليه. من هنا بدأت مرحلة جادة من السير على طريق إعادة تحقيق الوحدة اليمنية التي سرعان ما دخلت نطاق الاتفاق على مشاريع مشتركة كمؤسسة النقل البحري، وغيرها ومن ثم الاتفاق على تنقل المواطنين اليمنيين بين الشطرين بالبطاقة الشخصية، وشيئاً فشيئاً اتضحت معالم المستقبل اليمني، حتى وصلت الأمور يوم الثلاثين من نوفمبر 1989م الذي تم فيه توقيع اتفاقية الوحدة، ثم يوم 22 مايو 1990م الذي أعلن فيه عن قيام الجمهورية اليمنية وإعادة تحقيق الوحدة اليمنية، وإنهاء حقبة تاريخية مريرة استنفذت خلالها اليمن الكثير من التضحيات، والمعاناة، وفقدت الكثير من أبنائها الشرفاء الذين حملوا الوحدة أمانة، ومسؤولية، ومشروعاً للنضال والغداء.
إن عظمة الوحدة اليمنية تكمن في أنها تحققت بإرادة وطنية خالصة، ورغماً عن كل الظروف الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية الصعبة التي كانت اليمن خلالها ترزح تحت فقر وتخلف ومرض وانعدام موارد طبيعية، وغياب أي بنى مؤسسية للدولة.
كان لحالة الوعي الحقيقي التي دفعت بالأحداث في غضون حوالي عشر سنوات إلى منعطفها التاريخي الكبير يوم 22 مايو، وإلى جانب هذا فإن إعادة تحقيق الوحدة حدثت في زمن كان العالم فيه يتجه إلى التشرذم والشتات، ويعلن انهيار القوى الشرقية العظمى-الاتحاد السوفيتي- واشتعال الفتن في كثير من دول العالم، حتى إذا ما تحققت الوحدة اليمنية مثلت أنموذجاً قريباً فتح شهية الألمان للإعلان عن وحدة الألمانيتين وانهيار جدار برلين بعد أقل من شهرين من قيام الجمهورية اليمنية.

* رئيس مجلس الشورى

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

22 مايو 1990.. انتصار الإرادة اليمنية على الانقسام والكهنوت

في الثاني والعشرين من مايو عام 1990م تحقق الحلم الحضاري لليمنيين بعد عقودٍ من الشقاء والصراعات المتمثلة في انقسام البلاد بين إمامة شمالية واستعمار جنوبي؛ فقد جسدت هذه اللحظة التاريخية التي رُفع فيها علم الجمهورية اليمنية الموحدة في مدينة عدن انتصار إرادة شعبٍ قرر أن يستعيد دوره الحضاري والثقافي، ويعيد الاعتبار لتاريخه المجيد بعد عقودٍ من التمزق والشتات.

لقد مثّل إعلان الوحدة تتويجاً لنضالات الثوار في الشمال الذين قاوموا الظلم الإمامي، وإخوانهم في الجنوب الذين واجهوا غطرسة الاحتلال البريطاني، متجاوزين بذلك أي فوارق مناطقية أو أيديولوجية، ليكونوا جميعاً في خندقٍ واحد يدافع عن كرامة الوطن وأمنه.

ولم تقتصر الوحدة اليمنية على اندماج جغرافي وسياسي فحسب، بل كانت انتصاراً لوعيٍ جماعي سعى إلى بناء دولة حديثة تقوم على أسس التعددية السياسية وحريات التعبير، إذ بدأت منذ ذلك الحين مرحلة جديدة من البناء العمراني والتنموي شملت تشييد الجامعات والمستشفيات والطرقات والموانئ، وترسيخ مؤسساتٍ وطنية تحقّق العدالة والمواطنة.

وقد انعكست هذه الجهود في تأمين مساحةٍ من الاستقرار النسبي عاشها اليمنيون لقرابة عقدين من الزمن، حيث بُني الجيش الوطني، وانطلق الإعلام الحر، وأحكمت منظمات المجتمع المدني دورها في مراقبة السلطة ومطالب الشعب.

إن الوحدة اليمنية لم تكن حدثاً احتكارياً لليمنيين فحسب، بل جاءت لتعزز من روح التضامن العربي والإسلامي؛ فشملت أصداؤها كافة المحافل القومية، حيث رحبت بها الشعوب الشقيقة باعتبارها نموذجاً يحتذى به في توحيد الصف العربي وبناء كيانٍ قوي يواجه التحديات الإقليمية.

لقد شهدت الوحدة على مدى الأعوام التي تلتها بناء مشاريع تنموية ضخمة قاربت تكلفتها مليارات الريالات، إذ تناوب الرئيس عليّ عبد الله صالح في حضور احتفالات الانتصار في محافظات صنعاء وعدن والحديدة وتعز وحضرموت، وهو يُشرف بنفسه على تدشين الطرق والجسور والمستشفيات والمدارس، مؤكدًا أن هذه الإنجازات ما هي إلا أدلةٌ على حكمة القيادة وإخلاصها للشعب اليمني.

كما حقق اليمن قفزاتٍ ملحوظة في شتى المجالات؛ فقد ارتفع معدل الالتحاق بالتعليم، وتطورت الزراعة، ونمت القطاعات الخدمية والصناعية، وتأسست شبكة اتصالات وطنية ربطت المحافظات كافة، مما أسهم في تماسك النسيج الاجتماعي وإذكاء روح المواطنة.

غير أن هذا المسار المشرّف لم يخلُ من المحن؛ فقد اندلعت في سنواتٍ لاحقة خلافاتٌ إقليمية ومحلية، وأفضت إلى ظهور حركةٍ مسلحة تعرف بالحوثيين قادمة من جذورٍ كهنوتية متوارثة، أعادت العراقيل والفتن إلى مقدمة المشهد، حيث حاولت هذه الجماعة تفتيت النسيج الاجتماعي وتنمية العصبيات المذهبية والإقليمية، مستندةً إلى مشروعٍ طائفي تقوده قوى إقليمية خارجية.

وما إن وطئت أقدامها المناطق التي سيطرت عليها حتى عمدت إلى هدم المنجزات والموارد الوطنية، وفرضت هيمنتها على القرار السيادي، ومدّت أيديها إلى الهوية الثقافية لليمنيين، محاولةً فرض أجندتها الخاصة على المجتمعات المحلية، فكان لذلك أثرٌ مدمرٌ على وحدة التعايش اليمني الذي كان مثالاً يُحتذى في التنوع والانسجام.

ومع ذلك، ظلّ الوازع الوحدوي راسخاً في قلوب اليمنيين الذين يعون أن الوحدة تمثل سياجاً حصيناً لكل المتربصين بالوطن، كما جسدت مواقف دولية متواصلة تؤكد على ضرورة الحفاظ على وحدة اليمن واستقراره كجزءٍ لا يتجزأ من أمن المنطقة والعالم.

فبرغم الانقسامات والحروب، لا يزال الشعب اليمني متمسّكاً بتراثه السامي الذي تبلور في الكيانات السبئية والحميرية والقتبانية وحضرموت وأوسان، التي وحدتها إرادةٌ تاريخية وجغرافية تمدّ جسور الأخوة بين أبناء هذا الوطن.

واليوم، مع الاحتفال بمرور خمسة وثلاثين عاماً على تحقيق الوحدة اليمنية، يستذكر اليمنيون تلك اللحظة الفارقة التي جسدت فيها معاني التضحية والشجاعة، وما تلاها من إنجازاتٍ تنموية وسياسية تُعدّ إرثاً للأجيال القادمة، مذكّرين الجميع بأن الوحدة ليست خياراً عابراً، بل هي فطرة ربانية ودين تفرضه مصلحة الفرد والمجتمع على حد سواء.

مقالات مشابهة

  • وثائق تكشف عن مهندس الوحدة اليمنية الحقيقي
  • الوحدة اليمنية.. الحلم المتجدد
  • تعز.. مجلس شباب الثورة يحتفي بالذكرى الـ 35 لتحقيق الوحدة اليمنية
  • وزير الداخلية: إعلان الوحدة اليمنية محطة هامة لتاريخ اليمن توجت نضالات الشعب شمالا وجنوبا
  • سرور بن محمد يزور فعاليات “اصنع في الإمارات” ويطلع على أحدث الصناعات الوطنية
  • 22 مايو 1990.. انتصار الإرادة اليمنية على الانقسام والكهنوت
  • إمام وخطيب مسجد العلي العظيم يوضح الخطوات التي يحتاجها الإنسان للتحصين من الحسد
  • القبيلةُ اليمنية.. درعُ الوطن وسندُ الحركات الوطنية وبُنيةٌ أصيلةٌ في عمق التاريخ العربي
  • اللجنة الوطنية للمرأة تُدين العدوان الصهيوني على الموانئ اليمنية