ألقى الدكتور عبدالفتاح العواري، عضو مجمع البحوث الإسلامية، خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر، والتي دار موضوعها حول الحج وأثره في تهذيب الأخلاق.

وقال الدكتور عبد الفتاح العواري، إن الحق سبحانه وتعالى على عباده عبادات من أجل تصفية النفوس وتهذيب الأخلاق، وتنقية القلوب من كل شائبة وكل خصلة ذميمة، لا تتفق مع شخصية العبد المؤمن الذي شهد لله بالوحدانية ولرسوله بالرسالة، وأن العبادات في الإسلام إنما شرعت لتهذيب النفس واستقامة السلوك وترقية الأخلاق والتسامي عن سفسافها والبعد عن ذميمها وسيئها.

 

وأوضح خطيب الجامع الأزهر أن العبادات التي شرعها الله لعباده تتضمن مقاصد جمة وأسرار عظيمة وحكم سامية. ما أراد الله بنا حينما شرع علينا التكاليف المشقة، إنما أراد بنا أن نكون حسب مراده، عباداً لله وحده، فمتى حقق العبد عبوديته لله، أصبح سيدا للكون كله لأنه عبد لمالك الكون وخالقه. وحينما ننظر إلى فريضة الحج، التي فرضها الله علينا مرة في العمر لمن استطاع إليه سبيلا، نرى تلك الفريضة امتلأت بالمقاصد والأسرار والحكم والغايات والأهداف التي متى وعاها الحاج عاش سعيداً طول عمره مع كونه أدى الفريضة مرة واحدة في العمر كله.

بحضور وكيل الأزهر.. تكريم أوائل تحدي القراءة العربي للموسم التاسع.. الأحد المقبلآداب دخول المسجد لأداء صلاة الجمعة.. الأزهر يوضحهاشيخ الأزهر ومفتي الجمهورية يعزيان عدلي منصور في وفاة شقيقهالأزهر: الإباحية مصيبة .. وأخطرها اختبار صدقك مع الخالق "أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ"

وأشار إلى أنه حينما يقرأ المسلم قوله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾، يرى ذلك واضح جلي ماثل أمام العين لا خفاء فيه. فهي آية جامعة جمعت بين مقصدين اثنين كفيلان بإسعاد المسلم في الدنيا وضمان فوزه ونجاته ورضا الله عنه في الآخرة.  

وبيَّن فضيلته أن المقصد الأول يتمثل في جانب التخلية والتنقية والتصفية والبعد عن السيئات والابتعاد عن كل ما يغضب الله لله، وتجنب كل ما نهى الله عنه. مقصد لابد أن يتحقق قبل الثاني فهو المنهي عنه يقول تعالى: ﴿فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾، أي لا معاصي ولا خصال ذميمة، لا ارتكاب للموبقات، ولا فعل للقبيحات. بل على المسلم أن يجرد نفسه وينقيها، وأن يحذر أن يلبس ثوب التقوى على اتساخ فهو يحتاج إلى نظافة الجسد وطهارته قبل أن يتجمل به. فكيف بباطنه وقد مُلأ حقداً وحسداً وبغضاء وكبر وغرور وخيلاء؟ كل هذه خصال ذميمة تتنافى مع عبوديته لربه، عليه أن يبتعد عن الخصومات والحذر من أن يغضب الآخرين فهو عبد لله، والآخرين عباد لله أيضاً، فلا ينبغي أن يقع منه البغي عليه فهو أمر يتنافى مع مقصد الحج وهو مقصد التخلية.  

أما عن المقصد الثاني، مقصد التحلية، فهو يأتي بعد تزكية وتنقية النفس من شوائبها يقول تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾. فعلى العبد أن يتزود بالتقوى، ليكون عبداً حقيقياً لربه يقول تعالى: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ﴾، وقد بين النبي ﷺ ما تضمنته الآية الكريمة بمقصديها في حديثه فقال: مَن حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ)، عاد طاهر نقي يحمل صحيفة بيضاء بعد أن سودتها الذنوب. فرض رب العالمين وظائف على الحجيج لو نظرنا إلى ظاهرها ما أنست بها النفس وما استثاغتها العقول. سعي فيه تكرار، وحجر يقبل، وآخر يرمى ويرجم، أعمال فوق طاقة العقول. فعلى العبد أن يجعل عقله وعلمه وفكره مع نفسه منقادين لمن شرع ذلك: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ﴾، وأن يتأسوا بالمصطفى ﷺ القائل في حديثه: (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ). فمتى فعل العبد ذلك، عاش بين عطف ربه ولطفه، يقيه بعطفه من كل ما يحذر وبلطفه يرضيه بكل ما قدر. تلك هي العبودية: الخضوع والإذعان والتسليم لله رب العالمين، متى حقق العبد ذلك، حقق خلق قويم مستقيم، ورجع من حجه بدرس تستقيم به القلوب ويتهذب به السلوك، وهذا ما تكتمل به دائرة الإيمان، ويتحقق في العبد قول سيد الخلق والأنام: (أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلقًا وخيارُكم خيارُكم لأهلِه).  

وأضاف خطيب الجامع الأزهر أن العبودية لله والتسليم الكامل له هو مراد الله من الموحدين. لذا كان شعار الحاج على مر الزمان واحدا رغم اختلاف من نطقت به ألسنتهم: " لبيك اللهم لبيك". من حقق العبودية لله برق، كان سيد الكون كله. هذا هو الخُلق الذي يجب أن ينتفع به الحاج من تلك الفريضة ويعود مزوداً به، موصيا أصحاب العقول السليمة بضرورة أن يعوا الدرس وأن يحققوا عبوديتهم حينما يتخلقوا بأخلاقها، فيكونوا عبادا ربانيين لله، إن دعوه أجابهم، وإن سألوه أعطاهم، وإن رفعوا له أكف الضراعة لباهم.

وتساءل هل وعت أمة الإسلام هذا من توجيهات نبيها فانتفعت بخلق الوحدة؟ وهل تحقق ذلك في أمة الإسلام في العصور التي نعيشها؟ داعياً معاشر المسلمين إلى أن يعو ذلك وأن يعودوا إلى هذا الخلق حتى لا يتركوا ثغرة لعدو الأمة، فينقض عليها وينخر وينهش جسدها فتتفتت وتضعف وتزول. كما دعا إلى العودة إلى هدي النبي ﷺ وتعلم تلك الأخلاق التي من أجلها شرع الله الحج لنا منه.

وفي ختام خطبته أشار د. عبد الفتاح العواري إلى أن أخلاق الحج كثيرة، وذكر منها خلق الوحدة، موضحاً أنه خلق لا يقل قيمة عن خلق تحقيق العبودية لله. فالإسلام جاء ليؤلف بين القلوب. ومتى تآلفت القلوب، اتحدت الكلمة، فالحج باب للوحدة لو وعاه المسلمون ولو وعته الدول والزعماء، لانتفعوا بها ولكانوا أمة معصومة، يقول ﷺ: (مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم ، وتَرَاحُمِهِم ، وتعاطُفِهِمْ . مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى).

طباعة شارك الدكتور عبدالفتاح العواري عضو مجمع البحوث الإسلامية مجمع البحوث الإسلامية خطبة الجمعة الجامع الأزهر الأزهر

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: عضو مجمع البحوث الإسلامية مجمع البحوث الإسلامية خطبة الجمعة الجامع الأزهر الأزهر الجامع الأزهر

إقرأ أيضاً:

هل عرفت الله؟.. خطيب المسجد النبوي: تتجلى عظمته في هذا الكون الفسيح

قال الشيخ عبدالباري الثبيتي، إمام وخطيب المسجد النبوي، إن السؤال الذي يتبادر في ذهن كثير من الناس هل عرفت الله تعالى ؟.

هل عرفت الله

وأوضح " الثبيتي" خلال خطبة الجمعة الثالثة من شهر جمادي الآخرة اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة، أن القرآن الكريم يفيض بالآيات الدالة على الله عز وجلن، فهو العظيم تتجلى عظمته في هذا الكون الفسيح.

وتابع: وفي تعاقب الليل والنهار وفي انبثاق الحياة، وانتظام الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ليشهد الخلق على أن وراء كل هذا النظام الدقيق ربًا لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، منوهًا بأن الله تعالى يدبر كل شيء بحكمة لا يضل معها شيء.

وأضاف أن الله تعالى يدبر كل شيء بحكمة لا يضل معها شيء، مشيرًا إلى التأمل في أسماء الله وصفاته فهو الرحمن القائل: (ورحمتي وسعت كل شيء)، فرحمة الله تسع العاصي والجاهل والمنكر فكيف بمن يطيعه ويحبه.

ليست في العطاء

 وأشار إلى أن الرحمة ليست في العطاء فقط بل تكون في البلاء, ففي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين رأى أمًا تضم طفلها خوفًا وشفقة قال: (لله أرحم بعباده من هذه بولدها).

وأفاد بأن لطف الله يتجلى في طيات الأحداث، فيأتي بالخبر من حيث لا يحتسب ويدل على ما يصلح القلب والدنيا وهو الحفيظ الذي لا يغيب حفظه لحظة قال تعالى: (فالله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين).

 وأكد أنه تعالى هو القريب المجيب الذي يسمع المناجاة والقريب الذي لا يحتاج إلى وساطة لمناجاته، وفي هذا سر من أسرار القرب أن الله يحب أن يرى العبد يناجيه قال تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم).

الغفور الحليم

وأفاد بأنه هو الغفور الحليم الذي يفرح بتوبة عبده والحليم الذي لا يعاجل بالعقوبة قال جل من قائل: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم).

وأردف: وهو الودود الكريم الذي يغدق ولا يمن وهو الحكيم العليم الذي يدبر بحكمة لا تدركها العقول قال تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم)، مشيرًا إلى أن من أحب الله وعبده، دون أن يراه فقلبه يشتاق إلى لقاء الله، وتنتظره الروح ويترقبه القلب.

ووصف ما في الجنة من نعيم لا ينفد ورؤية الله رؤية واضحة، ففي الحديث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته)، موصيًا المسلمين بتقوى الله فهي أكمل زاد يصلح القلب ويهدي الخطى ويجمع للعبد خير الدنيا والآخرة.

طباعة شارك خطيب المسجد النبوي إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالباري الثبيتي خطبة الجمعة من المسجد النبوي هل عرفت الله

مقالات مشابهة

  • في مشهد مهيب بأسيوط.. تكريم 200 فائز في مسابقة بني عدي الكبرى لحفظ القرآن
  • خطيب الأوقاف: من أعظم نعم الله على الإنسان أن خلق له الوقت والزمن
  • هل عرفت الله؟.. خطيب المسجد النبوي: تتجلى عظمته في هذا الكون الفسيح
  • خطيب المسجد الحرام: ستظل فلسطين والقدس في قلوب المسلمين والعرب
  • بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من رحاب الجامع الأزهر الشريف
  • خطيب المسجد الحرام يؤكد فضل صفة الرجولة في دعم المجتمع
  • الرواق الأزهري يُواصل رسالته العلمية عبر باقة متنوعة من الأنشطة العلمية بالبحر الأحمر
  • الرواق الأزهري يُواصل رسالته العلمية عبر باقة متنوعة من الأنشطة العلمية بمرسى مطروح
  • الجامع الأزهر يعقد ملتقى القراءات للختمة المرتلة برواية قالون.. اليوم
  • الرواق الأزهري يُواصل رسالته العلمية عبر باقة متنوعة من الأنشطة العلمية