23 مايو، 2025

بغداد/المسلة: يشهد العراق تضخمًا غير مسبوق في عدد الأحزاب السياسية، إذ أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تسجيل 343 حزبًا رسميًا حتى مايو 2025، متجاوزًا عدد مقاعد مجلس النواب البالغ 329.

ويبرز هذا الرقم الهائل، إلى جانب 60 حزبًا قيد التأسيس، أزمة بنيوية في النظام الحزبي، تثير تساؤلات حول جدوى هذه التعددية وتأثيرها على الموازنة العامة والاستقرار السياسي.

ويظهر هذا التضخم الحزبي، الذي بدأ يتبلور بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، كيف تحولت الديمقراطية من أداة للتمثيل الشعبي إلى ساحة للتفتت والمصالح الضيقة.

ويعود تاريخ هذه الظاهرة إلى الانتخابات الأولى عام 2005، حيث سجلت 66 تحالفًا انتخابيًا، لكن قلة منها حصلت على أكثر من 10% من الأصوات، مما كشف عن هشاشة القواعد الجماهيرية.

وتكرر هذا النمط في انتخابات 2010 و2014 و2018، حيث لم يحقق أي حزب تمثيلًا شاملًا في جميع المحافظات، وبقيت الأحزاب محصورة في دوائر طائفية أو إثنية.

ويعكس هذا التشرذم ضعف قانون الأحزاب الصادر عام 2015، الذي سمح بتأسيس أحزاب دون معايير صلبة للتمويل أو البرامج السياسية.

وتكشف إحصائيات المفوضية أن 118 حزبًا فقط أبدت رغبتها بالمشاركة في الانتخابات المقبلة، بينما يبقى أكثر من ثلثي الأحزاب المسجلة غير فاعلة، مما يشير إلى أن العديد منها مجرد واجهات لتحقيق مكاسب مالية أو نفوذ سياسي.

وتفاقم هذا الوضع مع نظام الدوائر المتعددة، الذي يتيح لكيانات صغيرة الفوز بمقاعد بأصوات محدودة، مما يؤدي إلى برلمان متشظٍ يصعب فيه تشكيل أغلبية متماسكة.

ويؤدي هذا التضخم إلى ضغوط مالية هائلة، إذ تخصص الموازنة منحًا مالية للنواب تصل إلى 250 مليون دينار لكل نائب، فضلاً عن دعم الأحزاب من المال العام، مما يثقل كاهل الاقتصاد العراقي.

ويعزز هذا النظام الفساد، حيث تستخدم الأحزاب المال السياسي لشراء الولاءات، كما أشارت تقارير الشفافية الدولية إلى انتشار الفساد بنسبة تزيد عن 60%.

ويقوض هذا الواقع الديمقراطية، إذ تحولت الأحزاب إلى أدوات نخبوية تفتقر إلى الديمقراطية الداخلية، كما أشار تقرير مركز البيان عام 2021. ويبرز مثال مشابه في انتخابات مجالس المحافظات 2023، حيث هيمنت الأحزاب التقليدية  على المقاعد، مما عزز المحاصصة الطائفية.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

قرار جمركي بمفعول نفسي.. العراق ينجو من الرسوم الأميركية بفضل النفط

12 يوليو، 2025

بغداد/المسلة: فتحت واشنطن باب المواجهة التجارية مع العراق عبر فرض رسوم جمركية بنسبة 30% على وارداتها من بغداد، في خطوة وصفت بأنها “تصحيح للعجز التجاري”، لكنها بدت أيضاً رسالة سياسية مغلّفة بلغة الاقتصاد.

وأعلنت وزارة التجارة العراقية بسرعة ردها أن صادراتها إلى الولايات المتحدة لن تتأثر تأثراً مباشراً، لأن الغالبية العظمى منها نفطية، والنفط لا يخضع أصلاً للرسوم. لكن هذا الإعلان، وإن خفف من وطأة القرار الأميركي ظاهرياً، لم يطمس تماماً القلق الذي بدأ يتسرّب إلى الأوساط الاقتصادية العراقية.

وواجهت بغداد الموقف بإجراءات استباقية رئِستها حكومة محمد شياع السوداني، التي تبنّت دبلوماسية تجارية مزدوجة: فتح قنوات مصرفية مباشرة مع واشنطن، وتفعيل المفاوضات مع القطاعات المقابلة، بهدف ضبط إيقاع الشراكة وتخفيف انعكاسات أي تصعيد مفاجئ.

وتستند الحصانة الظاهرية للعراق في هذه الأزمة إلى حقيقة رقمية: الصادرات غير النفطية إلى أميركا شبه هامشية. لكن هذا الاعتماد الكلي على النفط يجعل أي تغير في سعره العالمي ــ كأثر جانبي للرسوم الجديدة ــ يؤثر في نهاية المطاف على الميزانية العراقية. بمعنى أن الضربة وإن كانت غير مباشرة، فهي محتملة، وتكمن خطورتها في تأثر العرض والطلب وسط ضغوط تضخمية عالمية.

وتكشف المراسلات الأميركية، أن واشنطن تعوّل على استمرار الشراكة مع العراق، لكن برسالة واضحة: “نصحح العجز لا نقطع العلاقات”. هذه الإشارة تفتح باباً لقراءة متعددة المسارات، فهل تتحرك الولايات المتحدة نحو صياغة جديدة لمعادلات السوق في المنطقة؟ أم أن العراق يُستخدم كورقة اختبار في سياق توترات أوسع تطال المنطقة برمتها؟

ويتجلى الجانب الأهم في هذا الملف في ما لا يُقال: إذ أن الاستيراد العراقي من السلع الأميركية يتم غالباً عبر أسواق ثالثة، نتيجة تعقيدات سابقة في التعامل المباشر. ما يعني أن واشنطن لا تتحدث فقط عن الرسوم، بل عن رغبة في “إعادة ترتيب الساحة”.

ويبدو أن بغداد التقطت الإشارة، وبدأت فعلاً بإجراءات تهدف لتقوية علاقتها التجارية والسياسية بواشنطن، وخلق قنوات مباشرة، ربما لتقليل الاعتماد على وسطاء إقليميين، ولتحصين موقفها في لحظة اقتصادية حرجة.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • الاتحاد الأوروبي يعين رئيساً جديداً لبعثته في العراق
  • الضرائب غير العادلة: نظام يخذل فقراءه ويصمت أمام أصحاب الملايين
  • شرعية مجلس النواب العراقي في ظل هيمنة الأحزاب المسلحة
  • محمود فهمي: التنوع السياسي بمجلس الشيوخ ضرورة لممارسة مهامه بكفاءة
  • قرار جمركي بمفعول نفسي.. العراق ينجو من الرسوم الأميركية بفضل النفط
  • بين نيران الحرب وظلال النفوذ
  • معهد أمريكي يرى ضرورة تغيير النظام الإيراني: الأمر مختلف عن العراق
  • السوداني يدعو لحماية النظام السياسي
  • ترامب يصدر رسوما جمركية على العراق بنسبة 30 بالمائة
  • العراق يحافظ على المركز 29 عالميًا في احتياطي الذهب