صرخة إلى الأنظمة العربية والإسلامية: اسندوا الأمر أهله
تاريخ النشر: 24th, May 2025 GMT
مبارك حزام العسالي
“إسناد الأمر إلى أهله” ليس مجرد عبارة عابرة، بل هو مفهوم راسخ الجذور في أعماق الفكر الإسلامي والحكمة الإنسانية جمعاء. إنه المبدأ الذي يقوم على تكليف المسؤوليات والمهام، صغيرها وكبيرها، للأشخاص الذين يمتلكون الكفاءة والقدرة اللازمة لإدارتها واتخاذ القرارات الصائبة بشأنها؛ إنه حجر الزاوية في بناء مجتمع منظم وعادل، مجتمع تُوزع فيه الأمانات على أساس الجدارة والاستحقاق، لا على أساس المحسوبية أو القرابة أو أي اعتبارات أخرى لا تمت للكفاءة بصلة.
من هذا المنطلق، وفي ظل الظروف الراهنة التي تمر بها المنطقة، يرتفع صوت من اليمن، المثخن بالجراح والرازح تحت وطأة الحرب والحصار، ليُجلجل في آذان الأنظمة العربية والإسلامية: حان الوقت لتسليم الإمكانيات والقدرات العسكرية لليمن بقيادة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، لكي يقوم بتوظيفها في مكانها الصحيح.
إن اليمن، رغم كل التحديات والصعاب التي تواجهه، يقف اليوم شامخًا، مساندًا للقضية الفلسطينية ولأهل غزة بكل ما أوتي من قوة.
تاريخٌ جديد يُسطر بأحرف من نور، يشهد على صلابة هذا الشعب وإيمانه العميق بقضايا أمته، وعلى استعداده للتضحية في سبيل الحق والعدل، رغم شح الموارد والحصار الخانق المفروض عليه.
في المقابل، ماذا سيحفظ التاريخ لتلك الأنظمة العربية والإسلامية التي آثرت الصمت والخذلان؟
كيف ستنظر الأجيال القادمة إلى هذا العجز المخزي عن نصرة الأشقاء في غزة؟
لا شك أن التاريخ سيسجل بأحرف سوداء صفحة مليئة بالخزي والعار والذل، صفحة ستلاحقهم وصمة عارها إلى الأبد.
إن السكوت عن الظلم ليس خيارًا، والتقاعس عن نصرة المظلوم ليس موقفًا مشرفًا. إن الله سائل كل ذي سلطان عن رعيته، وكل من امتلك القدرة ولم يحرك ساكنًا لنصرة الحق. إن العقاب الإلهي العادل قادم لا محالة، وسيُسأل المتخاذلون عن صمتهم وعن تخاذلهم.
إن إسناد الأمر إلى أهله في هذه اللحظة التاريخية الفارقة، يعني تمكين القيادة اليمنية التي أثبتت بالفعل صدق نواياها وجرأتها في نصرة الحق، من استخدام القدرات المتاحة لخدمة هذه القضية العادلة.
إنها دعوة إلى الصحوة، دعوة إلى تحمل المسؤولية التاريخية، ودعوة إلى الوقوف صفًا واحدًا في وجه الظلم والعدوان.
فلينظر قادة الأمة العربية والإسلامية إلى اليمن، هذا البلد الصامد الذي يقدم أروع الأمثلة في التضحية والفداء، وليتعلموا منه معنى العزة والكرامة. وليعلموا أن التاريخ لا يرحم الصامتين، وأن المستقبل لا يحمل في طياته إلا الخزي والعار للمتخاذلين.
إنها لحظة الحقيقة، لحظة تتطلب شجاعة القرار وحكمة التصرف؛ فهل ستستجيب الأنظمة العربية والإسلامية لنداء الواجب والتاريخ، وتُسند الأمر إلى أهله، أم ستختار أن تبقى حبيسة صمتها المخزي، لتسجل على نفسها وعلى أجيالها القادمة صفحة سوداء لن تمحوها الأيام ؟!
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الأنظمة العربیة والإسلامیة
إقرأ أيضاً:
نظرية أوركسترا الحمل المعرفي: دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز التعلم
تشهد العملية التعليمية في الآونة الأخيرة تطورات هائلة وسريعة وغير مسبوقة، وهو ما أَذِن بظهور ما يعرف بـ"أوركسترا الحمل المعرفي"، وهي طريقة مُثلى تستخدم الذكاء الاصطناعي وتستفيد منه في تطوير عملية التعلم. وهذه الطريقة مُستقاة من نظرية الحمل المعرفي للباحث سويلر عام 1988، وقد أثبتت فاعليتها في التكيف مع احتياجات الطلاب، وهو ما لم يكن مُتصوَّرا في بيئات التعلم التقليدية السابقة.
تنتج نظرية الحمل المعرفي من تكامل منهجي دقيق ومتطور بين علم الأعصاب وعلم النفس المعرفي والتعلم الآلي، وتنقسم الأحمال العقلية إلى ثلاثة أنواع:
- الحمل الجوهري: وهو الجهد الذي يبذله المتعلم لفهم مادة صعبة بطبيعتها.
- الحمل الخارجي: وهو الجهد الزائد الناتج عن أسلوب شرح معقد أو تصميم تعليمي غير مناسب.
- الحمل الملائم: وهو الجهد المفيد الذي يبذله المتعلم ليبني عقله المخططات الذهنية الواضحة وينظم المعلومات.
وتتبع هذه النظرية نهجا ديناميكيا يتحكم جيدا في تلك الأحمال ويراقبها ويحسِّنها باستمرار، وذلك من خلال أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
لقد كان للذكاء الاصطناعي دور هائل في تمكين التطبيقات الحديثة لنظرية الحمل المعرفي من استخدام مجموعة رائعة من تقنيات المراقبة البيومترية لتقييم الحالة المعرفية للطالب في الوقت الفعلي، على سبيل المثال:
- أنظمة تتبع حركة العين: إذا اتسعت حدقة العين أكثر من 5.5 ملم، فهذا دليل على إرهاق ذهني وإجهاد معرفي مفرط، وعليه؛ يستجيب الذكاء الاصطناعي مباشرة ويتدخل تلقائيا.
- خوارزميات التعرف إلى الوجه: إذا قطب الطالب جبينه، مما يشير إلى ارتباكه، يتدخل النظام ويقدم شروحا أيسر وأوضح.
- تحليل سرعة الكتابة وأنماط ضغطات المفاتيح: إذا أبدى الطالب ترددا أو تباطؤا، تُقدَّم تلميحات في الوقت المناسب أو يُعدَّل المسار التعليمي بما يناسبه.
ويكون عمل هذه الأنظمة باعتمادها على تقنيات التعلم الآلي، على سبيل المثال:
- تواصل خوارزميات التعلم المعزز عملها باستمرار لتصل بالطالب إلى أن يكون منتبها وعلى درجة عالية من التركيز، دون أن يشعر بالإرهاق.
- تولّد شبكات المحوّلات (Transformer networks) شروحات مصمَّمة خصوصا لسد فجوات المعرفة عند كل طالب. وقد تم ضبطها بدقة بناء على سجلات التعلم الفردية.
ولم يكن هذا التطور التكنولوجي بعيدا عن الواقع أو حبرا على ورق، وإنما أثبتت فعليا دراسات من جامعة سيدني عام 2023 أن هذه الأنظمة تزيد من سرعة التعلم بنسبة 31 في المئة مقارنة بالأنظمة التقليدية، كما أبلغت منصات التعلم عبر الإنترنت عام 2024 عن انخفاض معدل انسحاب الطلاب من الدورات بنسبة 40 في المئة.
وأمامنا تطبيق واقعي في فنلندا، يُظهر مدى فعالية نظرية تنظيم الحمل المعرفي؛ حيث يعمل برنامج رياضيات تكيفي على أجهزة لوحية مزودة بتغذية لمسية، مهمته تعديل صعوبة المسائل تلقائيا حسب أداء الطالب، وهو ما كان له بالغ الأثر في تقليص فجوات التحصيل بنسبة 37 في المئة خلال عامين فقط.
وفي الجامعات، استخدمت منصة "Neurostudy" عصابات رأس لقياس نشاط الدماغ، فإذا شعر الطالب بالإرهاق الذهني، وأظهر النظام إشارة على حمل معرفي زائد، تتوقف المحاضرة تلقائيا. وقد أدّى ذلك إلى تضاعف عدد الطلاب الذين يُكملون محاضراتهم، وبلغ رضاهم عن النظام نسبة 92 في المئة.
وعلى الرغم من هذه النجاحات المتتالية، تظل هناك تحديات تواجه تطبيقات "CLO" جارٍ العمل على معالجتها مثل:
- فيما يتعلق بالخصوصية: بمعالجة البيانات على الجهاز نفسه دون تخزينها خارجيا.
- فيما يتعلق بالتكلفة: بالاعتماد على الهواتف الذكية واستخدام تطبيقات منخفضة التكلفة مثل "EyeLearn" التي تعمل بكاميرا الهاتف الأمامية، وتحقق دقة عالية تقدر بـ85 في المئة من دقة أداء الأنظمة الأخرى الأغلى.
- فيما يتعلق بالتحيُّز الثقافي: تُدرَّب الأنظمة على بيانات تشمل أكثر من 50 جنسية وعِرقا لتجنُّب الانحياز في تحليل تعابير الوجه.
يَعِد "CLO" بمستقبل مليء بتطبيقات أكثر تطورا. فبحلول عام 2025، يُتوقَّع أن توفر عصابات الرأس "EEG" غير الغازية دقَّة غير مسبوقة في قياس الحمل المعرفي.
- في غضون العقد المقبل، قد تُمكَّن واجهات الدماغ والحاسوب من المراقبة العصبية المباشرة.
- يُصبح الذكاء الاصطناعي أكثر وعيا بالعاطفة، وقادرا على التمييز بين الإرهاق الضار والتحدي المفيد.
تمثل "CLO" ثورة تعليمية حقيقية بسبب نهجها الاستباقي لتحسين التعلم على العكس من الأنظمة التقليدية التي تنتظر الطالب أن يُخطئ حتى تتدخل. تتميز "أوركسترا الحمل المعرفي" بأنها تتنبأ بالمشكلة وتمنعها قبل أن تحدث، فضلا عن قدرتها اللا محدودة على التكيف؛ لذا لمست المدارس ما لها من فوائد كبيرة، على رأسها:
- تقليل الحاجة إلى الدروس الخصوصية.
- تحسين أداء الطلاب.
وهو ما أثمر عوائد على الاستثمار من 2 إلى 3 أضعاف ما كانت عليه من قبل.
ومع استمرار التعليم في تحوله الرقمي، تسعى أوركسترا الحمل المعرفي إلى إحداث نقلة نوعية في مفاهيم التعلم الشخصي والتعلم الفعَّال، حتى ترقى به إلى أعلى مستويات التعلم.