عربي21:
2025-05-24@08:43:53 GMT

لماذا يستكين العرب؟!

تاريخ النشر: 24th, May 2025 GMT

كان يمكن للعرب وهم يعدون اثنتين وعشرين دولة عضواً في الأمم المتحدة، وبتعداد سكاني أكثر من أربعمائة مليون نسمة، وبجيوش واقتصاد وجغرافيا، مجتمعة لو كانت دولة واحدة، لكانت دولة عظمى عالمياً، دون شك، لكن حتى والعرب منقسمون على 22 دولة ونظام حاكم، كان يمكنهم أن يفعلوا شيئا مهما، بل حاسما خلال الأيام العشرة التي مضت، لجهة وقف حرب الإبادة الإسرائيلية الجارية منذ أكثر من عام ونصف العام على الشعب الفلسطيني، وهو شعب من الأمة العربية، وكانت هناك مناسبتان مرتا خلال الأيام العشرة الماضية، وشكلتا مناسبتين مهمتين، لو كان القادة العرب على قدر المسؤولية القومية، لقاموا بواجبهم الذي يفرضه عليهم المنصب الذي يشغلونه، وبصلاحيات غير محدودة، ونقصد بشكل صريح مناسبتي زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لدول الخليج العربي، كذلك مناسبة انعقاد القمة العربية في العاصمة العراقية بغداد.



والعرب يحيطون بإسرائيل من الجهات الثلاث، وللمفارقة فإن جامعة الدول العربية التي تعتبر الإطار الجامع للعرب، قد تأسست في نفس الوقت الذي جرى فيه اغتصاب فلسطين، وإقامة الكيان الإسرائيلي بدلاً من دولة فلسطين المستقلة، وهي قلب العرب، حيث شهدت عبر التاريخ أهم الحروب التي جرت بين العرب من جهة والاحتلالات الخارجية، من مغول وبيزنطيين، ففي عين جالوت، جرت معركة العرب مع المغول بعد أن احتلوا بغداد عاصمة الخلافة العباسية، وانتصر فيها العرب بالطبع، وفي حطين انتصر صلاح الدين وحرر القدس، ووضع نهاية الاحتلال الصليبي للمشرق العربي بعد أن استمر مائتي عام، والعرب اليوم، ليسوا أقل قوة مفترضة أو على الورق، إن كان عسكريا أو اقتصاديا، وليس هناك من مقارنة سكانية بين العرب وإسرائيل، ولا من حيث المساحة الجغرافية ولا حتى من حيث القوة الاقتصادية، وباختصار يمكن القول، إنه يمكن للعرب لو أرادوا، أو لو تحققت لهم الإرادة الحرة، أن ينفخوا على إسرائيل لتطير أو تتبدد.

قبل عشرة أيام جاء دونالد ترامب في جولة للشرق الأوسط، انحصرت في ثلاث دول، هي: السعودية وقطر والإمارات، وكانت تلك جولته الخارجية السياسية الأولى، وقد لوحظ أنها اقتصرت على هذه الدول الثلاث، دون أن تشمل الجولة لا إسرائيل ولا دول عربية أخرى، مثل مصر والأردن، بما أكد بوضوح، أن الرجل اختار الدول الثرية، لأن الاقتصاد يمثل بوصلة خطه السياسي، ولأنه يعتبر أن التنافس المركزي لأميركا إنما هو مع الصين، وليس مع روسيا كما كان يعتقد سلفه الديموقراطي جو بايدن، وهو حصل ما سعى إليه من الدول الخليجية الثلاث، من استثمارات بلغت عدة تريليونات من الدولارات، بما يمكن الاقتصاد الأميركي من الوقوف في وجه الاقتصاد الصيني الذي يتفوق عليه في نسبة النمو السنوي، وفي ميزان التجارة بين البلدين، ومن الطبيعي أن تكون الدول الخليجية الثلاث قد حصلت على المقابل من ترامب، لكن فيما يخص الملف الفلسطيني، وصفحته المشتعلة المتمثلة بحرب الإبادة الإسرائيلية على فلسطين بجناحيها قطاع غزة والضفة الفلسطينية، لم يحدث أي شيء، وذلك بالرغم من تصريحات ترامب نفسه عشية زيارته تلك.

قبل الزيارة أعلن ترامب أنه خلال الأيام ما بين الأربعاء والجمعة، وهي فترة وجوده في الخليج العربي متنقلا بين الدول الثلاث، سيكون هناك إعلان خاص بغزة، وكان يراهن على ما يبدو على ما يجري في الدوحة من تفاوض من الواضح تماما أنه يجري رغم أنف بنيامين نتنياهو، وذلك بعد أن قدمت حماس هديتها لترامب والمتمثلة بالإفراج عن عيدان اسكندر مزدوج الجنسية الإسرائيلية الأميركية دون مقابل، والعالم كله يعرف أن أميركا هي فقط من يمكنها أن تجبر إسرائيل على وقف الحرب، خاصة بعد أن تيقن العالم كله ومنه معظم الإسرائيليين وبحكم الوقائع من أن الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين لم يتم ولن يتم إلا بالتفاوض، ورغم أن إسرائيل أعلنت بشكل صريح ووقح أنها ستطلق ما تسميه «عربات جدعون» بعد انتهاء زيارة ترامب، وذلك في حال عدم التوصل للاتفاق في الدوحة، وهي تدرك أن ذلك الاتفاق لن يكون، لأن نتنياهو بات يطالب باستسلام فلسطيني تام، وليس باتفاق يحقق بعض مطالب الطرفين.

أي أن الطريق كان واضحا، حتى في هذه اللحظة، وبعد مضي عام ونصف العام، لم يفعل العرب شيئا مهما أو حاسما، أو يقارب ما هم عليه من أسباب قوة افتراضية، كان يمكن لدول الخليج، أن تحصل على ثمن الاستثمارات الهائلة في أميركا من ترامب، وكان يمكنها لو طلبت منه على الأقل أن يعلن رفع يده عن إسرائيل، وأن أميركا لم تعد مع مواصلة حرب الإبادة التي ينكرها كل العالم، ونصف الإسرائيليين، وعلى الأقل كان يمكنهم أن يطلبوا منه تحذيراً واضحاً لإسرائيل، بأنها إن أقدمت على إطلاق «عربات جدعون»، فإن أميركا ستتوقف عن تزويدها بالسلاح والعتاد، وهذا أضعف الأيمان، كان يمكن في حقيقة الأمر، إعلان موقف قوي بهذا الشأن.

ثم جاءت القمة في بغداد، لتجمع بعض قادة الصف الأول، وبالطبع ممثلي الاثنتين وعشرين دولة، دون أن يتجاوز الموقف ما هو معتاد منذ عشرات السنين من إدانة ورفض وبيانات ورقية لا قيمة لها، وكان يمكن بالطبع أن يعلن عن قرارات قوية مؤثرة على إسرائيل، من مثل تعليق العلاقات الدبلوماسية لخمس أو ست دول عربية لها سفراء في إسرائيل، هذا إن لم نقل طردهم، كذلك كان يمكن لكل الدول العربية حتى تلك التي ليس لها علاقات مع إسرائيل، أن تعيد التأكيد على عدم التطبيع دون الدولة الفلسطينية، هذا أولاً، وثانياً، أن العرب مجتمعين وفرادى يؤكدون على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بكل الأشكال بما في ذلك المقاومة المسلحة، فإذا كانت إسرائيل تحرق الدنيا، وتتدخل في شؤون إيران بحجة الدفاع عن أمنها، وتقول أميركا وغيرها إنها مع أمن إسرائيل، فإن العرب عليهم أن يقفوا مع فلسطين وقفة أميركا مع إسرائيل على الأقل، وكان يمكن للعرب أن يفعلوا ما يفعله اليمن من ضغط اقتصادي على كل ما يتعامل مع إسرائيل رغم شنها حرب إبادة منذ أكثر من عام ونصف العام، بأن يقاطعوا كل من يتعامل مع إسرائيل من دول، وأن يحاسبوا دول العالم على تصويتها في مجلس الأمن والجمعية العمومية.

باختصار كان يمكن، وما زال ممكناً للعرب أن يفعلوا أو حتى أن يتخذوا موقفا من شأنه أن يجبر نتنياهو وما يمثله من يمين متطرف، يقف ضده نصف المجتمع الإسرائيلي نفسه، وكان يجب على القادة العرب أن يعلنوا موقف يائير غولان زعيم حزب الديمقراطيين الذي تشكل العام الماضي من ائتلاف حزبي العمل وميريتس، حيث قال إن إسرائيل ذاهبة لتكون دولة منبوذة عالميا على طريقة جنوب إفريقيا أيام الفصل العنصري وأن إسرائيل دولة تقتل الأطفال من باب الهواية، بل كان يمكن ويجب على العرب أن يحذو حذو الدول الأوروبية، ليس مجموعة أيرلندا، إسبانيا، بلجيكا والنرويج، بل فرنسا وبريطانيا وكندا، مع اليابان وهم دول من بين الدول السبع الكبار في الاقتصاد العالمي، الذين أعلنوا رداً على «عربات جدعون» بأنهم سيراجعون علاقاتهم التجارية مع إسرائيل، فيما تؤكد فرنسا وهي دولة عظمى، واحدة من خمس دول لها حق الفيتو في مجلس الأمن، بأنها ستعترف بدولة فلسطين الشهر القادم، رداً على الفاشية الإسرائيلية.

إن إسرائيل بما هي عليه حاليا من حكومة فاشية، يمينية متطرفة، تؤكد تماما أنها تقوم بالقتل والتدمير في غزة لإجبار الناس على الذهاب لجنوب القطاع ومن ثم لدولة ثالثة، وتفعل الشيء نفسه في جنين وطولكرم بهدف التطهير العرقي تاليا، وهي تحلم بدولة إسرائيل الكبرى من الفرات للنيل، فإن لم يكن بشكل صريح فالسيطرة والنفوذ بإعادة ترتيب الشرق الأوسط، وإن لم يكن فإسرائيل الكاملة على أرض فلسطين التاريخية الانتدابية، وهكذا فإنه لم يعد مجديا أن يدفن العرب رؤوسهم في التراب، ويدعي بعضهم على الأقل أن إسرائيل بحكومتها الحالية قابلة للتعايش السلمي مع الآخرين، وأن التطبيع بات نتنياهو بشركائه الفاشيين يراه نتيجة فرض الأمر الواقع، وليس نتيجة تفاوض مع أحد، وهو لأجل هذا رفض ما سعى إليه بايدن، وحتى ما كان يمكن أن يعتبره ترامب هدفه الأسمى، نقصد التطبيع مع السعودية، لأن السعودية طلبت مقابل ذلك أفقاً سياسياً في الملف الفلسطيني يفضي لحل الدولتين، ومجرد الحديث عن أفق لدولة فلسطينية رفضه نتنياهو، بل اقترح على السعودية بفظاظة أن تقيم تلك الدولة على أرضها!

(الأيام الفلسطينية)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه العربية غزة غزة العرب ابادة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مع إسرائیل على الأقل کان یمکن بعد أن

إقرأ أيضاً:

لماذا تخشى إسرائيل أطفال غزة؟.. قراءة من صفحات التاريخ

لقد تعمد العدو الإسرائيلي في سلوكه العدواني المتغطرس استهداف أطفال غزة على نحو منهجي وواسع النطاق، إدراكًا منه لمدى أهمية العامل الديموغرافي في معادلة الصراع على الأرض الفلسطينية، فهو يعلم يقينيًا أن التفوق العددي يشكل تهديدًا وجوديًا على مشروعه الاستيطاني، ويخشى أن ينمو الجيل الفلسطيني القادم في بيئة من الصمود والمقاومة، مما يجعل مستقبله محفوفًا بخطر لا يمكن احتواؤه بالسلاح وحده.

وقد عبر السياسي الإسرائيلي "موشيه فيغلين" عن هذه العقيدة العدوانية بوضوح، حين صرح قائلًا "كل طفل رضيع في غزة هو عدو، وكل طفل تقدمون له الحليب الآن سيذبح أطفالكم بعد 15 عامًا، علينا احتلال غزة واستيطانها"، فضلًا عن تصريحات السياسي الإسرائيلي "يائير غولان" زعيم حزب الديموقراطيين التي اثارت جدلًا واسعًا داخل دولة الاحتلال وخارجها والتي اتهم فيها حكومة بلاده بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة قائلًا إن "إسرائيل تقتل الأطفال كهواية"، والحقيقة التي لا تقبل الجدال أن إسرائيل تتعمد استهداف وقتل الأطفال بلا رحمة أو شفقة كي لا يبقى من يحمل الراية، كما أنها تتعمد قتل الصحفيين لإسكات الصوت وحجب الصورة حتى لا يصل الخبر إلى ضمير العالم.

وفي تقرير صادم صادر عن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، كشفت الإحصاءات عن أرقام مفزعة، حيث وثق التقرير مقتل نحو 2100 رضيع فلسطيني ممن تقل أعمارهم عن عامين، وذلك ضمن نحو ما يقارب 16 ألف طفل قتلتهم قوات الاحتلال في قطاع غزة منذ بدء جريمة الإبادة الجماعية النكراء التي ارتكبتها إسرائيل في السابع من أكتوبر، وتؤكد هذه الأرقام أن الاستهداف الإسرائيلي لا يميز بين طفل ورضيع، في انتهاك جسيم وصارخ لقواعد القانون الدولي الإنساني، والذي يقرر حماية خاصة ومحددة للأطفال.

وتتمثل أهم القواعد واجبة التطبيق في هذا الشأن، فيما يلي:

معاملة الأطفال حديثي الولادة بنفس المعاملة المقررة للجرحى.

بالنسبة للأطفال تحت سن الخامسة عشرة ضرورة استقبالهم في المناطق الآمنة والمستشفيات.

إجلاء الأطفال مؤقتًا من أجل حمايتهم في حالة الأراضي المحاصرة.

ضرورة تعليم الأطفال.

ضرورة جمع شمل الأسر المشتتة نتيجة النزاع المسلح، وهو ما نصت عليه المواد 14، 17، 23، 25، 27 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والمواد 8، 70، 74ـ 78 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 والمواد 4، 6 من البروتوكول الثاني الإضافي لعام 1977".

ورغم وضوح ما سبق استقراره في جبين الإنسانية جمعاء، وفي القانون الدولي العرفي والاتفاقي فإن جيش الاحتلال لا يستمع لصوت العقل والضمير والقلب، وما زال يرتكب يوميًا أفعال تقشعر لها الأبدان ويهتز لها الوجدان، من ذلك ما وثقه المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان يوم الثلاثاء الموافق 13 أغسطس 2024، حيث استشهد الرضيعان التوأمان آسر وأسيل محمد أبو القمصان، في قصف استهدف منزل عائلتهما في دير البلح وسط قطاع غزة، والمفارقة المروعَة أن والدهما قد خرج في تلك اللحظات ليستخرج شهادة ميلاد لطفليه حديثي الولادة ثم يعود إلى الشقة ليجدهما تحولا إلى جثتين هامدتين تحت الركام إلى جانب أفراد أسرته.

ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح: لماذا تتعمد اسرائيل قتل الأطفال في غزة؟

الإجابة أعادت إلى ذهني مشهدًا خالدًا من فيلم أسد الصحراء ـ عمر المختار ـ حين التقط طفل صغير لا يتجاوز عمره سبع سنوات نظارة القائد الشهيد من التراب بعد إعدامه، هذا المشهد لا يمر مرور الكرام بل يحمل في طياته رسالة قوية أن إعدام عمر المختار لم ينهي القضية بل هذا الطفل سيكمل مسيرة النضال والكفاح والصمود، إنها رسالة قوية للأجيال القادمة على مواصلة مسار النضال وعدم الاستسلام ابدًا للظلم والاستبداد.

إسرائيل التي تقرأ التاريخ جيدًا تدرك أن الطفل الذي يلتقط النظارة اليوم، قد يكون من يقود المواجهة غدًا، فلذلك هي تخشاه قبل أن يكبر، لذلك لم يسلم مخرج فيلم أسد الصحراء ـ مصطفى العقاد ـ من يد الإرهاب الإسرائيلي، إذ طالته هو وابنته يد الغدر في تفجير إرهابي أودى بحياتهما في 9 نوفمبر 2005 ضمن ضحايا الانفجار الذي حصل في فندق غراند حياه بعمان، ولعل استعداده لإخراج فيلمين سينمائيين أحدهما عن فتح الأندلس والآخر عن صلاح الدين الأيوبي الذي سيوجه الأنظار نحو القدس سيمثل تهديدًا مباشرًا لأسرائيل، إن اغتيال المخرج السوري الكبير مصطفى العقاد يبرز تصميم الصهاينة على قتل كل أمل عربي، ويكفي أن من ضمن أشهر اعماله فيلم "الرسالة" الذي أسلم بسببه 20 ألف بعد عرضه في أمريكا.

وفي مراجعة سريعة للتاريخ ـ تعلم إسرائيل ـ أن أعظم التحولات قادها شباب آمنوا بقضايا أوطانهم منذ نعومة أظافرهم:

ففي عصر الدولة الحديثة في مصر الفرعونية وتحديدًا في بداية الأسرة الثامنة عشرة، حين توفى الملك سقنن رع في معركته ضد الهكسوس، لم يكن أحمس سوى طفل صغير، لم يتجاوز العاشرة من عمره، ومع ذلك ورث مع أخيه كامس شعلة المقاومة، وشهد بعينيه كيف يدفع الآباء أرواحهم فداء للوطن، وبحلول عام 1540 ق.م بلغ أحمس الثامنة عشرة تقريبًا وأصبح مؤهلًا لبدء الحرب ضد الهكسوس، وعندما اشتد عوده قاد حملة التحرير الكبرى وبعد قتال شرس استطاع أحمس أن يحتل مدينة أواريس عاصمة الهكسوس بقواته التي بلغت 48000 جندي، وتم القضاء على الهكسوس بين قتيل وأسير، مسجلًا أسمه كأول مؤسس للدولة المصرية الحديثة، ومن هنا تنبع خشية إسرائيل من أطفال غزة، ليس لأنهم خطرًا آنيًا، بل لأنهم كما كان أحمس قد يصبحون في الغد قادة مشروع تحرري يهدد بقاء الاحتلال ذاته.

ومن مصر الفرعونية إلى التاريخ الإسلامي يبرز نموذج أسامة بن زيد الذي ولاه النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ قيادة جيش يضم كبار الصحابة، رغم أنه لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، واشتهر أسامة بن زيد بالشجاعة والقوة والجهاد في سبيل الله منذ صغره، ففي العاشرة من عمره علم بأن النبي يجهز للغزو، فأصر على أن يكون له دور، فذهب يعرض نفسه على النبي إلا أن الرسول رده لصغر سنه، فعاد باكيًا، وعاود الكرَة مرة ثانية وثالثة، فطلب منه النبي أن يطبب الجرحى من المقاتلين، ففرح فرحًا شديدًا.

وقبل أن يبلغ الثامنة عشرة من عمره شارك أسامة في معركة مؤتة تحت إمرة أبيه زيد بن حارثة، وحين استُشهد أبوه ظل يقاتل تحت لواء جعفر بن أبي طالب، ثم تحت لواء عبد الله بن رواحة، ثم تحت لواء خالد بن الوليد، وعندما أمر النبي بتجهيز جيش لغزو الروم في سنة 11 هجرية اختار أسامة قائدًا للجيش وعمره حينها 18 عامًا وكان الجيش يضم كبار الصحابة، بمن فيهم أبو بكر وعمر، ولكن توفي النبي قبل أن يتحرك الجيش، وأصر الخليفة أبو بكر على أن يسيَر الجيش بقيادة أسامة رغم اعتراض البعض لصغر سنه، وحقق انتصارًا عظيمًا وعاد للمدينة حاملًا معه الغنائم الكثيرة حتى قيل: "إنه ما رٌئي جيش أسلم وأغنم من جيش أسامة بن زيد".. .. لذا فإن إسرائيل تدرك أن طفلًا كهذا قد يكون مشروع قائد مقاومة.

ومضت القرون وجاء زمن تشتت فيه المسلمين ووقعت القدس تحت قبضة الصليبيين، كان نجم الدين أيوب، والد القائد صلاح الدين الأيوبي، يؤمن بأنه لا يوجد مستحيل طالما هناك إرادة، وعندما تزوج امرأه صالحة عُرفت بحكمتها وقوة إيمانها، وفي ليلة ولادة ابنهما صلاح الدين، قال نجم الدين بثقة ويقين " سيكون لهذا الطفل شأن عظيم، وسنربيه ليكون من يُعيد للأمة عزتها ويحرر القدس"، وعندما كبر صلاح الدين على هذه المبادئ، تحقق حلم والده عندما قاد الأمة لتحرير القدس في معركة حطين عام 1187 م، وهزم الصليبيين هزيمة نكراء.

لذلك فإن إسرائيل تعلم المعطيات التاريخية السابقة وتتعمد محو وإبادة أطفال غزة، لأنها تنظر إليهم كقادة محتملين لحركات مقاومة في المستقبل، واستهدافهم ليس مجرد عمل عشوائي، بل يبدو أحيانًا وكأنه وسيلة تهدف إلى كسر الحلقة التاريخية التي تصنع القادة منذ الطفولة كما صنع التاريخ من أحمس وأسامة بن زيد وصلاح الدين الأيوبي رموزًا للقيادة المبكرة، هنا يصبح استهداف الطفولة في غزة جزءً من سياسة وقائية تتجاوز الميدان العسكري إلى مستوى استباق التاريخ.

أخيرًا نقولها بكل قوة ويقين وإيمان راسخ أنه كما جاءت حطين بعد مؤتة ستأتي غزة بعد حطين، وسيأتي طفل من رحم هذه الأمة يقودها إلى النصر من جديد، فلا تيأسوا، فالتاريخ لا ينسى، والقدس لا تنام، والدم لا يهزم.

اقرأ أيضاًجيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن مقتل قيادي بحزب الله في غارة في بلدة عين بعال جنوبي لبنان

عاجل.. إسرائيل تستعد لشن هجوم على منشآت إيران النووية

الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 20 فلسطينيا على الأقل من الضّفة الغربية

مقالات مشابهة

  • حكام العرب يلهثون وراء ترامب .. واليمن تعلن التحدي ”
  • متحدث حركة فتح: التحول الأوروبي إيجابي.. ويجب على العرب تعظيم أوراق الضغط
  • لجنة التقنيات والعمليات السيبرانية بمجلس وزراء الأمن العرب تعقد اجتماعها الأول
  • قاضية أمريكية توقف خطة ترامب لتقليص الحكومة: لا يمكن تجاوز الكونجرس
  • لجنة التقنيات بمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب تعقد اجتماعها الأول برئاسة الأردن
  • لجنة التقنيات والعمليات السيبرانية بمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب تعقد اجتماعها الأول
  • لا أتوقع أي نتيجة'.. ترامب يستهين بقضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل
  • لماذا الصمت العربي في حين تغيرت مواقف الغرب تجاه إسرائيل؟
  • لماذا تخشى إسرائيل أطفال غزة؟.. قراءة من صفحات التاريخ