ملاحظات على رسائل حماس المسرّبة للإعلام
تاريخ النشر: 24th, May 2025 GMT
أعاد البعض نشر ما أسموه "وثائق حماس" على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً ممّا أثار النقاش مجدداً حول ما إذا كانت الحركة قد قرأت الواقع بشكل صحيح، وحول إذا ما كانت تقديراتها بشأن المعركة أو النتائج التي نجمت عنها صحيحة ومبرّرة. وكانت إسرائيل قد سرّبت هذه الرسائل سابقا على صحف ووسائل إعلام أمريكية سابقاً، وأعيد تداولها مرّات عدّة منذ حينه.
أولا، لا بد أن نتوقف عند حقيقة أنّ الذي سمح بنشر هذه الرسائل أو نقلها إلى الإعلام هو الجانب الإسرائيلي. هذه النقطة مهمة لأنّها تعني أنّ أجهزة الأمن والاستخبارات والأجهزة التابعة لها أو المعنيّة بها قامت قطعاً ودون أدنى شك بالإطلاع على الرسائل وغالبا دراستها وتحليلها قبل التقرير بشأنها. ولهذا الأمر أهمّية لناحية تقرير مدى مصداقية هذه الرسائل. فحقيقة أنّها جاءت من طرف إسرائيل يعني أنّه لا بدّ من الشك بمدى صدقية هذه الرسائل.
إدراكنا بأنّ الجانب الإسرائيلي قام بتسريبها بعد دراستها أمر في غاية الأهمّية لناحية تقدير الأهداف. من غير المتصور أن تقوم أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية بنشر هذه الوثائق عشوائياً دون أن يكون هناك هدف تسعى إليه.من الناحية المبدئية هناك ثلاث فرضيات رئيسية، قد تكون هذه الرسائل صحيحة، أو ربما تكون قد خضعت لمعالجة أو تدخّل فتم حذف بعض الأمور، أو إضافة بعض الأمور، أو التلاعب ببعض الأمور فيها، وربما تكون مختلقة تماماً. نحن كمتلقّين ليس لدينا الأدوات اللازمة للتأكّد بشكل قاطع من أي من الفرضيات إلاّ إذا تمّ تأكيدها مثلا من الجانب المعني أي حماس، أو من جانب من ورد إسمه في الوثائق ولا يزال حيّاً. وبخلاف ذلك، فالتشكيك هو الأولى، ومن يقوم بالترويج لها كمصدر موثوق لأنّها توافق هواه أو توجّهه دون دليل قاطع قد يكون قد وقع في فخّ من قام بتسريبها.
ثانياً، في الغاية من نشر هذه الرسائل. إدراكنا بأنّ الجانب الإسرائيلي قام بتسريبها بعد دراستها أمر في غاية الأهمّية لناحية تقدير الأهداف. من غير المتصور أن تقوم أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية بنشر هذه الوثائق عشوائياً دون أن يكون هناك هدف تسعى إليه. قد تتقاطع أهدافها مع أهداف أخرى متعلقة بأطراف أخرى أو بتصورات عن دور هذه الأطراف ممّا يعني أنّ ذلك لا يتعارض بالضرورة مع تحقيق عدّة أهداف أو غايات وإن بدت متضاربة للوهلة الأولى تبعا لتصوّرات المتلقيّن عنها.
بمعنى آخر، إذا افترضنا جدلا أنّ بعض المؤيدين للحركة أو بعض أنصارها ينظرون بإيجابية إلى الرسائل، هذا قد لا أنّ إسرائيل نشرتها لتحسّن من صورة حماس، ولا يعني أنّه يتناقض بالضرورة مع أهداف إسرائيل الأخرى التي قد لا ترى من هذه الزاوية. قد يكون هدف إسرائيل من نشر الرسائل إحداث شقاق بين أطراف معينة، أو خلق صورة معيّنة عن حماس لدى أطراف مُحدّدة، أو نشر معلومات أو مواقف مختلقة أو مدسوسة بين الرسائل، أو بالون اختبار لبعض الأطراف، أو تبرير لعمل قد تقوم به إسرائيل، أو محاولة للتأثير على او تغيير توجهات الرأي العام في بلدان معيّنة سيما وأنّ نشر الرسائل تم على سبيل المثال في صحف أمريكية وليس إسرائيلية، أو غيرها من الاحتمالات المفتوحة.
ثالثاً، قبل أي تقييم للرسائل، علينا أنّ نأخذ بعني الاعتبار ما تمّ ذكره أعلاه. لكن لو افترضنا جدلاً أنّ هذه الرسائل حقيقية وصحيحة تماماً (وهو الأمر الذي يجب أن نشكك به دوما نظراً للمعطيات أعلاه)، فهذا يعني أنّ عددا كبيراً من المسؤولين كان منخرطا في التفكير والتحضير والتنفيذ لعملية طوفان الأقصى داخل فلسطين، وفي البلدان العربية (خاصة حزب الله في لبنان)، وفي المحيط الإقليمي (إيران والحرس الثوري)، وهو الأمر الذي يعني بدوره أن احتمال معرفة بعض الدوائر في إسرائيل بهذه العملية هو احتمال عالٍ جداً على اعتبار أنّ كل هذه الدوائر كانت مخترقة حتى النخاع كما أثبت المعطيات لاحقا.
العاروري تمّ اغتياله في شقة في الضاحية الجنوبية، عقر دار حزب الله، وإسماعيل هنيّة تمّ اغتياله في طهران في عقر دار الحرس الثوري وخلال مراسم تنصيب الرئيس الإيراني، وحسن نصرالله تم اغتياله مع مجموعة من القادة والعناصر الإيرانية رفيعة المستوى في غرفة عمليات محصّنة تقع في عمق 13 متر تحت الأرض. مثل هذه العمليات لا تتم في يوم وليلة وإنما تحتاج إلى متابعة طويلة ومستمرة الى حين اتخاذ القرار.
كل ما سبق ذكره يعني أنّ الأطراف الإسرائيلية التي علمت بالموضوع قد تكون سمحت للعملية أن تجري لأهداف خاصة بها، وهناك في إسرائيل من يدعم من هذه النظرية. ما يدعم مثل هذا الإحتمال هو انخراط حزب الله في سوريا طيلة مدة الثورة السورية، وهو امر تم باتفاق غير مباشر كما تقوم الوقائع، وبالرغم من اختراق إسرائيل لصفوف حزب الله لسنوات طويلة من خلال أجهزة البيجر وغيرها من الأساليب، قد تركته يؤدي مهمته في سوريا وعندما انتهى قام بتدميره.
العاروري تمّ اغتياله في شقة في الضاحية الجنوبية، عقر دار حزب الله، وإسماعيل هنيّة تمّ اغتياله في طهران في عقر دار الحرس الثوري وخلال مراسم تنصيب الرئيس الإيراني، وحسن نصرالله تم اغتياله مع مجموعة من القادة والعناصر الإيرانية رفيعة المستوى في غرفة عمليات محصّنة تقع في عمق 13 متر تحت الأرض.رابعاً، في تقييم بعض ما ورد في الرسائل. تشير الرسائل إلى أن حماس كانت تتوقع دعمًا كبيرًا من إيران، يشمل موارد عسكرية (مثل الأسلحة والتدريب) ومساعدات مالية ودعمًا دبلوماسيًا لتعزيز موقفها ضد إسرائيل. توحي الرسائل بوجود خطة منظمة لتعميق هذه التحالف، قائمة على تصوّر إيران كدعامة مركزية في "محور المقاومة" الأوسع جنبًا إلى جنب مع حزب الله. تشير الرسائل إلى أنّ حماس كانت تتوقع علاقة تبادلية حيث يمكنها تقديم التوافق الأيديولوجي (المقاومة ضد إسرائيل) والدعم العملياتي (مثل الهجمات لصرف انتباه إسرائيل عن إيران أو تخفيف الضغط على طهران) أو النفوذ الإقليمي في فلسطين، مقابل موارد إيران. وتبيّن الرسائل أنّ حماس خططت لعملية "فيضان الأقصى" مع توقع أن تنضم إيران وحزب الله أو يعززا الهجوم، مما قد يحوله إلى صراع إقليمي أكبر لإضعاف إسرائيل. كما توقعت حماس فتح و/أو انهيار جبهات إقليمية.
من الناحية العملية، لم يحصل شيء من هذا على أرض الواقع. في الحقيقة، فقد أعطت إيران الأولوية لحساباتها الخاصة، ومنعت حزب الله من أن يرمي بثقله في المعركة رغم إمكانياته الهائلة، وكلّفت الحوثيين بالتدخل من بعيد، تركت حماس التي كانت تتوقع المساندة ـ وفقا للرسائل ـ وحدها إلى حد بعيد في مواجهة إسرائيل. وفي نهاية المطاف، أدّى هذا الوضع إلى تدمير حزب الله واختراق الداخل الإيراني، لكنّه منع اندلاع حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران بعد أن قامت الأخيرة بردود محسوبة على التصعيد الإسرائيلي.
من هذه الزاوية بالتحديد، يمكن القول إنّ هناك خطأ في الحسابات قد وقع من جانب حماس التي بالغت في تقدير استعداد إيران وأذرعها للتصعيد إلى جانب حماس. يشير تركيز إيران الحالي على الردع (مثل كشف قواعد الصواريخ) والمبادرات الدبلوماسية (مثل المحادثات النووية غير المباشرة مع الولايات المتحدة) إلى نهج حذر، يفضل فيه الحفاظ على بقائها على دعم طموحات حماس أو حساباتها.
تشير الرسائل أيضاً إلى خطأ إستراتيجي آخر وهو تقليل حماس من تعقيدات السياسة الإقليمية وتغييب الديناميات الدولية إلى حد بعيد عن حساباتها، علماّ ان قوّة إسرائيل منذ انشائها إلى اليوم مستمدة من الخارج وليس من الداخل، فانشاؤها ومدها بأساليب الحياة تمّ من قبل أقوى 4 قوى عظمى في حينه، بريطانيا، ألمانيا، الاتحاد السوفييتي، وأخيراً الولايات المتّحدة.
استمرار وجود إسرائيل إلى اليوم مرتبط إلى حد كبير بالدعم الغربي لاسيما من قبل الولايات المتّحدة بوصفها قوة عظمى، وهو دعم غير محدود وغير مشروط، ولم يتراجع تحت ضغط الخسائر البشرية والإنسانية العظيمة للشعب الفلسطيني في مواجهة حرب الإبادة الاسرائيلية. ولذلك لا يمكن التفكير في تقويض إسرائيل أو انهائها دون التفكير في كيفية التعامل مع هذا العنصر الخارجي بالتحديد.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه وثائق حماس الرأي فلسطين فلسطين حماس وثائق رأي مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه الرسائل اغتیاله فی حزب الله یعنی أن عقر دار نشر هذه
إقرأ أيضاً:
هدنة غزة على الطاولة.. ومفاعل إيران في الحسابات
في مشهد إقليمي محتقن ومفتوح على كل السيناريوهات، عاد الأمل في تهدئة مؤقتة لقطاع غزة إلى الواجهة، بعد شهور من التصعيد العسكري والضغوط الدولية المتصاعدة.
وبينما تتزايد مؤشرات الانفراج، كشفت مصادر إسرائيلية عن شروط ومواقف تُحدد مستقبل الجولة القادمة من التفاوض، وسط تزامن مع تصريحات مثيرة للجدل بشأن ملف إيران النووي.
كشف مصدر إسرائيلي رفيع المستوى، في تصريحات خاصة لوكالة "رويترز"، أن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة "قد يكون ممكنًا خلال أسبوع أو أسبوعين، لكن ليس خلال يوم واحد"، على حد قوله.
وأكد المصدر أن إسرائيل ستعرض وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار، موضحًا أن العمليات العسكرية ستستمر إذا لم تُلقِ حركة حماس سلاحها، وهو ما يعكس تمسك تل أبيب بخطاب الحسم العسكري.
وبالتوازي، أعلنت حركة حماس موافقتها على إطلاق سراح عشرة رهائن محتجزين في غزة، ضمن جهود وساطة تقودها قطر ومصر والولايات المتحدة.
وفي بيان رسمي، أكدت الحركة أنها "تتعامل بإيجابية" مع المبادرات المطروحة، رغم ما وصفته بـ"تعنت الاحتلال"، مشيرة إلى قضايا لا تزال عالقة، أهمها:
تشير المسودة الجاري التفاوض بشأنها إلى هدنة مدتها 60 يومًا، تتضمن ما يلي:
الإفراج عن عشرة رهائن أحياء.تسليم جثث تسعة آخرين.استئناف دخول المساعدات الإنسانية.بدء مفاوضات حول الترتيبات الأمنية اللاحقة.وبحسب المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، فإن هناك أملًا حقيقيًا في التوصل إلى اتفاق قبل نهاية الأسبوع، بينما أعربت قطر عن حذرها، مشيرة إلى أن "النقاشات لا تزال معقدة وتحتاج إلى وقت".
وفي مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز"، أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تفاؤله بقرب الاتفاق، معتبرًا أن "هناك فرصة جيدة للوصول إلى تفاهم".
من جهته، صرح رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير بأن "الظروف متوافرة للمضي في اتفاق يضمن الإفراج عن الرهائن"، مشيرًا إلى ما وصفه بـ"الإنجازات العملياتية التي أضعفت بنية حماس"، حسب تعبيره.
وتأتي هذه التصريحات بينما يزداد الضغط الإقليمي والدولي للتوصل إلى تهدئة، بعد أشهر من الحرب التي اندلعت عقب الهجوم الكبير الذي شنّته حماس في 7 أكتوبر 2023، وما أعقبه من عمليات عسكرية إسرائيلية واسعة في القطاع أودت بحياة آلاف المدنيين وتسببت في دمار هائل.
اليورانيوم الإيراني في مرمى الاستخبارات الإسرائيليةوفي ملف آخر لا يقل أهمية، كشف المصدر الإسرائيلي ذاته عن معلومات استخباراتية تؤكد بقاء اليورانيوم المخصب في المواقع النووية داخل إيران، رغم الغارات التي شنها الجيش الإسرائيلي مؤخرًا على الأراضي الإيرانية.
وأوضح أن "قبل الهجمات على إيران، كان اليورانيوم المخصب موجودًا في فوردو ونطنز وأصفهان، ولم يتم نقله"، في إشارة إلى المواقع النووية التي طالها القصف الإسرائيلي خلال جولة التصعيد الأخيرة بين البلدين.
ورغم عدم صدور رد رسمي من طهران حتى الآن، كانت تقارير سابقة قد تحدثت عن تعزيز إجراءات الأمن في تلك المنشآت عقب الضربات، وسط تحذيرات من أن أي تصعيد إضافي قد يُشعل مواجهة إقليمية لا تحمد عقباها.
وفي ظل هذه المستجدات المتسارعة، تبدو المنطقة أمام لحظة حرجة، حيث تُمثل غزة نقطة اختبار حاسمة للوساطات الدولية، فيما يُلقي ملف إيران النووي بظلاله على توازن الردع الإقليمي.
هدنة مشروطة في غزة ويورانيوم لم يغادر مكانه في إيران… معطيات تشي بأن لعبة التوازنات لم تنتهِ بعد، وأن الشرق الأوسط يكتب فصله التالي بمداد من النار والدبلوماسية.