القوة المميتة للزريقات …لسان حال ياسر العطا1
تاريخ النشر: 25th, May 2025 GMT
بقلم: محمد صالح البشر تريكو
العنصرية في السودان القديم أمر شائع ، بل موروث ثقافي له جذور عميقة ، نعت مجموعة بالغرابة ،هو لفظ يحمل دلالات تحقيرية . حاضة للكرامة ، لا توصيف جهوي عادي ، عندما ترد على لسان البحارة ،ليت العنصرية وقفت على ثنائية غرابة وبحارة لكنها ترتد ككرة في ملعب البحارة أنفسهم ، إذ يرى عرب الجعلية و الشايقية إن مكانتهم الاجتماعية أفضل من جيرانهم الرطانة (المحس والدنقالة) ،بذات القدر لا ننكر وجود عنصرية بين الغرابة بنفس المنوال .
في المرحلة الثانوية آخر التسعينيات اتيحت لي أول مرة فرصة قراءة الصحف اليومية ، فقرأت مقال في جريدة الرأي العام ،لكاتب العمود عثمان ميرغني يتحدث عن واقعة حريق شب في فندق ما وكان من بين نزلاء الفندق الاستاذ عثمان والسيد الصادق المهدي ، شَبٌه عثمان حالة الهلع والخوف وسط الناس بأنها بروفة ليوم القيامة وإنه حاول يجري مثل الناس ولكن تذكر انه جعلي ،ليعود إلى غرفته منتظر مصيره ، عثمان ما غلطان لأن آلة الدعاية الاعلامية تصور الجعلي هكذا بأنه أحمق ، كما تصور الشايقي بأنه ذكي وفي نفس الوقت تصور الغرابي بالبلادة ، بعد الفراغ من قراءة المقال حاولت التوفيق بين تصوير الجعلي في إعلام النخبة المنحدرة من الشمال النيلي وصورته في بيئتنا داخل دار الرزيقات ،إذ يعيش جلابة تجار في بعض القرى ،اشتهروا بالسلم والابتعاد أي مغامرة ، قادني التفكير في الصورتين بين جعلي الفندق وجعلي الدكان الى مشاجرة وقعت بين اثنين من الجعليين في سوق الفردوس بشرق دارفور كنت شاهد شاف أي حاجة ، عندما اشتاط أحدهما غضباً ، ينزع عمامته مهدداً بشج الاخر على رأسه مستخدم سلاح العمامة، في مشاجرة أخرى أطفأ جعلي سيجارة على ملابس آخر كأقصى فعل عدواني في حالة الغضب ،بناءً عليه ينبز أهلنا الجلابة ب(حبل القيطان لو لقيتو في الدكان يقول يعني وزيكان و في الغابة يقول ليك يابا ، أم شليخ حاميهم أكل البطيخ )
مجتمع الرزيقات يشبه مجتمعات كثيرة في السودان يتكون من ملائكة (يخشون الله في السر والعلن ) مثال عمنا دلدوم بخيت في يوم اعتدى حماره على سنبلة دخن من زرع مواطن عندما كانوا في المُنشاق ، شرق نيالا، من يومها حلف ما يركب حمار وتكفيراً عن الذنب أخذ سبعة قناديل دخن من زرعه في قريتنا وقطع مسافة 180كيلو متر حتى وصل إلى الزرع المأكول رامياً السنابل في جرن صاحب الزرع .
قابلت مواقف كثيرة مشابه ، بعد حرب 15أبريل لأناس من معارفي يرفضون السفر بعربة دبل بوكو وهو اسم يطلق على العربات المشفشفة من الخرطوم ، في ذات يوم سألتنا امرأة في محطة المواصلات يا (عيالي العربية جابوها من الخرطوم ؟) قبل دفع قيمة تذكرة السفر ،خشية من أن تسافر بالحرام.
لا ننكر وجود شياطين في مجتمعنا يخجل ابليس من أفعالهم ، ففيهم مَن يرفض الجرائم مثل السرقة والنهب والأغلبية تعامل مرتكبها باحتقار يقارب احتقارهم متعاطي التنباك .
عقب حرب الدعم السريع والجيش ، بذلت الآلة الإعلامية مجهوداً لشيطنة كل مجتمع الرزيقات بتصويره بالاجرام وانه يستحق الابادة الجماعية تدرك هذا من تلميحات في وسائل الإعلام الرسمية والابانة على مواقع التواصل بحملات تاخذ منحى الترويج .
أخطر هذه الحملة ما تسرب من رسائل القيادي الاسلاموي عمار السجاد يحرض خلالها على القتل الجماعي ، لقبيلتي الحوازمة والمسيرية لكونهما أخطر من الرزيقات وإن القتل يجب أن يشمل الأطفال ،لتطبق الكتائب الاسلامية وصية الشيخ عمار السجاد بحذافيرها عند دخول الجيش لمنطقة الحمادي بولاية جنوب كردفان .
كذلك خطابات الناجي عبدالله : تاني مافي صالح فضيل في اشارة البروف فضيل أشهر اخصائي باطنية ،تاني مافي رزيقات ،
مافي مسيرية أي يجب ابادتهم بالسلاح الكيمائي .
نواصل ......
trikobasher@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
تفريط..
نعيش بين طرفي نقيض، في كل أمور حياتنا اليومية، أحيانا «مع سبق الإصرار والترصد» وأحيانا؛ تأتي الأمور مصادفة غير محسوبة الخطى، وفي كل الحالتين، هناك تفريط لكثير مما اكتسبناه في حياتنا من تراكم العمر وخبرة الحياة، ذلك لأن النفس بقدر ما هي مسيّرة في بعض مشاريع الحياة، هي في الوقت نفسه مخيرة، وهذا التخيير هو الذي يدفعها لأن تتجاوز حدودها الآمنة، والأمن هنا؛ هو مستويات من التوازن، والمعالجة الحكيمة للأمور، والقدرة على توظيف مكتسبات الخبرة.
فالفضيلة -كما هو معروف- تقع بين طرفين؛ كلاهما رذيلة؛ وذلك لأن المبالغة في الفعل تنقل الحالة من الإفراط إلى التفريط، فالكرم؛ على سبيل المثال؛ توحي المبالغة في تقديمه إلى مستوى الإسراف، ويوحي التقصير في واجباته إلى البخل، فيتحول الكرم من كونه فضيلة من الفضائل الإنسانية الرائعة، إلى رذيلة معابة عندما يسقطه صاحبه إلى كلا الطرفين (الإسراف أو البخل) وما ينطبق على الكرم، ينطبق كذلك على الشجاعة، عندما تسقط بين طرفي: (التهور أو الجبن) وقس على ذلك أمثلة كثيرة من سلوكياتنا اليومية التي نفرط في توازنها المعتاد بسوء تقديراتنا في التوظيف.
والسؤال هنا: هل المبالغة في كل حالاتها شر؟ وهل تعكس نفسا قلقة غير قادرة على تحييد جانبيها اللذين يوصلانها إلى الإفراط أو التفريط؟ وهل هناك مساحة زمنية يمكن للفرد أن لا يقع في أحد هذين الطرفين؟ وما الذي يحدد هذه الفترة الزمنية التي توصف بـ«الفلترة» لكي يكون أحدنا على بصيرة من أمره فلا يقع في مأزق طرفي الرذيلة؟ هل تراكم الخبرة والعمر؛ هل الاستشارة؛ هل التريث وعدم الانجرار سريعا نحو ممارسة الفعل؟ هل وضع خطة مسبقة؟ أو دراسة جدوى؟ لأن الصورة في مجملها غير مرتبطة بفعل الإنسان الفرد فقط؛ وفق خصوصياته؛ وإنما يمكن أن يقع في ذلك المجموع أيضا، سواء على مستوى الجماعة في شؤون الحياة المختلفة، أو حتى على مستوى المؤسسة عندما تتبنى مشاريع غير مدروسة، فتجازف في إنشائها فتقع في خسارات مضاعفة لما يفترض أن تكون عوائد، أو تفرِّط في مكاسب مهمة؟ والإنسان بحكم ضعفه الإدراكي، يفتقد إلى الكثير من الرؤية الصحيحة أو الاستشراف السريع لها، وهذا أمر مسلم به، ولكن غير المسلم له أن يقتنع الفرد أنه على صواب في كل ما يقوم به، وما يأمر به، وهذا يحدث كثيرا بين أحضان الأسر، عندما ينفرد الأب، أو الأم في اتخاذ قرارات تهم الأسرة كلها، دون الرجوع إلى أعضائها من الأولاد، خاصة عندما يكونوا هؤلاء الأولاد على قدر معقول من خبرة الحياة، فالعودة إلى حاضنة الأسرة للمناقشة لا ينتقص من مكانة ركنيها (الأب/ الأم) أي شيء، بل يقوي من حمولتها الأسرية، ويضع الجميع في ميزان المسؤولية، وما ينطبق على الأسرة، ينطبق على المؤسسة الوظيفية، والتي توصف غالبا بـ«الميكانيكية» وليست بـ«العاطفية» ولذلك فخطأ الأسرة المغلفة بالعاطفة؛ يوجد لها مبررا في التقييم، أو خطأ المؤسسة المحاطة بالميكنة في بعديها البشري والتقني، فلا يوجد لها مبرر على الإطلاق.
غالبا؛ ما تقع القرارات الارتجالية في مأزق «المبالغة» وطرفيها النقيضين، وهي -كما هو معروف- لا تصدر من الأقل أهمية في الدور، سواء على مستوى الأسرة، أو على مستوى المؤسسة الوظيفية، وإلا أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، ولكنها تصدر من الأكثر أهمية في الدور، ومن هنا يأتي تكرار الأخطاء، ويتحمل الجميع حينها تداعيات هذه الأخطاء، وما يمعن في الإساءة أكثر في هذا الواقع، هو غياب المساءلة في كلا المؤسستين، ذلك -كما قلنا- لأن متخذها هو الأهم في الدور، والمفارقة هنا هي أن المسؤولية يتحملها الجميع، وفي مجمل ذلك تفريط عالي الخسارة.
أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عُماني