في عام 1785 ابتكر الفيلسوف الإنجليزي جيرمي بنثام ما أطلق عليه اسم "السجن المثالي"، وهو عبارة عن مجموعة من الزنازين المشيدة بشكل دائري حول برج في المنتصف داخله حارس مستتر يستطيع أن يراقب حركة المساجين دون أن يرونه، بحيث يفترض السجين طوال الوقت أن الحارس ربما يراقبه، وهو ما يضطره إلى التصرف والتعامل من هذا المنطلق بشكل دائم.

وبالمثل، يشعر الكثيرون في العصر الحالي أن طرفا ثالثا مجهولا يراقبهم باستمرار، فملايين الكاميرات التي تعمل بأنظمة الدوائر التلفزيونية المغلقة تتابعك بشكل دائم، في حين تسير وتقود سيارتك وتشتري احتياجاتك، بل إن معادلات خوارزمية تعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي تتابع نشاطك على الإنترنت ومواقع التواصل وتتعرف على اهتماماتك على مدار الساعة، ولا سيما أن بعض التطبيقات الحديثة تستطيع تحديد هويتك بمجرد الاطلاع على ملامح وجهك.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2وزير العدل التشيكي يستقيل بسبب هدية بيتكوين بـ45 مليون دولارlist 2 of 2غوغل تستأنف قرارا بشأن مكافحة احتكار البحث عبر الإنترنتend of list

ويقول اختصاصي علم النفس في جامعة كليرمونت أفيرن في فرنسا كليمنت بيليتير إن تأثير الشعور بالمراقبة يعتبر من القضايا الرئيسية التي يهتم بها علم النفس، وقد أثبت عالم النفس نورمان تربليت عام 1898 أن الدراجين يبذلون جهدا أكبر في التسابق بحضور المتفرجين.

وفي سبعينيات القرن الماضي أكدت الدراسات أن الإنسان يغير سلوكياته عندما يشعر بأنه مراقب، حفاظا على وضعه وشكله الاجتماعي.

إعلان

وكشفت أبحاث أجريت على مدار عشرات السنين أن الشعور بالمراقبة لا يغير السلوكيات فحسب، بل يتسلل إلى داخل العقل ويغير طريقة التفكير أيضا، ويؤكد باحثون أن هذه النتائج تثير مخاوف بشأن الصحة النفسية للبشر عموما.

وأثبتت التجارب أن الإنسان يستشعر بشكل فوري أن شخصا ما ينظر إليه ويراقبه، حتى في الأماكن المزدحمة، وأن هذه الخاصية تظهر في مرحلة مبكرة من العمر.

عدم ارتياح

وتشير المتخصصة في الإدراك المعرفي الاجتماعي بجامعة ووترلو في كندا كلارا كولومباتو إلى شعور بعدم الارتياح ينتاب الشخص عندما يشعر بأنه مراقب، وينعكس هذا الشعور الداخلي في بعض المؤشرات الخارجية مثل التعرق على سبيل المثال.

وأضافت كولومباتو -في حديث للموقع الإلكتروني العلمي "ساينتفك أميركان"- أنه على مستوى الوعي يتصرف الإنسان بشكل مختلف عندما يكون تحت المراقبة، حيث تصبح سلوكياته متماشية بشكل أفضل مع أعراف المجتمع، حيث تتراجع احتمالات أن يقوم الإنسان بالغش أو إلقاء النفايات في الشارع مثلا عندما يكون مراقبا.

وتعزز مثل هذه النظريات فكرة أن المراقبة تعود بالفائدة على المجتمع لمنع بعض السلوكيات الضارة مثل الجريمة، وهو ما يتفق مع بنثام بشأن "السجن المثالي".

لكن في السنوات الأخيرة وجد بعض الباحثين في علم النفس أن الشعور بالمراقبة يؤثر على الوظائف المعرفية للإنسان، مثل الذاكرة والقدرة على التركيز.

ووجدت تجربة أن المتطوعين الذين يؤدون عملا يتطلب مهارة معرفية أو استدعاء معلومات من الذاكرة يكون أداؤهم أسوأ عندما توضع أمامهم صور فوتوغرافية لأشخاص ينظرون إليهم.

واستخلص الباحثون من هذه التجربة أن النظر بشكل مباشر إلى شخص ما يؤدي إلى تشتيت تركيزه ويضعف قدرته على الأداء.

وخلصت تجارب أخرى إلى أن وظائف عقلية أخرى -مثل الإدراك المكاني أو قدرات المعالجة اللغوية- تتأثر سلبا أيضا عندما يشعر الشخص بأنه تحت المراقبة.

المراقبة تعود بالفائدة على المجتمع لمنع بعض السلوكيات الضارة مثل الجريمة لكنها تؤثر سلبا على أنماط التفكير (شترستوك) آلية "قاتل أو اهرب"

وتقول الباحثة كايلي سيمور من جامعة العلوم التكنولوجية في سيدني بأستراليا إن الشعور بالمراقبة يؤدي إلى تسريع آليات معالجة المعطيات الاجتماعية لدى الإنسان لأقصى درجة، وتنشيط غريزة حب البقاء التي تعرف باسم "قاتل أو اهرب"، وهذه الآلية لها تأثير على القدرات العقلية.

إعلان

وأوضحت سيمور -في تصريحات للموقع الإلكتروني "ساينتفك أميركان"- أن "العيون الإلكترونية" التي تنظر إلينا تؤثر على الصحة العقلية، ولها تأثير أسوأ على مرضى بعض الأمراض العقلية مثل الفصام، وقد تؤدي إلى القلق الاجتماعي، بل والشعور بالتوتر.

وأضافت "الشعور بالمراقبة الدائمة في العصر الحديث يجعلنا منتبهين إلى البيئة الاجتماعية التي نعيش فيها بشكل دائم، ومتأهبين للتفاعل".

ويسلط الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكا الضوء مجددا على نظرية "السجن المثالي" التي طرحها جيرمي بنثام، قائلا إن شعور المرء أنه تحت المراقبة أصبح متجذرا داخل الإنسان نفسه، بمعنى أنه على غرار السجين داخل الزنزانة أصبح الرجل العصري يشعر باستمرار بأنه يخضع لمراقبة خوارزميات الذكاء الاصطناعي وبرمجيات التواصل الاجتماعي وتطبيقات فك الشفرات، دون أن يعرف من الذي يراقبه على وجه التحديد.

ويرى عالم النفس كليمنت بيليتير أن الشعور الدائم بالمراقبة يؤثر على الإدراك المعرفي بطريقة لا نفهمها تماما حتى الآن.

ويوضح أن "القدرات العقلية التي تتأثر سلبا بالمراقبة هي نفس القدرات التي تجعلنا نركز وننتبه ونسترجع الذكريات"، وبالتالي عندما تجهد هذه القدرات تحت تأثير المراقبة تتراجع قدرة الإنسان على التركيز مثلا.

وأثبتت مجموعة من الدراسات أن شعور الموظف أنه يخضع للمراقبة في بيئة العمل تقلل الانتاجية، وأن الطلاب الذين يخضعون لاختبارات أمام كاميرات المراقبة يحققون درجات أقل.

وتختتم الباحثة كلارا كولومباتو حديثها قائلة "قبل 50 عاما لم يكن لدينا مثل هذا القدر من المراقبة والوصلات الاجتماعية، فنحن نعيش في سياق اجتماعي جديد لم نألفه حتى الآن، وبالتالي من المهم أن نفكر في تأثير ذلك على قدراتنا المعرفية، بما في ذلك في إطار اللاوعي لدى الإنسان".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات شفافية

إقرأ أيضاً:

اجتماع برئاسة المولد لمناقشة خطة وبرامج وزارة الشباب والرياضة

الثورة نت/..
ناقش اجتماع في صنعاء برئاسة وزير الشباب والرياضة، الدكتور محمد المولَّد، خطة الوزارة للعام الجاري 1447هـ، وبرامجها الموجهة للنشء والشباب والرياضيين.

وتطرق الاجتماع الذي ضم نائب الوزير نبيه أبو شوصاء، ووكلاء قطاعات الوزارة، ومساعديهم، والمستشارين، ومدراء العموم، إلى محددات العمل وفق الأولويات المعتمدة، بما يضمن تكامل الجهود وتنفيذ المهام المرسومة بكفاءة وفاعلية خلال الفترة المقبلة.

واستعرض المجتمعون الأداء في القطاعات والهيئات التابعة للوزارة خلال الفترة الماضية، وتقارير الإنجاز والتوصيات الصادرة عن الأجهزة الرقابية، وأبرز التحديات التي تواجه سير العمل، وآليات معالجتها بما يكفل الارتقاء بالعمل المؤسسي.

كما استعرض الاجتماع عدد من التوصيات، أبرزها معالجة الإشكاليات الإدارية والمالية وفق الإمكانيات المتاحة، وتعزيز التنسيق بين قطاعات الوزارة ومكاتبها في المحافظات، وتفعيل برامج الرقابة والمتابعة المستمرة، والتركيز على تنفيذ برامج شبابية ورياضية نوعية تستهدف النشء والشباب وتفعِّل دورهم، وتحميهم من مخاطر الانحراف والاستهداف الثقافي والفكري، وتوسيع برامج التأهيل وبناء القدرات، وإعداد التقارير الدورية عن مستوى التنفيذ والمعالجات اللازمة.

وفي الاجتماع أكَّد وزير الشباب والرياضة أهمية تكثيف الجهود، واستشعار المسؤولية، واستنهاض الطاقات للإيفاء بالمهام الموكلة للوزارة وكل هيئاتها التابعة، بما يسهم في تطوير الأنشطة والبرامج الشبابية والرياضية، وتعزيز دور الأندية والاتحادات في رعاية النشء والشباب وتنمية المواهب وتوسيع قاعدة المشاركة المجتمعية.

وشدد على ضرورة الالتزام بالخطة المعتمدة، ومواكبة المستجدات، لتحقيق الأهداف الوطنية، لافتًا إلى أن القيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى تولي اهتمامًا خاصًا بالنشء والشباب، باعتبارهم ركيزة أساسية لبناء المستقبل.

من جهته أشار نائب الوزير إلى الجهود المبذولة في عملية التواصل مع الجهات المعنية من أجل استخراج المخصصات المالية اللازمة للعمل الشبابي والرياضي، مؤكدا أهمية تكامل الجهود بين مختلف القطاعات والإدارات واستكمال اللوائح الخاصة بالأكاديميات والمراكز الرياضية وتفعيل التنسيق مع مكاتب الوزارة في المحافظات، بما يسهم في تسريع وتيرة الإنجاز وتحقيق الأهداف المرسومة للمرحلة المقبلة.

مقالات مشابهة

  • للتخسيس وإنقاص الوزن.. إليكم أطعمة تُطيل الشعور بالشبع
  • “الغرب المتحضر.. حين يتحول الذئب إلى واعظ عن حقوق الإنسان!”
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: الإدارة السورية الجديدة بقيادة الرئيس الشرع تعمل بشكل متواصل لحل جميع المشكلات التي تواجه الشعب السوري، وخاصة الاقتصادية منها، بهدف دفع عجلة التنمية وتحسين نوعية حياة المواطنين
  • الذكاء الاصطناعي.. أداة للتمكين أم بديل يُضعف التفكير؟
  • «إثراء» اختتام ملتقى تعزيز مهارات التفكير لدى الطلاب
  • أسعار وبرامج العمرة بالموسم الجديد 1447 هـ - 2026
  • اجتماع برئاسة المولد لمناقشة خطة وبرامج وزارة الشباب والرياضة
  • بطاقة لكل عبوة.. مصدر يكشف موعد تطبيق منظومة التتبع الدوائي
  • دراسة رائدة تكشف عن السبب الذي يجبر الدماغ على النوم
  • شعور لا مفر منه في الحياة يهدد حياة الملايين بالموت المبكر