(1) فى آخر لقطة من خطابه اليوم (1 يونيو 2025م) ، أخذ دكتور كامل ادريس رئيس الوزراء بيده اليسرى ما اعطاه بيده اليمنى ، فالرجل الذى دعانا – طيلة 12ق – إلى المدارسة والحوار انهى خطابه بالقول (هذه خطتي) و (هذه الآليات) ولوح بكتابه (مستقبل السودان) ، هذه الإشارة وإن بدت شكلية ، فانها فى حقيقة الأمر أبعد من ذلك ، وما لم يفصح عنه بالقول فهو مدون فى كتابه ذاك.

. وما تم دعوتنا للنقاش حوله هو محسوم سلفاً..

وخطاب دكتور كامل ادريس هو أول خطاب رسمي تضمن مقتطفاً بلغة أجنبية (انجليزية وفرنسية) ، وهذا استدعاء آخر لدور أكبر للمجتمع الدولي ومنظماته ولا ارى غضاضة فى ذلك ، لكن الخطابات الرسمية لها سمت معين ومتعارف عليه ، وهناك وسائل متعددة لإبلاغ الرسائل للآخرين..
هذه قراءات ما وراء النصوص المسموعة والمقروءة..
وقبل أن نسترسل أكثر فى هذا التحليل نتوقف على نقاط عامة:
– اتسم الخطاب بلغة بسيطة خالية من التنميق أو التنطع..

– خاطبت المؤسسات المعنية دون تجاوز أو تغافل (وكان حريصاً) فيما يبدو فى الإشارة للجميع ، من مجلس السيادة الانتقالي والاجهزة العسكرية وحتى المستنفرين والمنفقين ، وليته خص الاجهزة التنفيذية بالتحية (الوزراء والولاة ).
– وفق فى تحديد التحديات الراهنة من الأمن الوطنى وهيبة الدولة والعدالة وتوفير الخدمات الاساسية المواطن وتعظيم الانتاج..الخ
والخطاب فى عمومه جيد ووثيقة مهمة وإن شابها بعض النقص..
(2)
ثلاث نقاط مهمة غابت فى خطاب رئيس الوزراء دكتور كامل ادريس ..

واولها : توصيف دقيق وتعريف لمهام حكومته (المدنية – الانتقالية) ، وبما ان كتابه تضمن كثيراً من التفاصيل ، فمن نافلة القول الإشارة إلى رد الأمر للشعب ، من خلال انتخابات شفافة ونزيهة ، ويتطلب ذلك سلسلة ترتيبات قانونية ومؤسساتية وادارية ، وهذه النقطة تحديداً هى (الميس) التى يتلاقى فيها د.كامل ادريس مع القوى السياسية ، ولذلك لابد من تضمينها بوضوح ووفق مدى زمني .. إن الحديث عن الانتخابات قضية جوهرية ومهمة لا يمكن الغفلة عنها.. وهى التعبير الحقيقي عن مفهوم (الانتقال الديمقراطي)..

وثانيها : الاهتمام بالدور المؤسساتي والمهني ، فقد التمست من خلال متابعة الخطاب إفتقاره الى (سمات احترافية) توفرها مرجعيات الخدمة المدنية ، ومثلاً :
– افتقر الخطاب كلياً الإشارة إلى مؤسسات المجتمع المدني والأهلى والشرائح الاجتماعية (الشباب والطلاب والنساء والجمعيات الطوعية والانسانية) ، وهذه نقطة ذات وقع فى بعض المجتمعات..

– التماسك فى عرض القضايا ، والانتقال من فقرة إلى اخرى بسلاسة ، لدرجة إستخدام رئيس الوزراء يديه لإكمال الشرح..
– لم ألتمس تعبيرات ومشاعر خلال الخطاب ، مع أن طريقة عرضه تبدو كأنها إرتجالية ، لكن نبرات صوته ظلت ذاتها وملامح وجهه..
وهكذا..
ولذلك ليس ضرورياً أن تكون صاحب رؤية متكاملة أو صاحب قلم مجيد لتكون كاتباً لخطابات رسمية..
وثالث النقاط : هو إعتماد الكفاءة فى الإختبار ، وهى بالتأكيد أساس العدالة ، لقد تم (تشويه) لمفهوم الكفاءات عندما دفعت بعض القوى السياسية – بعد التغيير فى 2019م بعض كوادرها إلى قيادة العمل التنفيذي تحت غطاء (كفاءات وطنية) وكانت الحصيلة كارثية..
ولا أظن انها بعيدة عن ذهن رئيس الوزراء ، لكن بعض القول ينسى آخر..

(3)
ترى كيف ستكون اجندة اليوم الأول ل(دولة رئيس الوزراء ) ؟ هذا هو المقياس العملى لتلك الاقوال المنثورة والاحاديث المبثوثة والكتب الانيقة..
ودعونا هنا – نسوق – بعض المقترحات:
أولا: ارجو ان تبتعد فى هذه الأيام عن أى حديث عن تشكيل الحكومة والوزارات ، وان تنغمس كلياً فى قضايا الخدمات (الصحة ، و الكهرباء ، والمياه والتعليم..).. هذه ستعطيك صورة مختلفة عما يدور بخلدك.. ويمكنك بعد ذلك النظر فى خياراتك والمقترحات المقدمة لك ..
وثانياً: النظر فى مؤسسات العدالة وانفاذ القانون ، واكمال بقية المؤسسات وعلى راسها المحكمة الدستورية ومجلس القضاء العالى ، وتحرير هذه المؤسسات من حالة الجمود إلى الفاعلية..
وثالثاً: الوقوف ميدانياً على التحديات الوطنية الراهنة فى قضايا الوطن ، وتسجيل زيارة ميدانية تبدأ من ميناء بورتسودان ومن هناك إلى عطبرة والخرطوم (القيادة العامة وبعض المواقع العسكرية) والعودة مروراً بجبل اولياء إلى مدنى ، للوقوف على التضحيات التى قدمها هذا الشعب ، وشبابه ، وما يتطلب الأمر من الهمة الوطنية..
– ثم بعد ذلك الاجتماع مع وزراء الانتاج ووضع التدابير اللازمة للنهوض..
تلك نقاط عاجلة ومؤانسة فى خطاب رئيس الوزراء..
د.ابراهيم الصديق على
1 يونيو 2025م

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: رئیس الوزراء کامل ادریس

إقرأ أيضاً:

بين خطاب رئيس الجمهورية وتمسّك حزب الله بالسلاح.. هل دخل لبنان مسار المواجهة الداخلية؟

أطلق الرئيس اللبناني جوزاف عون مواقف غير مسبوقة حيال سلاح حزب الله، ودعا إلى تسليمه "اليوم قبل الغد" باعتباره خطوة أساسية لبناء الدولة وترسيخ سيادتها. اعلان

من وزارة الدفاع، وفي مناسبة عيد الجيش، أطلق الرئيس اللبناني جوزاف عون مواقف تحمل دلالات تتجاوز الإطار الرمزي. لم يكن خطابه استذكارًا تقليديًا لتضحيات المؤسسة العسكرية، بل إعلان موقف واضح يتعامل مع قضية سلاح حزب الله باعتبارها مدخلًا لبناء الدولة، لا مجرد تفصيل أمني.

الرئيس اللبناني لم يكتفِ بالتنويه بدور الجيش في الجنوب، بل أرسل نداءً مباشرًا وصريحًا إلى "حزب الله وسائر الأطراف اللبنانية" من أجل تسليم السلاح "اليوم قبل الغد"، مؤكدًا أن "الحرص على حصرية السلاح ينبع من الحرص على تحرير الأراضي وبناء الدولة".

وقد تكون هذه المرة الأولى التي يخرج فيها رئيس البلاد بموقف بهذا الوضوح تجاه ملف بهذا الحجم، دون الاختباء وراء العبارات التقليدية أو المعادلات الرمادية.

قد تكون هذه المرة الأولى التي يخرج فيها رئيس البلاد بموقف بهذا الوضوح تجاه ملف بهذا الحجم، دون الاختباء وراء العبارات التقليدية أو المعادلات الرمادية.

لكن رغم هذا الكلام الصريح، تبقى تساؤلات معلقة حول قدرة الدولة فعلًا على ترجمة هذه الرؤية إلى واقع. فالجيش لا يمتلك القدرة العملانية لردع أو التصدي للضربات الإسرائيلية المتواصلة، وهو أمر يدركه القاصي والداني، بمن فيهم الرئيس نفسه.

إذ إن آلاف الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار منذ تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، لم تُقابل برد لا من الدولة اللبنانية، ولا من الجهات الدولية المعنية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي غالبًا ما اكتفت بالتغطية السياسية لتلك الممارسات.

قراءة حزب الله: إسرائيل تنتظر نزع السلاح لتتوسع

في المقابل، لم يتأخر حزب الله في تثبيت موقعه من النقاش، وإن كان ذلك قبل كلمة عون بيوم واحد. ففي 30 تموز/يوليو، أطل الأمين العام للحزب نعيم قاسم بمواقف بدت وكأنها تستبق كل طروحات الدولة، من خلال تحذيره الصريح من أن "العدو ليس متوقفًا عند النقاط الخمس المحتلة وينتظر نزع سلاح المقاومة ليتوسع ويبني مستوطناته".

هذا التصريح يكشف أن الحزب يرى في النقاش الداخلي حول السلاح، وتحديدًا الدعوات لتسليمه، مقدّمة لخطر وجودي، لا لتسوية وطنية. فبحسب قاسم: "الأولوية ليست لحصرية السلاح"، وقالها بوضوح: "السلاح ليس أولى من إعادة الإعمار ووقف العدوان. أوقفوا العدوان والاعتداءات وحرروا الأسرى وبعدها خذوا منّا أحسن نقاش".

وأضاف: "كل من يطالب اليوم بتسليم السلاح داخليًا أو خارجيًا أو عربيًا هو يخدم مشروع إسرائيل". هذه العبارة، تضع كل دعوة لتسليم السلاح في خانة التشكيك، وربما التخوين، مهما كانت الجهة التي تطلقها.

كلام أمين عام حزب الله يضع كل دعوة لتسليم السلاح في خانة التشكيك، وربما التخوين، مهما كانت الجهة التي تطلقها.

من هنا، لا يُخفي الحزب اقتناعه بأنه سبق أن قدّم تنازلات جوهرية حين سلّم سلاحه في جنوب الليطاني التزامًا باتفاق وقف إطلاق النار، ويرى أنه في ظل غياب أي ضمانات حقيقية، فإن هذا أقصى ما يمكن أن يُقدَّم في المرحلة الحالية.

الحزب يقرأ التطورات على أنها تراكمية، من تصعيد الجانب الإسرائيلي إلى التغطية الأميركية، إلى تنامي المجموعات المسلحة في سوريا القريبة من الحدود، وكل ذلك يجعله يعتبر أن التسليم الكامل للسلاح غير مطروح، في المدى المنظور.

الغطاء الدولي يتبدل: من المراوحة إلى الضغط العلني

الموقف الأميركي الأخير، الذي عبّر عنه المبعوث الخاص إلى سوريا ولبنان توماس باراك، لا يقلّ أهمية عن المواقف الداخلية. فباراك لم يكتفِ هذه المرة بالدعوة إلى احترام مبدأ حصرية السلاح، بل ذهب أبعد، حين اعتبر أن "الاحتفاظ بالسلاح خارج إطار الدولة يجعل الكلمات غير كافية"، مضيفًا: "على الحكومة وحزب الله التحرك الفوري لتجنب حالة الجمود".

الأهم أن باراك أشار بوضوح إلى أن موضوع السلاح بات "شأنًا داخليًا"، وهو توصيف يفتح المجال لتفسير بالغ الخطورة: الدفع غير المباشر نحو تحميل الدولة ـ وتحديدًا الجيش والمؤسسات الأمنية ـ مسؤولية تولّي هذا الملف، بمعزل عن حوار أو توافق وطني شامل.

Related "اليوم قبل الغد".. الرئيس اللبناني يدعو حزب الله لتسليم سلاحه للجيش ويحذر من حروب الآخرين "العبثية"الجيش الإسرائيلي يُعلن تفاصيل أنشطته العسكرية في لبنان.. ومصادر رويترز: حزب الله يرفض تسليم سلاحهالأمين العام لحزب الله: كل من يطالب بتسليم السلاح يخدم "المشروع الإسرائيلي"

وفي موازاة ذلك، لم يترك باراك شكًا في حقيقة الموقف الأميركي من التوازنات القائمة، حين أعلن صراحةً عدم قدرة واشنطن على تقديم الضمانات التي يطلبها لبنان، بالقول: "ليست لدينا أجوبة عن كل الأسئلة... ولا نستطيع إرغام إسرائيل على فعل أي شيء".

هذه التصريحات تكشف بوضوح أن لا جهة قادرة فعليًا على وقف الضربات الإسرائيلية، وأن المجتمع الدولي، بزعامة واشنطن، أقرب إلى دور الوسيط المنحاز إلى إسرائيل منه إلى الضامن الحازم.

وهو ما يعزز وجهة نظر حزب الله، وفق مراقبين، بأن نزع سلاحه في هذه الظروف هو بمثابة "مغامرة انتحارية"، خصوصًا أن الأخطار لا تأتي فقط من إسرائيل، بل أيضًا من واقع إقليمي مضطرب، لا سيما بعد تصاعد التهديدات على الحدود مع سوريا في الآونة الأخيرة.

اختبار السلطة التنفيذية: الحكومة أمام مفترق الخيارات

وسط هذا التصعيد في الخطاب السياسي والدبلوماسي، تتوجه الأنظار إلى مجلس الوزراء الذي سينعقد الأسبوع المقبل، لبحث مسألتين مترابطتين: استكمال البحث في تنفيذ البيان الوزاري في شقه المتعلق ببسط سيادة الدولة على جميع أراضيها بقواها الذاتية حصراً، من جهة، والترتيبات الخاصة بما يُسمى "وقف الأعمال العدائية".

النقاش الوزاري لن يكون نظريًا. إذ إن ورقة الأفكار التي حملها السفير باراك تتضمّن بنودًا ترتبط عضوياً بدور حزب الله وسلاحه، وبالتالي، فإن الحكومة أمام مفترق خيارات حقيقي: إما التقدم في خطوات عملية تؤكد التزامها بمبدأ حصرية السلاح، أو الحفاظ على التوازنات الداخلية وتجميد المسار مجددًا.

لكنّ أي خيار من هذين يحمل كلفة باهظة، فالتقدم سيعتبره الحزب استهدافًا مباشرًا له، بينما التجميد قد يُنظر إليه دوليًا على أنه عجز في القرار السيادي. وهنا تكمن المعضلة التي ستواجه رئيس الحكومة نواف سلام وفريقه الوزاري.

سيناريو الصدام

في ظل هذه المواقف المتضادة، والتباينات العميقة حول توصيف وظيفة السلاح وحدوده، تطرح الأسئلة نفسها بحدة: ماذا لو قررت الدولة اتخاذ إجراءات ميدانية تحت عنوان بسط سلطتها؟ وهل المؤسسة العسكرية مستعدة فعليًا لتحمّل عبء هذا التحوّل؟

السؤال الأكبر: هل يملك لبنان اليوم القدرة على تحمّل صراع داخلي جديد، ولو على شكل اشتباك سياسي حاد أو أزمة حكم؟ خاصة أن السياق الإقليمي لا يمنح لبنان أي هوامش إضافية للمناورة، كما أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي لا يحتمل ارتجاجًا إضافيًا في بنية الدولة.

الواقع أن خطاب الرئيس عون، بما حمله من وضوح سياسي ومباشرة، يؤسس لمسار مختلف في مقاربة الدولة للسلاح. وهو خطاب يمكن البناء عليه ضمن إطار حوار وطني جامع، إن كانت النية فعلًا هي الانتقال من التعايش الهشّ إلى تنظيم العلاقة بين الدولة وما يُسمى داخليًا بفريق "المقاومة" الممثل بحزب الله.

في المقابل، فإن تمسّك الحزب بسلاحه لم يتغير، بل تأكد مرة أخرى بعبارات قاطعة، لا تترك مساحة لتنازلات أو تسويات ما لم تتغير المعادلات الخارجية، وعلى رأسها استمرار "العدوان الإسرائيلي وغياب أي ضمانات فعلية للأمن" وفق تعبير أمين العام.

في المحصلة، ما بين الخطابين يقف لبنان اليوم في منطقة رمادية: لا هو في مسار حسم، ولا هو في حالة استقرار. وأي تحرك غير محسوب قد يؤدي إلى كسر هذا التوازن، وفتح البلاد على مرحلة شديدة الحساسية والخطورة.

فهل نذهب إلى حوار ناضج يؤسس لمعادلة وطنية جديدة؟ أم أن البلاد مقبلة على مواجهة مؤجلة، تبدأ من السياسة، ولا يعرف أحد أين تنتهي؟

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • غياب الاستراتيجية الدفاعية رسالة صامتة في خطاب عون
  • رئيس «الوطنية لـ الانتخابات»: انتخابات مجلس الشيوخ ستجرى تحت إشراف قضائي كامل
  • كامل ادريس والاعيسر ووالي البحر الأحمر يتفقدون مركز بورتسودان لغسيل الكلى
  • بين خطاب رئيس الجمهورية وتمسّك حزب الله بالسلاح.. هل دخل لبنان مسار المواجهة الداخلية؟
  • كتاب يعيد قراءة سقوط الدولة الأموية وصعود العباسيين
  • كامل إدريس يصدر قرارا بالاست
  • كامل إدريس يدعو الاتحاد الإفريقي للتعامل مع رفع تعليق عضوية السودان كحق مكتسب وبحيادية
  • وفد من الكتلة الوطنيّة زار عون: دعم كامل للبدء بتنفيذ خطاب القسم
  • كامل إدريس: السودان لا يموت.. لن ننتظر المعجزات بل سنصنعها بأيدينا وعقولنا
  • خالد أبو بكر عن خطاب الرئيس السيسى : عبّر عن كل مصري واعٍ ومُدرك لتحديات الأمن القومي