د. أحمد بن علي العمري

 

كثيرًا ما يخلط الناس بين الشورى والديمقراطية، وهناك من يعتبرهما وجهين لعملة واحدة، وحتى يوجد من يدمج بينهما ليتعامل معهما كخلطة لمنتج واحد يمكن تركيبه على أي مجتمع وتنفيذه في واقع حياة الناس ومصيرهم وشؤون أمورهم، ولكننا إذا بحثنا بشيء من التأمل والتركيز والإدراك فسوف نجد اختلافًا واسعًا إن لم تكن فجوة كبيرة.

وللتوضيح، يتوجب أن نعرف الآتي: أن الشورى والديمقراطية مفهومان سياسيان يتعلقان بمشاركة الناس في اتخاذ القرار، لكنهما يختلفان تمامًا في الجذور الفكرية والتطبيق، إذ إن الشورى منهج إسلامي يقوم على التشاور بين الحاكم والمحكوم أو حتى بين أفراد المجتمع لاتخاذ القرارات في الأمور العامة، حيث قال ربنا سبحانه وتعالى: "وشاورهم في الأمر" (آل عمران: 159)، وقال كذلك: "وأمرهم شورى بينهم" (الشورى: 38)، صدق الله العظيم.

فالشورى هنا لا تلزم الحاكم برأي الأغلبية دائمًا، وإنما هي استشارة يستفيد منها ولي الأمر، وقد توضح له بعض التوجهات غير الواضحة أو غير المدركة، وهي تقوم على القيم الإسلامية السمحة مثل العدل والمسؤولية أمام رب العالمين، وهي لا تشترط نظامًا انتخابيًا معينًا بحد ذاته، بل تختلف تطبيقاتها حسب الأوضاع، وتاريخيًا كما حدث في تشاور الخلفاء الراشدين مع الصحابة.

بينما نجد أن الديمقراطية نظام مستورد ودخيل على الأمة العربية والإسلامية، فهو نظام سياسي غربي يقوم على حكم الشعب عبر انتخابات حرة ومباشرة، وفيه فصل السلطات وحماية الحريات الفردية، حيث إن القرارات تتخذ عبر التصويت، وفي الغالب تكون على حساب الأقليات في المجتمع، كما أن السيادة هنا للشعب وليس للدين، ولا حتى للتقليد المعروف والمتفق عليه بين الناس عرفيًا، وغالبًا ما تقترن بالليبرالية، وهي حرية التعبير والمساواة والعلمانية.

ولمزيد من التوضيح، يجب أن نعرف التالي: المصدر في الشورى هو الوحي الإسلامي، بينما في الديمقراطية هو الفكر الغربي، ومن حيث الهدف، فالشورى تحاول تحقيق العدل الشرعي، وعند الديمقراطية هو حكم الأغلبية، أما عن الالتزام، فالشورى تلتزم بالشريعة الإسلامية أولًا، وعند الديمقراطية نجدها تعتمد على القوانين الوضعية في غالب الأحيان، وفي مجال الحرية، نرى أن الشورى تؤمن بها وتطبقها ضمن حدود الشرع، بينما عند الديمقراطية فهي مطلقة ولا مجال محدد لها غالبًا.

وعليه، فإنه يتضح لنا جليًا أن الشورى نطاق إسلامي مرن للتشاور مع الالتزام بالشرع، بينما الديمقراطية نظام غربي بحت يقوم على الأغلبية والعقد الاجتماعي، ولقد رأينا في الأحقاب الزمنية الأخيرة من حياة الناس أن بعض الدول تدمج بينهما، مثل ما يحصل في دول إسلامية عدة مع احتكامها للشريعة.

وعندما نقول إن الشورى إسلامية، فإننا نقصد الشورى المعتدلة، فلا غلو في الدين، والدين الإسلامي هو دين السلام والتسامح والتعايش والقبول بالغير، فلا يمكن أن يكون شخص جماعة من عشرة أفراد مثلًا وينصب نفسه أميرًا عليهم ويأمرهم بطاعته، فهذا ليس من الدين في شيء، وهؤلاء هم من كرهوا العالم في الإسلام وخلقوا مسمى لم تعرفه الإنسانية من قبل عبر التاريخ "الإسلاموفوبيا".

إنما الإسلام هو الدين السمح المعتدل الراقي الذي يبان عليه الوقار والاعتدال، ونحن في سلطنة عُمان، كما يقول النشيد الوطني العُماني: "يا عُمان نحن من عهد النبي". ومنذ أن دخل الإسلام مازن بن غضوبة، وهو أول من أسلم من أهل عُمان، فقد أسلم العُمانيون بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يروه، وعندما وفدوا لمقابلته، فقد رأى فيهم الوقار ونظافة الملبس وحسن الخلق والأخلاق، فسألهم: من أين أنتم؟ فقالوا له: من عُمان. والقصة المعروفة لدى الجميع، فقد أخذوا منه خمسًا واتفقوا على خمس، وباركهم على خمس من سجاياهم وتقاليدهم وأعرافهم.

ومنذ ذلك الحين، وعُمان تطبق نهج الشورى، سواء كان ذلك في البرزة التاريخية التي عرفت بها عُمان، وهي المجلس السياسي والاستشاري، أو السبلة، وهي المجلس الاجتماعي العُماني المعروف، والآن في مجلس الشورى المنتخب بكامله إلى يومنا هذا.

وإيمانًا بأن عُمان تعلم أن كلمة الدستور ليست عربية الأصل، فقد ارتأت أن يكون نظامها والمرجع الرئيسي لها هو النظام الأساسي للدولة وليس بأي مسمى مستحدث آخر، وهكذا هي عُمان في منهجها ودقة اختيار مراجعها وصائبها وصوابها، وحتى كلمة البرلمان الناشئة من الخلفية الفرنسية، فلم تستخدمها سلطنة عُمان في أي من مجلسيها، والتي أطلقت عليهما مجلس عُمان بضفتيه الدولة والشورى.

لقد رأينا ما فعله ما يسمى بـ"الربيع العربي" بالدول التي ترفع شعارات الديمقراطية الجوفاء المستوردة، بينما لم تتأثر به الدول التي تميل إلى الشورى في توجهاتها، وحتى من يدعون النظام الدستوري، نهمس في آذانهم بأن هذا النظام ليس عربيًا ولا حتى إسلاميًا، ويتوجب علينا جميعًا الحفاظ على المبدأ الإسلامي الأصيل؛ حيث قال الله تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه".

ونبقى فيما اتفقنا عليه، الإسلام المعتدل المتسامح المتعايش المتصالح، وربنا يهدي الجميع.

وأخيرًا، فإنني على يقين تام بأنه لو أقيم استفتاء في سلطنة عُمان، فإن الأغلبية الساحقة سوف تتوجه للمنهج الشورَوِي، لأن هذه سجية العُمانيين وعادتهم وعاداتهم منذ الأزل.

حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

دعاء النبي عند رؤية هلال شهر صفر.. تعرف عليه وردده

دعاء النبي عند رؤية هلال شهر صفر.. يحل علينا اليوم أول أيام شهر صفر، حيث كشف مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، عبر صفحته الرسمية على فيس بوك، عن دعاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال.

دعاء النبي عند رؤية هلال شهر صفر

قال الأزهر للفتوى، إن التبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: «اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله، هلال رشد وخير» [أخرجه الترمذي].

حكم التشاؤم من شهر صفر وغيره من الأيام أو الشهور.. الإفتاء تجيبدعاء الحر الشديد والرطوبة .. اللهم قنا عذاب نار جهنم وزمهريرهاكيف أستيقظ لصلاة الفجر ؟.. نصائح من الإفتاءشيخ الأزهر يعلق تهنئة أوائل الثانوية ويلغي مؤتمر إعلان النتيجة تضامنا مع غزةدعاء بداية شهر صفر«اللهُم اجعله شهرًا لا يضيق لنا فيه صدر، ولا يخيب لنا فيه أمر، ولا يرد لنا فيه دُعاء».«اللهُم احفظ لنا من نحب، وبشرنا بما يسر، وحقق لنا ما نتمنى.. يا رب العالمين».«اللهُم إنا نستودعك شهر مضى من عمرنا بأن تغفرها لنا، وترحمنا وتعفو عنا وأن تُبارك لنا في أيامنا القادِمة، وتصلح أنفسنا وتُيسر أمرنا».«اللهم مع بداية الشهر الجديد اكتب لنا الخير فيه واجعله ختام لأحزاننا وبداية لحياة جديدة مليئة بالسعادة».«اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ.».«اللهم يا دافع البليات، ويا كاشف الكربات، ويا غافر الزلات، ويا مقيل العثرات، أقل في هذا الشهر الجديد عثراتنا، وارحم زلاتنا، واكشف كرباتنا، وكفر عنا سيئاتنا، يا من يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات».اللهم ارزقنا الخير كلّه عاجله، وآجله، ما علمنا منه، وما لم نعلم.اللَّهم ارزقني علمًا نافعًا ورزقًا واسعًا وشفاءً من كل مرض وداء.اللَّهم إني أسألك الصّبر عند القضاء ومنازل الشهداء وعيش السعداء والنّصر على الأعداء ومُرافقة الأنبياء.«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي، وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَارْفَعْنِي».«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الأَعْظَمِ، الَّذِي إِذَا دُعِيتَ بِهِ أَجَبْتَ، وَإِذَا سُئِلْتَ بِهِ أَعْطَـيْتَ، أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشُهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، الأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يَولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ؛ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي، إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.».«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي، وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَارْفَعْنِي».«رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي». «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».«اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ».«اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكِ مِنَ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بكِ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بكَِ أَنْ أُرَدَّ إلِى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ».«اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ».« اللَّهُمَّ اغْسِلْ عَنِّي خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ».بيان الإفتاء المصرية حول رؤية هلال شهر صفر لعام 1447هـ

استطلعَت دارُ الإفتاءِ المصريةُ هلالَ شهرِ صفر لعام ألفٍ وأربعمائةٍ وسبعة وأربعين هجريًّا بعد غروب شمس يوم الخميس الماضى الموافق التاسع والعشرين من شهر المحرم لعام ألفٍ وأربعمائةٍ وسبعة وأربعين هجريًّا،والرابع والعشرين من شهر يوليو لعام ألفين وخمسة وعشرين ميلاديًّا بواسطة اللِّجان الشرعيةِ والعلميةِ المنتشرةِ في أنحاء الجمهورية.


وقالت: قد تحقَّقَ لدينا شرعًا من نتائج هذه الرؤية البصرية الشرعية الصحيحة عدمُ ثبوتِ رؤية هلالِ شهر صفر لعام ألفٍ وأربعمائةٍ وسبعة وأربعين هجريًّا.


وبناء على ذلك أعلنت دارُ الإفتاءِ المصريةُ أن يومَ أمس الجمعة الموافق الخامس والعشرين من شهر يوليو لعام ألفين وخمسة وعشرين ميلاديًّا هو المتمم لشهر المحرم لعام ألف وأربعمائة وسبعة وأربعين هجريًّا، وأن اليوم السبت الموافق السادس والعشرين من شهر يوليو لعام ألفين وخمسة وعشرين ميلاديًّا هو أول أيام شهر صفر لعام ألف وأربعمائة وسبعة وأربعين هجريًّا.


وتقدمت بهذه المناسبةِ الكريمةِ بخالص التهنئة لفخامة الرئيس/ عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، ونتمنى له دوام الصحة والعافية، كما نتقدمُ بخالص التهنئة للشعب المصري الكريم، ولجميع رؤساءِ الدولِ العربيةِ والإسلاميةِ وملوكِها وأمرائِها وللمسلمين كافةً في كُلِّ مكان، داعين اللهَ سبحانه وتعالى أن يُعيدَ على مصرَ وعليهم جميعًا أمثالَ هذه الأيامِ المباركةِ باليُمنِ والخيرِ والبركات والأمنِ والسلام، وهو نعمَ المولى ونعمَ النصير.

طباعة شارك هلال شهر صفر شهر صفر صفر أول أيام شهر صفر دعاء النبي عند رؤية هلال شهر صفر دعاء بداية شهر صفر الإفتاء بيان الإفتاء المصرية رؤية هلال شهر صفر

مقالات مشابهة

  • السودان بيضة من ذهب
  • كان الرسول اذا اشتد عليه أمر فعل هذا العمل.. اغتنمه
  • دعاء النبي عند رؤية هلال شهر صفر.. تعرف عليه وردده
  • خطيب الجامع الأزهر: الإسلام أولى الوقت والزمان عناية فائقة.. فيديو
  • من صور التمكين في السيرة النبوية
  • الإمام زيد وإحياء فريضة الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
  • عالم بالأوقاف: إدارة الوقت في الإسلام فريضة إيمانية وليست رفاهية دنيوية
  • كيف نتعلم إدارة الوقت؟ أيمن أبو عمر يجيب
  • الشيخ خالد الجندي: مساعدة الناس عبادة.. والدنيا ثمَن للآخرة
  • تأملات قرآنية