الدبلوماسية العراقية تتعثر في دهاليز المحاصصة
تاريخ النشر: 3rd, June 2025 GMT
3 يونيو، 2025
بغداد/المسلة: تمادت المحاصصة الحزبية في كتم أنفاس الكفاءة داخل دهاليز الخارجية العراقية، حتى بات منصب السفير لا يُمنح إلا لمن يجيد لغة الولاء لا لغة الدبلوماسية.
واستمرّت الكتل السياسية في تقاسم التمثيل الخارجي كما لو كان غنيمة، فتقاسمت العواصم العالمية على قاعدة “لك باريس ولي طوكيو”، بينما تراجعت سمعة العراق في محافل كان يمكنه أن يستثمر فيها عمقه التاريخي وموقعه الجيوسياسي.
وانكشف هذا المسار أكثر بعد التصريحات الأخيرة لعضو لجنة العلاقات الخارجية، حيدر السلامي، التي رسمت ملامح انسداد جديد في ملف ترشيح السفراء، معترفاً بأن لا أمل يُرجى من قائمة مهنية ما دامت الأحزاب تُصرّ على فرض مرشحيها، ولو على حساب صورة العراق في الخارج.
وارتفع عدد المواقع الدبلوماسية الشاغرة إلى أكثر من 35 سفارة وقنصلية حول العالم، بعضها في دول كبرى مثل ألمانيا واليابان، وسط شلل إداري واضح في التعاطي مع الشؤون العراقية هناك، بحسب تقرير لوزارة الخارجية نشر مطلع أيار 2025.
وكرّرت الوزارة محاولاتها لتمرير قائمة من 80 مرشحاً، نصفهم من موظفي السلك الدبلوماسي ونصفهم الآخر مدعومون حزبياً، لكن كل مرة كانت تعود القائمة إلى الأدراج بسبب “حرب الأسماء”، كما وصفتها تغريدة للنائب علاء الركابي بتاريخ 18 نيسان الماضي، التي قال فيها إن “الدبلوماسية العراقية تُدفن تحت أسماء لا تتقن حتى قواعد الإملاء”.
واستُحضرت في ذاكرة الشارع العراقي حادثة 2013 حين تم تعيين أكثر من 60 سفيراً دفعة واحدة وفق صفقة سياسية بحتة، ما أدى إلى إقالة بعضهم لاحقاً بعد تسريب وثائق تورّطهم بملفات فساد أو ضعف أداء.
وتكرر السيناريو ذاته عام 2019، حين تعطلت عملية استكمال تعيين 28 سفيراً لمدة تزيد عن عام كامل بسبب خلافات بين الكتل الكردية والشيعية حول توزيع العواصم المؤثرة، الأمر الذي أحرج العراق أمام المجتمع الدولي، خاصة في جلسات مجلس الأمن التي غاب عنها التمثيل العراقي ثلاث مرات في سنة واحدة.
وتباطأت الحكومة الحالية في كسر هذا الجمود، رغم تشكيل لجان مشتركة، آخرها في آذار 2025، لكن غياب الإرادة السياسية الواضحة عطل المسار مجدداً، بينما تبقى الدول الأخرى تراقب مَن سيمثل بغداد: دبلوماسي محترف، أم مبعوث حزبي يحمل حقيبته وبطاقة التوصية من كتلته.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author AdminSee author's posts
المصدر: المسلة
إقرأ أيضاً:
القضاء يكتب السطر الأخير في فوضى خور عبد الله.. ما هو قانوني وما هو مزايدة
29 يوليو، 2025
بغداد/المسلة: في لحظة سياسية شديدة التعقيد، برز صوت مجلس القضاء الأعلى ليبدد ضباب المشهد القانوني المتشابك حول اتفاقية خور عبد الله، ويعيد ترتيب الأوراق الدستورية على الطاولة السياسية.
وفي غمرة الجدل والتجييش، بدا القضاء وكأنه يعيد تعريف وظيفة القانون في زمن النزاعات السياسية، حين قدّم تفسيراً معمقاً لثنائية قرارات المحكمة الاتحادية الصادرة عامي 2014 و2023، واضعاً الحد الفاصل بين المفهوم القانوني للتصديق على الاتفاقيات الدولية وواقع التوظيف السياسي لها.
وفتح مقال رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي فائق زيدان، نافذة جديدة على الفقه الدستوري في العراق، حين ربط بين اتفاقية 2012 الخاصة بتنظيم الملاحة، والإطار الأوسع لترسيم الحدود الذي انطلق من قراري مجلس الأمن 687 و833، مروراً بالقانون رقم 200 لسنة 1994، وانتهاءً بالمصادقة البرلمانية لعام 2013.
وكان الزيدان صريحاً في الإشارة إلى أن ما صدر عن المحكمة عام 2014 لم يكن حكماً في جوهر الدعوى، بل رفضاً شكلياً للطعن، بينما جاء قرار 2023 محمّلاً بتفسير جديد يتطلب موافقة ثلثي أعضاء البرلمان، رغم أن ذلك يخالف العرف القضائي والمادة 105 من قانون الإثبات.
وأكد القانونيون أن ما كُتب ليس حكماً واجب التنفيذ، بل مقالة تفسيرية تسعى إلى توحيد الفهم الدستوري وتفكيك التناقضات.
وقال الخبير القانوني علي التميمي، إن “مجلس القضاء قدم توضيحاً معمقاً اشتمل على العديد من النقاط المهمة المتعلقة بالفقه الدستوري، وتناول السياق القانوني للقرارات الصادرة بحق العراق بعد غزو النظام المباد للكويت، لا سيما قراري مجلس الأمن 687 و833 المتعلقين بترسيم الحدود مع الكويت”.
وأضاف أن “القانون رقم 200 لسنة 1994 جاء مصادقاً على هذا الترسيم استناداً إلى قرارات مجلس الأمن، تلاه توقيع اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله عام 2012، والتي صادق عليها العراق بموجب القانون رقم 42 لسنة 2013”.
وتابع التميمي أن “مقال رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي فائق زيدان، أشار إلى قراري المحكمة الاتحادية بشأن الاتفاقية، إذ قضى الأول بعدم اختصاص المحكمة بالنظر في الطعن من الناحية الشكلية، فيما عد الثاني، الصادر عام 2023، أن قانون التصديق على الاتفاقية غير دستوري، وقرر العدول عنه، رغم أن العدول يُطبق فقط على المبادئ القضائية لا القرارات، استناداً للمادة 105 من قانون الإثبات”.
وأكد أن “المقال سلط الضوء أيضاً على التزامات العراق الدولية واحترامه للمعاهدات استناداً للمادة 8 من الدستور، والمادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة، ما يؤكد أهمية احترام القرارات والمعاهدات الدولية”.
و شدد الخبير القانوني عباس العقابي أن الاتفاقيات تُمرر عادة بالأغلبية البسيطة، وما جرى ليس إلا محاولة لشرح التباين بين القرارين دون إصدار حكم ملزم. بينما أشار حمزة مصطفى إلى خطورة ما وصفه بـ”هندسة الرأي العام” على أسس مغلوطة، محذراً من أن العبث بهذه الاتفاقية يهدد استقرار مئات الاتفاقيات الدولية الأخرى التي تشكل العمود الفقري للسياسة الخارجية العراقية.
وتناسق معه علي الخفاجي الذي رأى في بيان مجلس القضاء الأعلى محاولة لوقف نزيف التضليل الإعلامي.
وتوّجت الرئاسات الثلاث هذا السجال بإعلان التزام واضح بالاتفاقيات الدولية، وسحب طلبات العدول عن الاتفاقية، في إشارة سياسية واضحة إلى أن العراق باقٍ على التزاماته أمام الأمم المتحدة. غير أن ما تبقى من المشهد ليس قانوناً فحسب، بل إدارة دقيقة للرماد المتطاير من نار الجدل، وسط مناخ إقليمي لا يحتمل التنازل ولا حتى التفسير المغلوط.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts