إبراهيم شقلاوي يكتب: تحديات الأمن المائي في ضوء خطة رئيس الوزراء
تاريخ النشر: 4th, June 2025 GMT
تُعد إدارة الموارد المائية أحد أعمدة الاستقرار والتنمية المستدامة في السودان، لا سيما في مرحلة ما بعد الحرب، التي تتطلب إعادة هيكلة شاملة لمؤسسات الخدمة العامة والبنية التحتية، وفقًا لخطاب التكليف الواعد الذي ألقاه رئيس مجلس الوزراء د. كامل إدريس.
يرتبط الأمن المائي ارتباطًا وثيقًا بالصحة العامة، والزراعة والطاقة كما يشكّل عاملًا حاسمًا في الوقاية من النزاعات المجتمعية والصراعات الإقليمية.
الأزمة الأخيرة التي شهدتها ولاية الخرطوم بعد قصف منشآت الكهرباء بواسطة مليشيا الدعم السريع وتوقف محطة مياه المنارة، كشفت عن ضعف القدرة على إدارة الأزمات المائية، خاصة في سياق النزاعات المسلحة. فقد اضطر المواطنون للجوء إلى مصادر مياه غير آمنة، كالنيل مباشرة أو الآبار الجوفية ، مما أسهم في تفشي أمراض وبائية مثل الكوليرا “وزارة الصحة السودانية، 2025” . ولا تقتصر المخاطر على الصحة وحدها، بل تمتد إلى تهديد السلم الاجتماعي، خاصة في دارفور وكردفان، حيث تتحول نقاط المياه الموسمية إلى بؤر توتر بين المزارعين والرعاة برغم مشروعات حصاد المياه “وحدة تنفيذ السدود 2019 ” .
تشير البيانات المتاحة إلى أن السودان يمتلك نحو 85 مليار متر مكعب من الموارد المائية المتجددة سنويًا، أغلبها من نهر النيل، إضافة إلى مخزون جوفي يُقدّر بـ30 مليار متر مكعب، جزء كبير منه غير متجدد “وزارة الري السودانية، 2022؛ UNEP، 2021”. ومع تجاوز عدد السكان 48 مليون نسمة ومعدل نمو يفوق 2.5% سنويًا، تتزايد الضغوط على هذه الموارد بوتيرة مقلقة “البنك الدولي، 2023” ويستهلك قطاع الزراعة وحده قرابة 80% من إجمالي المياه “FAO، 2023” ما يبرز الحاجة الماسة لتحسين الكفاءة والحوكمة في إدارة الطلب.
هذا في وقت لا تتجاوز فيه نسبة السكان الذين يحصلون على مياه شرب آمنة 65% في المدن، وأقل من 40% في المناطق الريفية “البنك الدولي، 2023” هذا الواقع يستوجب مجهود عاجل من الجهات المعنية لإدارة هذه الموارد وفقا لخطة وسياسات قومية شاملة، تمكن البلاد في الاستفادة منها وادارتها بصورة آمنة.
في المقابل، أطلقت إثيوبيا مؤخرًا سياسة وطنية شاملة للمياه والطاقة تمتد لعشرين عامًا، تقوم على مبادئ العدالة، والشراكة مع القطاع الخاص، والحوكمة الرشيدة. وتعكس هذه الخطوة تحولًا استراتيجيًا في فهم الدولة لدور المياه كمورد سيادي وتنموي “وزارة المياه والطاقة الإثيوبية، 2025” . وقد أُعدّت هذه السياسة بمشاركة واسعة من المجتمع المدني والقطاع الخاص والجهات الحكومية، في نموذج يمكن الاستفادة منه مع مراعاة خصوصية السودان المؤسسية والاجتماعية.
أما في السودان، وفي ظل غياب استراتيجية وطنية متكاملة للمياه، فإن البلاد تظل عرضة لتفاقم الأزمة، خاصة مع التأثيرات المتوقعة لمشروعات دول حوض النيل، وعلى رأسها سد النهضة، الذي يمثل تحديًا مباشرًا لتدفق المياه. فمع غياب التنسيق الإقليمي الفاعل، وتعطل المفاوضات بين السودان وإثيوبيا ومصر، يبقى الموقف السوداني ضعيفًا، في ظل عدم التوصل إلى رؤية مشتركة حول إدارة وتشغيل السد والاستفادة المتكاملة منه.
المرحلة الراهنة تفرض على الحكومة السودانية ضرورة صياغة سياسة وطنية استراتيجية للمياه، تقوم على تقييم دقيق لموقف الموارد المتاحة، ودراسة متعمقة لواقع العرض والطلب، مع تعزيز الفوائد وتأهيل البنية التحتية من خلال الجهات ذات الصلة. كما ينبغي دمج هذه السياسة ضمن برامج النهضة والسلام والتعافي التي يقودها السيد رئيس الوزراء، بما يضمن أن يصبح الأمن المائي دعامة للاستقرار، من خلال تبني سياسات متكاملة لإدارة الموارد المائية وفقًا للتغيرات المناخية. ويُعد موسم الأمطار الحالي مؤشرًا على تلك التغيرات، إذ تُظهر البيانات أن السودان من أكثر الدول تأثرًا بالمناخ “الهيئة العامة للأرصاد الجوية” .
وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن تحقيق الأمن المائي في السودان لا يمكن فصله عن مشروع الحكومة، ولا عن منظومة السلم الاجتماعي والإقليمي. وإذا لم تُبنَ سياسات المياه على أسس استراتيجية متكاملة تستشرف التحديات وتستفيد من تجارب الجوار، فستظل البلاد رهينة أزمات متكررة تقوّض جهود التنمية وتُعيد إنتاج الأزمات. فالمياه اليوم لم تعد مجرد مورد، بل أصبحت بوابة أساسية نحو الاستقرار وإعادة البناء والتنمية.
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الثلاثاء 3 يونيو 2025م [email protected]
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الأمن المائی
إقرأ أيضاً:
الموارد المائية تُثمّن جهود «النفط وأكاكوس» في تعزيز سلامة السدود
أشادت وزارة الموارد المائية بالتعاون المثمر مع المؤسسة الوطنية للنفط وشركة أكاكوس للعمليات النفطية، وذلك في إطار إنجاز أعمال صيانة صمامات سد وادي غان، أحد المشاريع الحيوية التي تهدف إلى تعزيز سلامة السدود وحماية البنية التحتية المائية في البلاد.
جاء ذلك خلال استقبال وكيل وزارة الموارد المائية والمكلّف بتسيير مهام الوزارة، عبدالسلام نصر جاد المولى، لوفد من ممثلي المؤسسة الوطنية للنفط وشركة أكاكوس، حيث ثمّن مستوى الشراكة “النموذجية” بين الطرفين، مؤكداً أهمية استمرار هذا التعاون في مشاريع مستقبلية تخدم التنمية المستدامة وتحافظ على الموارد المائية الوطنية.
وأقيمت بالمناسبة مراسم تكريم بمقر الوزارة، تم خلالها منح شهائد تقدير للمؤسسة الوطنية للنفط، وشركة أكاكوس، ومشرفي السدود المعنيين، تقديراً لجهودهم في إنجاح المشروع.
كما شمل التكريم مكتب الإعلام والتواصل بالوزارة، تقديراً لدوره في تطوير العمل الإعلامي وتعزيز التواصل المؤسسي، حيث أُشيد بمساهمات موظفي المكتب، إلى جانب تكريم المهندسة هناء محمد الشريف، مديرة المكتب، عرفاناً بدورها الفعّال في الارتقاء بالأداء الإعلامي للوزارة.
وأكد الوكيل في كلمته التزام الوزارة بمواصلة تعزيز الشراكات مع المؤسسات الوطنية، بما يحقق الأهداف المشتركة ويخدم المصلحة العامة، مشيراً إلى أن مشروع صيانة سد وادي غان يعد نموذجاً ناجحاً للعمل التكاملي بين مؤسسات الدولة.