نقمة عصر البلاستيك والمفاوضات المتعثرة لإنهاء مخاطره
تاريخ النشر: 4th, June 2025 GMT
يركز يوم البيئة العالمي 2025 الذي يصادف 5 يونيو/حزيران، على إنهاء التلوث البلاستيكي على مستوى العالم، حيث يُعدّ تلوث البلاستيك من أكثر القضايا البيئية إلحاحا في حياتنا. ومع استمرار تزايد إنتاج البلاستيك المستخدَم لمرة واحدة، تزداد صعوبة إدارته والتخلص من تأثيراته.
تدخل سنويا ملايين الأطنان من النفايات البلاستيكية إلى البيئة، وتمتد آثارها عبر المحيطات والمجاري المائية واليابسة، وأصبحت أنهار العالم ومحيطاته وبحاره طرقا للنقل ومكباتٍ للبلاستيك الناتج عن الأنشطة البشرية.
وكان يمكن لمعاهدة عالمية بشأن البلاستيك أن توفر إطارا دوليا منسقا لمعالجة إنتاج البلاستيك واستخدامه والتخلص منه بما يعزز الممارسات المستدامة ويقلل النفايات من مصدرها، لكن إقرار هذه المعاهدة يبدو أنها في مسار متعثر.
ويرى أنصار البيئة أنه من خلال توحيد جهود الحكومات يمكن لهذه المعاهدة أن تحفز الابتكار في المواد البديلة، وتعزز جهود إعادة التدوير، وتضع التزامات قانونية صارمة للحد من التلوث البلاستيكي.
تشير التقديرات إلى أن أكثر من 8 ملايين طن من النفايات البلاستيكية تنتهي في المحيطات سنويا. ولأن معظم البلاستيك لا يتحلل، فإنه يتراكم تدريجيا في محيطاتنا، حيث قد يستغرق تحلله قرونا دون أن يختفي تماما. ويُشكل ذلك تهديدات جسيمة للحياة المائية، وصحة الإنسان، والنظام البيئي البحري.
كما تشير الدراسات إلى أنه بحلول عام 2050، قد يفوق حجم البلاستيك في المحيطات عدد الأسماك. وقد أصبحت قضية التلوث البلاستيكي واسعة الانتشار لدرجة أنها دفعت الأمم المتحدة إلى إطلاق حملة من أجل معاهدة عالمية بشأن البلاستيك.
بدأت قصة البلاستيك في أوائل القرن الـ19 باختراع الإنجليزي ألكسندر باركس أول بلاستيك صناعي، وحصل على براءة اختراعه عام 1862. وقد مثّل هذا بداية حقبة جديدة في علم المواد، حيث فتحت مرونة البلاستيك ومتانته الباب أمام استخدامات لا حصر لها.
إعلانشهد القرن الـ20 ثورة في إنتاج البلاستيك، تمثلت في ظهور البلاستيك الصناعي بالكامل في عام 1907، كان الكيميائي والمسوق البلجيكي ليو بايكلاند رائدا في إنتاج أول بلاستيك صناعي بالكامل (الباكليت)، مما عزز مكانة البلاستيك في قطاع التصنيع الحديث.
وجاءت نقطة التحول الحقيقية بعد الحرب العالمية الثانية عندما ازدهر إنتاج البلاستيك بشكل كبير. وقد سرّعت الحرب من وتيرة التقدم في كيمياء البوليمرات، مما أدى إلى الإنتاج الضخم لمواد بلاستيكية مثل "بولي إيثيلين" و"بولي بروبيلين".
وبحلول ستينيات القرن الماضي، بدأ البلاستيك يهيمن على السلع الاستهلاكية، من التغليف إلى الأدوات المنزلية. وقد عزز هذا التبني السريع من قبل الشركات والمستهلكين انخفاض تكلفة هذه المادة وتعدد استخداماتها.
آنذاك، لم تتضح الآثار البيئية لطفرة البلاستيك، فعلى مدى عقود حظيت هذه المادة الثورية بالثناء لسهولتها وفائدتها، في حين تم تجاهل العواقب الطويلة المدى لإنتاجه والتخلص منه إلى حد كبير.
رغم الجهود العالمية المتزايدة، لا يُعاد تدوير إلا 9% من البلاستيك. ويُعزى هذا المعدل المنخفض إلى تعقيدات إعادة تدوير المنتجات المصنوعة من أنواع مختلفة من البوليمرات، بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية لإدارة النفايات.
يُسهم البلاستيك، المنتَج من الوقود الأحفوري، بنسبة 3.4% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، أي ما يُضاهي انبعاثات قطاع الطيران بأكمله. ويُنتج البشر الآن حوالي 400 مليون طن من النفايات البلاستيكية سنويا، وينتهي 60% منها في بيئتنا الطبيعية.
وفقًا للتقديرات، هناك ما يقرب من 82 إلى 358 تريليون جزيء بلاستيكي عائم في محيطات العالم، مع متوسط تقدير يبلغ 171 تريليون جزيء بلاستيكي مسجل في عام 2019، بمتوسط وزن يبلغ 2.3 مليون طن.
إعلانتتجاوز عواقب التلوث البلاستيكي البيئات البحرية؛ إذ تُهدد النظم البيئية والحياة البرية وصحة الإنسان. وقد عُثر على جزيئات بلاستيكية دقيقة ناتجة عن تحلل البلاستيك الأكبر حجما في مياه الشرب والمأكولات البحرية، وحتى في الهواء الذي نتنفسه.
وبينما لا تزال هذه الجزيئات قيد البحث، تشير بعض الأبحاث إلى أنها قد تُسبب مشاكل صحية مختلفة، مثل اضطرابات الغدد الصماء، وربما السرطان، حيث وصلت جسيمات البلاستيك النانوية إلى الأعضاء الحيوية للبشر والحيوانات.
ووفقًا للأمم المتحدة، فقد تناثر أكثر من 51 تريليون جزيء بلاستيكي دقيق في بحار العالم، ومن المتوقع أن تستهلك 99% من الكائنات البحرية هذه الجزيئات البلاستيكية الدقيقة بحلول عام 2050 إذا لم تُتخذ أي إجراءات لإبطاء التلوث البلاستيكي.
بادرت الأمم المتحدة إلى وضع معاهدة عالمية بشأن البلاستيك. تهدف هذه المعاهدة إلى إرساء التزامات مُلزمة قانونا بين الدول للحد من إنتاج البلاستيك، وتعزيز جهود إعادة التدوير، وتشجيع البدائل المستدامة.
وفي يونيو/حزيران 2023 دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "إلى الوقوف صفا واحدا الحكومات والشركات والمستهلكون لكي نتخلص من إدماننا البلاستيك وتحقيق هدف النفايات الصفرية".
ففي أوائل عام 2022، اعتمدت جمعية الأمم المتحدة للبيئة القرار 5/14، الذي وافق على اعتماد معاهدة عالمية ملزمة قانونا بشأن البلاستيك بحلول نهاية عام 2024.
منذ ذلك الحين، عُقدت أربع دورات للجنة التفاوض الحكومية الدولية، وانتهت أحدثها -الدورة الرابعة للجنة التفاوض الحكومية الدولية- يوم 29 أبريل/نيسان 2024. ورغم إحراز بعض التقدم في تحديد المنتجات والمواد الكيميائية الحرجة المثيرة للقلق، فإن المحادثات لم تعالج بشكل كافٍ الحاجة إلى تقليل إنتاج البلاستيك الأولي.
إعلانويتواجه معسكران على الأقل في الجولة الخامسة من المحادثات الرامية للتوصل إلى معاهدة دولية للحد من التلوث الناجم عن البلاستيك، والتي بدأت في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بإشراف برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
ويجمع المعسكر الأول العديد من الدول الأفريقية والأوروبية والآسيوية في "تحالف الطموح العالي"، الذي يريد معاهدة تغطي "دورة الحياة" الكاملة للمواد البلاستيكية من الإنتاج إلى النفايات.
أما المعسكر الثاني فيضم دولا أخرى خصوصا المنتجة للنفط، ويرغب في أن تكون المعاهدة متعلقة فقط بإدارة النفايات. ويرى هذا المعسكر أن خفض الإنتاج ليس من أهداف المفاوضات.
ويشكّل نفوذ جماعات الضغط في قطاع الصناعة عقبة كبيرة في المفاوضات. لا تزال هناك شكوك حول جدوى التوصل إلى معاهدة قابلة للتوقيع بحلول نهاية عام 2024 نظرًا لتعقيدات المفاوضات.
من الجوانب المهمة الأخرى التي يبدو أنها غائبة في مناقشات معاهدة البلاستيك العالمية هي مساءلة الشركات الملوثة عن النفايات التي تنتجها. فقد أظهرت دراسات تلوث البلاستيك ذي العلامات التجارية أن حوالي 60 شركة مسؤولة عن أكثر من نصف تلوث البلاستيك في العالم.
وللسنة السادسة على التوالي (2024) تم الاعتراف بشركة كوكاكولا كأكبر ملوث في مبادرة تدقيق العلامة التجارية العالمية، محققة رقما قياسيا جديدا بإجمالي 33 ألفا و820 قطعة من النفايات البلاستيكية.
وإلى جانب إلزام الشركات بخفض إنتاج البلاستيك، يطالب أنصار البيئة أيضا بضمان مسؤولية الشركات الملوثة عن تمويل تنظيف النفايات التي تسببت فيها.
وفي ظل هذه التحديات باتت الحاجة إلى معاهدة عالمية بشأن البلاستيك أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. وسترث الأجيال القادمة مسؤولية مواجهة تفاقم التلوث البلاستيكي من أجل كوكب أكثر صحة وخاليا من أعباء التلوث البلاستيكي.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحج حريات تلوث من النفایات البلاستیکیة التلوث البلاستیکی إنتاج البلاستیک الأمم المتحدة البلاستیک فی
إقرأ أيضاً:
تعرف على حزمة المهل والتيسيرات الجديدة للمشروعات الصناعية المتعثرة
أعلنت وزارة الصناعة عن حزمة جديدة من المهل والتيسيرات للمشروعات الصناعية المتعثرة التي تجاوزت المدد الزمنية المقررة، في إطار حرص الوزارة على دعم المستثمرين الجادين وتشجيع دخول المصانع المتعثرة إلى مرحلة التشغيل. وتنفذ هذه التيسيرات الهيئة العامة للتنمية الصناعية، وتشمل منح مهلات مختلفة حسب حالة المشروع، وتسري حتى 30 أبريل 2026.
مهل المشروعات
تشمل الحزمة: منح مهلة 6 أشهر للمشروعات التي أنجزت أكثر من 50% من الإنشاءات لاستكمال المشروع واستخراج الترخيص والسجل الصناعي مع إعفاء كامل من الغرامات، و12 شهراً للمشروعات التي لم تتجاوز نسبة 50% من الإنشاءات مع الإعفاء عن الستة أشهر الأولى فقط، و18 شهراً للمشروعات التي لم تبدأ أي أعمال إنشائية ولم تستخرج رخصة بناء مع الإعفاء عن ستة أشهر الأولى فقط.
إعادة التعامل مع الأراضي
يشمل القرار إعادة التعامل على الأراضي التي تم سحبها أو لم تُطرح بعد، بنفس المستثمر بالسعر الحالي المعتمد، مع سداد الغرامات المقررة، أو سحب الأرض في حال عدم تقديم طلب الاستفادة، وذلك لضمان استغلال الأراضي الصناعية بشكل أمثل وتحقيق التنمية الصناعية المستدامة.
ضوابط تنظيمية
أكد القرار على ضوابط لضمان الجدية، منها حظر الموافقة على التنازل أو الإيجار إلا بعد تشغيل الأرض ثلاث سنوات وسداد كامل ثمنها، وعدم قبول تغيير النشاط إلا بعد إثبات الجدية مرور 12 شهراً، مع استثناءات محددة للأنشطة الفرعية والعقود السابقة، وضمان استكمال الإجراءات البيئية بعد المعاينة الفنية.
دعم المستثمر الجاد
تستهدف هذه التيسيرات تمكين المستثمرين الجادين من إتمام مشروعاتهم دون خسائر كبيرة، وتسريع دخول المصانع المتعثرة لمرحلة التشغيل، مع تحقيق التوازن بين تسهيل الإجراءات والحفاظ على حقوق الدولة واستغلال الأراضي الصناعية بأفضل شكل، ضمن استراتيجية شاملة لتعميق القيمة المضافة المحلية وتعزيز التنمية الصناعية.