متى يبدأ الوقوف بعرفة؟ ضوابطه ووقته وأعمال الحاج فيه.. احذروا من هذه الأخطاء
تاريخ النشر: 5th, June 2025 GMT
متى يبدأ الوقوف بعرفة ومتى ينتهي ؟ يوم عرفة هو التاسع من ذي الحجة، والوقوف بعرفة من أركان الحج، ومن تركها فسد حجه، ويبدأ الوقوف بعرفة منذ فجر اليوم التاسع من ذي الحجة، وحتى طلوع فجر اليوم الذي يليه؛ والذي يُسمّى بيوم النَّحر، وهو يوم العيد، وينهي فيه الحُجّاج وقوفهم على عرفة.
واسم هذا اليوم يوم عرفة مُركَّب من كلمتَي: يوم، وعرفة، أما كلمة يوم فتدل على زمان مُخصَّص، بينما تدل كلمة عرفة على مكان مُعيَّن مُحدَّد، ولهذا المكان مكانة عظيمة؛ لتعلُّقه بشعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، وهي الوقوف بعرفة في موسم الحَجّ، وورد ذِكره بلفظ عرفات في قوله -تعالى-: «فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ».
وقال الشيخ علي فخر، أمين الفتوى بدار الإفتاء، إن الوقوف بعرفة يكون في اليوم التاسع من ذي الحجة، ويبدأ بعد الزوال -الظهر- وهو وقتٌ صحيحٌ للوقوف بعرفة.
وأوضح الشيخ علي فخر، أن وقت الوقوف ينتهي بطلوع فجر يوم النحر، وأن مَن جمع في وقوفه بعرفة بين الليل والنهار من بعد الزوال فوقوفه تام ولا شيء عليه، وأن من وقف بعرفة ليلة النحر فحجه صحيح، مضيفًا: "فمن حصل له في هذا الوقت وقوف بعرفة ولو لحظة واحدة فقد أدرك الوقوف".
وأكد الشيخ علي فخر، أن جمهور العلماء ذهب إلى أن الوقوف بعرفة يبتدئ من الزوال -بعد الظهر-، وأن الوقوف قبل الزوال غير مُجزئ، ومَن لم يقف بعد الزوال فقد فاته الحج، مشيرًا إلى أن الحنابلة يرون أن مَن وقف ونفر بعد الفجر وقبل الزوال فحجُّه صحيحٌ وعليه دمٌ.
وقال إن الحنابلة احتجوا بحديث عروة بن مُضَرِّسٍ رضي الله عنه قال: «أتَيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم بالمُزدَلِفةِ حينَ خَرَجَ إلى الصَّلاةِ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي جِئتُ مِن جَبَلَي طَيِّئٍ؛ أَكلَلتُ راحِلَتِي وأَتعَبتُ نَفسِي؛ واللهِ ما تَرَكتُ مِن جَبلٍ إلاّ وَقَفتُ عليه، فهل لي مِن حَجٍّ؟ فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن شَهِدَ صَلاتَنا هذه ووَقَفَ معنا حتى نَدفَعَ وقد وَقَفَ بعَرَفةَ قبلَ ذلكَ لَيلًا أو نَهارًا فقد أَتَمَّ حَجَّه وقَضى تَفَثَه» رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن، وصححه الترمذي وابن حبان والدار قطني والحاكم.
وأضاف أمين الفتوى، أن جمهور علماء الأمصار على أن مَن وقف بعرفة بعد الزوال ولو لحظةً، ونفر منها في أي وقت قبل الغروب، فإن وقوفه مجزئ وحجه صحيح، مشيرًا إلى أن بعض العلماء يوجب عليه دمًا كالحنفية والحنابلة؛ بناءً على أن الجمع بين الليل والنهار واجبٌ عندهم في الوقوف بعرفة.
وألمح إلى أن بعض العلماء لا يوجِبُ عليه شيئًا، وهو الأصح عند الشافعية ومَن وافقهم كالظاهرية، وروايةٌ عن الإمام أحمد؛ بناءً على أن الجمع بين الليل والنهار مستحبٌّ وليس واجبًا، وخالف في ذلك الإمام مالك: فجعل ركنَ الوقوف بعرفة هو إدراك جزء من الليل، واستدل الجمهور بحديث عروة بن مُضَرِّسٍ رضي الله عنه السابق ذكره.كيفية حج المفرد بالتفصيل والترتيب.. اعرف كيفية مناسك الحج من الإحرام إلى طواف الوداع
من وقف بعرفة جزءًا من الليل
وأفتى الشيخ علي فخر بأن من وقف بعرفة جزءًا من الليل قبل فجر يوم النحر ولم يقف شيئًا من نهار يوم عرفة فحجه صحيح بإجماع الفقهاء، إلاّ أن بعض المالكية يوجب عليه دمًا إذا لم يكن مراهقًا «وهو من ضاق وقتُه حتى خشي فوات الوقوف بعرفة» أو كان ذلك بلا عذر، ولا شك أن خوف الزحام وما فيه من الخطر من النفس والبدن عذر شرعي صحيح.
ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه مكث يوم عرفة بنمرة حتى زالت الشمس، ثم ركب ثم نزل فصلى الظهر والعصر ركعتين ركعتين جمع تقديم بأذان واحد وإقامتين، ثم ركب حتى أتى موقفه فوقف وقال: «وَقَفْتُ هَاهُنَا بِعَرَفَةَ، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ»، رواه مسلم، فلم يزل واقفًا مستقبل القبلة، رافعًا يديه يذكر الله ويدعوه حتى غربت الشمس وغاب قرصها فدفع إلى مزدلفة.
ويقع بعض الحجيج أثناء الوقوف بعرفة فى عدة أخطاء وهى كما ذكرها الفقهاء: أنهم ينزلون خارج حدود عرفة ويبقون في منازلهم حتى تغرب الشمس ثم ينصرفون منها إلى مزدلفة من غير أن يقفوا بعرفة، وهذا خطأ عظيم يفوت به الحج، فإن الوقوف بعرفة ركن لا يصح الحج إلا به، فمن لم يقف بعرفة في وقت الوقوف فلا حج له.
لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الحجُّ عَرَفَةُ، مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ فَقَدْ أدْرَكَ الحَجّ» رواه الترمذي وغيره، وبين الفقهاء أن سبب هذا الخطأ أن الناس يغتر بعضهم ببعض؛ لأن بعضهم ينزل قبل أن يصلها ولا يتفقد علاماتها؛ فيفوت على نفسه الحج ويغر غيره.
وينصرف بعض الحجاج من عرفة قبل غروب الشمس، وهذا لا يصح لأنه خلاف لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث وقف إلى أن غربت الشمس وغاب قرصها، ولأن الانصراف من عرفة قبل الغروب عمل أهل الجاهلية.
ويستقبل بعض الحجاج جبل عرفة عند الدعاء، ولو كانت القبلة خلف ظهورهم أو على أيمانهم أو شمائلهم، وهذا خلاف السنة، فإن السنة استقبال القبلة كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ويقطع بعض الحجاج التلبية ولا تسمعهم يلبون، فلا يجهرون بالتلبية في مسيرهم من منى إلى عرفة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة في يوم العيد.
قال الشيخ علي فخر، إنه لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه حث على صعود جبل عرفات الذي اشتهر عند الناس باسم: «جبل الرحمة»، مشيرًا إلى أنه لم يكن من هديه -صلى الله عليه وسلم- صعود هذا الجبل في حجه ولا اتخذه منسكًا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم»، ودرج على ذلك الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة ومن تبعهم بإحسان، فلم يكونوا يصعدون على هذا الجبل في حجهم ولا اتخذوه منسكًا لهم؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي ثبت أنه صلى الله عليه وسلم وقف تحت هذا الجبل عند الصخرات الكبار، وقال: «وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن عرنة».
ونبه مدير إدارة الحساب الشرعي، على أن هذه الأمر من الأخطاء التي ترتكب يوم عرفة بأن يصعد الحجاج جبل الرحمة ويشقون على أنفسهم، مؤكدًا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمر بالوقوف على عرفة وليس صعوده.
أكد مجمع البحوث الإسلامية، أن وقوف النائم والمريض على جبل عرفات، جائز شرعا ولا شيء فيه، باتفاق العلماء.
وقال مجمع البحوث الإسلامية في فتوى له، إن وقوف الشخص الذي تعرض للإغماء على جبل عرفات، اختلف فيه الفقهاء فذهب الحنفية إلى إجزاء وقوفه، لأن وقوفه على أي صفة جائز، وذهب الجمهور إلى عدم إجزاء الوقوف، لأنه عبادة، والمغمى عليه ليس أهلا لها.
وأضاف أن الراجح قول الحنفية لأنه تأدى الوقوف بحصوله في الموقف في وقت الوقوف، لأنه إذا مر بعرفات أي شخص، وهو لا يعلم بها في وقت الوقوف أجزأه.فضل صيام يوم عرفة وهل يصح منفرداً؟ احذر 3 أشخاص صومهم حرام
هل دعاء يوم عرفة مستجاب لغير الحاج؟.. الإفتاء تكشف الحقيقة
أدعية يوم عرفة .. ردد أفضل 200 دعاء جامع شامل للنفس والأهل والأحبة
دعاء يوم عرفة .. ردد 17 كلمة أفضل ما قاله الأنبياء و310 أدعية مستجابة في دقائق
كيفية الوقوف بعرفة
- هو أهم أركان الحج، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحج عرفة".
وقته:
أ- الأفضل: من بعد الزوال حتى بعد غروب الشمس.
ب- الجائز: من طلوع شمس يوم التاسع حتى طلوع فجر يوم العاشر.ولو أدركت لحظة في هذا الوقت بعرفة فحجك صحيح، ولكن إن كانت هذه اللحظة قبل غروب الشمس فقط فعليك دم، وإن كانت بعد الغروب فلا شيء عليك، إلا أنه فاتك المبيت بمزدلفة فعليك دم لأجل مزدلفة لا لأجل عرفة.
- توجه إلى عرفة بعد شروق الشمس وصل فيها الظهر والعصر (جمع تقديم) على ركعتين ركعتين بأذان وإقامتين، وامكث فيها إلى غروب الشمس، وأكثر من الذكر والدعاء هناك، والسُّنَّة أن تستقبل القبلة عند الدعاء لا استقبال الجبل، ويستحب هذا الدعاء "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير".
وعرفة كلها موقف، ولا يشرع صعود الجبل، ويستحب الإكثار من الدعاء والتضرع، ولا يشترط أن تكون واقفًا أو تحت الشمس، فلك أن تجلس وتستظل.
الإفاضة إلى مزدلفة:
أ- إذا غربت الشمس، اذهب إلى مزدلفة فإذا وصلتها صلِّ المغرب والعشاء (جمعًا وقصرًا بأذان واحد وإقامتين) قبل أن تحط رحلك، وقبل جمع الحصى.
ب- بِتْ في مزدلفة وصلِّ الفجر في أول وقته وأكثر من الدعاء والذكر حتى الإسفار (المبيت واجب حتى طلوع الفجر والأفضل حتى الإسفار)، ويجوز للضعفاء من الرجال والنساء أن يدفعوا في آخر الليل بعد غياب القمر لتجنب الزحام.
ج- التقط سبع حصيات لرمي جمرة العقبة الأولى، ومن أي مكان أخذتها جاز.د- اذهب إلى منى قبل طلوع الشمس.
معنى حج الإفراد
الإفراد عند بعض العلماء -كالشافعية- هو تقديم الحج على العمرة؛ بأن يُحرِم أولا بالحج من ميقاته، ويَفرَغ منه، ثم يخرج من مكة إلى أدنى الحِلِّ فيحرم بالعمرة، ويأتي بعملها، ومن العلماء مَن لا يشترط العمرة بعد الحج، ويجعل القيام بأعمال الحج وحده دون العمرة هو الإفراد.
كيفية حج الإفراد
يبدأ الحاج بطواف القدوم حين دخول مكّة، ثمّ يُؤدّي السَّعي بين الصفا والمروة، ويُؤخّره إن شاء إلى ما بعد طواف الإفاضة، والأولى بعد طواف القدوم؛ اقتداءً بالنبيّ -عليه الصلاة والسلام-، ويبقى على إحرامه إلى اليوم الثامن من ذي الحِجّة؛ ليبيتَ في مِنى ذلك اليوم، ويُؤدّي فيها الصلوات الخمس، كلّ صلاةٍ في وقتها، ويقصرُ الصلاة الرباعيّة؛ فيُؤدّيها ركعتَين، ويقف بعرفة في اليوم التالي؛ اليوم التاسع من ذي الحِجّة، ويجمعُ تقديمًا بين الظهر والعصر، ويقصرُهما، ويبقى في عرفة إلى غروب الشمس.
ثم يتوجه بعدها إلى مُزدلفة، ويبقى فيها حتى الفجر، ويتوجّه بعد ذلك إلى مِنى، ويرمي جمرة العقبة بسبع حَصَياتٍ، مع التكبير عند رَمي كلّ حصوةٍ، ويَحْلق شَعْره أو يُقصّر، ويغتسل ويتطيّب، ثمّ يتوجّه إلى مكّة؛ ليطوف طواف الإفاضة، ويعود إلى مِنى؛ ليبيتَ فيها ليلة الحادي عشر، والثاني عشر إن كان مُتعجِّلًا، وليلة الثالث عشر إن أراد التأخُّر، ويرمي في كلّ يومٍ منها الجمرة الصُّغرى، ثمّ الوُسطى، ثمّ العقبة؛ كلّ واحدةٍ بسبع حَصَياتٍ، مع التكبير عند كلّ حصاةٍ، ثمّ يرجع إلى مكّة، ليطوف سبعة أشواطٍ طواف الوداع.
أنواع النسك ثلاثة:
1- حج إفراد: ينوي فيه الحاج نية الحج فقط.
2- حج قِران: ينوي فيه الحاج نية الإتيان بحج وعمرة معًا في آن واحد وبأفعال واحدة، من طواف وغيره من أعمال الحج، أو يحرم بالعمرة أولًا ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها. وعمل القارن كعمل المفرد سواء، إلا أن القارن عليه هدي والمفرد لا هدي عليه.
3- حج تمتع: ينوي فيه الحاج نية العمرة في أشهر الحج (شوال، ذي العقدة وأول 8 أيام من شهر ذي الحجة)، فينوي العمرة فقط ويؤدي مناسكها، ثم يتحلل من إحرامه ويتمتع بحياته العادية من ملبس وغيره من معاشرة النساء، فإذا أتى اليوم الثامن من ذي الحجة نوى الحج من مكانه بمكة ولبس ملابس الإحرام وأتى بمناسك الحج. وهذا النسك هو الأفضل.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: يوم عرفة الوقوف بعرفة جبل عرفات أعمال يوم عرفة للحاج يوم عرفة 2025 صلى الله علیه وسلم من ذی الحجة وقت الوقوف بعد الزوال إلى مزدلفة یوم التاسع غروب الشمس جبل عرفات یوم عرفة على عرفة فیه الح فی وقت أن بعض ه صحیح إلى أن على أن عرفة م
إقرأ أيضاً:
المفاوضات السورية-الإسرائيلية: تاريخ من الأخطاء والدروس
لطالما كانت المفاوضات السورية الإسرائيلية فصلا غامضا. تارة يُنفى وجودها، وتارة يُسرب منها ما يكفي لإثارة الجدل العام. اليوم، يبدو أن إسرائيل تسعى لنقل ملف الجولان إلى منطقة تفاوضية أخرى عبر استغلال ملف الدروز حاليا و"قسَد" لاحقا، بهدف جعل المنطقة الجنوبية السورية برمتها خالية من السلاح، وهو ما يمثل تحديا جديدا ومعقدا للدولة السورية الناشئة.
من الضروري أن نتوقف اليوم، بوعي نقدي وتحليل عميق، أمام دروس الماضي التفاوضي الطويل لنفهم بوضوح: هل كانت السلطات السورية حقا تفاوض من أجل الوطن وسيادته، أم كانت تناور فقط من أجل بقائها؟
وقد بدأت قصة التفاوض السوري الإسرائيلي فعليا مع احتلال إسرائيل مرتفعات الجولان 1967، ليصبح هذا الاحتلال نقطة الارتكاز لأي حديث عن السلام أو الصراع.
جدلية الأرض والسلطةمحطات ما قبل المفاوضات ما بين 1967 و1973:بين عامي 1967 و1973، وقبل أن تندلع حرب أكتوبر/ تشرين الأول، هل شهدت العلاقة السورية الإسرائيلية أي مفاوضات؟ الجواب الصريح: لم تحدث مفاوضات مباشرة، لكن جرت محاولات دبلوماسية متعددة، فشلت جميعها في تحقيق أي اختراق.
قرار أممي ضاع أدراج الرياح: القرار 242 (نوفمبر/تشرين الثاني 1967)بعد احتلال الجولان وسيناء والضفة الغربية في حرب 1967، صدر قرار مجلس الأمن 242. هذا القرار دعا إلى مبدأين أساسيين: انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة، والاعتراف بحق كل دولة في العيش بسلام داخل حدود آمنة.
كان موقف سوريا حاسما ورافضا للقرار، خاصة أنه يحكمها حزب قومي أيديولوجي [البعث] تسلم السلطة بحجة أن الحكم قبل 1963 كان انفصاليا، والقرار الصادر لم يُشر صراحة إلى "الانسحاب الكامل"، واعتبرته مساويا بين الجلاد والضحية.
أما إسرائيل، فقد قبلت القرار نظريا لكنها رفضت الانسحاب الكامل، وخاصة من القدس والجولان. وهكذا، وُلد القرار كبذرة أمل للحل في المنطقة، لكنه سرعان ما ضاع أدراج الرياح بين تباين التفسيرات ورغبة إسرائيل في السيطرة على القدس ومرتفعات الجولان الإستراتيجية.
إعلان جهود أممية بلا ثمار: مهمة غونار يارنغ (1967-1971)كُلف غونار يارنغ بمتابعة تنفيذ القرار 242، وقام بجولات مكوكية بين دمشق وتل أبيب، محاولا جس نبض الطرفين.
أبدت إسرائيل استعدادا للنقاش دون الالتزام بالانسحاب الكامل، فقد كانت راغبة في تسويق نفسها كدولة عقلانية قابلة للتفاوض. في المقابل، أصرت سوريا على مبدأ عدم التفاوض مع إسرائيل قبل الانسحاب الكامل من الجولان، لأسباب بنيوية في النظام.
كتب يارنغ في تقريره أن إسرائيل ترفض الانسحاب الكامل، وسوريا ترفض الاعتراف أو التفاوض مع الاحتلال. كانت الجهود الدولية عبثية بين إرادتين متناقضتين.
التركيز على جبهات أخرى: وساطات أميركية (نيكسون وكيسنجر)في تلك الفترة، لم يركز الرئيس الأميركي نيكسون ووزير خارجيته كيسنجر على المسار السوري بشكل جاد، كان تركيزهما ينصب على مصر والأردن، بينما ظلت سوريا متشددة في خطابها ورفضها التفاوض دون انسحاب إسرائيلي مسبق.
لم تكن دمشق مستعدة للتنازل عن أوراقها قبل أن تفرض واقعا جديدا على الأرض.
مسار المفاوضات بين سوريا وإسرائيلاتفاق فض الاشتباك (1974): تهدئة الجبهة وترتيب البيت الداخليكان هذا الاتفاق، الذي توسط فيه وزير الخارجية الأميركي الأشهر هنري كيسنجر، نقطة البداية العلنية للمفاوضات بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول.
يومها، لم يكن هدف النظام السوري تهدئة الجبهة بهدف استعادة الجولان فورا، بل كان هدف حافظ الأسد الأساسي إعادة ترتيب بيته الداخلي الذي لم يستقر بعد، وتعزيز شرعيته الإقليمية والدولية بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول التي أحدثت تحولا في المشهد الإقليمي.
أما هدف إسرائيل من الاتفاق، فكان باعتباره خطوة نحو تحييد الجبهة السورية جزئيا، وضمان أمن حدودها بعد قضمها أراضي واسعة من دول الجوار والتفرغ لملف مصر والأردن.
مؤتمر مدريد (1991): مناورة لكسب الوقت وتجنب العزلةبعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتغير موازين القوى العالمية، جاء مؤتمر مدريد كمحاولة أميركية طموحة لجمع الأطراف العربية والإسرائيلية. دخلت دمشق المفاوضات بخطاب قومي حاد، لكنها في الواقع التزمت بقواعد اللعبة الدولية.
كان واضحا أن حافظ الأسد يفاوض ليكسب الوقت ويتفادى العزلة السياسية، ويستوعب المتغيرات الدولية وحرب الخليج، لا ليكسب الأرض. أما الهدف الإسرائيلي، فكان يكمن في كسر العزلة الإقليمية دون تقديم تنازلات جوهرية.
مفاوضات جنيف (1999-2000)في عهد حافظ الأسد، وتحت رعاية الرئيس الأميركي بيل كلينتون، بلغت هذه المفاوضات السرية ذروتها. كادت دمشق أن توقع اتفاقا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك، لكن في لحظة درامية عُرفت لاحقا، رفض الأسد الأب التوقيع على الخريطة بعد اكتشافه أنها لا تعيده إلى خط الرابع من يونيو/ حزيران 1967 بالكامل.
وتكرست بعدها مقولة: "لا مفاوضات دون سيادة كاملة". لكن السؤال الجوهري الذي طرحه السوريون: هل كنا نفاوض حقا من أجل السيادة الوطنية الكاملة، أم من أجل تعزيز صورة "الزعيم" وشعار الممانعة؟ خاصة أن حافظ الأسد كان مريضا ويريد تخليد ذكراه كزعيم عروبي.
مفاوضات غير مباشرة عبر تركيا (2008): بحث عن شرعية دولية لا اختراق حقيقيفي عهد الرئيس بشار الأسد، بدأت وساطة تركية مباشرة من الرئيس رجب طيب أردوغان لعقد اتفاق سوري إسرائيلي. حينها، قدمت دمشق وثيقة غير مسبوقة تضمنت تنازلات أمنية، وحتى ترتيبات مشتركة محتملة في الجولان المحتل.
إعلانكان الهدف الرئيسي لبشار كسر العزلة السياسية بعد مشاركته في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لكن فجأة انهارت المحادثات بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في نهاية العام، ليتحول الخطاب الرسمي إلى شعار "الممانعة".
الواقع أن مفاوضات بشار الأسد، شأنها شأن مفاوضات والده، لم تكن أبدا تدور حول الأرض بمعناها الكامل، بل كانت تدور في جوهرها حول السلطة والبقاء.
كان التفاوض مجرد تكتيك لرفع العقوبات الدولية، وكسب الاعتراف الإقليمي، وشراء الوقت، باعتبارهم عائلة عروبية مقاومة ممانعة للتطبيع.
تجارب مفاوضات إقليمية: دروس يجب أن نتعلمهامقارنة بتجربتنا، مضى الرئيس المصري أنور السادات إلى كامب ديفيد بجرأة غير مسبوقة، فاستعاد سيناء بالكامل مقابل السلام المنفرد، ودفع ثمنا سياسيا باهظا على الصعيد العربي بتفكيك المنظومة.
أما الفلسطينيون فقد دخلوا أوسلو مضطرين، في لحظة انهيار إقليمي وعربي، لكنهم أخطؤُوا حين تنازلوا عن جوهر قضيتهم مقابل وعود مستقبلية لم تتحقق. أما الأردن في وادي عربة، فقد فاوض بهدوء وواقعية باعتباره دولة ضعيفة الموارد تحيطه دول إقليمية كبرى، وحافظ على حدوده، وربح استقرارا هشا في ظروف إقليمية معقدة.
تُظهر هذه التجارب الإقليمية بوضوح أن النية الصادقة بالتفاوض، ومعرفة سقف المطالب الواقعي، وفهم طبيعة الخصم ونقاط قوته وضعفه، كلها شروط حاسمة لأي نجاح تفاوضي مستقبلي.
أخطاء المفاوض السوري: بوصلة للمستقبلمن كل هذه التجارب، يبرز الخطأ الأكبر في أداء المفاوض السوري تاريخيا، وهو خطأ مركب ومتجذر في بنية النظام وطريقة تعاطيه مع قضايا الوطن المصيرية:
الخطأ الأول: المفاوضة بلا خريطة طريق واضحة، وبلا سند شعبي حقيقي يُضفي الشرعية على قراراته. هذا الغياب للرؤية الإستراتيجية والشرعية الشعبية جعل المفاوض السوري يدخل الطاولة وهو يخشى من كشف نواياه الحقيقية، أو ربما لا يمتلك نوايا واضحة من الأساس. في المقابل، يبدو الخصم أكثر وضوحا منه في تحديد الأهداف والمطالب، مما يمنحه اليد العليا في أي جولة.التفاوض من موقع ضعف داخلي، أو من خلف ظهر الشعب، هو وصفة مضمونة للفشل، لأنه يفقد المفاوض أهم أوراقه: الإرادة الوطنية الجامعة.
الخطأ الثاني: أن التفاوض كان لذاته، لا من أجل تحقيق نتيجة ملموسة. لم يكن الهدف هو الوصول إلى حل شامل وعادل، بل كان الهدف هو "الجلوس على الطاولة" بحد ذاته.جلس الأسد الأب أكثر من عقد من الزمان في مفاوضات لا يريد منها حلا شاملا، بل تسكينا مؤقتا للأوضاع، أو استخدامها كواجهة دبلوماسية لتخفيف الضغوط الدولية. والابن استخدم التفاوض كورقة في لعبة الأمم المعقدة، لرفع العقوبات أو كسب اعتراف إقليمي، لا كورقة في مشروع وطني للتحرير واستعادة الحقوق.
هذا التكتيك، وإن منح النظام بعض الأنفاس المؤقتة، إلا أنه أضاع فرصا تاريخية لاستعادة الأرض.
الخطأ الثالث: غياب الابتكار في الطرح التفاوضي. فمعظم ما قُدم من جانب عائلة الأسد كان تقليديا، يعتمد على استرجاع المبادرة العربية للسلام، أو الالتفاف حول خطاب "السلام مقابل الأرض"، دون تفاصيل عملية أو رؤى خلاقة. لم يحاولوا طرح مبادرات حقيقية تضعنا في موقع الفاعل الذي يقترح الحلول، لا المتلقي الذي ينتظر التنازلات.في عالم التفاوض المعاصر، الابتكار في الأفكار، وتقديم حلول غير تقليدية للمشاكل المعقدة، يمكن أن يغيرا ديناميكية الجلسات ويخلقا مساحات جديدة للاتفاق، وهو ما افتقدناه بشدة.
هل نتعلم من الماضي لنصنع مستقبلا أفضل؟إذا كنا نحلم بمفاوضات مستقبلية واعدة، فإن علينا أن ندرك هذه الدروس بعمق، وأن نعمل على:
بناء موقف وطني موحد وشرعية شعبية حقيقية: التفاوض دون سند شعبي وشرعية وطنية هو مغامرة خاسرة حتما. يجب أن يكون الشعب هو صاحب القرار والداعم الأكبر للمفاوض، وأن يكون الموقف التفاوضي نابعا من إجماع وطني حقيقي. امتلاك جرأة الطرح وابتكار الحلول: يجب ألا نخجل من طرح تصورات جديدة ومبتكرة تحفظ الحقوق الوطنية وتدير الواقع بذكاء، بدلا من التمسك بالخطاب التقليدي الذي لم يعد يفضي إلى شيء. يجب أن نكون السباقين في تقديم المبادرات التي تعكس رؤيتنا لمستقبل المنطقة، لا مجرد ردود أفعال على مبادرات الآخرين. فهم الخصم كما هو، لا كما نتخيله: إسرائيل دولة لا تهادن إلا من موقع القوة، ولا تقدم التنازلات إلا عندما تشعر أن البديل الإستراتيجي سيكون أكثر كلفة عليها. يجب فهم هذه العقلية بعمق، ودراسة نقاط قوتها وضعفها، وكيفية استغلالها لصالح الموقف التفاوضي السوري. التفاوض ليس صراعا عاطفيا، بل هو عملية عقلانية تتطلب فهما دقيقا للطرف الآخر. إدراك أننا لا نفاوض من أجل السلام فقط، بل من أجل الكرامة والسيادة: السلام الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا من موقع القوة والندية.المفاوضات في هذا السياق، إذا ما تمت، يجب أن تكون ذات إستراتيجية واضحة المعالم:
إعلان هدفها الأول والأخير هو استعادة السيادة الوطنية على الأراضي المحتلة بطريقة أو بأخرى. ترسية أمن واستقرار حقيقيين في المنطقة الجنوبية، لا عبر التنازل عن السيادة أو جعلها منطقة خالية من السلاح على حساب الأمن القومي، بل عبر اتفاقيات عادلة تضمن حقوق الجميع وتنمية المنطقة. بناء دولة قوية ومستقرة داخليا، قادرة على حماية حدودها ومصالح شعبها.إن سجل المفاوضات السورية الإسرائيلية يمثل كنزا من الدروس والتجارب المريرة، ليس لاستيعاب هذه الدروس لعدم تكرارها لاحقا، بل لتشكيل بوصلة للمستقبل، تضمن تحقيق سيادة سوريا ومصالحها الوطنية العليا في أي مسار تفاوضي قادم.
المستقبل الحقيقي لسوريا يكمن في قوتها الداخلية، في وحدتها، وفي قدرتها على التفاوض من موقع المبادئ والكرامة، لا من موقع الضعف أو الحاجة للبقاء.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline