كان ستيف ويتكوف، قد انتهى إلى مشروع اتفاق شبه متوازن، مع انحياز أقل لموقف نتنياهو المعتدي، ومرتكب جرائم الإبادة. وقد وافقت عليه حماس، لما يتضمنه من تلبية جزء هام من شروطها. والأهم، وقف العدوان والمجزرة، تمهيداً لانسحاب كامل للجيش الصهيوني من غزة، ووقفاً للحرب لمدى طويل.
ولكن ويتكوف، وقبل أن يضغط ترامب على نتنياهو، ضغطاً كافياً ليخضع لشروط الاتفاق، عاد بمشروع اتفاق آخر تبنى جانباً خطراً، يسمح لنتنياهو العودة للحرب والمجزرة، بمجرد تسلّم المجموعة الأولى من الأسرى الأحياء، وأجداث الأموات.
استطاعت حماس بهذه الدقة، بإدارة التفاوض، أن تعزل موقف ويتكوف ونتنياهو، وتُبقي ترامب في حالتيّ الحرج والفشل، في عدم نجاحه بوقف إطلاق النار في غزة. وذلك إلى جانب الفشل الذي لاحقه، ويلاحقه في إنهاء الحرب في أوكرانيا.
ثمة مشكلة لدى كثيرين، حتى من مؤيّدي المقاومة، في تقويم الوضع وموازين القوى، تقويماً لا يلحظ، ميل ميزان القوى في غزة، في مصلحة المقاومة.
صحيح أن الحملة ضدّ نتنياهو، وحتى الكيان الصهيوني، من جانب الحكومات الغربية، وبعض الرؤساء، يمكن السيطرة عليها لاحقاً، بالرغم من أهميتها الراهنة، إلاّ أن أثرها على الرأي العام الغربي، سيكون الأبقى مستقبلاً.وتنشأ هذه المشكلة من استمرار مشاهد ما يجري من جرائم، ومذابح، وبمواصلة تدمير ما تبقى من عمار. الأمر الذي يطغى على ما عداه، ليصبح المعيار، هو ما يجري من مشاهد تجرح القلوب، وتذهب بالعقول، من هولها ومن بشاعتها. ولكن هذه المشكلة التي لها ما يبرّرها من ألم، بمرأى الدماء والأشلاء، وسماع صرخات العذاب، يجب أن يتمّ تجاوزها، برؤية جوانب أخرى أساسية في الوضع، تؤكد أن هذا الذي يقترفه نتنياهو، وغطّاه ويتكوف، لا بدّ من أن يُهزم، وأن تتوقف الحرب بفشلٍ منكرٍ لنتنياهو، وتراجع ترامب.
1 ـ يجب أن ترى الجوانب المتعلقة بالوضع الداخلي في الكيان الصهيوني، من ناحية عدم الإجماع على سياسة نتنياهو، وعدم الثقة بأن الحرب التي يشنّها الجيش ضدّ المقاومة والشعب، في طريقها إلى النجاح، بل راحت تُدمّر بسمعة الكيان الصهيوني، وتفقد الثقة بقوّة الجيش والمستقبل. ثم ملاحظة تنامي الانقسام الداخلي والمعارضة، ضدّ نتنياهو، يوماً بعد يوم. فالعوامل التي لم تستطع حتى الآن، ليّ ذراع نتنياهو، لا يعني أن تزايدها المتواصل، لن يصل إلى النقطة التي تفرض عليه التراجع، أو القبول بالفشل.
2 ـ ويجب أن تتتابع، ما يتعاظم من تظاهرات، ضدّ نتنياهو والحرب والإبادة، على مستوى الرأي العام الغربي، ليس على مستوى الحراكات الشبابية فحسب، وإنما أيضاً على مستوى الرأي العام، والإنسان العادي. كما بروز انقسامات في صفوف مؤيدّي الكيان الصهيوني. وقد بدأت تظهر حالات ضدّ حَمَلَة "الجواز الإسرائيلي"، مما يوجب، على من يهمهم الأمر، اعتبارها اتجاهات شعبية، لا يُحمد عقباها، بمحوها كل ما أريدَ أن تتركه المحرقة، من تعاطف غربي، على ضحاياها وورثتهم.
إن من يتابع العمليات العسكرية للمقاومة، خلال الأسبوع الفائت، يتأكد بأن يد المقاومة ما زالت الأعلى، وبأن الجيش الصهيوني، لن يحقق إنزال هزيمة بالمقاومة. بل عليه أن ينتظر العكس.صحيح أن الحملة ضدّ نتنياهو، وحتى الكيان الصهيوني، من جانب الحكومات الغربية، وبعض الرؤساء، يمكن السيطرة عليها لاحقاً، بالرغم من أهميتها الراهنة، إلاّ أن أثرها على الرأي العام الغربي، سيكون الأبقى مستقبلاً.
3 ـ إن من يتابع العمليات العسكرية للمقاومة، خلال الأسبوع الفائت، يتأكد بأن يد المقاومة ما زالت الأعلى، وبأن الجيش الصهيوني، لن يحقق إنزال هزيمة بالمقاومة. بل عليه أن ينتظر العكس.
من هنا ما ينبغي للألم أن يُعمي عن رؤية الأمل، مهما كان شديداً، ومهما كنا متألمين.
أما ترامب، فما زال أمامه الاختيار، لتجنّب الفشل في وقف الحرب. وهو تقدير ممكن الحصول في حالة الاضطراب.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه العدوان غزة الرأي فلسطين غزة عدوان رأي آفاق مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات صحافة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکیان الصهیونی الرأی العام
إقرأ أيضاً:
الجهاد الإسلامي لـعربي21: ويتكوف لم يكن وسيطا نزيها ولن نسمح ابتزاز المقاومة
استنكر المتحدث الإعلامي باسم حركة الجهاد الإسلامي، محمد الحاج موسى، التصريحات الأخيرة التي أطلقها المبعوث الرئاسي الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، التي اتهم فيها حركة حماس بعرقلة المفاوضات، قائلا: "هذه التصريحات ليست سوى امتداد لتكتيك أمريكي قديم ومعروف يُستخدم عند كل فشل سياسي، لكننا لن نسمح بابتزاز المقاومة"، لافتا إلى أن "ويتكوف لم يكن وسيطا نزيها".
وقال، في حديث خاص مع "عربي21": "تصريحات ويتكوف مردودة عليه، وخالية من أي أدلة أو براهين، لأنه لا يملك ما يقوله من الأساس، وخصوصا أن الكل سمع أنه كان بصدد التوجه إلى العاصمة القطرية الدوحة لإعلان التوصل إلى اتفاق بعد الرد الذي قدمته قوى المقاومة، بعدما عكس هذا الرد أجواء إيجابية ومتفائلة، قبل أن ينقلب الكيان الصهيوني على المفاوضات".
وأضاف الحاج موسى: "كالعادة، تقوم الإدارة الأمريكية دوما بالتغطية على جميع الجرائم والمواقف التي تتخذها حكومة الكيان الإسرائيلي. وفي هذا الإطار لم تختلف سياسة ترامب عن سياسة سلفه بايدن في شيء، بل ربما يكون موقفه أكثر تماهيا مع حكومة اليمين النازي في الكيان".
وحول ما ورد على لسان ويتكوف بشأن "خيارات بديلة" لتحرير الأسرى الإسرائيليين، قال موسى: "هذه العبارة المغلّفة ليست جديدة، بل يستخدمها الاحتلال كلما أراد التمهيد لمجازر جديدة أو تصعيد جرائمه ضد غزة".
وتابع: "الواضح أن واشنطن، من خلال تصريحات ويتكوف الأخيرة، تمنح تل أبيب الضوء الأخضر لمواصلة القتل والإبادة. لكن يبقى السؤال: ما الذي يستطيع الكيان والإدارة الأمريكية من ورائه القيام به ولم يجرباه على مدى ما يقرب من عامين من أبشع حرب إبادة همجية شهدتها البشرية في العصر الحالي؟".
انسحاب إسرائيلي متعمد
وذكر أن توصيف ما جرى في مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى أقرب إلى "انسحاب متعمد" من جانب الاحتلال، مشيرا إلى أن "الوفد الإسرائيلي لم يكن جادا في التفاوض، بل استغل الجولة الأخيرة في الدوحة لتمرير الوقت، خدمةً لأهداف سياسية ودعائية مرتبطة برئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو".
وأضاف: "الوسطاء جميعا، بمن فيهم الوسيط الأمريكي، يدركون تماما أن المقاومة أبدت كل درجات المرونة الممكنة، وتعاملت بمسؤولية وجدية كبيرة لإنجاح المفاوضات، لكن العدو انسحب من المفاوضات فور إدراكه أنه لم يعد قادرا على المناورة أو اللعب بالأوراق، بعد أن نزعت المقاومة كل ذرائعه وأحرجته سياسيا".
ومنذ 6 تموز/ يوليو الجاري، تُجرى بالدوحة مفاوضات غير مباشرة بين حماس وإسرائيل، بوساطة قطر ومصر ودعم الولايات المتحدة، لإبرام اتفاق لتبادل أسرى ووقف إطلاق النار.
وعن سبب عدم إصدار رد من الوسطاء على تصريحات ويتكوف، أجاب الحاج موسى: "يُسأل عن ذلك الإخوة المصريون والقطريون، أما موقفنا فواضح: نحن مع استمرار جهود الوساطة القطرية والمصرية بهدف وقف هذه الجرائم المروعة والقيام بكل ما من شأنه إنقاذ أطفال غزة ونسائها وأهلها من براثن التجويع والوحشية والهمجية التي يمارسها الكيان النازي".
ومساء الخميس، أعلن ويتكوف إعادة وفد بلاده من الدوحة لإجراء مشاورات بعد الرد الأخير من حركة حماس الذي زعم أنه يُظهر "عدم رغبتها في التوصل إلى وقف إطلاق نار بغزة".
يأتي ذلك في الوقت الذي أكدت فيه حماس مرارا استعدادها لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين "دفعة واحدة"، مقابل إنهاء الإبادة، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة.
وجاء قرار ويتكوف بإعادة وفد بلاده فور إعلان نتنياهو أيضا سحب وفده من الدوحة للتشاور في خطوة ادعى عقبها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي أن حكومته تعمل على إنجاز صفقة جديدة لاستعادة الأسرى، وهو ما عده مراقبون بمثابة "مرواغة" جديدة من الأخير فيما يتعلق بملف المفاوضات مع حماس.
واشنطن طرف في العدوان على غزة
وشدّد المتحدث الإعلامي باسم حركة الجهاد الإسلامي، على أن "الإدارة الأمريكية، وكما أكدت الفصائل الفلسطينية مرارا، ليست وسيطا في الحرب الدائرة على قطاع غزة، بل هي الطرف الرئيسي الذي يقود هذا العدوان".
وأوضح أن "الولايات المتحدة تملك مفاتيح إنهاء الحرب منذ لحظاتها الأولى، بل كان بإمكان الرئيس الأمريكي وقفها بمجرد تغريدة، تماما كما فعل في أزمات دولية أخرى، لكنها اختارت بدلا من ذلك توفير الغطاء السياسي والدولي للحرب، وتزويد الاحتلال بالسلاح، واستخدام الفيتو لحمايته، مما جعلها شريكة مباشرة في مشروع تهجير الشعب الفلسطيني وقتله من أجل القتل، واستمرار الإبادة والتغيير الديموغرافي في غزة".
وواصل الحاج موسى، حديثه بالقول: "ليست لدينا ثقة بالإدارة الأمريكية، والتجربة تؤكد ذلك؛ فالاتفاق الذي تم التوصل إليه سابقا أُسقط بمساعدة مباشرة من واشنطن لصالح الاحتلال الصهيوني".
وأكد أن "موقف المقاومة واضح وثابت؛ فهي منفتحة على التوصل إلى اتفاق، وقد أبلغت الوسطاء ذلك بوضوح، بما يحافظ على جوهر أهداف الشعب الفلسطيني"، مُشدّدا على أنه "حتى اللحظة ليس هناك أي جدية لدى الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني".
ونوّه إلى أن "المقاومة الفلسطينية تريد الذهاب إلى اتفاق انطلاقا من موقع المسؤولية، وليس الضعف، وأنها موحدة في هذا التوجه مع الإخوة في حركة حماس وباقي الفصائل"، مردفا: "لا يوجد ما هو أهم لدينا من وقف آلة القتل ضد أهلنا، وأطفالنا، ونسائنا، وشيوخنا في قطاع غزة، ووقف سياسة التجويع".
خيارات مرحلية
وأكد أن "المقاومة لا تمانع التفاوض، وهي مستعدة للتعامل مع خيارات مرحلية، سواء صفقة جزئية أو شاملة، وأن كل ما يتعلق بكيفية وقف إطلاق النار هو قابل للنقاش، بشرط الحفاظ على جوهر الاتفاق".
وذكر الحاج موسى أن المقاومة أبدت مرونة وانفتاحا غير مسبوق، قائلا: "هل هناك مرونة أكثر من ذلك؟، نحن منفتحون تماما على التوصل إلى اتفاق. كل الشعب الفلسطيني ومقاومته موحدون على نفس الموقف، ويتعاملون بإيجابية واضحة، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في الإدارة الأمريكية والاحتلال".
وشدّد على أن "المقاومة تسعى للذهاب إلى اتفاق يحقق مصلحة شعبنا ويوقف الإبادة، وفي استمر الاحتلال في تعطيل المفاوضات، فإننا سنستمر في المقاومة، وسنجعل كلفة الاحتلال في غزة كبيرة جدا، وستكون أكبر في الأيام القادمة".
ولفت إلى أن "المقاوم الذي يقاتل في الميدان هو ابن هذا القطاع المنكوب، الذي يعيش الظلم والركام والجوع، بينما عائلته مشردة أو تحت الخيام. هذا المقاتل يقاتل دفاعا عن شعبه، وعن كرامة هذا الوطن، وثباته محسوم. نحن نقاتل حتى آخر رمق، وقد خضنا انتفاضات بحجارة، وكان العالم بأسره يتحدث عنها، فما بالك الآن؟".
المقاومة حاضرة في جميع الميادين
وأوضح المتحدث باسم الجهاد الإسلامي، أن "المقاومة ستظل حاضرة في جميع الميادين بثبات وصبر واحتساب، ومرتبطة بالله سبحانه وتعالى، وهذا الثبات لا يقتصر فقط على المقاتلين في الميدان، بل يمتد إلى طاولة التفاوض، حيث لن يتم ابتزاز المقاومة تحت أي ظرف".
وزاد: "نحن لا ننظر إلى مصالح فصائلية أو شخصية، بل نحمل مسؤولية وطنية حقيقية لوقف الحرب والإبادة، ولا نتعاطى مع هذا الملف برفاهية أو بعدم مسؤولية".
وقال إنه "لا بد من التذكير بأن انفتاح المقاومة الفلسطينية وتعاطيها بإيجابية ومرونة منذ اليوم الأول للعدوان، لم يكن نابعا من الضعف، بل من موقع القوة والمسؤولية"، مؤكدا أن "الاحتلال الصهيوني يدرك تماما ما لا يريد البعض – حتى من بني جلدتنا – أن يفهموه، وهو أن المقاومة تستنزف الاحتلال وتوجعه، وأنها لا تزال حاضرة بقوة في الميدان".
وأوضح أن "كل يوم يمر يجب أن يكون يوما للعمليات النوعية، وضرب تحشّدات الاحتلال، وقنص جنوده، من خلال عمليات مركبة تنفذها المقاومة بشكل مشترك أو فردي"، مُشدّدا على أن "استمرار المقاومة هو استحقاق وطني وأخلاقي وإنساني وإسلامي لا يمكن التراجع عنه".
واستطرد قائلا: "نتنياهو يحاول استغلال اللحظة الراهنة من أجل محاولة حصد مكاسب سياسية وانتخابية"، مؤكدا أن "هذا الرجل لا يقود الحرب بعقلانية أو استراتيجية واضحة، بل وفق مزاج شخصي متهور وأحمق".
وأوضح أن "الكيان الصهيوني سيواجه إشكاليات داخلية كبيرة بعد انتهاء الحرب، وأن وقف إطلاق النار بلحظة واحدة سيكشف تلك الأزمات المتراكمة، والمجتمع الدولي يدرك هذه الحقيقة، ونتنياهو نفسه يعلم أن انفجارا داخليا سيكون حتميا إذا ما توقفت الحرب، وهذا أحد أهم الأسباب التي منعت الذهاب إلى وقف إطلاق النار طوال الفترة الماضية".
وتقدر تل أبيب وجود 50 أسيرا إسرائيليا بغزة، منهم 20 أحياء، بينما يقبع بسجونها أكثر من 10 آلاف و800 فلسطيني يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.
ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تشنّ إسرائيل حرب إبادة جماعية بغزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلّفت الإبادة، بدعم أمريكي، أكثر من 203 آلاف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.
وتحتل إسرائيل منذ عقود فلسطين وأراضي في سوريا ولبنان، وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس، على حدود ما قبل حرب 1967.