إبراهيم فرغلي: حارسة الحكايات تقول إن التاريخ له ألف صورة
تاريخ النشر: 9th, June 2025 GMT
يملك الكاتب المصري إبراهيم فرغلي تجربة كتابية متَّسعة ومتشعِّبة، فقد اختار مهنة الصحافة، التي وضعته في حالة تمرين مستمرة على الكتابة، وجعلته يؤمن بضرورة تنظيم العمل، فهناك مطبعة تنتظر، وقراء متلهفون، يجب أن يجدوا ما يطلبونه في الوقت المحدد.
وبسبب إيمانه بأن الموهبة وحدها لا تكفي لصناعة كاتب جيد فإن القدرة على تنظيم الوقت والجهد والالتزام بالكتابة جعلت فرغلي، المولود عام 67 في مدينة المنصورة بالدلتا، كاتباً غزيز الإنتاج، يملك عدداً من المجموعات القصصية "باتجاه المآقي"، "أشباح الحواس"، "شامات الحسن"، والروايات "كهف الفراشات"، "ابتسامات القديسين" "جنية في قارورة"، "أبناء الجبلاوي"، "معبد أنامل الحرير"، "مفتاح الحياة" "بيت من زخرف.
لماذا تبدأ بهذا التصدير لإدجار الآن بو: "لن تصدقوا ذلك، لأن حواسي ترفض أن تصدق ما شهدته وما لمسته، غير أنني لست مجنوناً كما أنني لا أحلم"؟
الحقيقة أني مع تراكم الخبرة في الكتابة على تخوم الواقع والخيال على ما يبدو تتزايد الأسئلة الخاصة والملاحظات حول حقيقة إمكانات الحواس. أي مدى قدرتنا على ترجمة ما تستقبله حواسنا إلى "حقيقة" لا يصل إليها الشك، أو مدى التباسها مع ما قد نتوهمه، حين ترتبك الحواس وتترجم الأوهام إلى حقائق. وربما هذه أمور لها علاقة أيضاً بالتقدم نسبياً في العمر، والتغيرات التي تطرأ على استقبالي للأحداث أو المواقف من حولي. وربما أيضا لخبرات مراقبة أفراد من العائلة خصوصاً الأب والأم، رحمهما الله، بعد تقدم العمر ومخاتلة الحواس لهما، بشكل يطرح أسئلة ملحة حول معنى الحياة ومعنى الوعي عندما تتداعى أجهزة الجسم تدريجياً. بالإضافة إلى أن الفقرة المجتزأة من كتاب لإدجار آلن بو، ربما "القط الأسود" أو "القلب الواشي"، على لسان واحد من الرواة. هي ترجمة لمن قد يوصفون بالجنون من قبل الآخرين، بحيث تبدو أفعالهم أو ما ينطقون به خارجة عن أطر المنطق، لكنها بالنسبة لهم هي كل المنطق. وقد وجدت الجملة تعبر عن حالة عامة تقريباً تبينت أنها تسم أغلب قصص المجموعة. وحين قرأتها بالصدفة بعد ما انتهيت من كتابة قصص المجموعة قررت أن أصدِّر بها المجموعة.
أنت مولع بفكرة الحواس لدرجة أن لديك مجموعة بعنوان "أشباح الحواس".. لماذا؟
كثيراً ما أشعر أن ثمة عالماً آخر غير مرئي يستتر عن أبصارنا لكنه يحيط بنا. إشارات من عالم غير منطقي مباشر، بل رمزي، تكشف عن نظام باطني للأشياء، قد لا نعيه بالحواس المألوفة، لكنه يتسرب إلينا من خلالها. وفي المجموعة التي ذكرتها كانت هناك أكثر من قصة تدور حول فكرة المنطق غير المرئي للأشياء لكنه في الوقت نفسه يؤثر على البشر بقوة. كما لو أن الحواس، في حالة شبحية، تُنتج نصًّا خفيًّا للأشياء. وعلاقتنا بالحواس الحقيقة علاقة مركبة فاستدعاء رائحة ما قد تكون علامة على ماضٍ أو زمنٍ أو شخص.
أشباح الحواس كأنها تعبير عن نوع من اللاوعي اللغوي المماثل لفكرة اللاوعي في علم النفس. كما لو أم الحواس تخلق أشباحها كـ"تسريبات" من أعماق النفس البشرية، قد تعبر عن مخاوف أو رغبات مكبوتة أو ذاكرة دفينة.
مجموعتك تقترب من السينما بشكل رائع في أكثر من موضع.. هل تعتبر السينما واحدة من منابع الكتابة بالنسبة لك؟
للسينما قدرة سحرية على الإلهام بالفعل. والأفلام تمثل جانباً لا يستهان به من تشكيل وعينا الجمالي. والسينما بلا شك مثلت رافداً ملهماً لكتَّاب كثر في العالم. بالإضافة حتى لأثرها الهائل على تطور تقنيات الكتابة من حيث المشهدية والتقطيع أو المونتاج بل وحتى محاولة تقمص زوايا رؤية مختلفة مثل اللقطات التي تصورها الكاميرا للمجاميع أو الزاوية المماثلة لما يعرف بنظرة الطائر. في المجموعة فعلاً هناك استلهام لعالم السينما في أكثر من قصة تكشف الأثر العميق لها حتى على الأفراد، في فهمهم لحياتهم أو في تمثل حيوات عايشوها خلال مشاهدة أفلام سينمائية مختلفة. بالمناسبة حتى في رواية "أبناء الجبلاوي" كان ثمة استلهام لفيلم المريض الإنجليزي أيضاً في أحد مواضعها.
استلهمت قصة "أشباح المغارة" من فيلم "الأحلام" للمخرج الياباني كيروساوا.. ما الذي يجذبك إلى أعماله وإلى هذا الفيلم بالتحديد؟
شاهدت عدة أفلام لهذا المخرج الاستثنائي، وأغلبها مستلهمة من أعمال أدبية سواء عالمية مثل فيلم "فوضى" مثلاً، وبعضها مستلهم من الأدب الياباني مثل فيلم "راشومون" المأخوذ عن رواية بنفس الاسم. وقد قرأت الرواية أيضاً من تأليف أكوتاجاوا وترجمها المترجم القدير كامل يوسف حسين. لكن فيلم "الأحلام" بشكل خاص بين أفلام كيروساوا يعتمد أولاً على تيمة استدعاء أحلام. وهي في مجملها تقريباً مشاهد بلا كلام، وتلعب الصورة والألوان والحركة دور البطولة. أحلام طفولة غامضة، أو مشاهد من عوالم الطبيعة القاسية في مواجهة روح غامضة، وتمثل معاً ثمانية أحلام بينها حلم "النفق" الذي يجمع بين قائد عسكري وأرواح جنوده، وهو الذي ألهمني قصة "أشباح المغارة". هذا مشهد يسكنني منذ شاهدت الفيلم لأول مرة، وربما كررت مشاهدته بسبب هذا المشهد. لكني طبعاً قدمت معالجة مختلفة تقوم على فكرة قدرتنا على مواجهة ذواتنا وضمائرنا.
كذلك تقترب من السينما الفرنسية في قصة "سينمافيليا".. لماذا اخترت باريس مسرحاً لأحداث تلك القصة؟
باريس بالنسبة لي هي أول مدينة أوروبية أقوم بزيارتها وكان ذلك وعمري 30 عاماً، وهي بالنسبة لي، كما هي تقريباً لأجيال من البشر وخصوصاً الفنانين مدينة الفن والجمال والمتاحف، وهي أيضاً المدينة التي نقرأ عنها كل شيء سواء من الأعمال الأدبية أو مذكرات الكتَّاب الذين عاشوا فيها لذلك حين يقوم المرء بزيارتها لأول مرة يراوده هذا الشعور الغريب بأنها مدينة غريبة أليفة. غريبة لأنك تراها لأول مرة لكنها أليفة لأنك شاهدت صور كل شيء فيها من قبل بما في ذلك أشهر لوحات اللوفر. هذه الحالة كانت في تقديري مناسبة لحالة بطل القصة الذي يعيش اغتراباً وجودياً في بلده وفي البلاد التي كان يهرب إليها من قصة حب فاشلة. ولأنها أيضاً المدينة التي يشيع عنها أنها مدينة الجمال والأنوار، لكنها أيضاً خصوصاً في الليل قد تكون موحشة وحزينة. كان ذلك إحساسي بها وهو الجو العام الذي وجدته مناسباً لموضوع القصة.
باريس ليست المدينة الأوروبية الوحيدة في هذا العمل.. هناك أيضاً مدينة إسبانية على ما يبدو في قصة "حارسة الحكايات" هل أردت توسيع جغرافيا القصص من خلال كتابتها عن مدن بعيدة؟
صحيح، هناك ظلال لمدينة قرطبة الإسبانية في قصة "حارسة الحكايات" بالفعل. وهي محاولة من خلال اختيار المكان (قصر تاريخي) لاستدعاء زمنين في الوقت نفسه، زمن تاريخي قديم وزمن معاصر. وهناك قصة بعنوان "امرأة من أقصى المدينة" تستدعي مدينة غير مسماة لكنها تحيل إلى الصين. وهي ليست محاولة لتوسيع جغرافيا القصص بقدر ما كانت رغبة في توسيع خارطة مشاعر الاغتراب والأسئلة الوجودية. أو تلمس تلاقي المشاعر الإنسانية أو تماثلها على اتساع خارطة الجغرافيا.
في نفس القصة، أقصد "حارسة الحكايات" يقول البطل إن "التاريخ كله خرافة" فما مدى إيمانك أنت بتلك المقولة؟
من فترة تراودني صورة فتى يطل من لوحة فنية على العالم ويبدو مندهشاً ولكن بلا إفراط كبير، وكنت أرى فيها الصورة التي نستقبل فيها العالم في مرحلة الطفولة والصبا كمسلمات. مستقبل العالم كما نراه ونتوهم أنه على هذه الصورة "الثابتة"، الأب والأم والعائلة والتاريخ المشهود، وتصل لنا وقائع التاريخ عبر رؤى هذا المحيط فنتمثلها أيضاً باعتبارها كل الحقيقة، ونثبت الصورة ونمضي. ثم مع مرور الوقت نتبين أن الأمر ليس كذلك، بل يذهلنا أن نتلقى صوراً مناقضة لكل ما تصورناه من محيط الآخرين. فتبدأ الصور الثابتة تتخلخل، ونمضي نحن في البحث عن الحقيقة التي غالباً ما تتضمنها كتب التاريخ التي نتلقاها في البداية أيضاً بوصفها الحقائق حتى نتبين أن كل كاتب تاريخ يكتبه من منظور محدد. أما حين نعايش أحداثاً كبيرة مثل ثورة يناير وما شهده العالم بعد ما أسماه البعض الربيع العربي فنجد أن "التاريخ" الذي نتصور أننا عايشناه يُكتب أمام أعيننا بأكثر من تصور وأكثر من وجهة نظر. هذا مثلاً له ظلال في قصة "كضربتين في معركة" بين قصص المجموعة أيضاً. لكن "حارسة الحكايات" تسلط الضوء بشكل مباشر على أن التاريخ يمكن أن تكون له ألف صورة مختلفة حسب اختلاف شهوده، وبالتالي أن التعامل مع التاريخ ينبغي أن يتم عبر مقارنة مئات الشهادات والسرديات للتوصل للصورة "الأقرب" لما يمكن اعتباره الحقيقة وليس الخرافة.
هل أردت من خلال هذه القصة أن تستعيد الأندلس؟
هذه القصة كتبت خلال فترة انشغالي الطويلة بالأندلس من أجل كتابة رواية "بيت من زخرف" التي تناولت فيها سيرة الفيلسوف العربي الأندلسي ابن رشد. ولأجل ذلك زرت الأندلس، وخصوصاً قرطبة أكثر من مرة، وتأثرت كثيراً بهذه المدينة وأيضاً بتاريخ الاندلس. وغالباً خلال كتابة الرواية هناك تفاصيل تشغلني ثم لا أجد لها مساحة مناسبة في الرواية، فأعمل على تناولها بشكل مستقل. لم يكن انشغالي هنا باستعادة الأندلس بل بماضي الأندلس معكوساً في العصر الراهن، في محاولة للفت الانتباه مرة أخرى لموضوع "التاريخ" وكيفية التعامل معه. فصورة ابن رشد على سبيل المثال في مشوار بحثي عنه تم تداولها بأشكال متباينة، فهو فقيه وإمام تولى القضاء في قرطبة وإشبيلية، وهو الشارح الأكبر لأرسطو، وهو شيطان بالنسبة لتوما الإكويني وهي الصورة التي جسَّدها له أيضاً دانتي في كتابه "الكوميديا الإلهية". فكيف نصل إلى صورته الحقيقية الموضوعية. ولهذا تأتي القصة "حارسة الحكايات" كظلال لأفكاري عن أسئلة التاريخ وكيفية استخلاص الحقيقة من بين آلاف الصور المزيفة والمدسوسة.
قصص المجموعة طويلة نسبياً.. هل لذلك فلسفة لديك؟
صحيح، هذه أول مرة أكتب قصصاً بهذا النَفَس الطويل. ربما رغبة في تغيير منطق البناء القصصي، والبحث عن إيقاع مختلف نسبياً مقارنة بالإيقاع الذي تنتجه القصص المكثفة. مع محاولة إيجاد معادل قصصي لرؤيتي للرواية التي تعبر عن حياة لا تنتهي ولا يمكن لنا أن نفهم فيها كل شيء. فالكاتب أيضاً لا يعرف كل شيء وينبغي أن يترك شيئاً ناقصاً كما تقول أليس مونرو. وهذا قريب أيضاً من لغز النفس البشرية في محاولتها حتى لفهم نفسها. القصة الطويلة كانت محاولة لترسيخ هذا الإحساس بشكل ما.
ما الذي تمنحه لك القصة ولا تمنحه الرواية؟
طبعاً الرواية مشروع عقلاني طويل النَفَس، ويحتاج إلى جهد شاق يستمر لسنوات، لكن القصة تقدم لي لوناً من الشحن العاطفي وفق شروط الكتابة القصصة القائمة على التكثيف بشكل ما، وربما نوعاً من العفوية التي لا تسمح بها الرواية. أيضا القصة تسمح بتجريب بناء جديد أو هيكل سردي غير مألوف أو التركيز على الأثر الشعوري من دون الالتزام بالتفسير المنطقي الذي قد تقتضيه الرواية.
أنت كاتب غزيز الإنتاج هل هذا نتاج الموهبة وحدها أم الموهبة والتنظيم؟
الموهبة وحدها لا تكفي أي كاتب وأياً كانت درجة موهبته. ومن المؤكد أن التنظيم يلعب الدور الأهم في الالتزام بإنجاز مشروعات الكتابة. التنظيم مع نوع من المثابرة مع الزمن الذي لا يرحم.
مَن الكاتب العربي الذي تعجبك قصصه ولماذا؟
قصص الدكتور محمد المخزنجي تأتي في صدارة القصص التي تعجبني وأحب قراءتها ولا أمل من إعادة قراءتها، وبعضها مما كنت أردد لنفسي أنها قصص تكتبني. قصص كاشفة عن قدرة كبيرة في تحويل أي موقف عابر في الحياة إلى قصة مشحونة عاطفياً بشكل مدهش، وهو أيضاً من كتَّاب القصة الذين اختبروا كافة أشكال القصص. القصة الومضة والقصة الطويلة المكتوبة على مهل وتضم الكثير من التأملات، وفيها جميعاً لغة مدهشة ومعجم لغوي دقيق جداً.
وكذلك قصص الأستاذ إبراهيم أصلان رحمة الله عليه في قدراتها على ابتكار قصة من الأحداث أحياناً ومن الكلام القليل جداً إلى حد الصمت. الصمت الذي يولد صخباً هائلاً.
ولكن أيضاً تعجبني كثير من قصص كتَّاب معاصرين في مصر وكثير من دول العالم العربي. ومن الرواد طبعاً الأساتذة الكبار يوسف إدريس ونجيب محفوظ وزكريا تامر وإدوار الخراط.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: قصص المجموعة أکثر من من خلال فی قصة کل شیء
إقرأ أيضاً:
سيدتان وضعتا سولفينيا في الجانب الصحيح من التاريخ (بورتريه)
سيدتان من سلوفينيا برزتا في السنوات الأخيرة، عملتا كلتاهما في الصحافة المكتوبة وفي وسائل الإعلام المرئية والمسموعة.
تحدثتا بصوت مسموع وشجاع وخارج سرب الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة.
لعبتا كلتاهما دورا محوريا في أخذ بلادهما موقفا غير مسبوق في أوروبا بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، وفرض عقوبات على وزيرين في حكومة الاحتلال التي تقوم بحرب إبادة جماعية في غزة بحسب عشرات التقارير والشهادات الأممية والحقوقية.
وكلتاهما ولدتا في ليوبليانا عاصمة سولفينيا، مدينة الثقافة والمتاحف.
تانيا فاجون
لم تكن تخطط لدخول المعترك السياسي أثناء عملها صحفية لمدة 10 سنوات في بروكسل، مؤكدة أنها ليست نادمة على قرارها بالموافقة.
ولدت تانيا فاجون في عام 1971 ليوبليانا، وتخرجت بتخصص في الصحافة من كلية العلوم السياسية والاجتماعية بـ"جامعة ليوبليانا".
وفي عام 2005 حصلت على درجة الماجستير في العلوم والسياسة الدولية من كلية الدراسات متعددة التخصصات بـ"جامعة باريس".
عملت كصحفية ومساعدة محرر في راديو "جلاس ليوبليانا" من عام 1991 إلى عام 1995. وكانت أيضا مراسلة وكاتبة في صحيفة "ريبوبليكا" اليومية في عام 1993. وعملت في قناة "RTV" من عام 1995 إلى عام 2001، ثم مراسلة لنفس القناة في بروكسل إلى عام 2009.
كانت أيضا مراسلة لشبكة "CNN" من عام 1995 إلى عام 2001.
انتخبت عضوا في البرلمان الأوروبي منذ عام 2009 عن الحزب "الديمقراطي الاجتماعي"، المنتمي إلى التحالف "التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين" وحتى عام 2022 حيث تقلدت منصب نائب رئيس الوزراء، وزيرة الخارجية والشؤون الأوروبية في سلوفينيا، لتصبح أول امرأة تتولى هذا المنصب في بلدها.
تتحدث اللغة السلوفينية والإنجليزية والألمانية والفرنسية والكرواتية.
أخذت موقفا واضحا وشجاعا منذ بدء الحرب الوحشية الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر عام 2023.
فعبرت عن دعم بلادها لقرارات محكمة العدل الدولية حول فلسطين، واستعداد بلادها الانضمام إلى دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، ورفضها الكيل بمكيالين على ضوء الموقف من الحرب في أوكرانيا. كما عبرت عن دعمها لوقف توريد الأسلحة لدولة الاحتلال.
وفجر قرار حكومة بلادها تصنيف وزير "الأمن القومي" الإسرائيلي إيتمار بن غفير، ووزير "المالية" بتسلئيل سموتريتش، "شخصين غير مرغوب فيهما" سابقة دولية مهمة وحاسمة.
وبذلك تكون سلوفينيا أول دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تتخذ قرارا مباشرا من هذا النوع بحق "مسؤولين" إسرائيليين على خلفية الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية.
وأعلنت أنها ستصبح أول دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تحظر أي تجارة أسلحة مع الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك استيراد وتصدير ونقل الأسلحة من وإلى النظام. وأنها تتخذ هذا الإجراء بشكل مستقل، حيث لم يتمكن الاتحاد الأوروبي من اتخاذ موقف موحد بسبب الخلافات الداخلية.
وقالت: "نرسل رسالة واضحة للنظام الإسرائيلي مفادها أن مجزرة المدنيين الأبرياء يجب أن تتوقف".
وأضافت أن سلوفينيا "ستتخذ المزيد من الإجراءات ضد النظام الإسرائيلي في الأسابيع المقبلة". وأعربت عن فخرها بقرار سلوفينيا الاعتراف بفلسطين دولة، وقالت: "أعتقد أننا على الجانب الصحيح من التاريخ".
وأضافت "بلادي كانت تتحدث بصوت عالٍ بشأن الحرب على غزة وما خلفته من قتل وتشريد لآلاف الفلسطينيين"، داعية إلى محاسبة المسؤولين عن هذه "الانتهاكات الجسيمة.
ناتاشا بيرتس موشار
صحافية وحقوقية بارزة في بلادها وفي أوروبا، مارست المحاماة والصحافة، فضلت البقاء بعيدا عن لعبة التجاذبات الحزبية في بلادها فدخلت السياسية كمستقلة.
ولدت ناتاشا بيرتس موشار في عام 1968 في ليوبليانا، درست القانون في كلية الحقوق بـ"جامعة ليوبليانا" عام 1992، وكان المشرف الأكاديمي عليها آنذاك ماركو إيليشيتش، الذي أصبح لاحقا قاضيا في محكمة العدل الأوروبية. وفي عام 2015، حصلت على درجة الدكتوراه من كلية الحقوق بـ"جامعة فيينا".
بدأت العمل في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون السلوفينية، حيث أمضت 6 سنوات كصحفية ومقدمة للبرنامج الإخباري الرئيسي. وبعد ذلك، عملت لمدة 5 سنوات كمقدمة للبرنامج الإخباري المركزي على القناة التلفزيونية " "POP TV.
أكملت تدريبا مهنيا في شبكة "CNN" في أتلانتا، جورجيا. ثم واصلت دراستها لمدة فصلين دراسيين في "جامعة سالفورد" في إنجلترا، حيث خضعت لتدريبات ميدانية في عدة مؤسسات إعلامية كبرى، منها "بي بي سي" وسكاي نيوز" و" رويترز" .
في 2003، انضمت إلى المحكمة العليا في سلوفينيا، وعملت كنائبة لرئيس الهيئة المشتركة للإشراف على اليوروبول (جهاز الشرطة الأوروبي)، ثم تولت رئاسة هذه الهيئة التابعة للاتحاد الأوروبي من عام 2012 وحتى نهاية ولايتها كمفوضة للمعلومات.
ولاحقا أسست مكتبها الخاص للمحاماة.
في عام 2022، أعلنت ناتاشا بيرتس موشار ترشحها لرئاسة جمهورية سلوفينيا بصفتها مرشحة مستقلة، وبأنها لا تعتزم الانضمام إلى أي حزب مستقبلا، وحظيت بدعم اثنين من رؤساء سلوفينيا السابقين، ميلان كوتشان ودانيلو تورك. وعلى الرغم من تمسكها بصفة "المرشحة المستقلة"، إلا أن بعض الأحزاب، مثل حزب "القراصنة" وحزب "الشباب – الخضر الأوروبيون"، أعلنوا دعمهم لها.
وفي الجولة الأولى من الانتخابات حلت موشار في المركز الثاني، وفي الجولة الثانية فازت على مرشح الحزب "الديمقراطي السلوفيني"، لتصبح بذلك أول امرأة تنتخب رئيسةً لسلوفينيا.
ورغم أن منصب الرئاسة في سلوفينيا شرفي إلى حد كبير، لكن يظل الرئيس هو القائد العام للقوات المسلحة، ومسؤول أيضا عن ترشيح العديد من كبار المسؤولين، ومن بينهم محافظ البنك المركزي، لكن يتعين على البرلمان المصادقة على معظم الترشيحات.
شكل تصريحها حول غزة سابقة أوروبية، بحكم موقعها الرسمي، بعد أن وصفت ما يجري في قطاع غزة الفلسطيني، بأنه "إبادة جماعية" وأن "العالم يلتزم الصمت حيال ذلك" في كلمة ألقتها بالبرلمان الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل.
وتابعت "ما نشهده في غزة هو إبادة جماعية، ونحن صامتون حيالها. ندعو إلى وقف فوري للهجمات في إطار القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان".
وشددت موسار على أن الهدف الأساسي للاتحاد الأوروبي يجب أن يكون إنهاء الأعمال العدائية.
وأكدت على أن الاعتراف بدولة فلسطين هو "خطوة ضرورية نحو سلام دائم وعادل في المنطقة".
وأخذت موقفا واضحا بلا مواربة من كل ما يجري من جرائم واستخدام التجويع سلاحا في الحرب.
سيدتان إلى جانب أعضاء الحكومة والمشرعين في سلوفينيا يقفان إلى الجانب الصحيح من التاريخ، فيما غيرهما لا يزال يختبئ تحت عباءة العار والصمت التواطؤ.
المدينة التي ولدتها فيها تحمل رمز التنين، ويصور ذلك على الجزء العلوي من برج قلعة ليوبليانا الظاهر في الشعار الرسمي لمدينة وعلى جسر التنين، و يرمز هذا التنين للقوة والشجاعة والعظمة.