في تحول لافت ضمن مشهد التمدد الروسي في القارة الإفريقية، أعلنت مجموعة فاغنر شبه العسكرية انسحابها من مالي بعد ثلاث سنوات من الحضور الميداني المكثف، لتُسلّم المهام إلى كيان جديد يحمل اسم "فيلق إفريقيا" (Africa Corps)، والذي يُعدّ امتدادًا أكثر انضباطًا وخضوعًا لوزارة الدفاع الروسية. هذا التحوّل لا يُعبّر عن تراجع في النفوذ الروسي، بقدر ما يكشف عن إعادة هيكلة دقيقة للتدخل العسكري الروسي في دول الساحل الإفريقي، بما يعكس رغبة الكرملين في إحكام قبضته الاستراتيجية عبر أدوات أكثر رسمية وأقل إثارة للجدل الدولي.

يأتي هذا التغيير في ظل تصاعد الانتقادات الحقوقية الموجهة إلى فاغنر، وتزايد الأسئلة حول فعالية وجودها في تحسين الأمن الداخلي في مالي، خصوصًا بعد الفشل في استعادة الاستقرار على نطاق واسع رغم استرجاع مدينة كيدال.

ويبدو أن "فيلق إفريقيا" ليس مجرد إعادة تسمية، بل خطوة نحو إضفاء شرعية ميدانية على أدوار موسكو الجديدة في إفريقيا، في وقت تتراجع فيه الشراكات الغربية التقليدية في المنطقة.


من فاغنر إلى فيلق إفريقيا: تبدل الأدوار لا يعني تغيّر الأهداف

حسب مصادر روسية، يأتي "فيلق إفريقيا" كبديل مباشر لمجموعة فاغنر، ويضم خليطًا من عناصر سابقة بالمجموعة إلى جانب مجندين جدد، تحت إشراف مباشر من وزارة الدفاع الروسية، وهو ما يقطع مع الطابع "الخاص" وغير الرسمي لفاغنر، ويعكس توجهًا روسيًا نحو عسكرة منظمة وأكثر انضباطًا للنفوذ في مالي ودول الجوار.

ورغم أن المجلس العسكري المالي لم يؤكد رسميًا وجود فاغنر من قبل، مكتفيًا بالحديث عن "مدربين روس"، فإن التحول الجديد يكشف جانبًا من التنسيق غير المعلن بين باماكو وموسكو منذ الانقلاب العسكري عام 2021، الذي تلاه انسحاب تدريجي للقوات الفرنسية وقوات الأمم المتحدة.


حصاد سنوات فاغنر: نجاحات محدودة وانتهاكات موثقة

تصف مجموعة فاغنر تجربتها في مالي بالإيجابية، مشيرة إلى دورها في استعادة مدينة كيدال من سيطرة المتمردين الطوارق. إلا أن هذا التقييم يتناقض مع تقارير منظمات حقوق الإنسان التي وثّقت انتهاكات جسيمة ارتكبها عناصر فاغنر بحق المدنيين، من بينها عمليات إعدام ميدانية واختفاءات قسرية.

كما فشلت المجموعة، وفقًا لمراقبين، في تحقيق الأمن الشامل على كامل الأراضي المالية، حيث لا تزال مناطق عديدة تعاني من هجمات الجماعات المسلحة وانعدام الاستقرار، ما يطرح تساؤلات حول جدوى هذا النموذج من التدخلات.

قراءة في التبدل الروسي: تكتيك جديد لنفوذ دائم؟

يرى محللون أن استبدال فاغنر بـ "فيلق إفريقيا" لا يعني تراجعًا للنفوذ الروسي، بل هو "تعديل في التكتيك" بعد التفكك التنظيمي الذي طال فاغنر إثر مقتل قائدها يفغيني بريغوجين في حادث غامض عام 2023.

ويُرجح أن هذا التغيير يعكس رغبة موسكو في تنظيم أنشطتها الخارجية عبر مؤسسات أمنية أكثر خضوعًا للدولة، في ظل التنافس الجيوسياسي الحاد مع القوى الغربية.

تداعيات إقليمية محتملة

هذا التحول الروسي في مالي يُتابَع عن كثب في دول الجوار مثل بوركينا فاسو والنيجر وتشاد، حيث تُعد الديناميات الأمنية هشة ومعرّضة للتأثر السريع بأي متغيرات في التوازنات العسكرية. ومع انكماش الدور الأممي والغربي، يتصاعد النفوذ الروسي بوصفه فاعلًا عسكريًا جديدًا، ولكن بتكلفة إنسانية وأمنية لم تُحدّد بعد.


في النهاية خروج فاغنر من مالي لا يعني مغادرة روسيا، بل دخولها من باب جديد أكثر تنظيمًا وتحكمًا. وبينما يأمل البعض أن يؤدي هذا التغيير إلى مزيد من الاستقرار، يخشى آخرون من استمرار نمط التدخلات غير الشفافة والممارسات القمعية، في ظل غياب مساءلة حقيقية أو رقابة دولية فعّالة.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: فاغنر فيلق إفريقيا روسيا مالي مجموعة فاغنر المرتزقة الروس الكرملين القوات الروسية في إفريقيا الساحل الإفريقي كيدال الأمن في مالي الانسحاب الروسي حقوق الإنسان المرتزقة وزارة الدفاع الروسية باماكو المجلس العسكري المالي

إقرأ أيضاً:

الجيش الأميركي نفذ طلعات جوية فوق ساحل فنزويلا

13 دجنبر، 2025

بغداد/المسلة: نفذ الجيش الأميركي طلعات جوية فوق الساحل الفنزويلي بمقاتلات وقاذفات ومسيرات استطلاع خلال الأسابيع الأخيرة، على ما أظهر تحليل لوكالة فرانس برس، وسط مخاوف متزايدة من اندلاع نزاع بين البلدين.

وحشدت واشنطن أسطولا ضخماً من السفن الحربية في منطقة الكاريبي في إطار ما تسميه جهود مكافحة المخدرات، وشنت منذ أيلول/سبتمبر ضربات استهدفت سفنا يعتقد أنها تُهرّب مخدرات، ما أسفر عن مقتل نحو 90 شخصا.

وتصاعدت التوترات الإقليمية نتيجة هذه الضربات والحشد العسكري، إذ اتهم الرئيس الفنزويلي اليساري نيكولاس مادورو واشنطن باستخدام تهريب المخدرات ذريعة لتغيير النظام في كراكاس.

وبحسب بيانات لموقع “فلايت رادار 24” لتتبع حركة الطيران، حللتها وكالة فرانس برس، حلّقت طائرتان من طراز إف/إيه-18 تابعتان لسلاح البحرية الأميركي فوق خليج فنزويلا لأكثر من 40 دقيقة الثلاثاء، واقتربتا لمسافة تزيد قليلا على 35 كيلومترا من الساحل.

وكانت طائرة حربية أخرى تحلق شمالا عند بدء المهمة.

وفي اليوم نفسه، حلّقت طائرة استطلاع مسيّرة بعيدة المدى لعدة ساعات على امتداد مسافة تبلغ 800 كلم فوق البحر الكاريبي، وهي المرة الأولى التي يُرصد فيها إرسال إشارة من هذا النوع من الطائرات منذ ما لا يقل عن شهر.

كما حلّقت طائرة مسيّرة أخرى على ارتفاعات شاهقة في المنطقة نفسها صباح الجمعة.

بالإضافة إلى ذلك، سُجّلت خمس طلعات جوية لقاذفات من طراز بي-1 وبي-52 وطلعتان لطائرات طراز إف/إيه-18 على بُعد 40 كلم من الساحل الفنزويلي بين أواخر تشرين الأول/أكتوبر وأواخر تشرين الثاني/نوفمبر.

كما حلّقت طائرات أخرى غير مُدرجة في البيانات في أجواء البحر الكاريبي، فعلى سبيل المثال، أظهرت صور نشرها الجيش الأميركي قاذفات برفقة طائرات الشبح إف-35 لم تظهر على موقع فلايت رادار 24.

وتتهم الولايات المتحدة مادورو بتزعم عصابة لتهريب مخدرات وقد عرضت مكافأة قدرها 50 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عنه.

وصرح الرئيس دونالد ترامب لموقع بوليتيكو الاثنين بأن “أيام مادورو باتت معدودة”، ولم يستبعد غزوا بريا أميركيا لفنزويلا.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • الجيش الأميركي نفذ طلعات جوية فوق ساحل فنزويلا
  • روسيا وجنوب إفريقيا تؤكدان أهمية التعاون في مجموعة العشرين
  • ضبط طرفي مشاجرة بالإسكندرية بسبب خلاف مالي
  • جهاز مكافحة المخدرات يضبط مشتبهين بحيازة حشيش في الساحل
  • وزير العمل: ننتظر إقرار الموازنة أو تخصيص مالي لشمول فئات جديدة بالرعاية الاجتماعية
  • روسيا تدمر أكثر من 250 مسيّرة أوكرانية فوق مناطق عدة
  • السيد شهاب يستعرض التعاون العسكري بين عُمان ولبنان
  • بوركينا فاسو تفرج عن 11 ضابطا نيجيريا بعد احتجاز طائرتهم
  • طائرة نيجيرية تعيد التوتر بين كونفدرالية الساحل وعملاق الإيكواس
  • العراق يمتلك مقومات هائلة لإنشاء سوق مالي واعد