الثورة نت:
2025-06-13@17:39:37 GMT

جدعون بين الأسطورة اليهودية وأسطورة غزة

تاريخ النشر: 13th, June 2025 GMT

 

مطلَع مايو 2025م أعلن الجيش الصهيوني بدء تنفيذ عملية عسكرية جديدة في قطاع غزة تحت اسم “عربات جدعون”. ليست المرة الأولى التي يسمي الصهاينة مشاريعهم وعملياتهم بأسماء ذات دلالة ورمزية دينية، فالمشروع الصهيوني أساسًا حمل اسمًا دينيًا هو “إسرائيل”.
إن استدعاء الرموز الدينية المجللة بالخرافة ليس مجرّد اختيار عابر، بل يحمل في ثناياه رسائل إيحائية بالنصر المحتوم، والتفوق المقدّس، ومشروعية إلهية تُضفَى على الفعل العسكري.

وفي هذا السياق، تندرج علمية “عربات جدعون”.
هذه التسمية فرصة سانحة لتوضيح حالة الهستيريا الصهيونية التي تسببت بها عملية السابع من أكتوبر، وبدايةً يلزمنا أن نعود إلى نص أسطورة جدعون المذكورة في سفر القضاة:
مُجمل القصة:
مجمل القصة هو أن بني إسرائيل تعرضوا للنهب والإفقار والإذلال من قبل المديانيين لمدة سبع سنوات، وأجبروا على الاختباء في الكهوف. ثم كلف الرب شخصًا يدعى “جدعون” بتخليص بني إسرائيل وأكد له الرب أنه سيُرافقه ويهبَه النصـر وكأنه يضرب رجلاً واحدًا.
تذكر الرواية أن جدعون قلّص عدد جيشه مرتين؛ الأولى عندما سمح للمرتجفين من القتال بالانسحاب، والثانية من خلال اختبار لطريقة شرب الماء، حيث تم استبعاد كل من جثا على ركبتيه أو ولغ بلسانه في الماء، فلم يبقَ معه سوى ثلاثمائة رجل، قادهم جدعون نحو نصر غير متوقع على جيش المديانيين، الذين وُصف عددهم في النص بأنه كـ”الجراد”، وجِمالهم “كالرمل على شاطئ البحر”.
قد تعتقد أن هذه القصة هي السردية اليهودية لقصة طالوت الواردة في القرآن الكريم، لكن بعد بحث سريع يتضح أن قصة جدعون رواية نُسجت عن زمن يسبق زمن قصة طالوت بأجيال، وتختلف عنها في كثير من الأحداث والشخصيات والواقعية..
لماذا أسطورة جدعون في هذا التوقيت؟
مع طول أمد العدوان الصهيوني على غزة، تآكلت مساحة المؤيدين للمذبحة، وظهر التململ والتذمر حتى من داعمي الإبادة، وارتفعت أصواتهم داخل الكيان وخارجه متسائلة عن أسباب غياب الحسم، وعن الجدوى السياسية والعسكرية من حرب بلا أفق.
وفي مواجهة هذا الواقع المأزوم، يستدعي قادة العدو اسم “جدعون” كمحاولة لإيهام الجهات الداعمة بأنهم قد بدأوا تبني سياسة الحسم السريع والضربات الفاصلة، بينما الميدان لا ينطق بأي تقدم على الأرض.
كما تأتي التسمية في ظل المحاولات الصهيونية المستميتة الرامية لإقناع العالم بأن أشلاء الأطفال وصرخات الأمهات ومحو الحياة بالقصف والحصار والمجاعة الممنهجة، له شرعية دينية وإنسانية، فهو “ردة فعل مشروعة”، كما كانت ردة فعل جدعون “مشروعة”.
وبناًء على هذه المسرحية الركيكة، تحاول الدعاية الصهيونية تحويل الجلاد إلى ضحية وليكتب التاريخ أن مستضعفي هذا العصر هم نتنياهو وبن غفير وسموترتش!
مفارقات هستيرية:
رغم محاولة التلفيق والتوفيق بين الواقع الصهيوني اليوم وبين أسطورة جدعون، إلا أن هناك مفارقات صارخة بين الأسطورة القديمة والهستيريا العصرية، مفارقات تعبر عن فجوة عميقة وضحالة فكرية لدى القيادة الصهيونية المتبنية للتسمية، نورد بعَضًا منها:
المفارقة الأولى:
تعتبر التسمية سكان قطاع غزة الذين يتعرضون لأكبر مأساة إنسانية منقولة بالصوت والصورة، هم جيشَ المديانيين الذين “لا يحصى لجنودهم عدد”!
بينما الصهاينة المستندين على جسر جوي مفتوح من الدعم العسكري اللامحدود والذي يمكنهم من التفوق الجوي والبري والبحري في الشرق الأوسط، وتقف خلفهم إمبراطوريات سياسية وإعلامية واقتصادية.. هذا الطرف حسب الرواية هو “جدعون” المستضعف والمشرد، والأقل عددًا وعدة.. هل سمعتم برواية أكثر استحمارًا من هذه؟
المفارقة الثانية:
تذكر الأسطورة أن “جدعون” طلب من المرتجفين والمرتعشين أن يغادروا معسكره طوعًا، بينما “جدعون اليوم” يفرضُ تجنيدًا إجباريًا واسع النطاق، ويزجّ بالمرتجفين والمرتعشين وحتى بالمرضى النفسيين في أتون المحرقة..
نتساءل هنا ماذا لو عاد جدعون ورأى يدي نتنياهو ترتجفان في خطابٍ على الشاشة، ماذا لو شاهده يهرب مسرعًا نحو الملجأ، هل سيقبل اصطحابه للحرب، أم سيأمره بالعودة لبولندا؟
المفارقة الثالثة:
تفيد الأسطورة أن الرب وعد جدعون بأنه سيهزم أعداءه “وكأنه يضرب رجلًا واحدًا”، كتعبيرٍ عن هشاشة العدو وإمكانية إسقاطه بضربة واحدة..
لكن ما يواجهه اليهود اليوم ليس كيانًا بتلك الهشاشة المتوقعة.. لقد اغتيل قادة المقاومة واحدًا تلو الآخر، وسُوِّيت البيوت بالأرض، لكن المقاومة لم تتلاشَ، بل ازدادت شراسة وتجذّرًا، وأفرزت قيادات جديدة أكثر جرأة وازداد المجتمع وعيًا وصلابة، فالفِكر لا تسقطه الضربات والحق لا تبيده الغارات.
المفارقة الرابعة:
انتصار جدعون حسب ما ورد في سفر القضاة، لم يكن بالقوة، وإنما بتغطية ضعفه بالضجيج والضوضاء: هجوم ليلي بصرخة موحدة، مشاعل فجائية، و300 بوق من قرون الكباش، بثّت الرعب في قلوب المديانيين .. أوهمتهم بجيش ضخم ففروا مذعورين.
أما اليوم فـ”عربات جدعون” تواجه خصمًا مختلفًا لم يتزحزح بعد قصفه بأكثر من مائة ألف طن من المتفجرات، ولم ينخدع بالحيل السياسية ولا بالأبواق الإعلامية.
مع هذه المفارقات توجد نقطة التقاء بين الاسم والمسمى وهي: الاعتماد على الخداع كوسيلة لتحقيق النصر..
وهنا يمكن للإنسان أن يتفهم لجوء جدعون إلى الحيلة كوسيلة فهو يقاتل بجيش قليل العدد ضعيف العُدة.
إلا أن ما يصعُب فَهمُه هو لجوء الجيش الصهيوني لنفس الأساليب رغم تفوقه العددي والتكنولوجي الهائل.. هذه النقطة المشتركة لا تدع مجالًا للشك بأن الجيش الصهيوني هو أجبن جيش في العالم.
ختامًا..
وردَ في الأسطورة أن جدعون توعّد القبائل التي اختارت الحياد قائلًا: “إن عدتُ ظافرًا، سأدوس أجسادكم وأهدم أبراجكم” – وهو ما قام به فعلاً.
وفي هذه الجزئية من القصة إشارة تتجاوز حدود غزة، وتمثل جرس إنذار لشعوب المنطقة العربية مفادها:
أن من اختاروا الحياد اليوم، ليس بينهم وبين أن تدوسهم عربات الصهاينة إلا هزيمةُ غزة.
وأمام تلك الأسطورة اليهودية وهذه الهستيريا الصهيونية يرتطم الإسم بالمسمى، وتلتطم آلة القتل بكفٍ مُقاومٍ “يحمي البرايا أجمعين… حتى مماليك البلاد القاعدين”.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

جدعون ليفي: يجب أن تعاقب إسرائيل بأكملها فكلنا بن غفير وسموتريتش

#سواليف

قال الكاتب الإسرائيلي #جدعون_ليفي في مقال نشرته صحيفة هآرتس، إن #العقوبات التي فرضتها خمس دول على وزيري المالية والأمن القومي الإسرائيليين بتسلئيل #سموتريتش وإيتمار #بن_غفير ليست سوى خطوة “صغيرة وحزينة” على طريق إنهاء #المجزرة في #غزة، ولن توقف #الحرب أو #الاحتلال أو الفصل العنصري.

وفرضت حكومات بريطانيا وكندا والنرويج ونيوزيلندا وأستراليا عقوبات على الوزيرين الثلاثاء، 10 يونيو/حزيران.

ووفقا للمقال، فقد حرصت هذه الدول على ألّا تعاقب الوزيرين على أفعالهما، بل على “تصريحاتهما المقززة”، وكأن لسان حال تلك الدول يقول: “ليس من المهذب أن تقول إن حوارة يجب أن تُمحى يا بتسلئيل، وعيب عليك يا إيتمار أن تهتف الموت للعرب!”، حسب تعبير ليفي.

مقالات ذات صلة نائب أردني يشارك في قافلة الصمود 2025/06/13

وعلق الكاتب بسخرية -في إشارة إلى “تفاهة” #العقوبات على حد تعبيره- أن سموتريتش الذي “يحب” الأدب الإسكندنافي والتجول في شوارع أوسلو لن يستطيع بعد الآن زيارة النرويج، بينما سيُحرم بن غفير من مراقبة طائر الكيوي في نيوزيلندا!

وتساءل بتهكم عما إذا كانت الدول الخمس تتصرف بسذاجة أم بجبن، وعما إذا كانت العقوبات خطوة شكلية فقط أم أن من اتخذ القرار يعتقد فعلا أنها ستؤثر على السياسات الإسرائيلية تجاه غزة.
تبرئة الآخرين
وأكد ليفي أن حصر المسؤولية في بن غفير وسموتريتش يفترض وجود “أشرار” و”أخيار” داخل الحكومة الإسرائيلية، وهو بمثابة تبرئة للآخرين ونوع من النفاق، لأن ما يحدث في غزة ليس من صنع هذين الوزيرين فقط، بل هو ثمرة سياسات حكومة بأكملها ومجتمع يساندها، حسب المقال.

ولفت الكاتب إلى أن جميع من يهددون بفرض العقوبات يحرصون أيضا على التمييز بين الحكومة والشعب، وكأنهم يقولون: “كل ما يحصل هو بسبب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته، وليس بسببكم أيها الإسرائيليون الأعزاء”.

وانتقد ليفي هذا الموقف، وقال إن العقوبات يجب أن تُفرض على الحكومة بأكملها، ابتداء بنتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، ووصولا إلى أصغر وزير وضابط وجندي وموظف ينفذ المجازر في غزة.

وأضاف أن أغلبية الإسرائيليين، بحسب استطلاعات الرأي، تؤيد هذه المجازر بل وتنتظر تنفيذ مخطط الترحيل السكاني الذي قد يليها، ولذلك، فإن الضغط الدولي والعقوبات يجب أن تطال إسرائيل ككل دون أي استثناء.

وخلص ليفي إلى أن المشكلة لا تكمن فقط في الوزيرين المتطرفين، بل في المجتمع الإسرائيلي كله، بما في ذلك من يعتبرون أنفسهم معتدلين مثل الزعيم المزعوم للمقاومة الإسرائيلية بيني غانتس، والذي وصف العقوبات بأنها “فشل أخلاقي عميق من العالم”.

وهتف ليفي ساخرا في ختام مقاله: “هل تفهمون الآن أيها الدبلوماسيون وصنّاع القرار: في إسرائيل، نحن جميعا بن غفير وسموتريتش”.

مقالات مشابهة

  • الرئيس الإيراني: الكيان الصهيوني سيندم على أفعاله اليوم
  • السياسي الأعلى: العربدة الصهيونية بالمنطقة يجب أن تتوقف إلى الأبد
  • السياسي الأعلى يُدين العدوان الصهيوني على إيران ويؤكد أن العربدة الصهيونية بالمنطقة يجب أن تتوقف إلى الأبد
  • جدعون ليفي: يجب أن تعاقب إسرائيل بأكملها فكلنا بن غفير وسموتريتش
  • أسطورة البطل جدعون وحرب الرموز بين الاحتلال والمقاومة
  • “المجاهدين الفلسطينية”: عملية “حرميش” رد شعبي طبيعي على جريمة الإبادة الصهيونية
  • سرقة صادمة أمام “الأسطورة مول” في عدن
  • اليوم بالمجان.. عرض «بير السقايا وأسطورة الغريب» بثقافة قنا ضمن مسرح إقليم جنوب الصعيد
  • من عربات جدعون إلى السور الحديدي: هكذا انهارت أسطورة الردع تحت أقدام غزة والضفة