هل تسقط إيران في مصيدة إسرائيل؟
تاريخ النشر: 14th, June 2025 GMT
لم يكن العالم بحاجة إلى دليل جديد يثبت أن الحكومة الإسرائيلية هي حكومة مهووسة بالحروب والمشاكل، مع ذلك قدمت الحكومة دليلًا فاقعًا لا حاجة إليه بضرباتها الليلية على طهران والتي استهدفت قادة وعلماء فيزياء نووية ومواقع مفاعلات إيرانية، مع التوقيت الذي يفضح الهدف الإسرائيلي المباشر وهو إفشال أي مفاوضات مع طهران، مهما بذلت مختلف الأطراف جهودها، والواقع أن المراد كما هو واضح، وكما أعلنت سلطنة عُمان في بيان إدانتها، هو إفشال المفاوضات الجارية مع إيران، والتي كان من المفترض أن تبدأ جولتها الجديدة في مسقط هذا الأسبوع، بينما الهدف الإسرائيلي الأكبر من وراء ذلك هو الإطاحة بأي تقدم عسكري في المنطقة غير إسرائيل، فهل ستساهم المنطقة ودولها في تحقيق ذلك لإسرائيل أم ستتدخل لمنع حدوثه؟
تراكم إسرائيل دائبة ما تملكه من قوة، وتتجسس باستمرار على ما يملكه غرمائها، وحكومتها الحالية تلعب لعبة الاستفزاز العسكري منذ مدة طويلة، سواء بحرب إبادتها الإجرامية المستمرة للفلسطينيين في غزة، أو بجبهاتها التي فتحتها مع لبنان وسوريا، والآن إيران؛ ومن الواضح أن حكومة إسرائيل الحالية لا تريد السلام ولا ترغب به، بل تريد السيطرة بالقوة، وتريد بفعلتها الأخيرة هذه جر العالم بأسره إلى حرب لحسابها الخاص، وأن يشتعل العالم كله كي يغطي على ضيق أفق رئيسها وبؤسه، فهل سيشتعل العالم من أجل نتنياهو وحكومته؟ وهل تنجر المنطقة بأسرها لحرب طاحنة ولن يكون ضحاياها غير الأبرياء بسبب مهووس مختل؟ وهل ستجاري إيران، كما هي رغبة إسرائيل الواضحة جدًا، هذه الحماقة الإسرائيلية المتجسدة في هذه الحكومة، أم ستفوت عليها الفرصة، وتنجز اتفاقها الذي لم يبق عليه غير جولة أخيرة؟ لأن إسرائيل لم تهاجم هذا الهجوم الآن إلا كي تفسد الاتفاق، وتجر إيران إلى ملعبها الحربي.
ليس الملف النووي الإيراني جديدًا، ولا الاتفاق الأمريكي الإيراني المرتقب هو الأول من نوعه، وإدارة ترامب هي التي أفسدت وأبطلت الاتفاق السابق، الذي جرى توقيعه في عهد حكومة باراك أوباما، والآن تسعى لإنجاز اتفاق آخر باسمها هي، وإنجازه ممكن ما دام الأول قد تم، وكل الجهود الدبلوماسية العمانية خاصة مبذولة كي يتكرر الاتفاق ويتعزز، لا لمصلحة ذاتية للأطراف نفسها فحسب، بل لمصلحة المنطقة بأسرها، ولتفويت الفرصة على إسرائيل التي تريد أن يخلو لها الجو لتفعل ما يحلو لها ولرؤسائها، ولكن نجاح الاتفاق سيصبح ملزمًا لكافة الأطراف، وهذا ما تخشاه إسرائيل وهو السبب الذي دفعها للهجوم على إيران، مهما كانت المخاطر، من أجل إفساد الاتفاق بأي ثمن، فهل ستنجر إيران لهذه اللعبة الخطرة؟
من حق إيران بالتأكيد أن ترد على هذا الخرق الإسرائيلي، والخراقة، المحرمة دوليًا، لكن هذا ملعب حكومة إسرائيل الحالية المفضل، وبابها الخلفي، فهي تريد الحريق، تريد تعميم الفرن، أفران الغاز تحديدًا على الجميع، وقد قامت إيران بالرد بطبيعة الحال، لكن على القادة الإيرانيين ألا ينجروا خلف إسرائيل واستفزازاتها، فغاية إسرائيل ليست الحرب الثنائية فحسب، بل غايتها تهديد الوجود الإيراني، وتوريط إيران في مواجهة مباشرة غير متكافئة مع القوى الغربية، وهي المواجهة التي ظلت الثورة الإيرانية تتجنبها بشكل مباشر، وهو ما تتحرق إسرائيل اليوم لتوريط إيران فيه، ليس حتى لمصلحة إسرائيل القومية، بل لمصلحة الحكومة الحالية وحدها.
هذه الحرب التي تريد حكومة إسرائيل إشعالها ليست من مصلحة المنطقة ودولها بطبيعة الحال، بما في ذلك إسرائيل نفسها، وليست من مصلحة الدول الكبرى بما فيها أمريكا وبريطانيا، ذلك أن الإخلال بالسلم والهدوء للمنطقة وسكانها لن يخلف غير الكوارث التي لا حصر ولا عد لها، وافتراض أن إشعال الحرب سهل مثل إطفائها هو وهم، وأن التحكم ممكن في دائرة الحرب هو وهم آخر، فاشتعال المنطقة التي تلتقي فيها المصالح العالمية من الشرق للغرب، بوصفها المصدر الأكبر للطاقة، النفط والغاز، لن يعمل إلا على إشعال أسعار الوقود في كل مكان، وسيجعل الممرات الدولية البحرية والجوية مهددة بهذه الحرب، وهو ما بدأ في الحدوث إذ بدأت خطوط الطيران منذ الجمعة تجنب الأجواء فوق وبين إيران وإسرائيل، ولا شك أن خطوط الملاحة البحرية هي الأخرى ستحذو حذوها، وكل تلك آثار اقتصادية مباشرة غير الارتفاع المباشر لأسعار النفط الذي حدث، وكل ذلك سيتفاقم، ليس في المنطقة وحدها، بل في العالم بأسره، من الصين إلى أمريكا.
لقد كومت إسرائيل قوتها العسكرية عبر افتعال مشاكل مستمرة مع الفلسطينيين المدنيين خاصة، وعبر تغذية العنف المستمر في المنطقة، وإبقائها مشتعلة وملتهبة، بما ضمن لها استمرار تدفق المساعدات العسكرية الأمريكية والغربية، لتهدئة وسواس إسرائيل القهري، وخشيتها المزعومة على أمنها، بينما في الواقع أصبحت إسرائيل وحدها اليوم هي التهديد الأمني القائم والفعلي والذي لا يهدأ في المنطقة، ولا أدل على ذلك من حرب الإبادة المستمرة في غزة أمام بصر العالم أجمع، وصولًا إلى هجمتها الأخيرة على إيران.
تنامت قوة إسرائيل من خلال تلك المساعدات، الأمريكية تحديدًا، من أموال دافعي الضرائب، وعلى دورة اقتصاد أمريكي أصبح أهله ومن يديرونه يتوقعون انهياره، وهو ينهض في استمراريته، على أكتاف بسطاء الناس، والمهاجرين تحديدًا، أولئك الذين يتظاهرون اليوم في لوس أنجلوس ضد سياسات ترامب التي تعمل لترحيل العمال المهاجرين، وغالبيتهم من اللاتين، بينما في الواقع المعيش فإن تلك العمالة اللاتينية هي التي تقوم بالأعمال اليومية البسيطة في حياة الأمريكيين، وتوفر عليهم الجهود والأموال الطائلة، وهي ضرورة فرضتها الظروف مجتمعة. وجزء من تلك الظروف نتجت مباشرة من سياسات الولايات المتحدة الأمريكية وهيمنتها واحتكاراتها وتدخلاتها الخارجية، خاصة في أمريكا اللاتينية، وبفعلها اضطر الشباب للهجرة بحثًا عن فرص أفضل لهم ولأهليهم، وهم حين يتظاهرون اليوم إنما يطالبون بحقهم في العمل والإقامة القانونية، بدل سياسات الترحيل، التي لا تهدف إلا لإثارة مخاوف الناس من بعضهم البعض، وترسيخ العنصرية، وبينما يجاهد هؤلاء الناس البسطاء لنيل أرزاقهم وحقوقهم في شوارع لوس أنجلوس تتدفق المساعدات العسكرية بالمليارات لإسرائيل، وهي لا تفعل بها شيئًا آخر غير إبادة الناس وتهديد أمن الدول المستقلة ودفع العرب للهجرة إلى الغرب أو الشرق، وإثارة الاضطرابات في المنطقة، كما هو واضح.
من جانبها ظلت حكومات الجمهورية الإيرانية المتعاقبة تعمل على فك الحصار الاقتصادي المديد الذي تطوقها به الولايات المتحدة، كل حقبة بذريعة مختلفة، وهو لا يخدم شيئًا آخر غير سياسات التطويع التي تمارسها الولايات المتحدة ضد من تعتبرهم أعداءها، وفي الواقع فإن الولايات المتحدة نفسها هي من أخطأت الحسابات وشنت الحروب المفتعلة في المنطقة والتي صبت بالعكس في مصلحة إيران بشكل مباشر، من حرب أفغانستان، إلى حرب العراق، وظلت الحكومات الإيرانية تحاول الصعود والنهوض ببلدها وسط عداء غربي معلن، تغذيه إسرائيل وأمريكا وبقية منظومة الدول الأوروبية، عبر سياسات أبرزها السياسات الإعلامية الموجهة والمدعومة غربيًا لتشويه صورة إيران، داخلها وخارجها، ومحاولة إثارة الإيرانيين على حكومتهم والإطاحة بها، ولكن الواقع أن الجمهورية استطاعت ليس الصمود فحسب بل أصبحت لاعبًا كبيرًا لا يستهان به في المنطقة، وما الاستفزاز الإسرائيلي الحالي إلا من أجل جر إيران إلى مصيدة الحرب لإضعافها وتدميرها ونهب ثرواتها، وهو من غرور التفوق التكنولوجي والأسلحة المتقدمة وامتلاك السلاح النووي التي بحوزة إسرائيل، أما في الواقع فإن أسلحة إسرائيل المتقدمة والمتفوقة هي أكبر خطر يهدد إسرائيل نفسها.
إبراهيم سعيد شاعر وكاتب عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی المنطقة فی الواقع
إقرأ أيضاً:
مستقبل وطن: التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران يهدد أمن المنطقة والعالم
أعرب محمد عبدالستار، القيادي بحزب مستقبل وطن، عن قلقه العميق تجاه التصعيد العسكري الخطير بين إسرائيل وإيران، وما يشهده الشرق الأوسط من تطورات غير مسبوقة تهدد أمن المنطقة والعالم بأسره.
وقال “عبدالستار”: إننا نتابع بقلق بالغ التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، عقب اندلاع الحرب المباشرة بين إسرائيل وإيران، فإسرائيل شنت هجمات عسكرية واسعة النطاق استهدفت مواقع استراتيجية داخل العمق الإيراني، بما في ذلك مراكز القيادة والمنشآت النووية والمقار العسكرية، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى من القيادات الإيرانية والكوادر العلمية والعسكرية والمدنيين، بينهم رجال ونساء وأطفال."
وأضاف القيادي بحزب مستقبل وطن، "ردّت إيران بقوة عبر إطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة استهدفت العمق الإسرائيلي، ما أدى إلى وقوع خسائر بشرية ومادية جسيمة، ووضع المنطقة على حافة الهاوية."
وحذر المهندس محمد عبدالستار، من أن هذا التصعيد الإقليمي قد يتحول إلى صراع شامل، يهدد ليس فقط استقرار المنطقة، بل أمن واستقرار العالم بأسره، وأكد أن هذه الحرب تُعد انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أن اللجوء إلى القوة العسكرية لن يؤدي إلى تحقيق الأمن لأي طرف، بل سيعمق الصراعات ويزيد من حالة عدم الاستقرار.
وأشاد بموقف مصر الثابت في الدفاع عن الاستقرار في المنطقة، وقال: "نحن ندعم موقف مصر الراسخ بضرورة العودة إلى الحلول السياسية ووقف كافة أشكال التصعيد، وبدء حوار شامل لاحتواء الأزمة ومنع امتدادها، ولا بد من التأكيد على أولوية إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي العربية المحتلة، وعلى رأسها فلسطين والجولان السوري."
وأكد “عبدالستار” على أهمية دور المجتمع الدولي في التعامل مع هذه الأزمة، مطالبًا مجلس الأمن والأمم المتحدة بتحمل مسؤولياتهما تجاه وقف العمليات العسكرية وحماية شعوب المنطقة من ويلات الحرب المدمرة.
كما جدد القيادي بحزب مستقبل وطن دعمه الكامل للشعب الفلسطيني في نضاله المشروع لإقامة دولته المستقلة ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مثمنًا جهود الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في تقديم الدعم الإنساني لأبناء غزة الذين يعانون من حصار وعدوان غاشم.
وختم المهندس محمد عبدالستار، محذرًا من خطورة استمرار التصعيد العسكري، داعيًا كافة القوى العاقلة في العالم للتدخل العاجل لإيجاد حل سياسي للأزمة، ووضع حد لهذه الحرب التي تهدد بانفجار إقليمي شامل. وأكد على ضرورة إطلاق مسار سياسي جاد لتحقيق الأمن والسلام في المنطقة.