طرابلس في مشهد غير مألوف منذ أكثر من 17 عاما، تحولت قافلة "الصمود المغاربية" إلى إحدى أكبر المبادرات التضامنية الشعبية المتجهة نحو قطاع غزة، بمشاركة واسعة من ناشطين من تونس والجزائر والمغرب وليبيا، بهدف كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ورغم انطلاقتها بزخم شعبي واسع، اصطدمت القافلة بمفاجآت غير متوقعة عند تخوم الانقسام السياسي الليبي، إذ وجدت نفسها محاصرة داخل الأراضي الليبية، في تحد جديد للتضامن الشعبي العربي.

انطلقت القافلة وسط أجواء من الحماسة، تضم نحو 15 حافلة كبيرة وأكثر من 150 سيارة محملة بمساعدات إنسانية وطبية، وعلى متنها قرابة 1500 مشارك من دول المغرب العربي. وقد لقيت ترحيبا واسعا من سكان الغرب الليبي، خاصة في طرابلس ومصراتة.

ووفرت السلطات في الغرب الليبي للقافلة التسهيلات اللوجستية اللازمة، من وقود وإمدادات وغذاء، فضلا عن التأمين الكامل لمسار القافلة.

ولكن هذا الزخم الشعبي اصطدم بعقبة مفصلية مساء الجمعة 13 يونيو/حزيران، حين أوقفت قوات الأمن التابعة لـ"القيادة العامة" في شرق ليبيا القافلة عند بوابة الثلاثين غرب مدينة سرت، بدعوى عدم صدور تعليمات أمنية من بنغازي تسمح لها بالعبور، رغم بيان رسمي سابق أصدرته وزارة الخارجية في حكومة "الاستقرار" بشرق ليبيا رحّب بالمبادرة وأهدافها.

القافلة لقيت ترحيبا واسعا من سكان الغرب الليبي (الأناضول) حصار داخلي

وحسب عضو في تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين، فإن التصريحات الرسمية المرحبة لم تترجم على الأرض، إذ وُضعت القافلة تحت حصار فعلي، فقد مُنعت عنها الإمدادات الغذائية والطبية بعد اليوم الأول من التوقيف، كما منع المشاركون من التحرك أو التزود بالمؤن، في وقت أجبر فيه بعضهم على التراجع نحو بوابة الخمسين دون السماح لهم بالعودة.

إعلان

ورغم طلب السلطات في الشرق الليبي عقد لقاء مع ممثلين عن القافلة، فإن الاتصالات انقطعت بشكل مفاجئ، مما أثار الغموض بشأن مستقبل المبادرة ومصير المشاركين.

وقال عضو في تنسيقية مصراتة -فضل عدم كشف هويته- للجزيرة نت إن القافلة لم تُواجه مجرد عرقلة، بل تعرضت أيضا لانتهاكات أمنية متصاعدة، شملت اعتقال 4 مشاركين بسبب نشرهم فيديوهات توثق ظروف التوقيف القاسية.

وأضاف أن الجهات الأمنية نصبت نقطة تفتيش جديدة لمنع أي دعم لوجستي أو غذائي من الوصول، في حين تمت مصادرة أجهزة الإنترنت المحمولة، واستخدام أجهزة تشويش متقدمة لعزل المشاركين عن العالم الخارجي.

وأشار العضو إلى أن المشاركين حُرموا من النوم بفعل الإضاءة الكاشفة المتواصلة طوال الليل، وتحدث عن مضايقات لفظية وتحرشات طالت النساء المشاركات، مما أثار قلق منظمات مدنية كانت تتابع أو تدعم القافلة.

في المقابل، أقامت تنسيقية مصراتة نقطة دعم قرب آخر بوابة أمنية تتبع حكومة الوحدة، لتقديم المساعدة للمنسحبين قسرا، بينهم مصابون بنوبات مرضية بسبب الأوضاع القاسية.

مصير مجهول

في بث مباشر مساء الجمعة 13 يونيو/حزيران، أعلن أحد ممثلي القافلة من موقع التوقيف رفضهم التفاوض مع السلطات قبل الإفراج عن المعتقلين الأربعة، كاشفا عن وجود قافلة ثانية مرابطة قرب بوابة الخمسين في انتظار الالتحاق بالقافلة الأساسية حال الاستجابة للمطالب.

لكن حتى اللحظة، لا يزال الاتصال بالقافلة مقطوعا، وسط محاولات خجولة من بعض الجهات الليبية للتدخل ورفع الحصار الأمني عنها، دون نتائج ملموسة.

وتأتي هذه المبادرة في سياق تصاعد موجة التضامن الشعبي العربي مع غزة، التي تخضع لحصار إسرائيلي خانق منذ أكثر من 17 عاما، وتفاقم عقب عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي ردت عليها إسرائيل بشن حرب إبادة ضد المدنيين وإغلاق المعابر البرية والبحرية ومنع دخول الغذاء والدواء والوقود.

إعلان

وأدى ذلك إلى شلل شبه كامل في القطاع، حيث انهارت البنية التحتية والخدمات الأساسية، وتوقفت الكهرباء والمياه، وانهارت المنظومة الصحية، في ظل أوضاع إنسانية وصفتها منظمات أممية بالكارثية.

ويرى مراقبون أن غزة تعلق آمالا على مبادرات مثل قافلة الصمود، لكن هذه المبادرات تجد نفسها عالقة خلف أسوار عربية، وتواجه عراقيل لا تقل وطأة عن تلك التي تفرضها سلطات الاحتلال، مما يطرح تساؤلات عن جدوى الدعم الشعبي العربي إذا ظل أسير الانقسامات والخطوط الحمراء السياسية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

إعلام فنزويلي يثني على تضامن اليمن: موقف شجاع يجب أن يقتدي به العالم التقدمي

 ووصف الموقع الفنزويلي، البيان الأخير الصادر عن الفريق الوطني للعلاقات الخارجية في الجمهورية اليمنية، والذي أدان "الممارسات العدائية للولايات المتحدة ضد فنزويلا"، بأنه "ليس مجرد خطوة دبلوماسية، بل هو إعلان قوي عن مبادئ دولية ويجب على العالم التقدمي أن يصغي إليه ويقتدي به".

وفي تقرير للكاتب لويس بيريز ليرا، قال الموقع إن قدرة اليمن، الذي يواجه تدخلاً عسكرياً وحصاراً، على مد يد التضامن إلى فنزويلا، هي دليل على أخلاقيات سياسية راسخة و"مثال للشجاعة والثبات الأخلاقي".

وجاء في التقرير:" ففي ظل الأزمة الإنسانية المدمرة التي يواجهها اليمن وتدخل عسكري أجنبي، تُعد قدرته واستعداده لمد يد التضامن إلى دولة ذات سيادة أخرى، فنزويلا، دليلاً على أخلاقيات سياسية راسخة". 

مضيفا": هذه البادرة تتجاوز مجرد الكلمات لتصبح مثالاً للشجاعة والثبات الأخلاقي".

ولفت أن البيان اليمني حاسمٌ للغاية. فهو يصف الإجراءات الأمريكية ضد فنزويلا، كالإغلاق غير القانوني لمجالها الجوي والتهديدات العسكرية، بأنها انتهاك صارخ للسيادة الوطنية وأهم مبادئ القانون الدولي. 

متابعا:" لايكتفي البيان اليمني بإدانة فاترة، بل يضع هذه الإجراءات في سياق حملة متعمدة من الحصار الاقتصادي والسياسي تهدف إلى قمع الإرادة الحرة للشعب الفنزويلي. ويكمن جوهر هذا الموقف في أن اليمن، بوصفه ضحية للتدخل والحصار، يُدرك تمامًا طبيعة الاستعمار الجديد والهيمنة، فإدانته ليست مجردة، بل تنبع من تجربته الشخصية في المعاناة من آثار السياسات القسرية". 

وأكد بيريز ليرا في تقريره، أن موقف اليمن ينبع من تجربته كـ "ضحية للتدخل والحصار"، ما يجعله يدرك تمامًا طبيعة الاستعمار الجديد والهيمنة، ويرى أن نضال فنزويلا جزء لا يتجزأ من النضال العالمي للأمم الحرة ضد هذه الأدوات.

وانتقد التقرير ما أسماه "ازدواجية المعايير" لدى العديد من الحكومات التي تصنف نفسها "تقدمية" أو "يسارية" في العالم، والتي تتخذ "موقفاً خافتاً أو غامضاً" عند مواجهة عدوان القوى الكبرى على دول أصغر ذات سيادة.

ودعا التقرير الحكومات التقدمية حول العالم إلى تبني "الأخلاق اليمنية" وإدانة أي انتهاك للسيادة والقانون الدولي بشدة، مؤكداً أن التضامن الدولي ليس خياراً، بل هو ركيزة أساسية للسياسة الخارجية التقدمية.

مقالات مشابهة

  • الكشري المصري على مائدة التراث الإنساني .. كيف تحوّل طبق شعبي إلى أيقونة ثقافية عالمية؟
  • جهود أمنية لكشف غموض العثور على جثة تاجر أغنام داخل سيارته بالحسينية
  • الكشف على 160 مواطن في قافلة طبية مجانية بالفيوم
  • الجيش الأوكراني: نُحاصر قوات روسية في الجزء الشمالي من مدينة كوبيانسك
  • محافظ أسيوط يفتح بوابة استثمارات هندية جديدة لتوطين صناعة خيوط التللي بالمحافظة
  • إعلام فنزويلي يثني على تضامن اليمن: موقف شجاع يجب أن يقتدي به العالم التقدمي
  • رئيس الاتحاد الليبي للرياضات الجوية، لؤي الجطيلي يُنتخب نائبًا لرئيس الاتحاد العربي
  • جنبلاط: أؤيد إجراء استفتاء شعبي بشأن انضمام لبنان للاتفاقات الإبراهيمية
  • كارثة في بريطانيا جريمة حرق منزل تودي بحياة عائلة
  • بلغاريا تغلي: احتجاجات واسعة ضد الفساد وغضب شعبي ينصبّ على النائب بيفسكي