الصمود المغاربية تضامن شعبي مع غزة يُحاصر داخل حدود عربية
تاريخ النشر: 15th, June 2025 GMT
طرابلس– في مشهد غير مألوف منذ أكثر من 17 عاما، تحولت قافلة "الصمود المغاربية" إلى إحدى أكبر المبادرات التضامنية الشعبية المتجهة نحو قطاع غزة، بمشاركة واسعة من ناشطين من تونس والجزائر والمغرب وليبيا، بهدف كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ورغم انطلاقتها بزخم شعبي واسع، اصطدمت القافلة بمفاجآت غير متوقعة عند تخوم الانقسام السياسي الليبي، إذ وجدت نفسها محاصرة داخل الأراضي الليبية، في تحد جديد للتضامن الشعبي العربي.
انطلقت القافلة وسط أجواء من الحماسة، تضم نحو 15 حافلة كبيرة وأكثر من 150 سيارة محملة بمساعدات إنسانية وطبية، وعلى متنها قرابة 1500 مشارك من دول المغرب العربي. وقد لقيت ترحيبا واسعا من سكان الغرب الليبي، خاصة في طرابلس ومصراتة.
ووفرت السلطات في الغرب الليبي للقافلة التسهيلات اللوجستية اللازمة، من وقود وإمدادات وغذاء، فضلا عن التأمين الكامل لمسار القافلة.
ولكن هذا الزخم الشعبي اصطدم بعقبة مفصلية مساء الجمعة 13 يونيو/حزيران، حين أوقفت قوات الأمن التابعة لـ"القيادة العامة" في شرق ليبيا القافلة عند بوابة الثلاثين غرب مدينة سرت، بدعوى عدم صدور تعليمات أمنية من بنغازي تسمح لها بالعبور، رغم بيان رسمي سابق أصدرته وزارة الخارجية في حكومة "الاستقرار" بشرق ليبيا رحّب بالمبادرة وأهدافها.
وحسب عضو في تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين، فإن التصريحات الرسمية المرحبة لم تترجم على الأرض، إذ وُضعت القافلة تحت حصار فعلي، فقد مُنعت عنها الإمدادات الغذائية والطبية بعد اليوم الأول من التوقيف، كما منع المشاركون من التحرك أو التزود بالمؤن، في وقت أجبر فيه بعضهم على التراجع نحو بوابة الخمسين دون السماح لهم بالعودة.
إعلانورغم طلب السلطات في الشرق الليبي عقد لقاء مع ممثلين عن القافلة، فإن الاتصالات انقطعت بشكل مفاجئ، مما أثار الغموض بشأن مستقبل المبادرة ومصير المشاركين.
وقال عضو في تنسيقية مصراتة -فضل عدم كشف هويته- للجزيرة نت إن القافلة لم تُواجه مجرد عرقلة، بل تعرضت أيضا لانتهاكات أمنية متصاعدة، شملت اعتقال 4 مشاركين بسبب نشرهم فيديوهات توثق ظروف التوقيف القاسية.
وأضاف أن الجهات الأمنية نصبت نقطة تفتيش جديدة لمنع أي دعم لوجستي أو غذائي من الوصول، في حين تمت مصادرة أجهزة الإنترنت المحمولة، واستخدام أجهزة تشويش متقدمة لعزل المشاركين عن العالم الخارجي.
وأشار العضو إلى أن المشاركين حُرموا من النوم بفعل الإضاءة الكاشفة المتواصلة طوال الليل، وتحدث عن مضايقات لفظية وتحرشات طالت النساء المشاركات، مما أثار قلق منظمات مدنية كانت تتابع أو تدعم القافلة.
في المقابل، أقامت تنسيقية مصراتة نقطة دعم قرب آخر بوابة أمنية تتبع حكومة الوحدة، لتقديم المساعدة للمنسحبين قسرا، بينهم مصابون بنوبات مرضية بسبب الأوضاع القاسية.
مصير مجهولفي بث مباشر مساء الجمعة 13 يونيو/حزيران، أعلن أحد ممثلي القافلة من موقع التوقيف رفضهم التفاوض مع السلطات قبل الإفراج عن المعتقلين الأربعة، كاشفا عن وجود قافلة ثانية مرابطة قرب بوابة الخمسين في انتظار الالتحاق بالقافلة الأساسية حال الاستجابة للمطالب.
لكن حتى اللحظة، لا يزال الاتصال بالقافلة مقطوعا، وسط محاولات خجولة من بعض الجهات الليبية للتدخل ورفع الحصار الأمني عنها، دون نتائج ملموسة.
وتأتي هذه المبادرة في سياق تصاعد موجة التضامن الشعبي العربي مع غزة، التي تخضع لحصار إسرائيلي خانق منذ أكثر من 17 عاما، وتفاقم عقب عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي ردت عليها إسرائيل بشن حرب إبادة ضد المدنيين وإغلاق المعابر البرية والبحرية ومنع دخول الغذاء والدواء والوقود.
إعلانوأدى ذلك إلى شلل شبه كامل في القطاع، حيث انهارت البنية التحتية والخدمات الأساسية، وتوقفت الكهرباء والمياه، وانهارت المنظومة الصحية، في ظل أوضاع إنسانية وصفتها منظمات أممية بالكارثية.
ويرى مراقبون أن غزة تعلق آمالا على مبادرات مثل قافلة الصمود، لكن هذه المبادرات تجد نفسها عالقة خلف أسوار عربية، وتواجه عراقيل لا تقل وطأة عن تلك التي تفرضها سلطات الاحتلال، مما يطرح تساؤلات عن جدوى الدعم الشعبي العربي إذا ظل أسير الانقسامات والخطوط الحمراء السياسية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
المشهد السياسي الليبي على أبواب خارطة الطريق
أسبوعان تقريبا تفصلنا عن إعلان خارطة الطريق التي وعدت مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة، هانا تيتيه بالإفصاح عنها خلال إحاطتها الأخيرة في مجلس الامن، وبقدر ما تتجه الأنظار إلى البعثة وخطتها لتسوية النزاع الليبي، بقدر ما تتطور الأحداث في الداخل والخارج تفاعلا ما القادم من البعثة الأممية.
على الصعيد المحلي كانت أهم التطورات التغيير الذي وقع في المجلس الأعلى للدولة، بعد انعقاد جلسة للمجلس استوفت النصاب وانتهت بانتخاب رئاسته بمناصبه الثلاثة، ليعود محمد تكالة إلى قيادة الأعلى للدولة، وكانت ردود الفعل أكثر صدى بعد دعم البعثة الأممية للانتخابات وقبولها بنتائجها، لتتبعها في ذلك بعض الأطراف الدولية المؤثرة.
هذا التطور اللافت لا يمكن استبعاده من السير الحثيث باتجاه خارطة الطريق، فالبعثة التي أيدت انتخابات الأعلى للدولة يهمها أن يكون الوضع السياسي أكثر ترتيبا واستقرارا على الشكل الذي يدعم غاياتها، كما أنها تستفيد من تعثر أو توقف المسار الذي يمكن أن يشكل تحديا لخارطة الطريق ممثلا في تقارب وتفاهم "عقيلة ـ المشري"، وإذا صح هذا التحليل الذي يذهب إليه كثير من المراقبين والنشطاء، فإن الترجيح سيكون للخيار الرابع من خيارات اللجنة الاستشارية التي تسترشد بها البعثة في وضع خطتها للمضي قدما باتجاه الانتخابات، وهو وخيار تشكيل "مجلس تأسيسي".
بمعنى أن إعادة ترتيب التموقع السياسي للمنتظم الراهن ممثلا في جسمين سياديين يعود إليهما اعتماد التوافقات، كما هو مقرر في الاتفاق السياسي، بحيث يكون في حالة "خام" لا رؤى أو خطط أو مصالح تجمعه، سيكون هو الأكثر ملاءمة لتمرير الخطة الجديدة للبعثة، وهذا يتحقق مع وجود تكالة على رئاسة الأعلى للدولة وليس المشري.
المصادر المطلعة تتحدث عن حراك محلي وخارجي يمكن وصفه بالمحموم للبحث في كيفية التماهي مع خطة البعثة وتمرير بعضه مضامينها لصالحها، والتركيز بالطبع يدور حول الحراك متعدد الجهات والاتجاهات حول مسألة محورية ضمن الخارطة وهي الحكومة الجديدة.اجتماع لجنة 6+6 التي كلفت بمراجعة واعتماد قوانين الانتخابات مع اللجنة الاستشارية وبرعاية من البعثة الأممية له دلالته أيضا، خاصة وأن الاجتماع تضمن تفاهمات بينهما من بينها إعادة النظر في قوانين الانتخابات وفي التعديل الدستوري بالخصوص، فهذا يمهد الطريق للقبول بخارطة طريق شاملة تعالج كل المختنقات الرئيسية التي يتمترس حولها أطراف النزاع في الغرب والشرق.
إقليميا ودوليا شهدت المسألة الليبية اهتماما ملحوظا عكسه الزيارات والاجتماعات إقليميا ودوليا، فقد كانت زيارة مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا، مسعد بولس، معنية بالتحول السياسي المرتقب، وكان هذا مضمنا بوضوح في تصريحاته التي سبقت الزيارة، وفي كلام بعض الساسة الأمريكيين، ومعلوم أهمية الدور الأمريكي في أي ترتيبات تفضي إلى تحول كبير في المشهد السياسي الليبي.
القاهرة شهدت لقاءات جمعت الرئيس السيسي بقيادات الشرق، السياسية والعسكرية، وبرغم أن التحليل اتجه إلى التركيز على التنافس التركي المصري على النفوذ في ليبيا، والاتفاقية البحرية التي وقعتها حكومة الوفاق مع أنقرة العام 2019م، إلا إن القاهرة تترقب بحرص واهتمام شديدين اتجاه الأوضاع السياسية في ليبيا، ولن تكون بعيدة عن الترتيبات التي ستأتي بها خطة البعثة الأممية، ومضمون اللقاءات يدور حول تجديد وتمتين التشبيك بين القاهرة وقطبي النفوذ في الشرق الليبي، وهما رئاسة مجلس النواب والقيادة العسكرية استعدادا للتحول الذي سيقع مستقبلا.
اجتماع أنقرة الذي ضم رئيس وزراء إيطاليا والرئيس التركي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية، هو اجتماع غير تقليدي، ولا يمكن تأطيره بالمصالح الاقتصادية والتخوفات الأمنية فقط، فالمصالح الاقتصادية والتهديدات الأمنية مرتبطة بقوة بالوضع السياسي وما يمكن أن يؤول إليه شكل السلطة والنفوذ عقب خارطة الطريق، ولأن إيطاليا وتركيا تمثلان امتدادا لواشطن خاصة في عهد دونلد ترامب، فإن الاجتماع يمكن أن يكون بخصوص التحول القادم في البلاد.
هذا ما يخص الشق المرئي والمعلن، والمصادر المطلعة تتحدث عن حراك محلي وخارجي يمكن وصفه بالمحموم للبحث في كيفية التماهي مع خطة البعثة وتمرير بعضه مضامينها لصالحها، والتركيز بالطبع يدور حول الحراك متعدد الجهات والاتجاهات حول مسألة محورية ضمن الخارطة وهي الحكومة الجديدة.