يحمل العنوان الغرابة التي قد تستوقف القارئ وهو محق فـي ذلك، فما الذي يجمع ميثولوجيا إغريقية فـي جنوب أوروبا مع ميثولوجيا أخرى فـي جنوب الجزيرة العربية، لذلك يستوجب منا تفنيد المقصود حسب الاطلاع والقراءة فـي بعض التوارد بين الميثولوجيتين، ولكن قبل الحديث عن ملامح الشبه بين القصص الواردة فـي الميثولوجيا الإغريقية، والميثولوجيا الظفارية المجسدة فـي اللغة الشحرية، التي وردت على شكل قصص وحكايات ترويها الأمهات، أود الإشارة إلى مصدر القصص الإغريقية وهي رواية الكاتب البلغاري جيورجي جو سبودينوف (1968) الحائز على جائزة البوكر فـي الرواية (2023) عن روايته (ملجأ الزمن) التي ترجمتها إلى العربية مواطنته المترجمة نيديليا كيتايفا عن دار الآداب، كما أنها ترجمت أيضا روايته الثانية (فـيزياء الحزن) الحائزة أيضا على الجائزة الوطنية لأفضل رواية فـي بلغاريا عام 2013، التي تقول عنها: «رواية تجريبية فـيها الكثير من الاقتباسات والعوالم المتشابكة»، تلك الرواية نبهتنا إلى الميثولوجيا الظفارية العالقة فـي الذاكرة، ففـي أحد الفصول أورد قصصا من الأساطير والخرافات الإغريقية القديمة، مثل الأطفال المأكولين التي تشبه قصة (محضيلول وبِليلت) إذ أُكل الفتى (محضيلول) وحُبست أخته (بِليلت) فـي قعر كهف غائر فـي الجبل، تعود القصة التي حكتها الأمهات إلى تيه طفـلين يتيمي الأم فوجدا امرأة سقتهما وأرشدتهما إلى الطريق للوصول إلى مقر أقامتهما، وحين رجع أبيهما من الرعي أخبراه بالقصة وطلبا منه الزواج بالمرأة التي أنقذتهما، نزل الأب عند رغبة طفليه وتزوج المرأة التي ذبحت الفتى وطبخته، وحبست البنت فـي المغارة، ولم يعرف الأب بالأمر حتى رجعت أم الطفلين فـي هيئة طائر وأخبرت الأب بالحقيقة، وهنا أيضا تحيلنا القصة إلى عودة الأرواح فـي حيوات مختلفة كالطيور والقطط، وهذا ما يُعرف بالطوطمية فـي ثقافات أخرى، أما القصة الإغريقية الثانية التي تتقاطع بنية حكايتها مع الحكاية الظفارية فهو طقس التضحية بالبنات العذارى إلى فم الكائن الأسطوري المرابط فـي بحيرة حول المدينة، والذي يتلقى فـي كل مساء كميات من الخبز وفتاة كل مساء حتى لا يلتهم سكان المدينة، وحين حضر الشاب الذي أنقذ أخته من الوأد، والتي غدرت به لاحقا وسلمته للخصوم وذهبت معهم، وجد الشاب ابنة الحاكم تنتظر الكائن الأسطوري لتطعمه الخبز ثم تضحي، فطلب منها خبزة وتكفل بقتل الكائن الأسطوري، وهو ما حدث لاحقا، هذه القصة تشبه قصة الملك مينوس الذي هاجم مدينة أثينا وفرض عليها إتاوة التضحية بسبع عذارى ليأكلهم (المينوتور)، الذي قتله (ثيسيوس) بمساعدة ابنة (مينوس، أريادني)، و(المينوتور) الذي يحمل رأس ثور وجسم إنسان يشبه (بعفـيرور) فـي إحدى القصص الظفارية، الذي يُطعم البنت اليتيمة حليبا وعسلا، بعد أن منعت عنها زوجة أبيها الطعام.

أما القصة الأخرى المتشابهة فقد وردت فـي كتاب (الغصن الذهبي) للمؤلف البريطاني جيمس جورج فرايزر (1854-1941) فقد ذكر «أن الرومان والإغريق كانوا يلجؤون إلى غطس أغصان من شجرة البلوط فـي الماء للحصول على المطر، فعندما ظمئت الأشجار والحنطة من الجفاف، قام كاهن زيوس بغطس غصن البلوط فـي نبع معين على قمة لبكايوس وعند اضطرابه أرسل الماء سحابة سديمية هطل منها المطر على الفور»، القصة الشبيهة بها وقعت فـي ظفار لشقيقين يملكان بعض النوق، فقد انقطع عنهما المطر لعدة سنوات إلى درجة أن النوق لم تدر الحليب وجفت ضروعها، وكان أحد الإخوة يمتلك نبات الماء، فاحتال عليه أخوه وغمس النبتة الجافة التي يحتفظ بها فـي المحفظة الجلدية (هبان) فـي الماء، فتكونت الغيوم وهطل المطر.

تبقى الحكايات الشفوية علامة على انتشارها وذيوعها ورسوخها فـي الذاكرة الشفوية المنزوية قليلا عن مراكز الحضارة، وأن التشابه الظاهر للمتابع ليس بالضرورة أن يكون عبارة عن احتكاك مباشر بين ثقافتين، وإنما يعود إلى مرحلة متقدمة من التطور الذهني للعقل البشري، ومحاولته تفسير ما يحيط به، أو اختلاق قصص وحكايات توافق ذواتهم.

إن القصص والحكايات الأسطورية تُشكل مادة خاما لتوظيفها سرديا ودراميا، فـيما لو توفرت رغبة في البناء على خيال الإنسان القديم، لما وجد تسلية ولا وسيلة تعلم أفضل من القصة والأسطورة.

محمد الشحري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

إصابة طالبة أثناء الامتحانات.. القصة الكاملة لسقوط سقف هندسة الإسكندرية

أصيبت طالبة أثناء إجراء امتحان الفرقة الثانية بقسم الهندسة الكهربية بجامعة الإسكندرية، حيث حدث تصدع وهبوط لطبقة التغطية والدهان لجزء من بلاطة السقف باحد قاعات مبنى كهرباء وتسبب فى إصابة إحدى الطالبات.


وتم استدعاء طبيب وطاقم التمريض بعيادة الكلية لاتخاذ اللازم وتم نقل الطالبة إلى مستشفى الطلبة الجامعى حيث تم عمل الفحوصات والإشاعات العادية والمقطعية اللازمة وتبين أنها خالية من أى كسور أو نزيف، ووجود جرح بفروة الرأس تطلب عمل غرز جراحية وتم وضعها تحت الملاحظة ومغادرتها للمستشفى بعد الاطمئنان على حالتها الصحية.


كما تم إخلاء القاعة ونقل لجنة الامتحان إلى مكان آخر كما قامت ادارة السلامة والصحة المهنية بمراجعة موقف باقى المبنى بالإضافة إلى تشكيل لجنة هندسية للوقوف على الأسباب و الطرق الفنية لمعالجتها

طباعة شارك الإسكندرية جامعة الإسكندرية طالبة الهندسة

مقالات مشابهة

  • علماء يطورون نموذجا للمساعدة في تشخيص مرض الرأرأة
  • زيلينسكي يترك زوجته تحت المطر خلال زيارته إلى فيينا .. فيديو
  • علامات تشخيص جفاف الجسم في الطقس الحار
  • توقعات الأبراج حظك اليوم برج الحوت.. تعاملك الحنون يخفف التوتر مع الشريك
  • إياك ومقالات بيع الكلام!
  • 5مشروبات فعالة في تخفيف الانتفاخ وتحسين الهضم
  • أحد أساطير الحضارة الإغريقية.. من هو المعبود زيوس
  • حكم تيمم المرأة التي تضع مستحضرات التجميل .. دار الإفتاء تجيب
  • إصابة طالبة أثناء الامتحانات.. القصة الكاملة لسقوط سقف هندسة الإسكندرية