أمن الشرق الأوسط تهدده «إسرائيل»
تاريخ النشر: 18th, June 2025 GMT
لن تكون منطقة الشرق الأوسط أكثر أمنا بعد العدوان الإسرائيلي على إيران واستهدافها منشآتها النووية والاقتصادية. فقد سبقتها خطوات لإضعاف النفوذ الإيراني على رأسها اغتيال الرموز المقاومة للاحتلال واستهداف محاور التماس مع «إسرائيل» في سوريا ولبنان.
فمنذ العام 1948م عانت المنطقة من حالة التوتر والاضطراب وعدم الاستقرار لأسباب على رأسها الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
وتكفي الإشارة إلى أن قوات الاحتلال قتلت وجرحت في الأسابيع الأخيرة بدم بارد أكثر من 600 من الفلسطينيين الذين هرعوا للحصول على وجبة طعام كانت وكالات الإغاثة الدولية توزعها في غزة. ولا يكاد يمر يوم بدون سقوط العشرات ضحايا للعدوان والاحتلال. يتم ذلك علنا وليس سرًّا، في واحدة من أكثر حقب الاحتلال بشاعة وإجراما.
أمام هذه الحقائق، فشل هذا العالم المترامي الأطراف في القيام بواجبه تجاه شعب يتعرض للاحتلال والإبادة وفق سياسة ثابتة تهدف لمحو الهويّة الفلسطينية بعد قضم تلك البقعة الجغرافية في بلاد الشام التي تسمّى «فلسطين». وأصبح واضحا بدون لبس أو غموض أن هناك حربا إسرائيلية ـ أمريكية ليس على فلسطين فحسب بل على العمل الدولي المشترك الذي توافقت عليه دول العالم بعد الحرب العالمية الثانية لكي يكون جامعا للدول والشعوب على أساس العيش الآمن والتعاون المشترك والتصدي للعدوان والظلم ومكافحة المجاعة والفقر والاستبداد.
لقد كانت هناك أحلام وردية تراود رموز ما يسمى «العالم الثالث» آنذاك للنهوض ضمن قيم العدالة وحق تقرير المصير لإقامة منظومات سياسية حديثة على أساس المصير المشترك وحكم القانون. وكانت هناك قضايا دولية عديدة تتطلب موقفا دوليا واضحا وقويّا، ولكن الملاحظ أن أغلب هذه القضايا ما يزال عالقا أمام عجز العالم عن اتخاذ قرارات ذات معنى للتعاطي معها. ومنها قضية الحريات وتقرير المصير ومسائل السيادة وحكم القانون. وما تزال هناك قضية فلسطين التي بقيت تتحدى ضمير العالم منذ أكثر من ثلاثة أرباع القرن وما تزال تستعصي على الحل. هذا بالإضافة لقضية كشمير وميانمار وسواهما.
هل فقد العمل الدولي المشترك ومؤسساته مبررات الوجود؟ ولكن ما البديل لذلك؟ كيف يمكن منع العدوان والاحتلال والتعدّي على سيادة الدول وحقوق الشعوب؟ لماذا يستمر الشعب الفلسطيني مشرّدا ومضطهدا طوال هذه الحقبة؟
في الأسبوع الماضي حدث العدوان الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية وسيادتها ومنشآتها التكنولوجية والاقتصادية. وكان عدوانا كاسحا، نجم عنه تدمير بعض المنشآت النووية الإيرانية وقتل العديد من خبرائها في هذا المجال وعلى رأسهم القائد العام للحرس الثوري، حسين سلامي بالإضافة لستة علماء نوويين . ومن المؤكد أن إيران تعرضت لضربة موجعة بهذا العدوان الذي جاء بعد أقل من عام من الاستهداف الإسرائيلي لحلفائها في المنطقة وقتل السيد حسن نصر الله، زعيم حزب الله في لبنان. وتوقّع الكثيرون ردّا إيرانيا يتناسب مع العدوان الإسرائيلي، ولكنه لم يتحقق، الأمر الذي شجّع نتنياهو على الاستمرار في استهداف طهران.
الأمر المثير للقلق غياب الآليات الدولية التي تمنع العدوان، وهذا واضح من استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزّة منذ أكثر من 20 شهرا، التي تؤدي لقتل العشرات يوميا، بدون أن يكون هناك موقف دولي رادع، سواء من الأمم المتحدة أم مجلس الأمن الدولي أم الاتحاد الأوروبي. فكأن هذا العالم يقول للإسرائيليين: افعلوا ما شئتم ولا تخشوا شيئا. وكما يقال: من أمن العقوبة أساء الأدب. ولقد أصبح واضحا أن لدى «إسرائيل» وحلفائها مبدأ ثابتا بالحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي بأي ثمن. ومن أهم مقومات هذا التفوق امتلاك السلاح النووي. وقد غض العالم طرفه عن المشروع النووي الإسرائيلي منذ تأسيسه.
فقد بدأت إسرائيل العمل في المجال النووي بعد وقت قصير من تأسيس كيانها في العام 1948. ودعمتها فرنسا في أواخر الخمسينيات في بناء مفاعل نووي ومصنع لإعادة التجهيز في ديمونا. ويعتقد أنها بدأت إنتاج السلاح النووي في أواخر الستينيات بدعم غربي مباشر.
ولم يعرف العالم تفصيلات ذلك المشروع إلا في العام 1986 عندما قدّم مردخاي فعنونو، وهو فني نووي إسرائيلي سابق، تفاصيل وصورًا واضحة لصحيفة «صنداي تايمز» عن برنامج أسلحة نووية إسرائيلية كان يعمل ضمنه لمدة تسع سنوات، وشمل ذلك معدات لاستخراج مواد مشعة لإنتاج أسلحة ونماذج معملية لأجهزة نووية حرارية (أجهزة تستخدم لصناعة قنابل هيدروجنية). واستمرت في تطوير ذلك المشروع حتى استطاعت تصنيع القنبلة النووية وأصبح لديها مخزون كبير يقدّر بـ 200 رأس نووية. تم ذلك بغطاء غربي محكم، حال دون إخضاع المشروع لرقابة دولية. ومورست ضغوط واسعة على الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنعها من التدخل في ذلك أو المطالبة بزيارة المنشآت في صحراء النقب. ولم يُخضع المجتمع الدولي الكيان الإسرائيلي لضغوط أو عقوبات بسبب ذلك، بل تماهى مع السياسة الغربية بشكل واضح.
من هنا تصبح الأصوات الداعية لإبقاء منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل خاوية، فكيف يتحقق ذلك في ضوء ازدواجية السياسة بفرض الضغوط والعقوبات على الدول العربية والإسلامية واستثناء «إسرائيل» منها؟
وفي ضوء المبدأ الغربي الذي يهدف للحفاظ على رجحان الميزان العسكري في الشرق الأوسط لصالح «إسرائيل» انتهت مقولة الحفاظ على أمن هذه المنطقة. فالأمن إنما يتحقق عندما يشعر الفرقاء بوجود وسائل ردع متساوية لدى جميع الأطراف. أما حين يتمتع أحدها بتفوق عسكري دائم يصبح الحفاظ على الأمن مستحيلا، ويبقى ذلك خاضعا لإرادة الطرف الأقوى وقراره.
فالحروب والتوترات في المنطقة تعود بجذورها في أغلب الحالات لسياسات «إسرائيل». فهي تارة تستهدف الدول المجاورة بالعدوان (العراق وسوريا ولبنان بشكل خاص) وأخرى تمارس سياسة كسر العظم مع الفلسطينيين في الضفة الغربية، وثالثة بفرض الهيمنة المطلقة على قطاع غزة ولو تطلّب ذلك التشبث بسياسات التجويع والحرمان من الدواء والماء. ورابعة ممارسة استهداف الرموز والقادة للحركات والدول المناوئة للاحتلال، بدون رحمة أو شفقة. فليس لدى «إسرائيل» مانع من قتل أكثر من 50 ألفا من الفلسطينيين انتقاما لمصرع 1200 إسرائيلي في 7 اكتوبر 2023. التوازن هنا غير مقبول من الجانب الإسرائيلي، بل التفوق الدائم في كل شيء، فلا مكان لما جاء في السياق التاريخي للوجود اليهودي خصوصا قانون «السن بالسن، والعين بالعين». بل أن سياسات نظام الاحتلال قامت على أساس مبدأ الانتقام الشامل لكل عمل يصيب المحتلّين بأذى. وهكذا يفرض على العالم العيش في ظروف تفتقر لمبادئ الحرّيّة والعدالة وحق تقرير المصير والمساواة بين البشر.
وعلى هذا الأساس يمكن النظر لما حدث مؤخرا أنه تجسيد للأيديولوجية الإسرائيلية التي ترفض مبدأ «النفس بالنفس، والعين بالعين» وتصرّ على أن تكون عقوبة استهداف الإسرائيليين في أي مكان مضاعفة وذلك انطلاقا من مشاعر الاستعلاء والاستكبار والسعي للاحتفاظ بالتفوق الإسرائيلي حتى في مسائل الموت والحياة. وها هو حصار غزّة المستمر منذ 7 أكتوبر 2023، يتواصل بدون صدور دعوات دولية فاعلة لإنهائه، وكأن التجويع أصبح سلاحا مشروعا ضد الأبرياء.
لقد استهدفت «إسرائيل» إيران مرات عديدة، ولم تعلن دول العالم موقفا داعيا لوقف العدوان أو شجبه أو محاولة معاقبة من يقوم به. وجاء العدوان الأخير ليكرر المأساة الإنسانية في غياب موقف دولي رشيد، يفضي لمعاقبة من ينتهك القانون الإنساني الدولي من جهة ويهرع لإغاثة ضحايا ذلك الانتهاك. بل أن هذا العالم كثيرا ما ساوى بين الضحية والجلاد، واكتفى بالتفرّج على ما يجري من حمامات دماء لا تتوقف خصوصا في غزّة.
*كاتب بحريني
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الأولى بالشرق الأوسط.. "كاوست" تؤكد ريادة المملكة بقمة التايمز العالمية
انطلقت بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية "كاوست"، اليوم، قمة التايمز للتعليم العالي العالمية 2025، للمرة الأولى في الشرق الأوسط، بحضور (750) مشاركًا، من بينهم (105) متحدثين رئيسيين يمثلون (75) مؤسسة من (28) دولة حول العالم، وتستمر على مدار ثلاثة أيام.
وتجمع القمة نخبة من قادة الجامعات وصُنّاع القرار وقادة الصناعة والأكاديميين من مختلف أنحاء العالم لمناقشة موضوع "الجامعات كعوامل فاعلة للتقدّم"، واستكشاف دور الجامعات في تسريع الابتكار والنمو الاقتصادي، وتعزيز الاستدامة، وحماية الثقافة، وتقوية التعاون العالمي.
“نحن اليوم أمام رؤية تتبناها إحدى أكثر الحكومات إبداعًا وابتكارًا في العالم، بقيادة صاحب السمو الملكي ولي العهد، تهدف إلى تحقيق أقصى استفادة من علوم جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في خدمة المملكة ومنطقة الشرق الأوسط.”
أخبار متعلقة كفاءات وطنية.. تخريج 50 عضوا ضمن برنامج تدريبي سياحي بشراكة أممية"الحارثي": التحول الرقمي بمقدمة ركائز تطوير "الإذاعة والتلفزيون"من قمة تايمز العالمية للتعليم العالي، يؤكد السير إدوارد... pic.twitter.com/6faMVPlo3s— كاوست (@KAUST_NewsAR) October 7, 2025قمة التايمز للتعليم العاليومن بين الموضوعات البارزة التي ستُطْرَح في القمة، دور الجامعات في بناء مدن مستدامة ومرنة، وكيفية مواءمة الجامعات وتطورها لمواجهة التحديات العالمية المشتركة وإعداد الأجيال القادمة لعالم سريع التغير.
فيما سيعرض المتحدثون حلولًا تطبيقية قائمة على البحث العلمي تعالج احتياجات العالم الواقعية، بدءًا من المدن المستدامة القادرة على الصمود، وصولًا إلى الابتكارات في مجالي الصحة والذكاء الاصطناعي، والمهارات التي يحتاجها الطلبة لبناء مستقبل مستدام.مستقبل التعليموأوضح رئيس "كاوست" إدوارد بيرن، في كلمة له خلال الافتتاح أن استضافة "كاوست" لهذه القمة التاريخية بصفتها أول جامعة في الشرق الأوسط تأكيد للدور الريادي المتنامي للمملكة العربية السعودية في مجالي العلوم والابتكار، ويُظهِر "كاوست" نموذجًا قياسيًّا للجامعات المصمّمة لتحقيق الأثر.
وأشار إلى أن هذه القمة فرصة للعمل مع شركائنا حول العالم لدفع مسيرة التقدم، والإسهام معًا في صياغة مستقبل التعليم العالي.
“منذ إطلاق القمة الأكاديمية العالمية في عام 2013، لم يُعقد هذا الحدث في الشرق الأوسط حتى الآن. أشعر بسعادة كبيرة لتحقيق ذلك اليوم هُنا.”
من قمة تايمز العالمية للتعليم العالي، يحتفل @Phil_Baty بحدث تاريخي تستضيف خلاله @timeshighered القمة للمرة الأولى في الشرق الأوسط، من قلب... pic.twitter.com/r1CzHN7xOp— كاوست (@KAUST_NewsAR) October 7, 2025تحديات تواجه الجامعاتمن جهته أكد رئيس الشؤون العالمية في مؤسسة التايمز للتعليم العالي فيل باتي، أن قمة التعليم العالي العالمية 2025 تجمع أبرز الأصوات المؤثرة في مجال التعليم العالي لمناقشة التحديات والفرص التي تواجه الجامعات اليوم.
ولفت إلى أن استضافة "كاوست" للقمة يعكس دورها بصفتها جامعة قائمة على رسالة تدعم أولويات المملكة في البحث والتطوير والابتكار ضمن إطار رؤية المملكة 2030، في مجالات تشمل صحة الإنسان، واستدامة البيئة، والريادة في الطاقة والصناعة، واقتصاديات المستقبل.