بقلم/ وجدي الأهدل
كتاب “الغرور هو العدو – EGO IS THE ENEMY” أثار ضجة عند صدوره في أميركا، وصُنِّف ضمن الكتب الأكثر مبيعًا، ونال استحسانًا واسعًا لدى المثقفين واللاعبين الرياضيين والقادة في المجالين المدني والعسكري.
يكشف مؤلف الكتاب ريان هوليداي RYAN HOLIDAY أن أشد عدو للإنسان لا يأتي من الخارج ولكن من الداخل ، وهذا العدو يتفشى في جهازنا النفسي كسرطان خبيث ، وله اسم شهير (الغرور).
إذا كانت الخلايا السرطانية تهاجم الجسم المادي وتتكاثر حتى تقضي عليه ، فإن الغرور هو السرطان الذي يتكاثر في النفس حتى يُفضي بها إلى الوفاة، وهذا الذي يجعل شخصًا ما متمتعًا بصحة الجسد وفي قمة النجاح، ولكنه ميت روحيًّا.
الكِبْر داءٌ قتّال للنفوس ، وقلّما ينجو منه أحد، حتى الشحاذ الذي يمد يده للصدقة قد يكون مبتلىً به وهو لا يدرك علته.
ربما نذكر على سبيل المثال المغني الشهير مايكل جاكسون الذي تمتع بالصحة الجسدية، وحصد في مسيرته النجاح والثروة وذيوع الصيت، ولكن غروره أودى به إلى الموت المبكر روحيًّا، فكان جثة تتحرك بين الأحياء وهي لا حياة فيها، وكان واضحًا، لمن لديه فراسة، أن موته النفسي سبق موته الجسدي بسنوات كثيرة..
من كان يصدّق أن الغرور مهلك إلى هذه الدرجة؟!
يقول ريان هوليداي:
“الغرور هو العدو لما تريده وما تملكه: عدو إتقان المهارة، وعدو الرؤية الإبداعية الحقيقية، وعدو التناغم في العمل مع الآخرين، وكذلك عدو كسب الولاء والدعم، وعدو الاستمرارية، وعدو تكرار نجاحك والحفاظ عليه. إنه يُبعد المكاسب والفرص، ويجذب الأعداء والأخطاء، فهو يجعلك كالمستجير من الرمضاء بالنار”.
درس مؤلف الكتاب عددًا من الشخصيات التي حققت إنجازات فريدة في مجالها وقادت إلى تغيير جذري، وعزا أسباب نجاحها إلى فضيلة التواضع.
ويمكن تلخيص استراتيجية ريان هوليداي للتخلص من أورام الغرور السرطانية، أو على الأقل كبح نموها على النحو التالي:
1- علامة أكيدة على الغرور هي الثرثرة، وعلامة أكيدة على التواضع هي الصمت.
وهذا يعني أن الإنسان عندما يبدأ بالحديث عن نفسه وعن أهدافه في الحياة، فإنه يضع حاجزًا ضخمًا في طريقه، ويومًا بعد يوم يصعب عليه اجتيازه، وهذا الحاجز هو من صنعه بنفسه، بسبب نرجسيته وميله للتباهي والتفاخر، بينما الذي يسعى إلى تحقيق أهدافه بصمت ويُخرس صوت غروره، فإنه لن يجد هذا العائق في طريقه، وبديهي أن فرصه في تحقيق النجاح ستكون أعلى من ذاك الثرثار.
قبل سنوات بعيدة التقيتُ بشاب في مقهى دمشقي، وصرح بثقة واعتداد بالنفس أنه انتهى من كتابة رواية ستكسر الدنيا عند صدورها، وعدتُ إلى بلدي منتظرًا سماع أصوات التكسير التي ستحدثها تلك الرواية، وقد طال انتظاري أكثر من عشرين عامًا ولم أسمع شيئًا.. من المحتمل أنها قد صدرت وذهبت إلى مقبرة النسيان، لكن المؤكد أن التكسير قد وقع في نفسية ذلك المؤلف الشاب مع الأسف. منذ البداية وقف غروره الشخصي له بالمرصاد أمام نجاحه وجنح به إلى الفشل.. ربما كان روائيًّا موهوبًا بالفعل، ولكنه سمح للغرور بجذبه للأسفل.
هكذا نفهم أن الغرور يجعل روحك أثقل فأثقل، وحتمًا يجذبك قانون الجاذبية إلى أسفل، بينما التواضع يجعل روحك خفيفة كنسمة هواء فتصعد إلى الأعلى.
2- المغرور يرفض التعلم، المتواضع يشعر دائمًا أنه مجرد تلميذ.
هذا الفرق شديد الأهمية، وهو يوضح لماذا يتمكن المتواضع من تطوير إمكانياته الإبداعية أو القيادية باستمرار، بينما يتوقف المغرور عن تطوير مهاراته لأن غروره خدعه، وأخبره أنه قد وصل إلى القمة وما عاد هناك أحد يمكنه أن يعلّمه شيئًا.
لقد برع النبي موسى في تحصيل العلوم حتى صار أكثر الناس عِلمًا في زمانه، فتسرب شيء من الغرور إلى نفسه، ما أدى إلى توقف تطوره الروحي، فكان لا بد أن يظهر المعلم الروحي (الخضِر)، الذي أنزل النبي موسى إلى مرتبة التابع والتلميذ ليتعلم أشياء جديدة، والأهم لكي يستأصل ورم الغرور من نفسه.. وبدون هذا الإجراء ما كان ممكنًا أن ينال أعظم شرف في الدنيا، ألا وهو الكلام مع الله دون وسيط.
والشاهد أن الكيان النفسي للإنسان عرضة للفساد في كل وقت، والحل هو أن نتعلم كل يوم أشياء جديدة، كل يوم دون توقف حتى النَّفس الأخير.
يُشبّه ريان هوليداي الغرور بالغبار، وأن علينا أن نكنسه كل يوم.
3- المغرور يفقد توازنه عندما ينجح، المتواضع يتمتع بفضيلة التوازن، فلا يغتر ولا يخرج عن طوره، خصوصًا إذا استمر نجاحه وتصاعد، يُسمى هذا بـ”ضبط النفس”.
4- المغرور عاطفي، المتواضع لا ينجر وراء عواطفه.
5- تحسين الشخصية باستمرار يقود إلى النجاح المهني، وأما العكس فنادرًا ما يحدث.
6- معظم الأشخاص الناجحين لم تسمع عنهم من قبل، لأنهم يريدون الأمر هكذا.
وهناك نقاط أخرى كثيرة يصعب حصرها كلها، ويمكن لمن أراد الاستزادة الرجوع إلى الكتاب.
فكرة الكتاب العامة هي أن الموهبة الخام تتوفر لدى عدد كبير جدًّا من البشر، سواءً في القيادة أو الإبداع أو الرياضة أو في أيّ مجال من مجالات الحياة، ولكن النادر هو التواضع والدأب والوعي بالذات.
لقد استقبل المجتمع الأميركي هذا الكتاب بحفاوة، وعلى الأرجح سبب ذلك بروز السلوك التنافسي الضار، واشتداد حدته في أوساط الشبان الطموحين.
ينطبق علينا هذا بالمثل، فالجيل الشاب عندنا يزخر بالمواهب، ويتملّكه طموح عظيم، وهذا أمر طبيعي وإيجابي، إنما ينبغي الحذر من الغرور قبل النجاح وأثناء النجاح وبعد النجاح، لأنه السم الخفي الذي يقتل صاحبه وهو لا يشعر به.
* كاتب وروائي يمني
نقلاً عن موقع اليمني الامريكي
المصدر: سام برس
إقرأ أيضاً:
بلال قنديل يكتب: بين الماضي والحاضر
الإنسان كان وما زال كائناً متغيراً، يتأثر بزمانه ومكانه، وتتبدل اهتماماته وأولوياته مع تغير العصور وتطور المجتمعات.
فما كان يشغل عقل الإنسان في الماضي، لم يعد بنفس الأهمية اليوم، وما كان يعتبر رفاهية أصبح ضرورة، والعكس صحيح. بين الماضي والحاضر مسافة طويلة، تروي حكاية تطور الإنسان في اهتماماته وطباعه وأساليب حياته.
في الماضي، كانت اهتمامات الإنسان تدور حول البقاء وتوفير الأساسيات من مأكل وملبس ومأوى. كان الجهد ينصب على الزراعة أو الرعي أو الحرف اليدوية. العلاقات الاجتماعية كانت أعمق، والروابط العائلية أقوى، وكان الناس يتشاركون لحظاتهم بقلوب مفتوحة، بعيداً عن التعقيدات التكنولوجية.
أما في الحاضر، فقد تغير المشهد تماماً. أصبح الإنسان أكثر ارتباطاً بالتكنولوجيا، وأصبح الهاتف الذكي جزءاً لا يتجزأ من يومه. اهتماماته اتجهت نحو الاستهلاك، والبحث عن التميز الفردي، واللحاق بركب التحديث المستمر. حتى العلاقات أصبحت في كثير من الأحيان افتراضية، والشعور بالوحدة أصبح شائعاً رغم كثرة وسائل التواصل.
تغيرت أيضاً مفاهيم النجاح والسعادة. في الماضي، كان النجاح مرتبطاً بامتلاك أرض أو بيت أو عائلة مستقرة. اليوم، أصبح النجاح يقاس بعدد المتابعين، أو الإنجازات المادية، أو حتى بمدى الظهور في وسائل الإعلام. تغيرت الأولويات، وتغير الإنسان نفسه، فأصبح أكثر قلقاً وأقل صبراً.
لكن رغم كل هذا التغير، يبقى هناك خيط رفيع يربط بين الماضي والحاضر. الإنسان في جوهره لا يزال يبحث عن الأمان، عن الحب، عن التقدير، وعن معنى لحياته. قد تتغير الوسائل، وقد تختلف الطرق، لكن الجوهر يبقى كما هو.
بين الماضي والحاضر، هناك تطور واضح، لكنه ليس دائماً تطوراً إيجابياً. فربما علينا أن نتأمل في ماضينا لنستعيد بعض القيم التي فقدناها، ونوازن بين ما نكسبه من تقدم وما نخسره من إنسانيتنا.