اللغة العربية في المخاطبات الرسمية.. قرار في الاتجاه الصحيح
تاريخ النشر: 18th, June 2025 GMT
حمد الناصري
في خطوة طال انتظارها، أثلجت صُدورنا توجيهات أمانة مجلس الوزراء الصادرة في الأول من يونيو 2025، والتي تنص على ضرورة الالتزام باستخدام اللغة العربية السليمة في جميع المُخاطبات الرسمية في القطاعين الحكومي والخاص.
يُمثل هذا القرار انتصارًا للهوية الثقافية واللغوية لسلطنة عُمان، وتأكيدًا على أن اللغة العربية ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي وعاء للثقافة، وجذر راسخ في عُمق المجتمع العُماني الذي قامت حضارته وتاريخه على هذا اللسان العريق.
لقد لاحظنا في السنوات الأخيرة تزايد استخدام المصطلحات والمُسميات الدخيلة في تسمية المشاريع والمرافق والمُنشآت، وهو ما لا يتناسب مع روح الثقافة العُمانية، ولا مع مكانة اللغة العربية التي تمثل، منذ قرون، لغة الدولة والمُجتمع، ولغة التعليم والتشريع، بل ولغة الدين والقيم.. فاللغة العربية ليست كغيرها من اللغات؛ إنها لغة القرآن الكريم، اللغة التي اختارها الله سبحانه وتعالى لتكون وعاءً لِوَحْيه، ووسيلة بيَانِه إلى البشرية جمعاء. يقول تعالى: "إِنا أَنزَلْنَٰهُ قُرْءَانًا عَرَبِيا لعَلكُمْ تَعْقِلُونَ"، وفي ذلك دلالة جلية على تكريم اللغة العربية ورِفْعَة مكانتها، وارتباط العقل والفهم بها.
لقد قدَّس العرب لغتهم منذ القدم، واتخذوها مجالًا للبيان والفصاحة، وميدانًا للشعر والخِطابة، وسجلوا عبرها تاريخهم وأدبهم وفكرهم. كما أنها نالت التقديس الأسمى من المُسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، لكونها لغة الوَحْي، ولسان الصلاة، ومفتاح فهْم الدين. وهذا ما أكسبها الخلود، وأبقاها لغة حية، مُتجددة، لا تندثر..
وإذا كانت اللغة في جوهرها انعكاسًا لهوية الأمة، فإن اللغة العربية مثلت العمود الفقري للهوية الإسلامية والحضارة العربية. فهي التي حملت الفلسفة والفكر، واحتضنت التراث الإنساني المُتنوع، ووسعت من آفاق المعرفة حين استوعبت الحضارات الفارسية واليونانية والهندية، وترجمت علومها إلى العربية، فازدهر بها العقل الإنساني قرونًا طويلة.
إن هذا البُعد الحضاري والديني للغة العربية يستوجب أن نحافظ عليها، لا في الكتب فقط، بل في حياتنا اليومية، ومؤسساتنا، ومراسلاتنا، وخطابنا الرسمي. فليس من المنطقي أن تنشأ مؤسسة أو مشروع في قلب المجتمع العُماني، يحمل اسمًا أعجميًا أو مُصطلحًا بعيدًا عن الفهم الشعبي والهوية الوطنية، في الوقت الذي تزخر فيه لُغتنا بمفردات ثرية ودلالات دقيقة.. وقد أدركتْ الدول العربية، ومنها سلطنة عُمان، هذه القيمة الاستراتيجية للغتها الأم، فسعتْ إلى تعزيز استخدامها في التعليم والإدارة، وحرصت على تعليمها لغير الناطقين بها، من المُسلمين وغيرهم، إدراكًا لأهميتها في ربط الشعوب بالثقافة العربية والإسلامية.
لم يكن العرب الأوائل بحاجة إلى تفسير معاني القرآن، لأنهم كانوا يتخاطبون بالعربية الفصيحة، وكانوا يُدركون تمامًا بلاغته وإعجازه، حتى أن كِبار فُصحائهم كأمثال الوليد بن المغيرة اعترفوا بعجزهم عن الإتْيان بمثله، رغم تمرسهم في فنون اللغة والبيان.. وتتجلى فلسفة هذه اللغة في كونها أكثر من مجرد وسيلة للتخاطب؛ فهي نظام معرفي عميق يُعبر عن رُؤى الإنسان للعالم، ويُشكل وعيه ويدفعه للتأمل والفهم. اللغة العربية، بما تحمله من مُفردات دقيقة وتراكيب مرنة، تُتيح للمتكلم التعبير عن أدق المشاعر وأعْقد الأفكار، وهو ما جعلها لغة للفلسفة، والدين، والأدب، والعلم عبر قرون طويلة.
ولأن اللغة مرآة للفكر، فقد أسهمت اللغة العربية في بناء الوعي الثقافي الجمعي لدى العرب والمسلمين، واحتضنت عبر تاريخها ِسجالات فكرية وثقافية واسعة، من الشعر الجاهلي إلى الفقه الإسلامي والفلسفة العقلية. وهي ما تزال اليوم تشكل أساس الهوية الثقافية والحضارية، وتُحَفز العقل على التفكير والتحليل والتذوق الجمالي، مما يجعلها ليست فقط لغة للأدب، بل أداة للفهم والتأويل والتفاعل مع العالم.
خلاصة القول.. إن اللغة العربية هي لغة الأُمَّة، ولسان الدين، وجسر الحضارة.. وهي ليست مجرد أداة للتواصل، بل أداة لصياغة الفكر وتشكيل الهوية، وبناء الوعي.. وإن الحفاظ على اللغة العربية في الخطاب الرسمي ليس خيارًا ثقافيًا فحسب، بل هو واجب وطني وديني، يليق بمكانتها، ويُؤكد انتماءنا إلى هذه الأمة العريقة.
والتوجيه الأخير من مجلس الوزراء يُمثل لُبنة مُهمة في هذا البناء الحضاري، وعلينا جميعًا- مؤسسات وأفرادًا- أن نكون على قدْر المسؤولية، في احترام لُغتنا، وتعزيز استخدامها، وصَونها من التهميش والتراجع.. فاللغة العربية، باختصار، باقية خالدة.. ما بقي القرآن بيننا.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
المروحة السحرية.. أداة تشجيع تتحول إلى رمز في افتتاح مونديال الأندية 2025
في أجواء حماسية حافلة بالحضور الجماهيري، خطفت "المروحة السحرية" الأنظار خلال المباراة الافتتاحية لكأس العالم للأندية 2025، التي جمعت بين الأهلي المصري وإنتر ميامي الأمريكي، على ملعب "هارد روك" بمدينة ميامي في الساعات الأولى من صباح الأحد.
وبينما ساد التعادل السلبي نتيجة اللقاء، كانت المدرجات تموج بحركة جماهيرية ملفتة، ساهمت فيها بشكل غير متوقع قطعة بسيطة من الورق، وزعت على المشجعين مع دخولهم الملعب لمواجهة درجات الحرارة المرتفعة.
مروحة بأبعاد جماهيريةالمروحة الورقية التي أطلق عليها مشجعون لقب "السحرية"، لم تكن مجرد وسيلة للتبريد، فقد حملت في تصميمها البسيط شعار البطولة من جهة، ومن الجهة الأخرى، أربع تعليمات طريفة وتحفيزية للمشجعين، هي: “ابقَ منتعشًا”.. “اصنع بعض الضجيج”.. “ارفع الورقة عندما يُطلب منك”.. “احتفل مع المباراة”.
ورغم بساطتها، أضفت المروحة بعدا تفاعليا لافتا، حيث تحولت إلى عنصر تشجيعي موحد بين الجماهير، ظهر بوضوح في لقطات بث المباراة.
وسلّطت عدسات وسائل الإعلام الضوء على هذا التفصيل، الذي يعكس مدى الاهتمام بتجربة المشجعين في نسخة استثنائية من البطولة.
بطولة استثنائية وتاريخ يُكتبكأس العالم للأندية 2025 تقام لأول مرة بنظام موسع يضم 32 فريقا، لتحاكي من حيث الحجم والتركيبة بطولة كأس العالم للمنتخبات.
وتعد الولايات المتحدة الأمريكية أول دولة تستضيف البطولة بهذا الشكل الجديد، حيث تمتد فعالياتها من 15 يونيو حتى 14 يوليو المقبل، على ملاعب متعددة في ولايات مختلفة.
ويشارك الأهلي بصفته أحد الفرق المُمثلة لقارة أفريقيا، بينما يخوض إنتر ميامي المنافسات باعتباره أحد أندية منطقة الكونكاكاف، في أول ظهور عالمي له في هذه البطولة.
كانت المباراة الافتتاحية محطة جماهيرية ورياضية مهمة، ليس فقط بسبب المواجهة بين نادي عربي ونادي يضم نجوماً عالميين، بل أيضاً لما شهدته من مظاهر تنظيمية مبتكرة، مثل "المروحة السحرية"، التي ترمز إلى الطابع الجماهيري الجديد الذي تطمح إليه الفيفا في نسخ البطولات الموسعة.
جمهور البطولة شريك أساسي في التجربةوبينما يترقب العالم مواجهات كبرى ضمن هذه النسخة الموسعة، يبقى الجمهور في قلب التجربة، مع مبادرات تنظيمية تستهدف تعزيز الحضور، وتحويل كل مباراة إلى احتفال كروي متكامل.
ويبدو أن "المروحة السحرية" كانت مجرد بداية لسلسلة من المفاجآت التي تعيد تعريف العلاقة بين الملعب والمشجع.
وتعد هذه النسخة من كأس العالم للأندية تاريخية، الأولى بعد تطبيق النظام الموسع، الذي يشمل 32 فريقاً، ما يرفع من مستوى التنافس ويزيد من قيمة المشاركة، سواء من الناحية الفنية أو المادية.