يشكّل اليمن واحدًا من أقدم مراكز الحضارة الإنسانية، لكنه في الوقت نفسه ظل عرضة لأطماع قوى الهيمنة الغربية منذ قرون، بسبب موقعه الجغرافي الإستراتيجي وثرواته الطبيعية، وارتباطه العميق بالهوية العربية والإسلامية المقاومة. تعرض هذا البلد لعدد من أشد المؤامرات العسكرية والأمنية والثقافية والإنسانية، من الاحتلال العثماني والبريطاني، إلى الحرب الناعمة الحديثة، وحتى العدوان العسكري بقيادة التحالف السعودي الإماراتي المدعوم أمريكيًا وبريطانيًا.

يمانيون | ماجد محمد

من الأطماع الاستعمارية إلى الحرب الناعمة: قراءة في أدوات الغرب لإضعاف اليمن واستنزافه

أولاً: البعد العسكري – اليمن بين الاحتلال المباشر والعدوان الحديث

الاحتلال البريطاني وعدوان السيطرة على باب المندب

عند منتصف القرن التاسع عشر، احتلت بريطانيا عدن عام 1839 في سياق التنافس الاستعماري على طرق التجارة العالمية. وأدركت لندن منذ وقت مبكر أهمية موقع اليمن كمدخل للبحر الأحمر وخطوط الملاحة إلى الهند. استخدمت بريطانيا سياسات “فرق تسد”، فقسمت الجنوب إلى مشيخات وسلطنات، وزرعت الانقسامات المذهبية والقبلية لضمان السيطرة طويلة الأمد.

الباحث والمؤرخ اليمني عبدالرحمن عبدالخالق يؤكد أن الاحتلال البريطاني لم يسعَ إلى “نشر الحضارة”، بل عمل على “تفكيك النسيج الوطني والاجتماعي وتمزيق الهوية اليمنية”.

العدوان العسكري في العصر الحديث

منذ 2015، شنت السعودية وحلفاؤها عدوانًا عسكريًا واسعًا على اليمن، بدعم مباشر من الولايات المتحدة وبريطانيا، اللتين وفرتا الدعم الاستخباراتي واللوجستي وصفقات التسليح الضخمة.

وثائق صادرة عن مركز الأبحاث الدولي في واشنطن (CFR) تظهر أن واشنطن قدمت أكثر من 80 مليار دولار من مبيعات السلاح لدول التحالف منذ بدء العدوان.

أهداف هذا العدوان تتجاوز المعلَن من دعم “الشرعية”، إذ تسعى قوى الهيمنة إلى تفكيك قوة اليمن الصاعدة ومنعه من أن يتحول إلى قوة مستقلة ومؤثرة في المعادلة الإقليمية.

 

ثانياً: البعد الأمني – استراتيجيات التفكيك والاختراق

دعم الجماعات التكفيرية

من أبرز الأدوات الأمنية المستخدمة غربيًا في اليمن هو توظيف الجماعات الإرهابية كأداة لضرب الداخل، وتمزيق المجتمع. فـ”القاعدة” و”داعش” وُجدت في الجنوب والبيضاء ومأرب برعاية استخباراتية غير مباشرة.

الباحث التونسي صالح عطية في دراسته “تفكيك الدولة اليمنية” يربط بين وجود القاعدة في اليمن وبين استراتيجيات المخابرات الغربية في نشر الفوضى الخلاقة.

الاختراق الاستخباري وبناء كيانات موازية

أُنشئت شبكات استخباراتية داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية، خاصة في الجنوب بعد عام 2015، عبر الإمارات وأدواتها مثل “الانتقالي”، لخلق “دول داخل الدولة”، وتحويل الساحل اليمني إلى مناطق نفوذ مخابراتي أمريكي وإسرائيلي.

 

ثالثاً: البعد الثقافي – الحرب الناعمة وتفريغ الهوية

برامج المنظمات وتغريب المجتمع

المنظمات الدولية، برعاية السفارات الغربية، لعبت دورًا محوريًا في تفكيك الثقافة اليمنية ومحاولة تغريب الشباب، عبر برامج “التمكين” و”المجتمع المدني” التي تموّلها واشنطن ولندن.

الباحث اليمني فهمي اليوسفي وصف هذه البرامج بأنها “بوابة لنسف المعتقدات والقيم الوطنية”، مؤكدًا أن الهدف منها هو “إنتاج جيل منفصل عن ثوابته الدينية والوطنية”.

تزييف الوعي التاريخي

تم تجاهل التاريخ الجهادي والمقاوم لليمن، وشيطنة الحركات التحررية، وتصدير نماذج مشوهة عبر الإعلام والمنصات التعليمية المدعومة خارجيًا.

 

رابعاً: البعد الإنساني – تجويع ممنهج وحصار مميت

استخدام الورقة الإنسانية كسلاح

فرض التحالف الغربي السعودي حصارًا خانقًا بريًا وجويًا وبحريًا، ومنع دخول الغذاء والدواء، واستُخدمت المنظمات كغطاء لتبرير الحصار. وتم تحويل الملف الإنساني إلى أداة ضغط سياسي.

تقرير لمنظمة أطباء العالم الألمانية عام 2020 يؤكد أن “الوضع في اليمن هو كارثة إنسانية مصطنعة وليست نتيجة كارثة طبيعية”.

تسويق الأكاذيب وطمس الجريمة

استخدمت وسائل الإعلام الغربية لغة انتقائية، فغابت صور المجازر عن شاشاتها، وتم تبرئة المعتدي وتحميل المسؤولية للضحية، بما يخدم أهداف الهيمنة لا الحقيقة.

 

 اليمن في مواجهة مشروع الهيمنة

لقد أثبت اليمن، رغم شراسة العدوان وتعقيد المؤامرة، أنه يمتلك من الوعي والإرادة ما يجعل مشروع الهيمنة في مأزق. إن التاريخ الطويل من الاستهداف لا ينفصل عن الحاضر، وما تعيشه البلاد اليوم هو فصل جديد من صراع مستمر بين الاستقلال والوصاية

 

المراجع

عبدالرحمن عبدالخالق، الهوية اليمنية في ظل الاستعمار البريطاني، دار النشر اليمنية. صالح عطية، تفكيك الدولة اليمنية: دراسة في البعد الاستخباري والغربي، المركز المغاربي للدراسات. فهمي اليوسفي، المنظمات الدولية وأثرها على السيادة الثقافية اليمنية. تقارير صادرة عن: أطباء العالم (2020)، مركز الدراسات الأمنية في بيروت، مركز دراسات الشرق الجديد.

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

الحرس الثوري: الاستهداف في الأهواز كان لمركز إسعاف لا قاعدة عسكرية

أكدت وسائل إعلام إيرانية نقلًا عن الحرس الثوري، أن الاستهداف في الأهواز كان لمركز إسعاف لا قاعدة عسكرية، ولم ينتج عنه خسائر بشرية، وفق نبأ عاجل أفادت به قناة «القاهرة الإخبارية».

استعراض قوة في الشرق الأوسط.. هل اقتربت أمريكا من ضرب إيران؟| باحث سياسي يجيب

وأكدت وسائل إعلام أمريكية عن مسؤولين، أن الاستعراض غير العادي للقوة سيكون ضروريا إذا قرر ترامب اللجوء للخيار العسكري بشأن إيران، وفق نبأ عاجل أفادت به قناة «القاهرة الإخبارية».

وأشارت إلى أن استعراض القوة ضروري لضرب منشأة فوردو النووية ولحماية 40 ألف جندي قد تستهدفهم إيران أو حلفاؤها، متابعة أن مقربا من ترامب أكد له أنه لا يمكن الوثوق بالاستخبارات الإسرائيلية.

 جيش الاحتلال: هاجمنا عشرات الأهداف العسكرية في جنوب غرب إيران بأكثر من 50 ذخيرة

وهاجم جيش الاحتلال، عشرات الأهداف العسكرية في جنوب غرب إيران بأكثر من 50 ذخيرة، وفق نبأ عاجل أفادت به قناة «القاهرة الإخبارية».

طباعة شارك وسائل إعلام إيرانية الحرس الثوري خسائر بشرية

مقالات مشابهة

  • عطوان: إعلان اليمن قلب المعادلة.. وكل سفينة أمريكية ستكون هدفاً مشروعاً إن دخلت الحرب على إيران
  • قرية “آل منجم” .. ثلاثة قرون من الأصالة بقلب نجران
  • البث الإسرائيلية: نتنياهو يقيّم الوضع الليلة مع كبار مسؤولي الدفاع
  • الحرس الثوري: الاستهداف في الأهواز كان لمركز إسعاف لا قاعدة عسكرية
  • “الجبهة الشعبية” تثمن موقف اليمن بشأن العدوان الصهيوني على إيران
  • عاجل : اليمن يرفع سقف الموقف الشعبي في وجه العدوان الصهيوأمريكي وهذا ما تم الإعلان عنه في كل المجافظات
  • أصالة تُحيي حفلًا ضخمًا في بيروت.. وتطلق “كلام فارغ” من ألبوم “ضريبة البعد”
  • إغلاق أبواب الأقصى: تكريس الهيمنة وصمتٌ يشجع العدوان
  • استراتيجية الهيمنة في كتابة التاريخ .. أوليات الموروث اليهودي