الأنيميا المنجلية.. ألم يولد مع الإنسان ومسؤولية العالم تتجدد
تاريخ النشر: 22nd, June 2025 GMT
في كل عام، تتجدد دورة الحياة لتهب العالم قرابة 300 ألف طفل يحملون في جيناتهم تحديًا كبيرًا، يتمثل في الأنيميا المنجلية، هذه الإحصائية المذهلة قصص حياة تبدأ بمعاناة صامتة، وتتطلب من العالم وقفة جادة، ومع حلول التاسع عشر من يونيو، يأتي “اليوم العالمي للأنيميا المنجلية” ليُذكّرنا بأن الألم قد يُولد مع الإنسان، وأن مسؤوليتنا تكمن في تخفيفه ودعم المصابين به، حيث إنه مرض وراثي يفتك بصحة الملايين حول العالم، ويُغير شكل الدم ليُشوه معالم الحياة ويُلقي بظلاله على مسارات المستقبل.
إنها أرقام تروي حكاية ألم يُقدر أن يعيشها أكثر من 20 مليون شخص حول العالم. فقر الدم المنجلي ليس مجرد مرض عابر، بل هو مجموعة من الاضطرابات الوراثية التي تصيب خلايا الدم الحمراء، تلك الكائنات الدقيقة التي تجري في عروقنا لِتُحيي أجسادنا بالأكسجين. في الحالة الطبيعية، تكون هذه الخلايا مستديرة ومرنة، تتدفق بسلاسة عبر أضيق الأوعية الدموية لِتُغذّي كل جزء في الجسم، حاملة معها الحياة والنماء. لكن في جسد المصاب بالأنيميا المنجلية، يطرأ تحولٌ مأساوي على هذه الخلايا، فتتخذ شكلاً غريبًا يشبه حرف “C” أو المنجل، وتُصبح صلبة ولزجة، عاجزة عن أداء وظيفتها الحيوية.
هذا التحول القاسي يجعلها غير قادرة على عبور الأوعية الدموية الدقيقة بسهولة، فتتكدس وتعيق تدفق الدم، مسببة نوبات ألم شديدة تُعرف بـ”نوبات الألم المنجلي”، بالإضافة إلى مضاعفات خطيرة قد تؤثر على الأعضاء الحيوية مثل الرئة والكلى والدماغ، وما يزيد الأمر صعوبة هو أن هذه الخلايا المنجلية تموت مبكرًا، مما يؤدي إلى نقص مستمر في عدد خلايا الدم الحمراء، وحالة دائمة من فقر الدم الذي يُنهك الجسد ويُضعف المناعة.
أهداف سامية.. نحو حياة أفضل للمصابين
الهدف الأسمى لهذا اليوم العالمي هو زيادة الوعي بمرض فقر الدم المنجلي، الذي لا يزال يشكل مصدر قلق صحي كبير على مستوى العالم، ويُعد من أكثر الأمراض الوراثية انتشارًا. إنه دعوة مفتوحة لدعم المصابين به، وتقديم يد العون لهم ولذويهم الذين يعيشون معهم تحديات يومية لا حصر لها، تتراوح بين إدارة الألم المزمن والمخاوف من المضاعفات الحادة.
ويسعى هذا اليوم أيضًا إلى تسليط الضوء على الصعوبات التي يواجهونها، من آلام جسدية ونفسية، إلى تحديات اجتماعية واقتصادية تؤثر على تعليمهم وعملهم ومشاركتهم في المجتمع. الهدف هو البحث عن حلول مبتكرة لتسهيل حياتهم وتحسين جودتها، وتوفير الرعاية الشاملة التي تمكنهم من عيش حياة كريمة ومنتجة.
انتشار عالمي.. خارطة الألم والأمل
مرض الأنيميا المنجلية لا يعترف بالحدود الجغرافية، فهو يصيب ملايين الناس حول العالم، وتتركز أغلب هذه الولادات في أفريقيا. يقدر عدد المصابين الإجمالي في العالم بـأكثر من 20 مليون شخص.
ينتشر المرض بشكل خاص في مناطق جغرافية معينة، كأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وشمال أفريقيا، وأمريكا الجنوبية، ودول البحر الكاريبي، وأمريكا الوسطى. كما أن له حضورًا ملحوظًا في المملكة العربية السعودية، والهند، وبعض دول البحر الأبيض المتوسط مثل تركيا واليونان وإيطاليا، نتيجة لتاريخ الهجرات والتبادلات السكانية التي ساهمت في انتشار الجين المنجلي.
يُعد هذا الانتشار الواسع تحديًا صحيًا عالميًا يتطلب تضافر الجهود الدولية. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة الأمريكية، يُقدر أن حوالي 100 ألف شخص مصابون بالأنيميا المنجلية، ومعظمهم من أصول أفريقية، بينما في أفريقيا، يمثل المرض مشكلة صحية عامة كبرى، حيث تسجل نيجيريا أعلى معدل ولادات للأطفال المصابين. هذا الانتشار الواسع يؤكد على ضرورة التعاون الدولي لمواجهة هذا المرض، وتبادل الخبرات والمعرفة للوصول إلى أفضل سبل الرعاية والعلاج، وتوفير الأدوية الحديثة، وتشجيع الأبحاث العلمية للوصول إلى علاج نهائي.
ومع أن الإحصاءات العالمية الدقيقة قد لا تكون موحدة بسهولة في بعض المناطق نظرًا لنقص التسجيل، إلا أن الأثر المدمر للمرض على حياة الأفراد والمجتمعات لا يمكن إنكاره؛ لأنه يدفعنا جميعًا للعمل بجدية أكبر نحو عالم خالٍ من الألم، حيث يتمكن كل مصاب بالأنيميا المنجلية من العيش بكرامة وأمل، وأن يحصلوا على حقهم في حياة صحية، منتجة، ومليئة بالإمكانيات.
جريدة الرياض
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
من الألم إلى الأمل.. أطفال جرحى من غزة يتلقون العلاج في الولايات المتحدة
في مشهد مؤثر بمطار سان فرانسيسكو، استقبل متطوعون ومناصرون للقضية الفلسطينية طفلتين جريحتين من غزة، لَيّان (14 عامًا) وغَزَال (6 أعوام)، وصلتا لتلقي علاج طبي عاجل بعد إصابتهما بجروح خطيرة خلال الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة. اعلان
وقد وصلت الطفلتان ضمن مبادرة إنسانية فريدة تنظمها منظمة هيل فلسطين (Heal Palestine) التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها، وتهدف إلى نقل الأطفال المصابين من غزة إلى مستشفيات أميركية متخصصة، بعد أن بات النظام الصحي في القطاع غير قادر على تقديم الرعاية اللازمة نتيجة الدمار الهائل.
وأصيبت لَيّان بحروق شديدة وشظايا بعد قصف مدرستها، بينما تعرّضت غَزَال لإصابة بانفجار أثناء نزوح عائلتها من رفح. ووصلتا كلتا الطفلتين برفقة أمهاتهما وإخوتهما، في رحلة محفوفة بالعوائق والتحديات دامت لأشهر.
كما وصل قبل يوم أنس (8 أعوام)، الذي فقد والده وأصيب بإصابات خطيرة في ساقيه خلال غارة إسرائيلية.
وفي تصريح عن المبادرة، عبّر الدكتور محمد صُبُح، طبيب متطوع في المنظمة، والذي عالج الطفلتين سابقًا في غزة، عن امتنانه لوصول الأطفال أخيرًا إلى بر الأمان. وقال: "عملنا على حالاتهم لأكثر من عام. لقد أصبح وجودهم هنا بمثابة معجزة حقيقية... الأمل الوحيد وسط هذا الدمار".
Related يوميات الجوع في غزة: 8 وفيات جديدة و43% من النساء الحوامل والمرضعات في خطرقبل 20 عاماً انسحبت إسرائيل من غزة.. هل تعود إلى القطاع بقرار من نتنياهو؟الأزمة في غزة مستمرة.. استهداف طوابير الجوعى يخلف أكثر من 52 قتيلًاوأضاف أن الرعاية الطبية التي يحتاجون إليها تتطلب عمليات معقدة وإعادة تأهيل طويلة الأمد، وهي غير ممكنة حاليًا في غزة بسبب انهيار المنظومة الصحية ومقتل أكثر من ألف عامل في المجال الطبي خلال الأشهر الماضية.
وتأتي جهود نقل الأطفال كجزء من حملة إنسانية تتوسع يومًا بعد يوم، في ظل تصاعد النداءات لوقف القتل وتوفير الحد الأدنى من الرعاية للأطفال الفلسطينيين.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة